أخبار السلف مع الصلاة

إبراهيم بن صالح العجلان
1433/10/12 - 2012/08/30 18:31PM
أَخْبَارُ السَّلَفِ مَعَ الصَّلاَةِ

إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
المكان: مسجد رسول الله..
الزمان: السنة الثالثة والعشرين من الهجرة..
الحَدَثُ: مُؤَامَرَةٌ مَجُوسِيَّةٌ تَسْتَهْدِفُ اغْتِيالَ خَلِيفَةِ المُسْلِمِينَ..
مَشْهَدُ ذَلِكَ الحَدَثِ يُصَوِّرُ لَنَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتّى إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ جَعَلَ يُسَوِّي الصُّفُوفَ، وَيَقُولُ: اسْتَوُوا حَتَّى إِذَا لَم يَرَ فِيهِمْ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ لِصَلاَةِ الفَجْرِ، وَالنَّاسُ لاَ يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الظَّلاَمِ.
وَبَعْدَ التَّكْبِيرِ وَفِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ الفَاتِحَةِ يَنْطَلِقُ مُجْرِمٌ مَجُوسِيٌّ قَدِ احْتَرَقَ قَلْبَهُ غَيْظٌ وَحِقْدٌ عَلَى الإِسْلامِ فَتَحَرَّكَ مِنْ طَرَفِ الصَّفِّ بِسُرْعَةٍ نَحْوَ الخَلِيفَةِ وَمَعَهُ خِنْجَرٌ ذَاتُ طَرَفَيْنِ فَوَسَّطَهَا بَطْنَ الفَارُوقِ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِطَعَنَاتٍ عِدَّةٍ..
وَيَسْقُطُ الفَارُوقُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مُضْرَجًا بِدِمَائِهِ وَيَنْقَطِعُ صَوْتُهُ عَنِ النَّاسِ، فَجَعَلَ مَنْ كَانَ فِي خَلْفِ الصُّفُوفِ أَوْ أَطْرَافِهَا يُسَبِّحُونَ، سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ.
وَانْطَلَقَ المَجُوسُيُّ أَبُو لُؤْلُؤَةُ يَشُقُّ الصُّفُوفَ لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ طَعَنَهُ بِخِنْجَرِهِ المَسْمُومِ حَتَّى طَعَنَ ثَلاثَةَ عَشْرَ رَجُلاً فَتَقَدَّمَ نَحْوَهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَطَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا لَهُ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَلَمَّا تَيَقَّنَ المَجُوسُيُّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ لاَ مَحَالَةَ نَحَرَ نَفْسَهُ بِالسِّكِّينِ ذَاتِهَا.
وَيُحْمَلُ الفَارُوقُ إِلَى بَيْتِهِ وَقَدْ أُغْشِي عَلَيْهِ وَجُمُوعُ النَّاسِ تَتَقَاطَرَ إِلَى دَارِهِ وَقَدْ بَلَغَ بِهِمُ الخَوْفُ مِنْ مَصِيرِهِ كُلَّ مَبْلَغٍ وَيَجْتَمِعُ الصَّحَابَةُ عَلَى رَأْسِ عُمَرَ وَقَدْ أَسْفَرَ الصُّبْحُ.
فَجَعَلُوا يُنَادُونَهُ بِاسْمِهِ وَلَقَبِهِ وَعُمَرُ لَا يَرُدُّ لَهُمْ كَلَامًا، فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَ عُمَرَ: إِنَّكُمْ لَنْ تَفْزَعُوهُ بِشَيْءٍ مِثْلَ الصَّلاةِ، فَقَالُوا: الصَّلَاةُ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ الصَّلَاةُ، فَانْتَبَهَ عُمَرُ مِنْ غَشْيَتِهِ، وَفَتَحَ عَيْنَهُ، وَقَالَ: الصَّلَاةُ وَاللهِ..
ثُمَّ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ عُمَرُ: لاَ حَظَّ فيِ الإِسْلامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ دَعَا بِالمَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَجُرْحُهُ يَنْزِفُ دَمًا..
نَعَمْ، هَكَذَا كَانَ حَالُ سَلَفِنَا مَعَ صَلاَتِهِمْ حَتَّى وَهُمْ يُفَارِقُونَ الحَيَاةَ كانت الصلاةُ مَبلغَ همِّهم ، وغايةَ اهتمامهم، كَيْفَ لاَ وَقَدْ سَمِعُوا مِنْ نَبِيِّهِمْ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُوَدِّعُ الدُّنْيَا وَنَفْسُهُ تُعَالِجُ سَكَرَاتِ المَوْتِ: "الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانَكُمْ".
عِبَادَ اللهِ:
لَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عَنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ فَضَائِلِهَا، وَلَا عَنْ أَحْكَامِهَا أَوْ صِفَاتِهَا.
وَإِنَّمَا سَيَكُونُ الْحَدِيثُ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَنْ أَحْوَالِ مَنْ سَبَقَنَا وَأَخْبَارِ سَلَفِنَا مَعَ أَعْظَمِ شَعِيرَةٍ وَأَوْجَبِ فَرِيضَةٍ، نَقِفُ مَعَ أَرْبَعِ صَفَحَاتٍ مُضِيئَةٍ تُتَرْجِمُ لَنَا بِلِسَانِ الْحَالِ شَأْنَ هَذِهِ الصَّلَاةِ عِنْدَ صَالِحِي أُمَّتِنَا.
فَلَعَلَّ قُلُوبَنَا مَعَ أَخْبَارِهِمْ تَسْتَيْقِظُ مِنْ غَفْلَتِهَا، وَلَعَلَّ هِمَمَنَا بَعْدَ سَمَاعِ أحَوْالَهِمِ تَتَحَرَّكُ مِنْ سُبَاتِهَا، فَتَرَاجِمُ الرِّجَالِ مَدَارِسُ لِلْأَجْيَالِ، وَرُبَّمَا كَانَتِ الْقِصَّةُ أَبَلَغَ مِنَ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ.
وَفِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ).

الصَّفْحَةُ الأُولَى: تَعَلُّقُ قُلُوبِهِمْ بِالصَّلَاةِ..

هَذِهِ القُلُوبُ البَشَرِيَّةُ إِذَا أَحَبَّتْ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ وَهَامَتْ شَوْقًا إِلَيْهِ وَهَكَذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ مَعَ أَهْلِهَا الخَاشِعِينَ فَهِيَ مَلاذُهُمْ وَأُنْسُهُمْ وَرَاحِتُهُمْ، فَهَذَا إِمامُ العَابِدِينَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فُزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ وَمِنْ حُبِّهِ وَتَعَلُّقِهِ بِهَا كَانَ يَقُولُ لِبِلاَلٍ: "أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلاَلُ".
سَمِعَهُ النَّاسُ مِرَارًا وَهُوَ يَقُولُ: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ"، وَهَا هُوَ الخَلِيفَةُ الصَّالِحُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ شَهِدَ لَهُ أَهْلُ عَصْرِهِ أَنَّهُ كَانَ قَوَّامًا بِالصَّلَاةِ مُتَعَلِّقًا بِهَا تَعَلُّقًا يَعِزُّ نَظِيرُةُ.
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ زَوْجَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَتْ لِلثُّوَّارِ الَّذِينَ حَاصَرُوا دَارَهُ: إِنْ تَقْتُلُوهُ أَوْ تَتْرُكُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ يَجْمَعُ فِيهَا القُرْآنَ.
وَهَذَا حَبْرُ الأُمَّةِ وَتَرْجُمَانُ القُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَابُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ بِالعَمَى، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ "نُدَاوِيكَ عَلَى أَنْ تُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا"؛ يَعْنِي أَنَّهُ سَيَتْرُكُ السُّجُودَ وَالجَمَاعَةَ أَيَّامًا، فَاخْتَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ العَمَى؛ لِأَنَّ صَلاةَ الجَمَاعَةِ وَتَمْرِيغَ وَجْهِهِ بِالسُّجُودِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَصَرِهِ.
أَمَّا العَلَمُ الهُمَامُ أَوَّلُ جَاهِرٍ بِالقُرْآنِ عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَكَانَ مِنْ شِدَّةِ تَعَلُّقِهِ وَحُبِّهِ لِلصَّلاَةِ أَنَّهُ كَانَ يَدَعُ صِيَامَ النَّافِلَةِ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ يُضْعِفُهُ عَنِ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الصِّيَامِ.
وَيُصَوِّرُ لَنَا عُدَيُّ بْنُ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ تَعَلُّقَهُ بِالصَّلَاةِ فَيَقُولُ: "مَا جَاءَ وَقْتَ صَلاَةٍ قَطُّ إِلاَّ وَقَدْ أَخَذْتُ لَهَا أُهْبَتَهَا وَمَا جَاءَتْ إِلاَّ وَأَنَا إِلَيْهَا بِالأَشْوَاقِ"؛ أَخْرَجَهُ ابْنُ المُبَارَكِ.

الصَّفْحَةُ الثَّانِيَةُ: شِدَّةُ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى الصَّلَاةِ:

أَمَرَ المَوْلَى بِالمُحَافَظَةِ عَلَى هَذِهِ الشَّعِيرَةِ العَظِيمَةِ؛ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاة الْوُسْطَى)، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)، وَتَوَاتَرَتِ الأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي فَضْلِ المُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ.
عَرَفَ هَذَا الفَضْلَ حَقًّا وَتَمَثَّلَهُ صِدْقًا سَلَفُ أُمَّتِنَا، فَهَذَا صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: "مَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مُنْذُ أَسْلَمَتُ إِلاَّ وَأَنَا عَلَى وَضُوءٍ".
وَهَذَا إِمَامُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ، يَقُولُ لَهُ أَحَدُ أَصْحَابِهِ: لَوْ تَبَدَّيْتُ - يَعْنِي عِشْتُ فِي البَادِيَةِ - فَقَالَ: فَكَيْفَ بِشُهُودِ العَتَمَةِ - أَيِ العِشَاء.
وَحِينَ نَزَلَتْ بِسَعِيدٍ سَكَرَاتُ المَوْتِ وَقَفَ عِنْدَ رَأْسِهِ بُنْيَّاتُهُ يَبْكِينَ فِرَاقَهُ وَوَدَاعَهُ، فَقَالَ لَهُنَّ: "أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللهِ، فَوَاللهِ مَا فَاتَتْنِي تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ فِي هَذَا المَسْجِدِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً".
وَهَذَا العَلَمُ سُلَيْمَانُ بْنُ مْهَرَانَ المُلَقَّبُ بِالأَعْمَشِ، قَالَ عَنْ نَفْسِهِ: "لَمْ تَفُتْنِي تَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً".
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونَ المَرُّوزِيُّ أَحَدُ رِجَالاتِ الحَدِيثِ كَانَ يَعْمَلُ صَائِغًا فَكَانَ إِذَا رَفَعَ المِطْرَقَةَ فَسَمِعَ النِّدَاءَ وَضَعَهَا وَلَمْ يَرُدَّهَا.
وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَبْداللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَانَ كَثِيرًا مَا يَدْعُو: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ المَيْتَةَ الحَسَنةَ"، قَالُوا: وَمَا المَيْتَةُ الحَسَنَةُ؟ قَالَ: "أَنْ يَتَوَفَّانِي اللهُ وَأَنَا سَاجِدٌ".
وَصَدَقَ مَعَ اللهِ، فَبَلَّغَهُ اللهُ مُنَاهُ فَنَزَلَتْ بِهِ سَكَرَاتُ المَوْتِ قَبْلَ صَلاةِ المَغْرِبِ حَتَّى إِذَا ذَلِفَ سَمْعُهُ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ قَالَ: احْمِلُونِي إِلَى المَسْجِدِ، قَالُوا: عَذَرَكَ اللهُ وَأَنْتَ مَرِيضٌ، قَالَ: أَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلاحِ، ثُمَّ لاَ أُجِيبُ! احْمِلُونِي إِلَى المَسْجِدِ، فَحَمَلُوهُ عَلَى أَكْتَافِهِمْ..
فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ قُبِضَتْ رُوحُهُ إِلَى بَارِئِهَا عَلَى خَاتِمَةٍ عَاشَ عَلَيْهَا وَمَاتَ عَلَيْهَا.

الصَّفْحَةُ الثَّالِثَةُ: شِدَّةُ تَحَسُّرِهِمْ عَلَى فَوْتِ الصَّلَاةِ:

كَانَتْ تَتَحَسَّرُ نُفُوسُهُمْ وَتَتَلَوَّعُ أَفْئِدَتُهُمْ إِذَا فَاتَتْهُمْ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ، كَانَ الوَاحِدُ مِنْهُمْ يَعِيشُ غَمًّا أَيَّامًا عِدَّةً؛ لِأَنَّهُ مَا أَدْرَكَ الجَمَاعَةَ، كَانَ أَحَدُهُمْ يَبْكِي كَالطَّفْلِ إِذَا فَاتَتْهُ الجَمَاعَةُ، بَلْ كَانُوا يَعُدُّونَ تَرْكَ الجَمَاعَةِ مِنْ إِحْدَى الكُبَرِ.
هَذَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْشَغِلُ هُوَ وَصَحَابَتُهُ بِقِتَالِ المُشْرِكِينَ عَنْ يَوْمِ الخَنْدَقِ، حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ صَلاَةِ العَصْرِ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا المُسْلِمُونَ، فَجَعَلَ النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ مُتَحَسِّرًا وَمُتَأَلِّمًا وَدَاعِيًا عَلَى الكُفَّارِ: "شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الوُسْطَى مَلَأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا".
أَمَّا الصَّحَابِيُّ العَابِدُ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ فَقَدْ فَاتَتْهُ صَلاَةُ العِشَاءِ مَعَ الجَمَاعَةِ فَأَحْيَا كُلَّ لَيْلِهِ بِالصَّلَاةِ تَحَسُّرًا عَلَى فَوَاتِ أَجْرِهِ.
وَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سمَاعَةَ التَّمِيمِيُّ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: مَكَثْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ تَفُتْنِي التَّكْبِيرَةُ الأُولَى إِلاَّ يَوْمَ مَاتَتْ أُمِّي فَصَلَّيْتُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلاةً أُرِيدُ التَّضْعِيفَ.
وَهَذَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِالعَزِيزِ التَّنُوخِيُّ إِمَامُ الشَّامِ فِي عَصْرِهِ كَانَ إِذَا فَاتَتْهُ صَلاةُ الجَمَاعَةِ بَكَى رَحِمَهُ اللهُ.
وَكَانَ سَلَفُنَا رَحِمَهُمُ اللهُ يَعُدُّونَ تَضْيِيعَ الصَّلَاةِ مِنْ أَعْظَمِ الخَطِيئَاتِ وَمِنْ عَلامَاتِ النِّفَاقِ، كَتَبَ الفَارُوقُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى أُمَرَائِهِ وَعُمَّالِهِ فِي الأَمْصَارِ: "إِنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ دِينَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ وَمَنْ نَامَ عَنْهَا فَلاَ نَامَتْ عَيْنُهُ".
وهَذَا ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يُحَدِّثُنَا عَنْ رَأْيِ أَهْلِ عَصْرِهِ فِيمَنْ تَخَلَّفَ عَنِ الصَّلَاةِ فيَقُولُ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُهَادِي بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ"؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي هَذَا يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ: "كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي الفَجْرِ أَوِ العِشَاءِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ"؛ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

الصَّفْحَةُ الرَّابِعَةُ: خُشُوعُهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَإِحْسَانُهُمْ فِيها:

وَحَقِيقَةُ الخُشُوعِ هُوَ خُضُوعُ القَلْبِ للهِ مَهَابَةً وَتَوْقِيرًا وَتَذَلُّلاً، هَذَا الخُشُوعُ هُوَ لُبُّ الصَّلَاةِ، وَهُوَ مِعْيَارُ القَبُولِ فِيهَا، وَفِي الحَدِيثِ: "إِنَّ العَبْدَ لَيُصَلِّي بِصَلاَةٍ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلاَّ عُشْرَهَا، تِسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدُسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا".
كَانَ خَبَرُ سَلَفِنَا مَعَ الخُشُوعِ عَجَبٌ مِنَ العُجَابِ، فَقُلُوبُهُمْ قَدْ تَنَاهَى لينُهَا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ،
فهذا صديق الأمة كان رجلا أسيفا ، إذا صلى بالناس فلا يكاد يسمع صوته من البكاء والخشية .
وقرأ عمر في صلاة الفجر سورة يوسف حتى إذا بلغ ( إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله ) بكى ونشج طويلا ، حتى سُمع نشيجه من آخر الصفوف.
عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ المُلَقَّبُ بِزَيْنِ العَابِدِينَ كَانَ يُصَلِّي فِي المَسْجِد فَانْصَدَعَ أَحَدُ أَرْكَانِ المَسْجِدِ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ مِنْهَا قَالَ: مَا هَذِهَ الغَبْرَةُ؟ قَالُوا: أَمَا سَمِعْتَ المَسْجِد قَدْ سَقَطَ، قَالَ: لَمْ أَشْعُرْ بِذَلِكَ كُنْتُ فِي شُغُلٍ عَنْهَا.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: رَأَيْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ بَعْدَمَا كَبِرَ وَضَعُفَ يَقُولُ إِلَى الصَّلَاةِ فَيَقْرَأُ مِئَتَيْ آيَةٍ مِنَ البَقَرَةِ وَهُوَ قَائِمٌ لَا يَزُولُ مِنْهُ.
تِلْكَ عِبَادِ اللهِ بَعْضُ الصَّفَحَاتِ المُضِيئَةُ وَالصُّوَرُ البَرَّاقَةُ مِنْ سِيَرِ أَسْلاَفِنَا مَعَ صَلاتِهِمْ وَشَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَالأَخْبَارُ كَثِيرَةٌ، فَإِنْ أَعْجَبَتْكَ يَا عَبْدَ اللهِ فِعَالُهُمْ فَكُنْها تَكُنْ مِثْلَ مَا يُعْجِبُكَ فَلَيْسَ عَلَى الجُودِ وَالمَكْرُمَاتِ إِذَا جِئْتَهَا حَاجِبٌ يُحْجُبُكَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ..


الخُطْبةُ الثَّانِيَةُ


فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ: هَذَا خَبَرُ سَلَفِنَا مَعَ صَلَاتِهِمْ فَمَا خَبَرُنَا مَعَ صَلاَتِنَا؟ مَا حَالُنَا مَعَ أَوَّلِ فَرِيضَةٍ سَنُسْأَلُ عَنْهَا؟ مَا هِيَ اسْتِجَابَتُنَا لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى لِنَبَيِّهِ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاة وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا).
إِنَّ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ عِبَادَ اللهِ أَنَّ التَّفْرِيطَ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ وَالجَمَاعَاتِ أَصْبَحَ ظَاهِرَةً فِي بُلْدَانِ كَثِيرٍ مِنَ المُسْلِمِينَ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي، وَقَلِّبْ نَظَرَكَ أَخِي المُبَارَكَ وَقَارِنْ بَيْنَ أَعْدَادِ المُصَلِّينَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ ثُمَّ فِي مَوَاكِبِ النَّاسِ خَارِجَةً لِعَمَلِهَا! يَرْتَدُّ إِلَيْكَ الطَّرْفُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.
فَآهٍ مِنْ نُفُوسٍ تُحَرِّكُهَا مَصَالِحُهَا وَلَذَّاتُهَا العَاجِلَةُ وَلاَ تَتَحَرَّكُ لِنِدَاءِ الرَّحْمَنِ يُنَادِيهَا لِرَحْمَتِهِ وَرُضْوَانِهِ..
فَيَا كُلَّ مُقَصِّرٍ فِي صَلَاتِهِ الْأَمْرُ خَطِيرٌ ، وَالْوَعِيْدُ شَدِيْدٌ ، وَتَرْكُ الْصَلَاةِ بَرِيْدٌ مُوْصِلٌ للنِّفَاقِ وَالْكُفْرِ ، وِلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الْصَلَاةَ .
فَصَلَاتُكَ صَلَاتُكَ يَا عَبْدَالله إِنْ رُمْتَ الْنَّجَاحَ وَالَفَلَاحَ يَوْمَ الدِّيْنِ ، وَإِلَّا فَالْخَيْبَةُ وَالْخُسْرَانُ أَمَامَكَ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالَّسَلَامُ : (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ).
اللهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ اِجْعَلْنَا مُقِيْمِينَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّاتِنَا ، اللهُمَّ عَلِّقْ قُلُوْبَنَا بِالْمَسَاجِدِ ، وَاجْعَلِ الصَّلَاةَ قُرَّةَ أَعْيُنِنَا ، وَاجْعَلِ رَاحَتَنَا وَأُنْسَنَا فِيْهَا .. اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
المرفقات

اخبار السلف مع الصلاة.doc

اخبار السلف مع الصلاة.doc

المشاهدات 4065 | التعليقات 4

ملاحظة ... يوجد اختلاف بسيط في النص بين الموجود والمرفق

والمرجح ما كتب هنا
نفع الله بالجميع


السلام عليكم وجزاكم الله خيرا وأحسن إليكم


بارك الله فيك أخي محب لأمة الإسلامة ، ورزقنا الله وإياك الإخلاص والعمل الصالح


جزاك الله خيرا