أَحْكَامُ الْيَمِين [النَّاسُ يَحْتَاجُونَ الْمَوْضُوعَ] 14ذِيْ القَعْدَةِ 1434هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1434/11/12 - 2013/09/18 08:51AM
أَحْكَامُ الْيَمِين [النَّاسُ يَحْتَاجُونَ الْمَوْضُوعَ] 14ذِيْ القَعْدَةِ 1434هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِحِفْظِ الأَيْمَان، وَتَوَعَّدَ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاً قَلِيلاً بِأَلِيمِ الْعَذَابِ وَالْخُسْرَان، أَحْمَدُه سُبْحَانَهُ عَلَى مَا شَرَع، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدَع . وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ الْمَلِكُ الْقَاهِرُ الْمُطَّلِعُ عَلَى السَّرَائِر، الْعَلِيمُ بِمَا أَكَنَّتْهُ الضَّمَائِر، فَيَا وَيْحَ مَنْ حَلَفَ يَمِينَاً هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ فَاجِرٌ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الذِي جَاءَ بِكُلِّ مَا فِيهِ صَلاحُ الْقُلُوبِ وَتَزْكِيَةُ النُّفُوس ، وَزَجَرَ عَنِ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ الْغَمُوس ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الذِينَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْيَمِين ، وَكَانُوا يَضْرِبُونَ أَوْلادَهُمْ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ وَهُمْ صِغَار , تَأْدِيبًا لَهُمْ وَخَشْيَةً عَلَيْهِمْ مِمَّا يَغْمِسُهُمْ فِي الإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّار .

أَمَّا بَعْدُ : فَيَأَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ إِنَّ الْحَلِفَ مِمَّا يَسْتَخْدِمُهُ النَّاسُ كَثِيرَاً فِي حَيَاتِهِمُ الْيَوْمِيَّةِ , وَقَدْ جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا بِأَحْكَامٍ فِي هَذَا الْبَابِ لا يَحْسُنُ بِنَا الْجَهْلُ بِهَا , وَقَدْ جَعَلْنَا الْخُطْبَةَ عَلَى هَيْئَةِ مَسَائِلَ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ لِيَسْهُلَ فَهْمُهُ , وَاللهُ الْمُسْتَعَان .

(فَأَوَّلاً) مَا مَعْنَى الْيَمِين ؟ الْجَوَابُ : هِيَ تَأْكِيدُ الأَمْرِ بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ لِيَحْمِلَ السَّامِعَ عَلَى التَّصْدِيقِ , وَتُسَمَّى الْحَلِف .

(ثَانِيَاً) مَا أَنْوَاعُ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَمَا أَحْكَامُهَا ؟ الْجَوَابُ : الْمَحْلُوفُ بِهِ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ , الأَوَّلُ : الْحَلِفُ بِاللهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ , كَأَنْ تَقُولَ : أُقْسِمُ بِاللهِ , أَوْ أُقْسِمُ بِعِزَّةِ اللهِ , فَهَذَا جَائِزٌ , بَلْ هُوَ الْمَشْرُوعُ فَقَطْ , فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ .

النَّوْعُ الثَّانِي : الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ فَهَذَا شِرْكٌ , كَأَنْ يَحْلِفَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول : وَالنَّبِي , أَوْ بِالنِّعْمَةِ أَوْ بِالْعُونِ فَيَقُول : إِي بِالْعُون , وَالْحَلِفُ بِالْعَوْنِ مُنْتَشِرٌ فِي وَسَطِ الجَزِيرَةِ وَشَمَالِهَا !
فَهَذَا كُلُّهُ شِرْكٌ , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : لَا وَالكَعْبَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالأَلْبَانِيُّ .

الثَّالِثُ : مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ كَقَوْلِ عَلَيَّ الطَّلاقُ , فَهَذَا مُحَرَّمٌ وَمَمْنُوعٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ شِرْكَاً . وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الإِثْمِ , وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ , فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ أَيُّهَا الْمُسْلِم .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : (وَثَالِثاً) مَاحُكْمُ الإِكْثَارِ مِنَ الْيَمِينِ ؟ الجواب : مَنْهِيٌّ عَنْهُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ) , فَأَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِحِفْظِ الْيَمِينِ , وَيَكُونُ حِفْظُ الْيَمِينِ بِثَلاثَةِ أُمُورٍ : عَدَمُ الْحَلِفِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ , فَإِنْ حَلَفْتَ فَاحْفَظْ يَمِينَكَ لا تُخْالِفْهَا فَتَحْنَثْ , فَإِنْ حَنَثْتَ فَبَادِرْ بِالْكَفَّارَةِ .

(رَابِعَاً) مَا حُكْمُ الْحَلِفِ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ ؟ الْجَوَابُ : فِيهِ تَفْصِيلٌ : إِنْ كَانَ صَادِقَاً أَوْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنَّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ كَاذِبَاً أَيْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ بِاللهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَإِنَّهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ , وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ : إِنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ هِيَ التِي يَأْكُلُ بِهَا حَقُّ الْمُسْلِمِ , فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ) قَالَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ (ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) قَالَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ (الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) قُلْتُ : وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ ؟ قَالَ (الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلَكِنْ هَلْ عَلَى مَنْ حَلَفَ كَاذِبَاً كَفَّارَةٌ ؟ الْجَوَابُ : لا لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ , لَكِنْ هُوَ آثِمٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ .

(خَامِسَاً) مَتَى يَكُونُ عَلَى الْحَالِفِ كَفَّارَةٌ ؟ الْجَوَابُ : إِذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ بِأَنْ يَفْعَلَ أَوْ لا يَفْعَل , كَأَنْ يَقُولَ : وَاللهِ لَأُسَافِرَنَّ اللَّيْلَةَ لِلرِّيَاضِ , أَوْ : وَاللهِ لا أَدْخُلُ بَيْتَ فُلانٍ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَهُنَا إِنْ نَفَّذَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ , وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ .

(سَادِسَاً) مَا حُكْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ , وَمَا هِيَ ؟ الْجَوَابُ : كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَاجِبَةٌ , وَيَجِبُ أَنْ يُبَادِرَ بِالْكَفَّارَةِ , وَمَنْ أَخَّرَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ آثِمٌ , وَالْكَفَّارَةُ بَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ أَتَمَّ بَيَانٍ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ)
فَالْوَاجِبُ أَنْ تُطْعِمَ عَشْرَةَ مَسَاكِين مِنْ مُتَوَسِّطِ طَعَامِ أَهْلِكَ , أَوْ تَكْسُوهُمْ أَوْ تُعْتِقَ رَقَبَةٍ , فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلاثِ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئَاً مِنْ هَذِهِ الثَّلاثِ فَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ . وَمِنَ الْخَطَأِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا حَنَثَ فِي يَمِينِهِ صَامَ , وَوَجْهُ الْخَطَأَ هُنَا أنَّ الصِّيَامَ لا يَكُونُ حَتَّى يَعْجَزَ عَنِ الثَّلاثِ الأُولَى .

(سَابِعَاً) مَا مِقْدَارُ الْكَفَّارَةِ وَمَنِ الْفَقِيرُ الذِي تُدْفَعُ لَهُ ؟ الْجَوَابُ : هُوَ إِطْعَامُ عَشْرَةِ فُقَرَاءَ حَتَّى يَشْبَعُوا لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ , فَإِنْ دَفَعْتَ الطَّعَامَ إِلَيْهِمْ فَلا بَأْسَ , فَالآنَ لَوِ اشْتَرَيْتَ كِيسَ أُرْزٍ وَزْنُهُ عَشْرَةَ كِيلُو غِرَامَاتٍ وَجَعَلْتَ مَعَهُ خَمْسَ دَجَاجَاتٍ مِنَ الْوَزْنِ الْمُتَوَسِّطِ وَدَفَعْتَهُ لِبَيْتٍ فِيهِ عَشْرَةُ مَسَاكِين أَجْزَأَكَ . وَالْفَقِيرُ هُوَ الذِي دَخْلَهُ لا يَكْفِيه .

(ثَامِنَاً) مَا حُكْمُ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ؟ الْجَوَابُ : هُوَ سَيْئٌ بِكُلِّ حَالٍ , فَإِنْ كَانَ كَذِبَاً فَهُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعتُ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الحَلِفِ فِي البَيْعِ ، فَإنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مِرَارٍ ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا ! مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ (الْمُسْبِلُ ، وَالمنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الْكَاذِبِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِيَّاكُمْ وَالْحَلِفَ فِي الْبَيْعِ إِلَّا لِحَاجَةٍ , فَإِذَا حَلَفْتَ فَاصْدُقْ .

(تَاسِعَاً) مَتَى لا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ ؟ الْجَوَابُ : إِذَا قَالَ : إِنْ شَاءَ اللهُ فِي حَلِفِهِ , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ : إِنْ شَاءَ اَللَّهُ, فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ , وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ وَالأَلْبَانِيُّ . وَيَلْزَمُكَ أَنْ تَنْطِقَ بِالْمَشِيئَةِ وَلا يَكْفِي أَنْ تَنْوِي , فَمَثَلاً تَقُولُ : وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا , وَلَكِنْ لا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَ صَاحِبُكَ الاسْتِثْنَاءُ, فَبِهَذَا لا تَحْنَثْ فِي يَمِينِكَ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَوْنَاً لَكَ فِي إِدْرَاكِ حَاجَتِكَ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَقَائِدِ الغُّرِّ المُحَجَّلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعدُ : (فَالْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) مَا حَكْمُ مَنْ عَلَيْهِ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ قَدْ نَسِيَ كَمْ هِيَ , فَكَيْفَ يُكَفِّرُ ؟ الْجَوَابُ : أَنَّهُ يُقَدِّرُ كَمَّ الأَيْمَانِ التِي عَلَيْهِ فَيُكَفِّرَ عَنْهَا وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِمَّا قَدَّرَ , فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ .

(الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) مَاذَا تَفْعَلْ إِذَا حَلَفَ عَلَيْكَ شَخْصٌ فِي أَمْرٍ تَسْتَطِيعُهُ وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ ضَرَرٌ ؟ الْجَوَابُ : أَنْ تَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ فَإِنَّ هَذَا حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ , فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ : أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ , وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ , وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ , وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ ( أَوْ الْمُقْسِمِ ) , وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ , وَإِجَابَةِ الدَّاعِي , وَإِفْشَاءِ السَّلامِ . وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ , وَعَنِ الشُّرْبِ بِالْفِضَّةِ ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ , وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ , وَالإِسْتَبْرَقِ , وَالدِّيبَاجِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ إِذَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَخُوهُ إِكْرَامَاً لَهُ حَلَفَ هُوَ أَنْ لا يَفْعَلَ فَهَذَا خَطَأٌ , وَلَيْسَ هَذَا حَقُّ أَخِيكَ .

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) هَلْ يَحْنَثُ أَوْ يَأْثَمُ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ ؟ الْجَوَابُ : لا يَحْنَثُ وَلا يَأْثَمُ , فَمَثَلاً لَوْ قِيلَ : هَلْ عِنْدَكَ كِتَابُ الْبُخَارِيِّ ؟ فَقَالَ : وَاللهِ مَا عِنْدِي كِتَابُ الْبُخَارِيِّ , ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ , ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي مَكْتَبَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى غَالِبِ ظَنَّهِ .

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) مَاذَا يَفْعَلُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرَاً مِنْهَا ؟ الْجَوَابُ : يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ , كَمَا لَوْ حَلَفَ لا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلانٍ لِأَنَّ فِيهِ مُنْكَرَاً , ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَدُخُولَهُ لِبَيْتِهِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ , فَهُنَا يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَدْخُلُ بَيْتَ صَاحِبِهِ , فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ, فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا, فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ, وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه .

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُ القَوْلَ فَيَتَّبِعَ أَحْسَنَه , اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ , اللَّهُمَّ أَعْطِناَ وَلاَ تَحْرِمْناَ اللَّهُمَّ أَكْرِمْناَ وَلاَ تُهِنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ , وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ , وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ , وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهُم يَارَبَّ العَالـَمِينَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْـمُسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ .
المرفقات

أَحْكَامُ الْيَمِين [الناس في حاجة لهذا] 14ذي القعدة 1434هـ ‫‬.doc

أَحْكَامُ الْيَمِين [الناس في حاجة لهذا] 14ذي القعدة 1434هـ ‫‬.doc

المشاهدات 3744 | التعليقات 5

جزاك الله خيرا على خطبك الماتعة

ولو تستخدم الخط الذي يستخدمه الشيخ هلال والشيخ البصري والشيخ الحقيل

يكون أنسب


جزاك الله خيرا ونفع بعلمك


أَحْكَامُ الْيَمِين [النَّاسُ يَحْتَاجُونَ الْمَوْضُوعَ] 14ذِيْ القَعْدَةِ 1434هـ
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِحِفْظِ الأَيْمَان، وَتَوَعَّدَ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاً قَلِيلاً بِأَلِيمِ الْعَذَابِ وَالْخُسْرَان، أَحْمَدُه سُبْحَانَهُ عَلَى مَا شَرَع، وَأَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبِدَع . وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، هُوَ الْمَلِكُ الْقَاهِرُ الْمُطَّلِعُ عَلَى السَّرَائِر، الْعَلِيمُ بِمَا أَكَنَّتْهُ الضَّمَائِر، فَيَا وَيْحَ مَنْ حَلَفَ يَمِينَاً هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ فَاجِرٌ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الذِي جَاءَ بِكُلِّ مَا فِيهِ صَلاحُ الْقُلُوبِ وَتَزْكِيَةُ النُّفُوس ، وَزَجَرَ عَنِ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ الْغَمُوس ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الذِينَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْيَمِين ، وَكَانُوا يَضْرِبُونَ أَوْلادَهُمْ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ وَهُمْ صِغَار , تَأْدِيبًا لَهُمْ وَخَشْيَةً عَلَيْهِمْ مِمَّا يَغْمِسُهُمْ فِي الإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّار .
أَمَّا بَعْدُ : فَيَأَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ إِنَّ الْحَلِفَ مِمَّا يَسْتَخْدِمُهُ النَّاسُ كَثِيرَاً فِي حَيَاتِهِمُ الْيَوْمِيَّةِ , وَقَدْ جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا بِأَحْكَامٍ فِي هَذَا الْبَابِ لا يَحْسُنُ بِنَا الْجَهْلُ بِهَا , وَقَدْ جَعَلْنَا الْخُطْبَةَ عَلَى هَيْئَةِ مَسَائِلَ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ يَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ لِيَسْهُلَ فَهْمُهُ , وَاللهُ الْمُسْتَعَان .
(فَأَوَّلاً) مَا مَعْنَى الْيَمِين ؟ الْجَوَابُ : هِيَ تَأْكِيدُ الأَمْرِ بِذِكْرِ مُعَظَّمٍ لِيَحْمِلَ السَّامِعَ عَلَى التَّصْدِيقِ , وَتُسَمَّى الْحَلِف .
(ثَانِيَاً) مَا أَنْوَاعُ الْمَحْلُوفِ بِهِ وَمَا أَحْكَامُهَا ؟ الْجَوَابُ : الْمَحْلُوفُ بِهِ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ , الأَوَّلُ : الْحَلِفُ بِاللهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ , كَأَنْ تَقُولَ : أُقْسِمُ بِاللهِ , أَوْ أُقْسِمُ بِعِزَّةِ اللهِ , فَهَذَا جَائِزٌ , بَلْ هُوَ الْمَشْرُوعُ فَقَطْ , فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ) رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ .
النَّوْعُ الثَّانِي : الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللهِ فَهَذَا شِرْكٌ , كَأَنْ يَحْلِفَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول : وَالنَّبِي , أَوْ بِالنِّعْمَةِ أَوْ بِالْعُونِ فَيَقُول : إِي بِالْعُون , وَالْحَلِفُ بِالْعَوْنِ مُنْتَشِرٌ فِي وَسَطِ الجَزِيرَةِ وَشَمَالِهَا !
فَهَذَا كُلُّهُ شِرْكٌ , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : لَا وَالكَعْبَةِ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : لَا تَحْلِفْ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالأَلْبَانِيُّ .
الثَّالِثُ : مَا كَانَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ كَقَوْلِ عَلَيَّ الطَّلاقُ , فَهَذَا مُحَرَّمٌ وَمَمْنُوعٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ شِرْكَاً . وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الإِثْمِ , وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ , فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ أَيُّهَا الْمُسْلِم .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : (وَثَالِثاً) مَاحُكْمُ الإِكْثَارِ مِنَ الْيَمِينِ ؟ الجواب : مَنْهِيٌّ عَنْهُ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ) , فَأَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِحِفْظِ الْيَمِينِ , وَيَكُونُ حِفْظُ الْيَمِينِ بِثَلاثَةِ أُمُورٍ : عَدَمُ الْحَلِفِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ , فَإِنْ حَلَفْتَ فَاحْفَظْ يَمِينَكَ لا تُخْالِفْهَا فَتَحْنَثْ , فَإِنْ حَنَثْتَ فَبَادِرْ بِالْكَفَّارَةِ .
(رَابِعَاً) مَا حُكْمُ الْحَلِفِ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ ؟ الْجَوَابُ : فِيهِ تَفْصِيلٌ : إِنْ كَانَ صَادِقَاً أَوْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنَّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ كَاذِبَاً أَيْ تَعَمَّدَ الْحَلِفَ بِاللهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَإِنَّهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ , وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ : إِنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ هِيَ التِي يَأْكُلُ بِهَا حَقُّ الْمُسْلِمِ , فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ ؟ قَالَ (الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ) قَالَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ (ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) قَالَ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ (الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) قُلْتُ : وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ ؟ قَالَ (الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلَكِنْ هَلْ عَلَى مَنْ حَلَفَ كَاذِبَاً كَفَّارَةٌ ؟ الْجَوَابُ : لا لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ , لَكِنْ هُوَ آثِمٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ .
(خَامِسَاً) مَتَى يَكُونُ عَلَى الْحَالِفِ كَفَّارَةٌ ؟ الْجَوَابُ : إِذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ مُمْكِنٍ بِأَنْ يَفْعَلَ أَوْ لا يَفْعَل , كَأَنْ يَقُولَ : وَاللهِ لَأُسَافِرَنَّ اللَّيْلَةَ لِلرِّيَاضِ , أَوْ : وَاللهِ لا أَدْخُلُ بَيْتَ فُلانٍ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَهُنَا إِنْ نَفَّذَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ , وَإِنْ لَمْ يُنَفِّذْ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ .
(سَادِسَاً) مَا حُكْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ , وَمَا هِيَ ؟ الْجَوَابُ : كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَاجِبَةٌ , وَيَجِبُ أَنْ يُبَادِرَ بِالْكَفَّارَةِ , وَمَنْ أَخَّرَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ آثِمٌ , وَالْكَفَّارَةُ بَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ أَتَمَّ بَيَانٍ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ (لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ , ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ)
فَالْوَاجِبُ أَنْ تُطْعِمَ عَشْرَةَ مَسَاكِين مِنْ مُتَوَسِّطِ طَعَامِ أَهْلِكَ , أَوْ تَكْسُوهُمْ أَوْ تُعْتِقَ رَقَبَةٍ , فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلاثِ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ , فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئَاً مِنْ هَذِهِ الثَّلاثِ فَصُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ . وَمِنَ الْخَطَأِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا حَنَثَ فِي يَمِينِهِ صَامَ , وَوَجْهُ الْخَطَأَ هُنَا أنَّ الصِّيَامَ لا يَكُونُ حَتَّى يَعْجَزَ عَنِ الثَّلاثِ الأُولَى .
(سَابِعَاً) مَا مِقْدَارُ الْكَفَّارَةِ وَمَنِ الْفَقِيرُ الذِي تُدْفَعُ لَهُ ؟ الْجَوَابُ : هُوَ إِطْعَامُ عَشْرَةِ فُقَرَاءَ حَتَّى يَشْبَعُوا لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ , فَإِنْ دَفَعْتَ الطَّعَامَ إِلَيْهِمْ فَلا بَأْسَ , فَالآنَ لَوِ اشْتَرَيْتَ كِيسَ أُرْزٍ وَزْنُهُ عَشْرَةَ كِيلُو غِرَامَاتٍ وَجَعَلْتَ مَعَهُ خَمْسَ دَجَاجَاتٍ مِنَ الْوَزْنِ الْمُتَوَسِّطِ وَدَفَعْتَهُ لِبَيْتٍ فِيهِ عَشْرَةُ مَسَاكِين أَجْزَأَكَ . وَالْفَقِيرُ هُوَ الذِي دَخْلَهُ لا يَكْفِيه .
(ثَامِنَاً) مَا حُكْمُ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ؟ الْجَوَابُ : هُوَ سَيْئٌ بِكُلِّ حَالٍ , فَإِنْ كَانَ كَذِبَاً فَهُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعتُ رسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (الحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الحَلِفِ فِي البَيْعِ ، فَإنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) قَالَ : فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ مِرَارٍ ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ : خَابُوا وَخَسِرُوا ! مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ (الْمُسْبِلُ ، وَالمنَّانُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالحَلِفِ الْكَاذِبِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِيَّاكُمْ وَالْحَلِفَ فِي الْبَيْعِ إِلَّا لِحَاجَةٍ , فَإِذَا حَلَفْتَ فَاصْدُقْ .
(تَاسِعَاً) مَتَى لا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ ؟ الْجَوَابُ : إِذَا قَالَ : إِنْ شَاءَ اللهُ فِي حَلِفِهِ , فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ : إِنْ شَاءَ اَللَّهُ, فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ , وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ وَالأَلْبَانِيُّ . وَيَلْزَمُكَ أَنْ تَنْطِقَ بِالْمَشِيئَةِ وَلا يَكْفِي أَنْ تَنْوِي , فَمَثَلاً تَقُولُ : وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا , وَلَكِنْ لا يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَ صَاحِبُكَ الاسْتِثْنَاءُ, فَبِهَذَا لا تَحْنَثْ فِي يَمِينِكَ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَوْنَاً لَكَ فِي إِدْرَاكِ حَاجَتِكَ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَقَائِدِ الغُّرِّ المُحَجَّلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعدُ : (فَالْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) مَا حَكْمُ مَنْ عَلَيْهِ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ قَدْ نَسِيَ كَمْ هِيَ , فَكَيْفَ يُكَفِّرُ ؟ الْجَوَابُ : أَنَّهُ يُقَدِّرُ كَمَّ الأَيْمَانِ التِي عَلَيْهِ فَيُكَفِّرَ عَنْهَا وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهَا أَكْثَرُ مِمَّا قَدَّرَ , فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ .
(الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) مَاذَا تَفْعَلْ إِذَا حَلَفَ عَلَيْكَ شَخْصٌ فِي أَمْرٍ تَسْتَطِيعُهُ وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ ضَرَرٌ ؟ الْجَوَابُ : أَنْ تَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ فَإِنَّ هَذَا حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ , فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ : أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ , وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ , وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ , وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ ( أَوْ الْمُقْسِمِ ) , وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ , وَإِجَابَةِ الدَّاعِي , وَإِفْشَاءِ السَّلامِ . وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ , وَعَنِ الشُّرْبِ بِالْفِضَّةِ ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ , وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ , وَالإِسْتَبْرَقِ , وَالدِّيبَاجِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ إِذَا حَلَفَ عَلَيْهِ أَخُوهُ إِكْرَامَاً لَهُ حَلَفَ هُوَ أَنْ لا يَفْعَلَ فَهَذَا خَطَأٌ , وَلَيْسَ هَذَا حَقُّ أَخِيكَ .
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) هَلْ يَحْنَثُ أَوْ يَأْثَمُ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ ؟ الْجَوَابُ : لا يَحْنَثُ وَلا يَأْثَمُ , فَمَثَلاً لَوْ قِيلَ : هَلْ عِنْدَكَ كِتَابُ الْبُخَارِيِّ ؟ فَقَالَ : وَاللهِ مَا عِنْدِي كِتَابُ الْبُخَارِيِّ , ظَنَّاً مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ , ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِي مَكْتَبَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى غَالِبِ ظَنَّهِ .
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) مَاذَا يَفْعَلُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرَاً مِنْهَا ؟ الْجَوَابُ : يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ , كَمَا لَوْ حَلَفَ لا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلانٍ لِأَنَّ فِيهِ مُنْكَرَاً , ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ تَرْكَهُ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَدُخُولَهُ لِبَيْتِهِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ , فَهُنَا يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَدْخُلُ بَيْتَ صَاحِبِهِ , فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ, فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا, فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ, وَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً وَعَمَلاً صَالِحَاً , اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُ القَوْلَ فَيَتَّبِعَ أَحْسَنَه , اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ , اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعَدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينَ , اللَّهُمَّ أَعْطِناَ وَلاَ تَحْرِمْناَ اللَّهُمَّ أَكْرِمْناَ وَلاَ تُهِنا اللَّهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ , وَمَوْتَ الشُّهَدَاءِ , وَالحَشْرَ مَعَ الأَتْقِيَاءِ , وَمُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهُم يَارَبَّ العَالـَمِينَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْـمُسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ .


جزيت خيرا خطبة قيمة
عدلت الخط على شان اقراها


الشيخ محمد كتابة وافية وموضوع مستوفي وقد أتيت على كثير من الأشياء المتعلقة بمسألة اليمين وهذه المسألة من المسائل اليومية وللأسف من المسائل التي يجهل تفاصيلها وما يتعلق بها كثير من الناس وفي خطبتك خلاصة طيبة وزبدة سريعة لما كتب العلماء حولها.

فأملي أن يشارك الجميع نشرها وتعميمها