أحكام البغاة في الشريعة الإسلامية أمان الله محمد صديق

أحكام البغاة في الشريعة الإسلامية
أمان الله محمد صديق


ملخص الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم

افتتاحية
الحمد لله الذي خلق آدمَ، وجعله خليفةً في الأرض، وأمَرَه وذُرِّيتَه بالحكم بالحقِّ، وعدمِ اتِّباع الهوى، وحذَّر من البغي والفساد في الأرض، وأمر بِمُقاتلة الباغين حتَّى يفيئوا إلى أمر الله، والصلاة والسَّلام على رسول الله، خيْرِ من قام بإمامة المسلمين، فقرَّر ما يُصْلِح من شأنِهم إلى يوم الدِّين، وأوضح بسُنَّتِه حدودَ مقاتلة البغاة والمرتدين والكافرين، مما يُبْرِز محاسِنَ ومزايا ما أتى به مِن دين، وعلى صحابته المطهَّرين، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدِّين.

وبـعد:
فقد وقع اختياري على موضوع "أحكام البُغاة في الشريعة الإسلامية"؛ لِما هو مُشاهَدٌ من أنَّ أكثر ما يقع في بعض البلدان الإسلامية التي لا تنعم بالاستقرار السياسيِّ - مثلما ينعم به بلَدُنا - إنَّما هو من قبيل البغي؛ الأمر الذي يجعل لِهذا الموضوع أهميته في واقع الحياة العملية.

ومن هنا سجَّلتُه موضوعًا لرسالة الماجستير "بالمعهد العالي للقضاء"، وقد كان جهدي مُنْصبًّا في معظم أجزاء الرسالة على استقصاء الموضوعات والأحكام من الكتب العلميَّة المعتمَدة، التي ذكرْتُها في ثبَتِ المراجع، وأشرْتُ إليها في الْهوامش، وآثرْتُ أن أنقل ما ورد في هذه الكتب خاصًّا بالموضوع الذي أتعرَّض له بنصِّه؛ حتَّى لا يقع اللَّبْس إذا ما نُقِل الكلام بِمَعناه، وإيثارًا منِّي ومحافظةً على الأمانة العلمية.

وقبل أن أتناول شرح خطة البحث بالتفصيل والبيان، أَودُّ أن أعترف لِذَوي الفضل بفضلهم، فلولا اللهُ - عز وجلَّ - ثم توجيهاتُ أصحاب الفضل من الذين غمروني بفضلهم، ما برزَتْ هذه الرسالةُ إلى حيِّز الوجود.

وأخصُّ منهم فضيلةَ الشيخ الدكتور محمود عبدالدائم - الأستاذ بالمعهد العالي سابقًا، والأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز حاليًّا - حيث إنه كان مشرفًا على رسالتي هذه في البداية، وقد قضيتُ مع علمه وتوجيهاته السامية أوقاتًا لا تُعدُّ في حساب الزَّمن، فقد كان - حَفِظَه الله وأجزل له الْمَثوبة والأجر - الأمينَ الذي حَمل أمانة الفقه الإسلامي، فأدَّاها على أحسن وجه وأكمَلِه.

عرفْتُه أستاذًا لي ومربِّيًا أثناء دراستي بالمعهد العالي للقضاء، وعرفتُه موجِّهًا ومُرشدًا أثناء قيامه بالإشراف على رسالتِي، ولكن النَّهضة التعليمية المتطوِّرة التي تَمُر بِها بلادُنا العزيزة اضطرَّتْه إلى أن يقوم بواجبه المقدَّس في أحبِّ البقاع إلى الله، وهي مكَّة المكرمة؛ ليبيِّن أحكامَ الفقه الإسلامي على منبَرٍ من منابر العلم في جامعة الملك عبدالعزيز، وإنَّني أدعو الله مُخلصًا من قلبي أن يوفِّقه لأداء هذا الواجب المقدس، وأن ينفع بعلومه ومعارفِه طلبةَ العلم المخلصين.

وأخُصُّ أيضًا من بين الذين غمروني بفضلهم فضيلةَ الشيخ الأستاذ عبدالعال عطوة؛ فقد كان لتوجيهه وتشجيعه الأثَرُ البالغ في نفسي، استطعتُ من خلال ذلك أن أقف على قدَمي، وأُمْسك بالقلم ليسخِّره الله حيث يكون الفقهُ والعلم، فجزاه الله خير الجزاء، وأجزل له المثوبة والأجر.

وفي مسير هذه الرِّسالة المتواضعة، وأخْذِ طريقها إلى النُّور، كان قائد الْمَسيرة فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحسيني حنفي (المشرف الحالِي على رسالتي) الذي كان ملازمًا لي في جميع الأوقات، يرشدني بتوجيهاته القَيِّمة إلى طريقة البحث والْمُناقشة، وكيفيَّة الاستفادة من الكتب الفقهيَّة، إلى أن ظهرَتْ هذه الرِّسالة بشكلها الحالِيِّ، فهو لم يَأْلُ جهدًا في تنوير الطَّريق أمامي، وتذليلِ جَميع الصُّعوبات التي كانت تعترضني.

وكل ذلك كان منه بِصَدر رحْب، ونفس منشرحة، يزينها حُسْن خلُقٍ، فجزاه الله أحسن الجزاء.

هذا، وإنني أتقدَّم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الشيخ منَّاعٍ القَطَّان "مدير المعهد العالي للقضاء"، حيث اختار لأبنائه الطَّلبةِ خِيرةَ الأساتِذَة والفقهاء، كما كان لِتَوجيهه وإرشاداته الأثَرُ البالغُ في نفوس كثيرٍ من الطلبة، فجزاه الله عن الإسلام خيْرَ جزاء.

كما أتقدَّم بالشكر إلى جميع أساتذة المعهد العالي للقضاء؛ فهُم منارٌ للعلم والهداية، وفَّق الله كلَّ مُخلص لدينه.

وأخيرًا: أتقدَّم بالشُّكر إلى حكومتنا الرَّشيدة، وإلى أُولي الأمر مِنَّا على ما قدَّموه من خِدْماتٍ جليلةٍ لطلاَّب العلم والمعرفة، وواقعُ الحال يَشْهد على ذلك، ولن يُضِيعَ الله أجْرَ من أحسن عملاً، أدام الله علينا وعليهم نعمةَ الإسلام، إنَّه سميع مُجيب.

بعد إسداء الشكر إلى ذوي الفضل؛ عرفانًا بِفَضلهم، أبدأ بشرح خُطَّة البحث لِهذه الرِّسالة، والله - تعالى - الموفِّق.



خطة البحث:
تشتمل الرِّسالة على: مقدِّمة، وأربعة أبواب، وخاتمة.

المقدمة: عن الإمامة، وتشتمل على ستِّ مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف الإمامة.
المسألة الثانية: في الشُّروط الواجبِ توافرُها في الإمام.
المسألة الثالثة: في طرق انعقاد الإمامة.
المسألة الرابعة: فيما ينحَلُّ به عَقْد الإمامة.
المسالة الخامسة: في الأمور التي يجب على الإمام القيام بها حالَ تولِّيه الإمامة.
المسألة السادسة: في سبب تأخير أحكام البَغْي في كتب الفقه الإسلامي.

أما الأبواب، فأربعة:
الباب الأول
(في الخارجين على الإمام)
وهو يتضمن تمهيدًا، وأربعة فصول.
أما التمهيد، ففي حكم الخروج على الإمام.

وأما الفصول، فكالآتي:
الفصل الأول: في أقسام الخارجين عن طاعة الإمام.
الفصل الثاني: في الشُّروط التي يجب أن تتوفَّر في الخارجين على الإمام، حتَّى تتعلق بِهم أحكامُ أهل البغي.
الفصل الثالث: أول ما يتَّبِعه الإمام مع البغاة.
الفصل الرابع: حكم مَن لا منَعة لهم من الخارجين عن طاعة الإمام.

الباب الثاني
(في حقيقة البغي والبغاة)
ويشتمل على خمسة مباحث:
المبحث الأول: في تعريف البَغْي لغةً.
المبحث الثاني: الآيات التي وردَ فيها لفْظُ البغي من القرآن الكريم.
المبحث الثالث: في تعريف البغي اصطلاحًا.
المبحث الرابع: في صفة خروج الحسين بن علي - رضي الله عنهما.
المبحث الخامس: في حكم الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، والمُدافع عن نفسه ضدَّ السُّلطان.

الباب الثالث
(ما يترتب على البغي من أحكام)
ويشتمل على خمسة عشر فصلاً:
الفصل الأول: واجب الإمام تُجاه أهل البغي.

وهو يتضمن ثمانية مباحث:
المبحث الأول: في سبب نزول قوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ [الحجرات: 9]... الآية.
المبحث الثاني: الفوائد المأخوذة من الآية الواردة في قتال أهل البغي.
المبحث الثالث: كيفية دفع البُغاة.
المبحث الرابع: في فضل الصَّبْر على البَغْي على دفْعِه بالقتال.
المبحث الخامس: متَى يَأذن الإمام بقتال البُغاة؟
المبحث السادس: واجب الناس عند دَعْوة الإمام لَهم إلى قتال أهل البَغْي.
المبحث السابع: الفرق بين قتال البُغاة وقتال الْمُشركين والمرتدِّين.
المبحث الثامن: الفرق بين قِتال قُطَّاع الطَّريق وقتال أهل البَغْي.

الفصل الثاني: في القضاء.
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: قاضي أهل البغي، وما يُنَفَّذ من أحكامه وما لا ينفَّذ.
المبحث الثاني: كتاب قاضي البغاة إلى قاضي أهل العَدْل.
الفصل الثالث: شهادة أهل البغي.
الفصل الرابع: شُفْعة أهل البغي.

الفصل الخامس: حكم ما إذا ارتكب أهْلُ البغي حالَ امتناعهم ما يوجب العقوبة.
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: في حكم ارتكابهم ما يوجب الحدَّ.
المبحث الثاني: في حكم ارتكابِهم ما يوجب القِصاص.

الفصل السادس: ما نفَّذه أهل البغي حال بغْيِهم من أحكام واجبة عليهم.
ويشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: حكم جِباية أهل البغي.
المبحث الثاني: دعوى أهل العدل دفْعَ زكاتِهم إلى البُغاة.
المبحث الثالث: دعوى أهل الذِّمة دفْعَ الجزية إلى البغاة.
المبحث الرابع: دعوى دفْعِ الْخَراج.

الفصل السابع: الآلات الحربيَّة.
ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حُكْم استعمال النَّار وما في معناها مِمَّا يعمُّ إتلافُه في قتال أهل البغي.
المبحث الثاني: حكم استعانة الإمام على البُغاة بسلاحهم.
المبحث الثالث: حكم بيع السِّلاح من أهل الفِتْنة.

الفصل الثامن: في حكم مَن يشترك مع إحدى الطَّائفتين في القتال.
ويشتمل على سبعة مباحث:
المبحث الأول: حكم ما إذا قاتل مع البُغاة مَن ليس أهْلاً للقتال.
المبحث الثاني: حكم ما إذا حضَر مع البُغاة مَن كان أهلاً للقتال وكفَّ نفسه عنه.
المبحث الثالث: استعانة أهل البغي بأهل الْحَرب.
المبحث الرابع: استعانة البغاة بأهل الذِّمة.
المبحث الخامس: استعانة أهل البغي بالْمُستأمَنين.
المبحث السادس: حكم استعانة أهل العدل بالكفَّار، وبِمن يَرى قتل البغاة مُدْبِرين.
المبحث السابع: حكم قتل العادل حالَ كونه في صفِّ أهل البغي.

الفصل التَّاسع: في ترْك البُغاةِ القتالَ.

الفصل العاشر: حكم اقتتال المسلمين فيما بينهم لعصبيَّة أو رئاسة.
ويشتَمِل هذا الفصل على مبحثَيْن:
المبحث الأول: في بيان حكم الاقْتِتال وما يترتَّب عليه.
المبحث الثاني: في بيان الموقف الذي يتعيَّن على الإمام وجماعة المسلمين اتِّخاذُه من المتقاتلين.

الفصل الحادي عشر: في استِنْظار البُغاة الإمامَ.
ويشتمل هذا الفصل على مبحثين:
المبحث الأول: حكم ما لو استَنْظر البغاةُ الإمامَ.
المبحث الثاني: طلب البغاة ترْكَهم للأبد، بشرط كفِّ أذاهم عن أهل العَدْل.
الفصل الثاني عشر: في حكم غنيمة أموال أهل البغي وسبْي ذريتهم.

الفصل الثالث عشر: ما يتلف على الطَّرَفين.
ويشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: حكم ضمان ما أتْلَفه أهلُ البغي من نفْسٍ أو مال.
المبحث الثاني: حكم ضمان ما أَتلف أهْلُ العدل من أموال أهل البغي حالَ الحرب.
المبحث الثالث: حكم ضمان ما أَتْلف بعضهم على بعض في غيْر حال الحرب.

الفصل الرابع عشر: في الأَسْرى.
ويشتمل هذا الفصل على مبحثين:
المبحث الأول: في حكم أُسَارى أهل البغي.
المبحث الثاني: في تبادل الأَسْرى.

الفصل الخامس عشر: في حكم قتْلَى الطرفين من حيث الشَّهادةُ والإرث.
ويشتمل هذا الفصل على ستَّة مباحث:
المبحث الأول: في حكم الشهيد.
المبحث الثاني: قتْلى أهل البغي وحكم تغسيلِهم وتكفينهم والصلاة عليهم.
المبحث الثالث: هل تَجري أحكامُ الشهيد على قتلى أهل العدل؟
المبحث الرابع: حكم نَقْل رؤوس البغاة إلى الآفاق.
المبحث الخامس: حكم قتْل العادل ذا رَحِمِه البَاغي.
المبحث السادس: حكم قتل العادل مورثَه الباغي أو العكس.

الباب الرابع
الخـوارج
ويشتمل هذا الباب على تَمهيد وستة مباحث:
التمهيد: في استعراض ما كتبه الفقهاءُ عن الخوارج.

وأما المباحث، فكما يلي:
المبحث الأول: في تعريف الْخَوارج.
المبحث الثاني: شُبَه الخوارج.
المبحث الثالث: هل يُعتبر الخوارِجُ بغاةً أم لا؟

المبحث الرابع: حكم ما يقع من الخوارج وهم بيْن أهل العدل.
ويشتمل هذا المبحث على مطلبَيْن:
المطلب الأول: في حكم ما لو سبَّ الخوارجُ الإمامَ أو غيْرَه.
المطلب الثاني: الحكم فيما لو أظهر قومٌ رأي الخوارج.

المبحث الخامس: ضمان الخوارجِ ما أتلفوه من الأموال والأنفس.
المبحث السادس: قتل الخوارج ابتداءً، والإجهاز على جريحِهم.

خاتـمة
في أهمِّ النتائج التي توصَّلتُ إليها أثناء بحثي عن أحكام البغي والبغاة.



خاتمة البحث
بعد الانتهاء من تفاصيل الرِّسالة وجزئياتِها المهمَّة، المتعلِّقة بأحكام البَغْي والبغاة في الشريعة الإسلاميَّة، توصَّلْتُ إلى النتائج التالية:

أوَّلاً: أنَّ الشريعة الإسلامية متمثِّلةً في كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هي خير ما يستعان بِهما في تحقيق الأمن والسَّلامة لجميع العالَم الإسلامي.

ثانيًا: أنَّ كلام الأئمة الفقهاء له الجانب الكبير من الأهَمِّية في بيان جزئِيَّات الشريعة الإسلامية، وبيان خلفيَّاتِها التي ما زالت ولا تزال تقع يومًا بعد يوم، مِمَّا يجعلنا نَشْخَص بأبصارنا دومًا إلى الاستفادة من كتبهم وتصانيفهم التي مضى على بعْضِها عدَّةُ قرون، مِمَّا يجعلنا نزداد يقينًا بأنَّ الشريعة الإسلامية صالِحةٌ لكلِّ زمان ومكان.

ثالثًا: عرَفْنا من خلال بَحثنا عن الإمامة، وذلك في مقدِّمة الرسالة، أنَّ هذا المنْصِب هو أكبر مَنْصب في نظام الدَّولة في الإسلام، وأنَّ الإسلام اعتنَى بِنَصْب الإمام اعتناءً بالِغًا؛ لأنَّ في صلاحِه صلاحَ الأمة، وفي فسادِه فسادَها، والناس على دين ملوكهم، وكان مِن نتيجة هذا الاعتناءِ البالغ من جانب الشَّارع بالإمام ونَصْبه: دفْعُ مَفْسدة البُغاة والخارجين، ومَن تَمعَّن في بَحثِيَ الخاصِّ بالإمامة في المقدِّمة علم ذلك علم اليقين، وليس الْخَبَر كالعيَان.

رابعًا: تطرقْتُ في الباب الأول من أبواب الرسالة إلى الحديثِ عن الخارجين على الإمام وأقسامهم، ومهَّدت لِهذا الموضوع بتمهيد يتعلَّق بِحُكم الخروج على الإمام؛ لكي أبيِّن للقارئ أنَّ جريمة البغي جريمةٌ شنعاء، متوعَّدٌ عليها من جانب الشَّرع بوعيدٍ عظيم؛ إذْ إنَّ من نتائجه تفريقَ وَحْدة المسلمين وتضامُنِهم، وعرقلةَ مسيرةِ الحياة نحو الأفضل والأكمل، وتظهر آثارُ ذلك في سَفْك دماء الأبرياء، وقتْل العُزَّل والآمنين من المُسْلمين مِمَّا لا يرضاه شرعٌ ولا عقل.

خامسًا: ذكرْتُ في الباب الثاني من الرِّسالة تعريفاتِ الفقهاء واللُّغويِّين للبغي، هذا بالإضافةِ إلى ذِكْر الآيات القرآنيَّة الكريمة التي تشتمل على لفظ البغي، وذلك في عدَّة سُوَر من القرآن الكريم؛ لكي أبيِّن للقارئ الكريم من خلال ذلك اتِّجاهاتِ اللُّغويين والفقهاء في هذه اللَّفظة، التي تعتبر سهلةَ الأداء، ولكنَّها عظيمةُ المعني، فهي تَعْنِي الخروج والعصيان ومُجاوزةَ الحدِّ، ويكفي القارِئَ هذه المعاني إذا هو أدرك نتائجها، وما تُسبِّبه من آلام للفرد والمُجتمع.

وأما الآيات التي وردتْ في القرآن الكريم وفيها ذِكْرُ لفظ البغي، فحدِّث ولا حرج، فالله - عز وجل - تكلَّم بِهذه الآيات، ونطق بِها كما هي، بحروفها المُثْبَتة في القرآن الكريم، مما يجعلنا نَزِنُ هذه الكلمة بِميزان الفكر والمنطق، ونَحْسب لَها ألف حساب؛ فالبعد عن معانيها بُعْدٌ عن الحق ونفورٌ منه، ومَن بَعُد عن الحق ونفَرَ، فكأنَّما خرَّ من السماء، فتخطفه الطير أو تَهْوي به الريح في مكان سحيق.

فالويل ثم الويل لمن ينهج منهج البغاة والْمُنحرفين، والقرآنُ أرشدنا إلى أن نأخذ الحق من البغاة والمفسدين؛ لكي نقيم مَعالِمَ الدين، قال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ [الشورى: 39].

سادسًا: تطرَّقْتُ في الباب الثالث إلى الحديث عن بيان الأحكام التفصيلية والجزئية، والخلفيَّات التي تُنْبئ عن بُعْد نظر الإسلام إلى المواضيع ذات الأهَمِّية في الحياة العامَّة والخاصة، مِمَّا يَجعل طالِبَ العلم دومًا على اتِّصال بِما بيَّنه الفقهاء والباحثون.

هذا بالإضافة إلى ظهور الشريعة الإسلامية، وتفوُّقِها على جميع القوانين الوضعيَّة، ومن خلال هذا الباب يَرى القارئُ مدى عدالة الإسلام، ونظرته إلى الأحوال بِمِنظار الْحَقِّ والعدل، ليس فيها مُجاملة ولا مَيْل للأشخاص، ولا الأهواء، ولا غرابةَ في ذلك؛ فالشريعة الإسلامية كاملةٌ غيْر ناقصة، وعادلةٌ غيْر جائِرَة، تَسعى إلى تَحقيق الأمن والرخاء للبشر جميعًا، ليست شريعةَ أغراضٍ وأهواء، بل هي شريعة سماوية عادلة.

فيا حبَّذا لو نظر أهْلُ القانون إلى الشريعة بِمنظار الحقِّ والعدل، واستعملوا فكرهم ومنطقهم! لَعرفوا الفرق الكبير بين الوضعَيْن: وضع إِلَهي سماوي كامل، بِجانب وضع بشري مُمزَّق، تُمزِّقه الأهواء والنَّزَعات.

سابعًا: تطرَّقتُ في الباب الرابع إلى الحديث عن أحكام الخوارج، وبيان شُبَههم؛ لِما بيْن موضوعِ البُغاة والخوارج من اتِّصال وثيق؛ فكلاهما تشبَّع بفكرة الخروج والعصيان ومُجاوزة الحدِّ، نسأل اللهَ - تعالى - العافية في الدِّين والدُّنيا، وأن يجعلنا وإخوانَنا المسلمين في منأًى عن البغاة والمفسدين؛ إنه سميع مجيب.

ثامنًا: قد بينَّا خلال بَحثنا عن أحكام البغي والبغاة، أن خروج البغاة مبنيٌّ على تأويل سائغ، وهو من باب الخطأ في الاجتهاد؛ لذا فإنه رُوعِيَ هذا الجانب في الشريعة الإسلامية على ما تقدَّم بيانُه في مواضيع الرِّسالة؛ مِمَّا يُحقِّق التَّوازُنَ الكامل بالنسبة للمجتمع الإسلامي، فبِجانب الْحَزم الشديد - لأجْل الحفاظ على وَحْدةِ الجماعة الإسلامية - نرى الاقتصاد في تحقيق هذا القَصْد على ما تقتضيه الضرورة، لا يُزاد على ذلك، ويُؤخذ بعين الاعتبار الأخوَّة الإسلامية، ولو اتُّبع هذا الْمسلك في الدولة الإسلامية لَما استشْرَت الفِتَن، ولما انفكَّ عِقْد المسلمين.

وفي الختام:
أسأل الْمَولى العليَّ القدير أن يوفِّق وُلاةَ أمورنا إلى تطبيق الشَّريعة الإسلامية؛ ففيها الخيْرُ كلُّه، وصدَقَ الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلَّم - حيث قال: ((تركْتُكم على المَحجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغُ عنها إلاَّ هالك)).

هذا ما استطعت أن أقدِّمه لمكتبتنا الإسلامية العامرة، راجيًا من الله - عز وجل - أن يكون هذا البحث مقدِّمة لأبحاث أخرى تعود بالخير العميم على كلِّ طالب علم.

وإنَّني أبتهل إلى الله - عزَّ وجل - أن يَجعل عملي هذا صدقةً جارية لِي في حياتي وبعد مَماتي، والله - عزَّ وجل - هو وحده المطَّلِع على السرائر.

وصلى الله على نبيِّنا محمد - صلَّى الله عليه وسلم - وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.


المصدر: الألوكة
المشاهدات 3474 | التعليقات 0