أحــكام الأضـحيـــة الشيخ معين صالح السلامي
الفريق العلمي
خطبة الجمعة 25/ 11/ 1443هـ
الحمد لله ... أما بعد:
عباد الله: حديثُنا في هذا اليوم المبارك، وفي هذه الدقائق المعدودات، عن الأضحية وأحكامها.
الأضحية -أيها الأحبة في الله-: هي ما يُذبح من بهيمة الأنعام يوم النحر -وهو اليوم العاشر من ذي الحجة- تقرُّبًا إلى الله تعالى، وسُمِّيت أضحية؛ لأنها تُذبح في وقت الضحى، وهي من الشرائع التي اتفقت عليها كلُّ الملل من عهد إبراهيم عليه السلام، قال الله ﷻ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}.
ودلَّ على مشروعيتها في ديننا: كتابُ ربِّنا، وسُنَّةُ نبيِّنا، وإجماعُ علمائِنا.
- قال الله ﷻ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}.
- وصحَّ عن نبينا ﷺ أنه قال: «من وجد سعةً لأن يضحي فلم يُضحِّ، فلا يحضر مصلانا».
- وصحَّ عنه ﷺ أنه قال: «يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية».
- وصحَّ عن عبدالله بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي ﷺ أقام بالمدينة عشر سنين يضحي.
- وحكى غير واحد من أئمة الإسلام الإجماع على مشروعية الأضحية، منهم: الإمام أبو محمد ابن حزم الظاهري، والإمام ابن قدامة المقدسي، وغيرهما.
عباد الله: وللأضحية شروط لا بد من توفرها حتى تكون مجزئة:
الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام (الإبل، أو البقر، أو الغنم) ولا تجزئ من غيرها، قال الله ﷻ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}.
وإذا كانت الأضحية من الإبل أو البقر، فيجوز المشاركة فيها، وتجزئ الواحدة عن سبعة، روى الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله -رضي اللَّه عنهما- قال: (أمرنا رسول الله ﷺ أن نشرك في الإبل والبقر سبعة في واحد منهما).
الشرط الثاني: أن تبلغ السِّنَّ المحددة شرعًا، وهي أن تكون مُسِنَّة، أو جذَعَة من الضأن، فقد روى الإمام مسلم عن جابر -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: «لا تذبحوا إلا مُسِنَّة إلا أن يَعسُر عليكم فتذبحوا جذَعَة من الضأن».
والمُسِنَّة: هي الثني فما فوقها، والجذَعَة ما دون ذلك.
والثني من الإبل ما تم له خمس سنين ودخل في السادسة، ومن البقر ما تم له سنتان ودخل في الثالثة، وأما الثني من المعز فهو على مذهب الإمام الشافعي: ما تم له سنتان ودخل في الثالثة، أما على مذهب الإمام أحمد بن حنبل: فهو ما تم له سنة ودخل في الثانية. والجذَعَ من الضأن على مذهب الإمام الشافعي: ما تم له سنة ودخل في الثانية، وعلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: ما تم له ستة أشهر ودخل في السابع.
ومذهب الإمام أحمد هو الذي أفتى به مجموعة من كبار علماء هذا العصر، ومنهم الإمام ابن باز، والعلامة ابن عثيمين -رحمهما الله تعالى-، وغيرهما.
فمن تيسر له أن يأخذ بمذهب الشافعي فهو الأفضل والأحوط، ومن لم يتيسر له وأخذ بمذهب الإمام أحمد فلا بأس إن شاء الله، خاصةً في ظل هذه الظروف التي تمر بها بلادنا.
وإذا بلغت الأضحية السن المحددة فلا فرق فيها بين أن تكون ذكرًا أو أنثى.
الشرط الثالث: أن تكون الأضحية خالية من العيوب، فقد صحَّ من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي»، والعجفاء: هي الهزيلة، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، كالعمياء ومقطوعة اليد وغيرها، فإن كان العيب يسيراً، كعَرَج يسير، أو كُسر يسير من القرن، أو قطع يسير من الأذن، فإنه لا يضر. وتجزئ الجمَّاء التي لا قرون لها.
الشرط الرابع: أن تُذبح في الوقت المحدد لها شرعًا، وهو من بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق. روى البخاري عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ قال: «من ذبحَ قبلَ الصلاةِ فإنما ذبحَ لنفسهِ ومن ذبحَ بعدَ الصلاةِ فقد تمَ نسكُهُ وَأَصابَ سُنةَ المسلمينَ»، وصحَّ عنه ﷺ أنه قال: «كل أيام التشريق ذبح».
فتكون الأيام أربعة، وهي يوم العيد وثلاثة أيام التشريق بعده، فمن ضحى في هذه الأيام ليلاً أو نهاراً فأضحيته صحيحة، ولا تصح الأضحية في غير هذا الوقت، إلا من حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق، فلا بأس أن يذبح بعد خروج الوقت للعذر.
عباد الله: ومن أحكام الأضحية: أنه يُسَنُّ للمضحي أن يذبح أضحيته بيده، ويقول: بسم الله والله أكبر، ففي الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- قال: (ضحى النبي ﷺ بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما)، وكان أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- يأمر بناته أن يذبحن أضحيتهن بأيديهن، وفي هذا دليل على جواز ذبح المرأة المسلمة.
وإذا كان لا يحسن الذبح استعان بمن يحسن ذلك، والأفضل أن يكون حاضرًا وقت الذبح، ولا يجوز أن يُعطى الجزار أجرته من لحم الأضحية، فإن أُعطي منها على سبيل الهدية أو الصدقة فجائز.
كما يُسَنُّ للمضحي أن يخرج لصلاة العيد ولا يفطر حتى يأكلَ من أضحيته، كما صحَّ ذلك من فعل النبي ﷺ.
ومن أحكام الأضحية -أيها الأحبة في الله-: أنه إذا دخلت عشر ذي الحجة فعلى المضحي أن يمسك عن الأخذ من شعْرِه وأظفارِه وبشرته، فقد روى الإمام مسلم عن أم سلمة -رضي الله عنها-، أن النبي ﷺ قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعْرِه وأظفارِه»، وفي رواية: «إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعْرِه وبشره شيئًا».
أقول ما سمعتم وأستغفر الله.
_____
الخطبة الثانية:
الحمد لله .... أما بعد:
عباد الله: عظموا أضحياتكم، وأخلصوا نياتكم، فإن الأضحية من شرائع هذا الدين وشعائره العظمى، شرعها الله لتحقيق هدف أسمى، وغاية كبرى، ألا وهي "التقوى"، قال الله ﷻ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، وقال ﷻ: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}.
فلتكن نية المسلم هي التقرب إلى الله، ونيل الأجر والثواب من الله، فتقربوا بها إلى ربكم، طيبةً بها نفوسُكم، فهي أفضل عمل يعمله المسلم يوم النحر، فقد رُوِي عن نبينا ﷺ أنه قال: «ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطِيْبُوا بها نفسًا».
واعلموا -عبادَ الله- أن أفضل الأضحية أسمنُها وأغلاها؛ ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يُسمِّنون أضحياتهم، قال أبو أمامة بن سهل: (كنا نُسمِّن الأضحية، وكان المسلمون يُسمِّنون). رواه البخاري.
نسأل الله العلي العظيم ربَّ العرش العظيم أن يتقبَّل منَّا طاعاتنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه .....
والحمد لله رب العالمين ....