{ أَحْسَنُ عَمَلًا }

مبارك العشوان 1
1444/11/19 - 2023/06/08 17:38PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } الكهف 7

وَيَقُولُ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا } الكهف 30

وَيَقُولُ تَعَالَى: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } الملك 2

قَالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ: ( أَحْسَنُ عَمَلاً )

أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ، وَقَالَ: إِنَّ العَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ؛ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا.

قَالَ: وَالخَالِصُ إِذَا كَانَ لِلَّهِ عَزَ وَجَلَّ، وَالصَّوَابُ إِذَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَينِ الأَمْرَينِ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ نُؤَدِيهَا وَلَا يُغْنِي أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَرِ: ( الإِخْلَاصُ وَالمُتَابَعَةُ )

فَأَمَّا الإِخْلَاصُ: فَأَنْ يَقْصُدَ العَامِلُ بِعَمَلِهِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ.

المُخْلِصُ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى رَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ وَخَشْيَةً مِنْ عِقَابِهِ وَمَحَبَّةً لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَعْظِيمًا.

المُخْلِصُ يُنَقِّي أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ مِنَ الرِّيَاءِ؛ لَا يَقْصُدُ بِعَمَلِهِ مَدْحَ النَّاسِ وَثَنَاءَهُمْ، أَوِ اِتِّقَاءَ مَذَمَّتِهِمْ، أَوِ المَنْزِلَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، أَوْ تَحْصِيلَ شَيءٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ.

قَالَ تَعَالَى: { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ، قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي، فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } الزمر 11ـ 15  

الإِخْلَاصُ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - هُوَ مَحَلُّ الاِهْتِمَامِ، وَهُوَ مَنَاطُ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاءِ، وَالثَّوَابِ أَوِ العِقَابِ، وَالقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ.

يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) رواه مسلم

وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى... ) متفق عليه.

بِالإِخْلَاصِ - عِبَادَ اللهِ - وَبِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ يَبْلُغُ الإِنْسَانُ مَبْلَغَ العَامِلِينَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللهُ: ( إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِئَةِ ) رواه البخاري ومسلم.

أَلَا فَلْنَتَّقِ اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَلْنُخْلِصْ لَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي كُلِّ مَا نَأْتِي وَمَا نَذَرُ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أمَّا بَعدُ: فَالشَّرْطُ الثَّانِي لِصِحَّةِ العَمَلِ وَقَبُولِهِ: المُتَابَعَةُ   بِأَنْ يَكُونَ العَمَلُ مُوَافِقًا لشَرْعِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا.

وَلِهَذَا فَإِنَّ عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ أُمُورَ دِينِهِ؛ لِيَعْبُدَ اللهَ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ.

يَتَعَلَّمُ أَرْكَانَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ وَالإِحْسَانِ، يَتَعَلَّمُ كَيْفَ يَغْتَسِلُ وَكَيْفَ يَتَوَضَّأُ وَكَيْفَ يَتَيَمَّمُ؛ يَتَعَلَّمُ كَيْفَ يُصَلِّي  وَكَيْفَ يَصُومُ وَكَيْفَ يَحُجُّ وَكَيْفَ يُزَكِّي، يَتَعَلَّمُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيهِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَجَمِيعِ مُعَامَلَاتِهِ.

وَلْيَسْأَلْ عَمَّا لَا يَعْلَمُ؛ قَالَ تَعَالَى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }  الانبياء 7

وَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الدِّينَ؛ وَمَا مِنْ صَغِيرَةٍ وَلَا كَبِيرَةٍ إِلَّا جَاءَ بِبَيَانِهَا.

يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي السَّمَاءِ إلَّا ذَكَرَ لِلْأُمَّةِ مِنْهُ عِلْمًا، وَعَلَّمَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى آدَابَ التَّخَلِّي وَآدَابَ الْجِمَاعِ، وَالنَّوْمِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ، وَالسَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ، وَالصَّمْتِ وَالْكَلَامِ وَالْعُزْلَةِ وَالْخُلْطَةِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَجَمِيعِ أَحْكَامِ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ... إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ:

وَكَذَلِكَ عَرَّفَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  مِنْ أُمُورِ مَعَايِشِهِمْ مَا لَوْ عَلِمُوهُ وَعَمِلُوهُ لَاسْتَقَامَتْ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ أَعْظَمَ اسْتِقَامَةٍ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَجَاءَهُمْ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِرُمَّتِهِ... الخ

عِبَادَ اللهِ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْرَعَ شَيْئًا لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ؛ لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ شَيئًا مِنَ العِبَادَاتِ، أَوْ يَسْتَحْسِنُهُ.

لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَغِبَّ النَّاسَ فِي أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مُبْتَدَعَةٍ وَيَنْشُرُهَا عَبَرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ؛ حَتَّى وَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ حَسَنًا؛ فَلَا بُدَّ مَعَ حُسْنِ القَصْدِ مِنْ مُوَافَقَةِ الشَّرْعِ.

وَقَدْ أَنْكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى قَوْمٍ ابْتَدَعُوا بِدْعَةً؛ فَقَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ،  قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ.

عِبَادَ اللهِ: البِدَعُ كُلَّهَا ضَلَالٌ وَشَرٌّ، وَهِيَ أَبْعَدُ مَا تَكُونُ عَنِ الخَيرِ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( خَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ  وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: ( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )

فَلْنَحْرِصْ عَلَى الاِتِّبَاعِ، وَلْنَحْذَرْ مِنَ الضَّلَالِ وَالاِبْتِدَاعِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

المرفقات

1686235060_{ أَحْسَنُ عَمَلًا }.pdf

1686235077_{ أَحْسَنُ عَمَلًا }.docx

المشاهدات 1457 | التعليقات 0