أحبُّ الأعمـال الى الله ( 1 )

أحمد عبدالله صالح
1443/04/12 - 2021/11/17 15:39PM

خطبــة جمعــة بعنــوان

(( احبُّ الاعمال الى الله )) (1)

ثم اما بعد ايها الكــرام 

مدرسةٌ ما أحلَى أن نُطيِّبَ الأسماع بتوجيهاتها وبالإنصات لتعاليمها، وما اروع ان نُطيِّب الأوقاتَ بالعيش معها، وما اجمل ان نُغذي الأرواح بعطرها الندي وروضها الماتع..

ما احسن ان نرتشف من معينها العذب، وسلسبيلها الصافي ما يفيدنا في سيرنا الى الله، ففي الحديث الذي رواه الطبراني وابن أبي الدنيا عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، أيُّ الناسِ أحبُّ إلى الله؟ وأيّ الأعمالِ أحبُّ إلى الله؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((أحبُّ الناسِ إلى الله تعالى أنفعُهم للنّاس، وأحبُّ الأعمال إلى الله :-

سرورٌ تُدخِله إلى مسلمٍ، أو تكشِف عنه كربةً، أو تقضِي عنه دينًا، أو تطرُد عنه جوعًا، ولأن أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ أحبَّ إليّ مِن أن أعتكِفَ في هذا المسجد ـ يعني مسجدَ المدينة ـ شهرًا، ومن كفَّ غضبَه سترَ الله عورته، ومن كظمَ غيظَه ولو شاء أن يمضيَه أمضاه ملأَ الله قلبَه رجاءً يومَ القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى تتهيّأ له أثبتَ الله قدمَه يوم تزول الأقدام، وإنَّ سوءَ الخلُق ليفسِد الدّين كما يفسِد الخلُّ العسل))

حديثٌ عظِيم تضمَّن ما يُورِثُ حبَّ الله وحبَّ الخلق وما بِه تشيعُ روحُ الأخوّة بين المسلمين وتقوَى العلاقاتُ معه بين المؤمنين.

حديثٌ جليل تضمَّن من مبادئ الأخلاق أعلاها ..

ومِن قيَم الآداب أرفعَها، ومِن معالي المحاسِن أزكاها، ومِن محاسِنِ الشمائل أرقاها ...

حديثٌ جليل تضمّن توجيهاتٌ تزكو بها النفوس وتصلح بها المجتمعاتُ وتسعَد بها الأفراد والجماعات ..

حديث جليل احتوى قِيَم اجتماعيّةٌ لم يشهد التأريخُ لها مثيلاً، ومبادِئُ حضاريّة لم تعرف البشريّة لها نظيرًا ...

ذلكم أنّها توجيهاتُ من لا يصدر عن الهوى،

( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [النجم]  4

ايها الاحبة فى الله :

هذا الحديث يُبين أن أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، ومعنى ذلك أن الناس يتفاوتون في محبة الله عزوجل لهم، وأن أحبهم إليه سبحانه أنفعهم للناس..

فكلما كَثَُر نفعُ العبد لإخوانه المسلمين، كلما ازدادت محبة الله تبارك وتعالى له، وكلما نقصت منفعة العبد لإخوانه المسلمين، كلما نقصت محبة الله عزوجل له..                      

والنفع المذكور في قوله عليه الصلاة والسلام: ((أحبُّ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس))

 لا يقتصر على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي، والنفع بالنصيحة، والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه، والنفع بالسلطان، ونحو ذلك...

 فكلما استطعت أن تنفع به إخوانك المسلمين فنفعتهم به، فأنت داخل في الذين يحبهم الله تعالى.

ايها الأحباب الكرام

وحتى لا أطيل عليكم دعونا نقف اليوم بسرعة مع احب الاعمال الى الله بشكل مختصر وسوف نقف مع كل عمل بشكلٍ منفرد في خطب قادمة ان شاء وعلى صورة سلسلة خطب احب الاعمال الى الله الله، فقال عليه الصلاة والسلام (( وأحب الأعمال إلى الله: ... اولاً (( سرور تدخله على مسلم ))

وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأفراد، فقد يتحقق السرور في قلب المسلم : بسؤال أخيه عنه، وقد يتحقق بزيارة أخيه له، وقد يتحقق بهدية أخيه له، وقد يتحقق بالابتسامة، وقد يتحقق بالكلمة الطيبة، وقد يتحقق بتلبية دعوة، وقد يتحقق بإطعام طعام، وقد يتحقق بأي شيء سوى ذلك...

ويفهم من هذا أن الله إذا كان يحب إدخال السرور على قلب المسلم فإنه يَبغض إدخال الحزن على قلب المسلم والواجب على كل مسلم، أن يعمل جاهدا على إدخال السرور على قلب إخوانه المسلمين وأن يحذر كل الحذر من إدخال الحزن على قلوب إخوانه المسلمين.

= ومن أحب الأعمال إلى الله ثانياً :

 ((أن تكشف عن مسلم كربةً )).

والكربة هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الهم والغم والكرب، ولقد وعد الله تعالى على لسان رسوله أن يرفع كُرب الآخرة عمن يرفع كُرب الدنيا عن المسلمين، ففي الحديث عنه أنه قال:             

 ((من نفّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)).

= ومن أحب الأعمال إلى الله ثالثاً :

(( أن تقضى عن مسلم ديناً )).

 إنّ الله تبارك وتعالى جعل للغارمين نصيباً في الصدقات المفروضة، وجعل لهم حقاً معلوماً في مال الأغنياء، قال تعالى: (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل )) التوبة:60].

والغارمون هم من ركبتهم الديون ولزمتم، ثم لم يجدوا لها وفاء، فأهل الأموال مطالبون شرعاً بقضاء دين الغارمين.

ولذلك جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال : ((أصيب رجل في عهد رسول الله في ثمار ابتاعها، فكثرت ديونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((تصدقوا عليه))، فتصدق الناس عليه فلم يبلغ وفاء دينه، فقال لغرمائه: ((خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك)).

= ومن أحب الأعمال إلى الله عزوجل رابعاً :

(( أن تطرد عن مسلم جوعاً ))

 فطرد الجوع عن الجائعين عمل من أعمال البر، يجزي الله عليه بجنة عالية، قطوفها دانية، فيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشرً ، قال تعالى: ((  إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا• عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا• يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا • ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا • إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا • إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً •  فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرةً وسرورا • وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا)) [الإنسان:5-12].

ولقد حث الله تعالى على طرد الجوع عن الجائعين، فقال عزوجل: (( فلا اقتحم العقبة • وما أدراك ما العقبة •فك رقبة • أو إطعام في يوم ذي مسغبة • يتيماً ذا مقربة • أو مسكيناً  ذا متربة •  ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة • أولئك أصحاب الميمنة ))[البلد:11-18].

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((أطعموا الجائع، وفكوا العاني، وعودواالمريض)).

ويقول : ((أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)).

بل انّ النبي صلى الله عليه وسلم نفى الإيمان عمن بات شبعان وجاره جائعاً، فقال عليه الصلاة والسلام :((ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه)).

ولقد بين الله سبحانه وتعالى أن من الأسباب الموجبة لدخول النار عدم طرد الجوع عن الجائعين مع القدرة عليه.. فقال تعالى:                 

(( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين (ولم نك نطعمُ المسكين ) وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين)) [المدثر:38-47].

بل أبلغ من ذلك جعل الله تعالى من أسباب دخول النار ترك الحض على إطعام الجائعين، قال الله عزوجل: (( وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم (ولا يحض على طعام المسكين) فليس له اليوم ها هنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون )) [الحاقة:25-37].

فما اجمل ان يعيش الانسان لغيره يتفقد الجائع فيطعمه ويسد جوعته ويقضي حاجته ويرفع غمه ويبدل حزنه سروراً، وكم سيدعو لك كل مسكين وجائع ومحتاج وفقير، كم سيرفعون لك برقيات للخالق بان يبارك الله مالك ويصلح ولدك ويحفظ اهلك ويدفع عنك مصائب الدنيا وشرورها ...

ايُّ سعادة ستغمرك ان لم تكن في الدنيا ستكون في الآخرة وقد فتح لك سجل مد البصر فيه من كفالات الأيتام وإطعام الجائعين ما يسد الخافقين.

ويكفيك جائزة الحبيب صلى الله عليه وسلم التى قال فيها: ( من ادخل السرور على اهل بيتٍ لم يجد الله له جزاءً غير الجنّة ).

ولو طفت معكم يا احبابي الكرام في سير السابقين من السلف الصالح  لوجدنا انّ هذه الاعمال والخصال العظيمة إلتزَم بها الصالحون وعمِل بها المتّقون، وكانت ديدنهم وشعاراً اتسم فيهم ..

 قال أبو هريرة رضي الله عنه: ( كنَّا نسمِّي جعفرَ أبا المساكين؛ كان يذهَب إلى بيته، فإن لم يجِد شيئًا أخرج لنا عُكّةً مِن عسلٍ أثرُها عسَل فنشقُّها فنلعَقُها )) .

وكانت لأبي برزَة الأسلميّ جفنةٌ من ثريدٍ في الغدوِّ والعشيّ للأرامِل واليتامَى والمساكين .

وكان عليّ بن الحسَين رضي الله عنه وعن أبيه وعن جدّه يحمِل الخبزَ باللّيل على ظهرِه يتتبّع به المساكين في الظلمَة ويقول:

"إنّ الصّدقةَ في سوادِ اللّيل تطفِئ غضَبَ الربّ"

وقال محمد بن إسحاق رحمه الله: " كان ناسٌ مِن أهل المدينةِ يعيشون لا يدرون من أينَ كان معاشُهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين فقَدوا ذلك الذي كانوا يُؤتَونَ بالليل فعلِموا أنه منه، ولهذا قيل: كان يعول مائةَ أهل بيتٍ من المدينة.

خامساً من أحب الأعمال إلى الله عز وجل

ما ذكره حديث النبي صلى الله عليه وسلم  :

((ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهرا))، والمراد بالحاجة أيُ حاجة كانت:

مالية أو علمية أو أدبية، دينية أو دنيوية.

وفي الحديث  يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

((ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام))، والمراد بقوله ((ثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام)) أن الذي يمشي في حاجة أخيه المسلم حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم القيامة على الصراط، الذي هو مدحضة مزلة، أرق من الشعر، وأحد من السيف، وعلى جنبتيه كلاليب وخطاطيف، تتخطف الناس.

ففي قوله هذا إشارة إلى فضل المشي مع المسلمين في قضاء حوائجهم، ولقد كثرت الأحاديث في الحث على السعي في قضاء حوائج المسلمين، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم :

 ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)).

وقوله عليه الصلاة والسلام :((من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)).

وكلها تحث على السعي في قضاء حوائج المسلمين، وتبين أن الوقت الذي ينفقه المسلم في قضاء حاجة أخ له لا يضيع عليه سدى، بل إنّ الله تبارك وتعالى يعطيه خيراً مما بذل وأكثر، فإنك لو أعطيت أخاك المسلم قليلاً من وقتك، تسعى معه في قضاء حاجته، أعطاك الله خيراً مما أعطيت أخاك المسلم وأكثر مما بذلت له، ((من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)) فإن الجزاء من جنس العمل، والله عزوجل يقول: (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)) [الرحمن]

فعلى العاقل ان يستعين على قضاء حاجة نفسه بالسعي في قضاء حاجات المسلمين، فإنك إذا سعيت في قضاء حاجات المسلمين سعى الله في قضاء حاجتك، فأيهما خير لك؟!                             

أن تسعى في حاجة نفسك أنت، أم يسعى الله العليم القدير، الذي بيده ملكوت كل شيء، وعنده خزائن كل شيء، في قضاء حاجتك.

ومن هنا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم أشد حرصا من غيرهم على المشي في قضاء حوائج المسلمين، رُوي أن الحسن البصري رحمه الله بعث نفراً من أصحابه في قضاء حاجة لرجل مسلم،

 وأمرهم أن يمروا بثابت البناني فيأخذوه معهم، فأتوا ثابتاً فأخبروه فقال: إني معتكف، فرجعوا إلى الحسن، فقال لهم: قولوا له يا أعمش!

أما تعلم، ان مشيك في قضاء حوائج المسلمين خير لك من حجة بعد حجة. فرجعوا إلى ثابت فترك اعتكافه وخرج معهم .

- ولقد كان عمر بن الخطاب يتعاهد الأرامل بالليل يستقي لهن الماء فرآه طلحة ليلة يدخل بيت امرأة، فدخل طلحة على المرأة نهارا فإذا هي امرأة عمياء مقعدة، فقال لها: يا هذه ما يصنع هذا عندك؟

قالت: إنه منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فقال طلحة : ثكلتك أمك يا طلحة! أعورات عمر تتبع؟!

-  وكان كثير من الصالحين إذا خرج في سفر مع أصحابه يشترط عليهم أن يخدمهم، فإذا خرجوا وأراد أحدهم أن يغسل رأسه أو قميصه قال:

هذا شرطي، فتركه يغسل رأسه وقميصه.

- وفي الصحيحين عن أنس قال: كنا مع النبي في سفر، فنزلنا منزلاً في يوم شديد الحر.. فكان أكثرنا ظلاً من يستظل بكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، وكان منا الصائم ومنا المفطر، فنزل الصائمون، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركائب، فقال النبي :((ذهب المفطرون اليوم بالأجر))، لأنهم كانوا في خدمة إخوانهم الصائمين وقضاء حوائجهم.

فيا أخي الكريم :

إقضِ الحوائجَ ما استطعتَ

                              وكن لهمِّ أخيكَ فارج

فلخــيرُ أيـامِ الفـتى يومٌ

                                قضى فيه الحوائج

اقض الحوائج ما استطعت، واسعَ في حوائج المسلمين ما استطعت، وتذكر أن ما بك من نعمة فإنما أنعم الله بها عليك لتنفع المسلمين، وتمشي في حوائجهم، فإن أنت فعلت أتم عليك نعمته وزادك منها، وإن أنت بخلت وقعدت عن المشي في قضاء حوائج المسلمين ذهبت عنك نعمة الله تبارك وتعالى، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن لله تعالى أقواماً يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويثبتها عندهم ما نفعوهم، فإذا هم لم ينفعوهم حوّلها إلى غيرهم)).

اقــــول ماسمعتم واستغفروا الله لي ولكم..

 


الخطبـة الثانيـة                           

ثم اما بعد :

تحدثت معكم في الخطبة الاولى عن أعمالٍ عظيمة

يحبها الله ويحب فاعلها وهي ( ادخال السرور على مسلم، وكشِفُ كربةٍ عن مسلم، وقضِاء دينٍ عن مسلم، وطرُد الجوع عن المسلم، والمشي في قضاء حاجة مسلم ..

وهذه الاعمال الخمسة الجليلة ذكرتها لكم اليوم اجمالاً بلا تفصيل وتوسع وسوف اقف معكم في جمعٍ قادمةٍ بإذن الله جل وعلا مع كل واحدةٍ على حده..

احبتي الكــرام 

وفي نهاية هذا حديث اليوم وبعد ان وجّه النبي صلى الله عليه وسلم السائل إلى أحب الأعمال إلى الله تعالى ختم هذا التوجية بقوله: ((وإن سوء الخلق يفسدُ العمل كما يُفسد الخلّ العسل)).

وكأنّ النبي صلى الله عليه وسلم يريد ان يقول للسائل : إذا عملت بماسمعت من أحب الأعمال إلى الله وهُديت إليها كلها أو بعضها فاجتنب سوء الخلق، فإنّ سوء الخلق يُحبط الأعمال ويُضّيع الثواب، فأنت تجتهد في الأعمال وتنصب رجاء برها وذخرها يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون .

ثم إذا كنت سيء الخلق لم ترَ ثوابها وبِرَها وذخرها يوم القيامة، لأن سوء الخلق من محبطات الأعمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ودلت على ذلك أحاديث كثيرة منها، قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه يوماً : ((أتدرون من المفلس ؟))

 قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار.

فقال : ((المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة ونسك، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه ثم طرح في النار)).

قال بعضُ السّلف:"سوءُ الخلُق سيّئةٌ لا تنفَع معها كثرةُ الحسنات، وحُسن الخلق حَسنةٌ لا تضرّ معها كثرةُ السيّئات"، وفي الحديث عن أبي هريرة :

((أن رجلاً قال يا رسول الله! إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها. فقال : ((هي في النار))..

قال: يا رسول الله! إن فلانة يُذكر من قلة صلاتها وصيامها وصدقتها، ولكنها لا تؤذي جيرانها بلسانها، فقال : ((هي في الجنة)).

وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام :

((إن المؤمن لُيدركُ بحسنِ خلقه درجة الصائم القائم ، وإن العبد المؤمن ليحبط عمله بسوء خلقه))..

فالله الله عباد الله! إياكم وسوء الخلق، فإن الغاية من الأعمال الصالحة تتميم مكارم الأخلاق ..

والله سبحانه وتعالى لايقبل العبادات الشعائرية اذا لم تقترن بالعبادات التعاملية، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (( الدين المعاملة )).

 ففي ركن الصلاة وعمود الدين قال تعالى:

((  إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ))

وقوله عليه الصلاة والسلام :(( من لم تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا ))

- فما تنفع صلاة مصلٍ في الصف الاول أو في الذي يليه وهو بعد ان يخرج من المسجد يشتم هذا، ويلعن هذا، ويسب هذا، ويقذف هذا، ويتتبع عورة هذا، ويأخذ مال هذا، شيطان رجيم يقترف الإثم ويدعوا النّاس إليه ويبتعد عن الخير ويصرف الناس عنه..

- ماتنفع صلاة مصلٍ وهو بعد ان يخرج من الصلاة يؤذي من حوله فلا يسلم منه لاجار ولا اخ ولاقريب أو رحم، مؤذي مزعج مشاحن مخاصم معادي، سبّاب، لعان، شتّام، الله غنيٌ عن صلاتك، الله غنيٌ عن طاعتك ... اذا كنت بهذا الحال..

لان الصلاة ليست مجرد حركات وليست مجرد طقوس او حركات رياضية...

انّما الصلاة تهذيب، الصلاة تطهيرٌ للنفس، الصلاة رفعة عن سفاسف الامور ، الصلاه تقويمٌ للسلوك ..

الصلاة تهذيبٌ للروح، الصلاة تنقيةٌ للقلب من الشرور والأحقاد، الصلاة تنميةٌ للأخلاق ...

الصلاة ممارسة عملية ليكون المسلم نموذجاً

في حياته ومصدراً للسعادة لنفسه ولبني جنسه.

وفي ركن الزكاة قال الله تعالى:

((  خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ))[التوبة:103]، فالزكاة ليست نهبٌ للمال او فرضٌ لضريبة او نوعاً من الاغتصاب وانما هو مالٌ يؤدى عن طيب نفسٍ وخاطر دون تأففٍ ولاعجرفةٍ، ولاتطاول على الفقير والمسكين او إلحاق الضرر به او المنّ عليه، فهي المال الذي يعطى بطيب خاطر ورضا نفس وكرم يد ..

فالزكاة طهارهٌ لمال الغني، وهي تزكيةٌ لنفس الفقير من الغل والحقد الذي يتأجج في صدره..

إنّها بمثابة التأمين على العرض والمال والنفس.

واذا كانت هنالك شركات عالمية تقوم على التأمين:

(( تأمين على الارض - تأمينٌ على النفس - التأمين على السيارة على البيت على الفله - التأمين الصحي....)) فإنّ الاسلام أقام قبل هذه الشركات تأمينٌ اجتماعي بدفع الزكاة من الغنى للفقير فيصبحُ الغني الذي يعطي ويدفع زكاة ماله مؤمنّاً آمناً عند عبّاد الله فهم جميعاً حراسُ ماله وحراسُ نفسه وحراسُ مصالحه دون إلحاق الضرر به.

وفي ركن الصوم قال عليه الصلاة والسلام:

(( اذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فأن سابه احدٌ او قاتله فليقل انى امرؤٌ صائم ))

فليس الصوم لاجل الموائد ولا لكى نسهر الليالي الطوال بدون ذكرٍ وعلم وتلاوة وتسبيح، وليس الصوم لاجل الجوع والعطش..

انّما الصيام تعامل، الصيام ارتقاءٌ للروح، الصيام اخلاق، الصيام تهذيب، الصيام تربية، الصيام وحده، الصيام طهور للنفس لكى تكون على استعداد لتحمل المشقات الصعاب..

وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (( من لم يدع قول الروو والعمل به فليس لله حاجةً في ان يدع طعامه وشرابه )).

وفي ركن الحج قال سبحانه (( فلا رفث ولا فسوق ولاجدال في الحج ))، وقال عليه الصلاة والسلام

(( من حجّ ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته امه )).

فحسن الخلق مطلوب لقبول الاعمال وبها يلقى العبد برها وثوابها وذخرها عند الله يوم تزل الاقدام، وبدونها فأن الاعمال محبطه والحسنات هباءً منثوراً، والله يقول: (( وقدمنا الى ماعملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً ))...

اللهم تقبل منا صالح الاعمال، واكتبناعندك من المقبولين، وفي اعلى جنانك من السابقين، وخفف ظهورنا من وزر ثقيل، وتقبل يسير أعمالنا فإنك تقبل العمل القليل....

ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه

وثنى به ملائكته المسبحه بقدسه وثلث به عباده

من جنِّه وإنسه فقال -

(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....

 

المشاهدات 3542 | التعليقات 0