أجنحة الإفساد الثلاثة
عبدالله يعقوب
1436/09/18 - 2015/07/05 00:24AM
الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيمًا وتكبيرًا...
المتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا...
المتعالي بعظمته ومجده، الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. تعالى رباً وإلهاً، وتقدس ذاتاً وأقوالاً، وتوحد عن النظير أسماءاً وأفعالاً.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.. وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.. وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْوَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَفَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يدَ الله على الجماعة، ومن شذَّ عنهم فمات، فميتته جاهلية.
أيها المسلمون... إن دينَ الإسلام.. دينُ الخيرِ والعدلِ والإحسان، (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) دينُ الصلاح والإصلاح، يدعو إلى الخير وينهى عن الشرّ والفساد، يقول تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا).
الفسادُ في الأرض.. إجرامٌ نهى عنه ربُّنا جلّ وعلا، وتتابعت رسُلُ الله وأنبياؤه ينهَون عن الفساد في الأرض، قال نبيّ الله صالح عليه السلام لقومه: (وَٱذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى ٱلأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتًا فَٱذْكُرُواْ ءالآء ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ مُفْسِدِينَ)، ونبيُّ الله شعيب يقول لقومه: (وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ مُفْسِدِينَ)، ونبي الله موسى يخاطب أخاه نبيَّ الله هارون قائلاً له: (ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ) وصالحوا البشر يخاطبون قارون قائلين له: (وَٱبْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلأرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ).
الفسادُ في الأرض.. خُلُق اللئامِ من البشر، والله لا يحبّ المفسدين ولا يصلِح عملَهم، قال تعالى عن أعدائه اليهود: (وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ)، وقال تعالى عن موسى ومخاطبته آلَ فرعون: (فلما ألقوا قال موسى مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ).
أيها المسلمون...لقد رتبَّ عزَّ وجلَّ على الفسادِ عقوبةً عظيمة، فقال تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ) وقال: (وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَـٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى ٱلأرْضِ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء ٱلدَّارِ).
أيّها المسلمون.. عندَ تدبُّر نصوص الشريعة الغراء من كتابِ الله وسنة رسول الله، نرى فيهما نهياً وتحذيرًا عن أنواعٍ من الفساد؛ ليكون المسلم على بصيرةٍ وحذرٍ من أيِّ نوع منها.
ومن أنواع الفساد: الدعواتُ إلى القتلِ والخروجِ على ولي الأمر.. وتفجيرُ المساجد.. وقتلُ الآمنين.. التي تبين الخللَ الشرعيَ العظيمَ الذي وقع فيه الخوارج، بل هذه الدعوات المنحرفةُ دليلٌ واضحٌ على عاقبةِ هذا التوجه وعظيمِ انحرافه، وحسبُك من شرِ سماعه.!!
وإننا ندين اللهَ تعالى.. بأن الدعوةَ إلى الخروجِ على جماعةِ المسلمين وأئمتهم، ونعتَ علماءِ الشريعةِ بنعوتِ السوء، ووصفَهم بصفاتِ الشر... كلُّ هذا منكرٌ عظيم وشرٌ مستطيرٌ، لا يمكن أن يصدر عن رجلٍ له رأيٌ سليم، أو معه عقلٌ راجح، فضلاً عمن يزعم أنه ينتسبُ إلى العلم، وينتحلُ شعيرةً عظيمةً هي الجهادُ في سبيل الله.
اللهم إنّا نبرأ إليك من الدعوة إلى سفك الدم الحرام، أو السعي في العظائم، ونعوذ بك أن نلقاك وفي رقابنا دم حرام.. ولأن يلقى اللهَ المرءُ بكل عظيمةٍ ما خلا الشرك.. لهو أهونُ من أن يلقاه وفي رقبته دمُ امرئٍ مسلمٍ سفكه ظلماً وبغياً. (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
أيها المسلمون.. ومن أنواع الفساد: إضلالُ الناس وتشكيكُهم في دينهم وصرفُهم عن الطريق المستقيم، ويمثلُ هذا الدورَ ويقومُ به.. ثلةٌ من المنافقين.. وللأسف.. بعضهم من بني جلدتنا.. وممن يتكلمون بألسنتنا.. يفسدون في الأرض عبر قنوات فضائية.. ومقالات صحفية.. وروايات يسمونها أدبية.. تهزأ من الفضيلة.. وتدعو للرذيلة.. وتلبِّس على الناس دينهم... وفيهم وفي أمثالهم يصْدُقُ قولُ الله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ).
أيها الأحبة... عندما أدركنا خطورةَ تسخير تقنية البث المباشر.. في إنشاء قنوات بث فضائية تعبر حدودنا وتغزو منازلنا، ركزّنا على التحذير من مخاطر الغزو الفكري الغربي لمجتمعاتنا عبر القنوات الفضائية، وتوقع كثيرون أن تستغلَ الدولُ الغربيةُ هذه التقنية لإفسادِ الصالحَ من مجتمعاتنا عن طريقِ نشرِ الإباحيةِ والتنصيرِ وأفكارِ التحررِ من القيمِ الأخلاقيةِ، وترويجِ ممارسةِ الفاحشةِ بطرقٍ محرّمةٍ مبتذلة. وركزَّ المصلحون حينذاك على التحذيرِ من الرياحِ القادمةِ من الغرب.
لكنَّ الذي حدث وبكل أسف هو ما لم يكن في حسبان أحدٍ منا، وهو أن التسابقَ في عالمِ إفسادِ القيمِ والأخلاق جاء من قنواتٍ عربيةٍ صرفة!! عربيةِ التمويلِ واللغةِ والإخراجِ والممثلين والمخططين.
الغربُ الكافر.. بثَّ قنواتِ فسادٍ ومجون، لكنه كعادته جعلها بمقابلٍ ماديّ، أما نحن فمشكلتنا بل مصيبتنا.. جاءت من رجالِ أعمالٍ عربٍ ومسلمين.. لا يهمهم الربح.. بقدر ما تهمهم الشهرة، ويكفيهم مردودُ الإعلانِ والاتصالاتِ الهاتفية من البعض.. ليفسدوا الكلَّ.. إن استطاعوا، فكانت قنواتٍ مجانيةً متاحةً عبر كلِّ الأقمار وبمجرد ضغطةِ زرِّ الزنادِ القاتلِ للقيمِ والأخلاق.
هذه الحرب غير الأخلاقية، التي تشنها الفضائياتُ العربيةُ على المشاهدِ العربي المسلم فيعمقه الفكري والأخلاقي، أخذتْ منحىً نوعياً لم يكن أشدَّ المحذرين منها ومنخطورتها يتوقعه.
يتصل هذا التحولُ النوعيُ بالخلفيات والأسس التي تنطلق منها هذهالحربُ الضروس، خاصةً في جانبها الأخلاقي.. فلم تعد مظاهرُ الغوايةِ والفحشِ والغناءِ الماجنِ والإختلاءات الآثمةِ، والمشاهد الفضائحية.. لم تعدْ تُعرضُ في سياقِالاعتراف بمخالفتها الشرعية والأخلاقية والتربوية، وإنما باتت تُعرض في سياق عكسيتماماً.. هو سياقُ التسويغ والتبرير، بل إباحةُ الباطل.. ونفي أن يكون في تلك المظاهر ما يخالف الدين والخُلُق، رغم أنها من المحرم القطعي بالنص والإجماع!
بل تجاوز البعضُ إباحةَ الباطل إلى إيجابِ الباطل.. ونسبةِ الرضا عنه وإقرارِه إلى الله، تعالى الله عما يقوله الظالمون علوا كبيراً.. ومقولتهم هذه ليست إلاَّ إعادةً لمقولةٍ سابقةٍ باطلة: (وإذا فعلوا فاحشةً قالوا وجدناعليها آباءنا.. واللهُ أمرنا بها).
هل تصدق أنه في أحدِ مهرجانات الاختلاط العربية، كان ثمةَ من يعلل حماستَه بأن النبي صلى الله عليه وسلم يحث علىالإتقان!
وأحدُ الكتّاب العرب يعلل دفاعه عن ظاهرة العُري، بأن الله خلق الجمال من أجلالاستمتاع به!
وفي بعض المسلسلات يُستهزأ بالدين وشعائره، ويتهكم على المستقيمين، والعِلَّةُ هذه المرة: تصحيح الوعي.
والحقيقةُ العقديةُ الشرعيةُ التي قفز عليها هؤلاء وأولئك منالمفترين، أن الله تعالى وإن قدَّرَ الغوايةَ والفاحشةَ والباطلَ كوناً يقتضي الحدوثَوالوقوعَ لحكمةٍ بالغةٍ يريدها، فإنه لا يأمر بها ولا يرضاها شرعاً: (قل إن الله لايأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون).
ألا فلنتّق الله أيها الصائمون، ولنعرف لرمضان حقه وحرمته، ولنجتنب المعاصي والذنوب، ولنتب إلى الله توبة صادقة في هذا الشهر، فإنها والله فرصة، والمحرومُ من حرم الرحمة والغفران.. في شهر العتق من النيران.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا حمدا.. والشكر له سبحانه وتعالى شكرا شكرا..
أيها المسلمون.. ومن أنواع الفساد في الأرض: تقنين الباطل.. وذلك بالانتقال من مرحلة تسويغ الباطل والفجور.. إلى مرحلة جعله قانونا ونظاما.. لا يحق الاعتراضُ عليه ولا السخرية به ولا بأهله.
وفي هذا الوقت العصيب الذي يئن فيه المسلمون ضعفاً وخوراً نفاجأ بإفسادٍ وإسفافٍ.. جاءنا هذه المرة من وراء البحار.. من سيدةِ العالم وزعيمةِ النظام العالمي والقطبِ الأوحد فيه.. من أمريكا.. وليست بأولى سوءاتها.. فقد تعودنا منها كلَّ خبيث.. لكنه هذه المرة بلغَ الغايةَ قبحاً وشناعة..
هذا الانحطاط هو إباحةُ زواج اللوطيين بعضهم من بعض.. ويسمونه زواج الشواذ.. كما يسمونه زواج المثليين.. وحقيقته أن يتزوج الرجل رجلاً مثله.. لكنه يطؤه من دبره.. وتتزوج المرأة امرأة مثلها.. يتسافدان تسافد الحُمُر.
نحن - أيها الكرام - لا نتحدث عن هذه الجريمة الكبرى والخطيئة العظمى من حيث الوجود لديهم أو لا.. فهي موجودة منتشرة تضج بها منتدياتهم وأفلامهم.. ولكنا نتحدث عن تقنين هذا الباطل.. وجعله مشروعا لا يحق لأحد الاعتراض عليه أو على فاعليه. فالخطيئة الكبرى هنا في تقنين وتشريع هذا الباطل.
أيها المسلمون: إذا كان إتيانُ الزوجة في دبرها محرم في شريعة الإسلام، بل هو كبيرة من الكبائر، وعلى ذلك دلت الأدلةُ الشرعية من السنة الثابتة وقول الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الإسلام.. فكيف بوطء الرجل ؟؟!!
قال ابن القيم (عن قوم لوط): ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل، ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوطٍ أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبةً لم يعاقب بها أمَّة غيرهم، فجمع عليهم أنواعاً من العقوبات: من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذَّبهم، وجعل عذابهم مستمراً، فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمَّة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة، التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها .
وقال: وأطبق أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتل فاعل اللواط، لم يختلف منهم فيه رجلان، وهي بينهم مسألة إجماع.
أيها المسلمون: لله عز وجل سنن وأيام في الظالمين، لا تتبدل ولا تتحول، والسنة التي حقت على الظالمين قديما، ستحق على الظالمين حديثاً، والسنة التي حقت على الطغاة، كـالنمرود، وفرعون، وهامان، وقارون، وأبي جهل، وأبي بن خلف، وغيرهم، سوف تحق على إخوانهم شاءوا أم أبوا، عرفوا أم جهلوا، أدركوا أم لم يدركوا، فسنة الله تعالى لا تحابي أحداً، ولا تجامل أحداً، وهي ماضية على هؤلاء كما مضت على أولئك: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)، فأبشروا أيها الناس بسنة الله في هذه الأمة الظالمة التي طغت وبغت، وعاثت في الأرض فسادًا، سيهلكها الله كما أهلك الأمم الغابرة، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ، وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ).
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ). وقال تعالى: (وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). وقال تعالى: (وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ).
وهؤلاء عاد لما تكبروا وطغوا وتجبروا، وقالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) رد الله عليهم بقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ). ولما عاينوا السحبَ في السماء، قالوا: (هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا)، ردَّ الله عليهم بقوله: (بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، تُدَمّرُ كُلَّ شَيْء بِأَمْرِ رَبّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَـٰكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ).
وهؤلاء ثمود لما طغوا وتكبروا على نبي الله صالح، وقالوا له: (يَاصَـٰلحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ)، عاقبهم الله تعالى بقوله: (فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ).
وهذا قارون لما تكبر وطغى، وقال مقولته النكراء (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي)، ردَّ الله سبحانه عليه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ: (وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) متفق عليه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لَوْ أَنَّ جَبَلًا بَغَى عَلَى جَبَلٍ لَدُكَّ الْبَاغِي) رواه البخاري في الأدب المفرد.
وهذه الدولة الظالمة قد جمعت استكبار عاد.. وطغيان ثمود.. وفجور قوم لوط.. وتطفيف قوم شعيب.. وكفر فرعون وهامان وأبي بن خلف.. فاستكملت أسباب عذابها.. نسأل الله العافية والسلامة لنا وللمسلمين.
نسأل الله ان يكفي المسلمين شرها.. وأن يرد كيدها في نحرها..
أيها المسلمون، لكل صائم في كل يوم وليلة.. دعوةٌ مستجابة، تُفتَّحُ لها أبوابُ الإجابة، فاستكثروا من الدعواتِ الطيباتِ في شهر النفحات، لكم، ولأهليكم، وذويكم، وتوسَّلوا إلى الله.. بأن ينصر إخوانكم المستضعفين والمشرَّدين، والمنكوبين والمأسورين والمضطهدين في كل مكان، فألحّوا على الله بالدعاء، وادعوا وأنتم موقنون بالإجابة...
فاللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، واتباعاً لسنة نبيك محمدٍ r، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم صل على نبينا محمد وآله وسلم...
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداءك أعداء الدين, واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
المتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا...
المتعالي بعظمته ومجده، الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. تعالى رباً وإلهاً، وتقدس ذاتاً وأقوالاً، وتوحد عن النظير أسماءاً وأفعالاً.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.. وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.. وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْوَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَفَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن أصدقَ الحديثِ كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يدَ الله على الجماعة، ومن شذَّ عنهم فمات، فميتته جاهلية.
أيها المسلمون... إن دينَ الإسلام.. دينُ الخيرِ والعدلِ والإحسان، (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) دينُ الصلاح والإصلاح، يدعو إلى الخير وينهى عن الشرّ والفساد، يقول تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـٰحِهَا).
الفسادُ في الأرض.. إجرامٌ نهى عنه ربُّنا جلّ وعلا، وتتابعت رسُلُ الله وأنبياؤه ينهَون عن الفساد في الأرض، قال نبيّ الله صالح عليه السلام لقومه: (وَٱذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِى ٱلأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتًا فَٱذْكُرُواْ ءالآء ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ مُفْسِدِينَ)، ونبيُّ الله شعيب يقول لقومه: (وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى ٱلأرْضِ مُفْسِدِينَ)، ونبي الله موسى يخاطب أخاه نبيَّ الله هارون قائلاً له: (ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ) وصالحوا البشر يخاطبون قارون قائلين له: (وَٱبْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلأرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ).
الفسادُ في الأرض.. خُلُق اللئامِ من البشر، والله لا يحبّ المفسدين ولا يصلِح عملَهم، قال تعالى عن أعدائه اليهود: (وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلأرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ)، وقال تعالى عن موسى ومخاطبته آلَ فرعون: (فلما ألقوا قال موسى مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ).
أيها المسلمون...لقد رتبَّ عزَّ وجلَّ على الفسادِ عقوبةً عظيمة، فقال تعالى: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ) وقال: (وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَـٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى ٱلأرْضِ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء ٱلدَّارِ).
أيّها المسلمون.. عندَ تدبُّر نصوص الشريعة الغراء من كتابِ الله وسنة رسول الله، نرى فيهما نهياً وتحذيرًا عن أنواعٍ من الفساد؛ ليكون المسلم على بصيرةٍ وحذرٍ من أيِّ نوع منها.
ومن أنواع الفساد: الدعواتُ إلى القتلِ والخروجِ على ولي الأمر.. وتفجيرُ المساجد.. وقتلُ الآمنين.. التي تبين الخللَ الشرعيَ العظيمَ الذي وقع فيه الخوارج، بل هذه الدعوات المنحرفةُ دليلٌ واضحٌ على عاقبةِ هذا التوجه وعظيمِ انحرافه، وحسبُك من شرِ سماعه.!!
وإننا ندين اللهَ تعالى.. بأن الدعوةَ إلى الخروجِ على جماعةِ المسلمين وأئمتهم، ونعتَ علماءِ الشريعةِ بنعوتِ السوء، ووصفَهم بصفاتِ الشر... كلُّ هذا منكرٌ عظيم وشرٌ مستطيرٌ، لا يمكن أن يصدر عن رجلٍ له رأيٌ سليم، أو معه عقلٌ راجح، فضلاً عمن يزعم أنه ينتسبُ إلى العلم، وينتحلُ شعيرةً عظيمةً هي الجهادُ في سبيل الله.
اللهم إنّا نبرأ إليك من الدعوة إلى سفك الدم الحرام، أو السعي في العظائم، ونعوذ بك أن نلقاك وفي رقابنا دم حرام.. ولأن يلقى اللهَ المرءُ بكل عظيمةٍ ما خلا الشرك.. لهو أهونُ من أن يلقاه وفي رقبته دمُ امرئٍ مسلمٍ سفكه ظلماً وبغياً. (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).
أيها المسلمون.. ومن أنواع الفساد: إضلالُ الناس وتشكيكُهم في دينهم وصرفُهم عن الطريق المستقيم، ويمثلُ هذا الدورَ ويقومُ به.. ثلةٌ من المنافقين.. وللأسف.. بعضهم من بني جلدتنا.. وممن يتكلمون بألسنتنا.. يفسدون في الأرض عبر قنوات فضائية.. ومقالات صحفية.. وروايات يسمونها أدبية.. تهزأ من الفضيلة.. وتدعو للرذيلة.. وتلبِّس على الناس دينهم... وفيهم وفي أمثالهم يصْدُقُ قولُ الله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ).
أيها الأحبة... عندما أدركنا خطورةَ تسخير تقنية البث المباشر.. في إنشاء قنوات بث فضائية تعبر حدودنا وتغزو منازلنا، ركزّنا على التحذير من مخاطر الغزو الفكري الغربي لمجتمعاتنا عبر القنوات الفضائية، وتوقع كثيرون أن تستغلَ الدولُ الغربيةُ هذه التقنية لإفسادِ الصالحَ من مجتمعاتنا عن طريقِ نشرِ الإباحيةِ والتنصيرِ وأفكارِ التحررِ من القيمِ الأخلاقيةِ، وترويجِ ممارسةِ الفاحشةِ بطرقٍ محرّمةٍ مبتذلة. وركزَّ المصلحون حينذاك على التحذيرِ من الرياحِ القادمةِ من الغرب.
لكنَّ الذي حدث وبكل أسف هو ما لم يكن في حسبان أحدٍ منا، وهو أن التسابقَ في عالمِ إفسادِ القيمِ والأخلاق جاء من قنواتٍ عربيةٍ صرفة!! عربيةِ التمويلِ واللغةِ والإخراجِ والممثلين والمخططين.
الغربُ الكافر.. بثَّ قنواتِ فسادٍ ومجون، لكنه كعادته جعلها بمقابلٍ ماديّ، أما نحن فمشكلتنا بل مصيبتنا.. جاءت من رجالِ أعمالٍ عربٍ ومسلمين.. لا يهمهم الربح.. بقدر ما تهمهم الشهرة، ويكفيهم مردودُ الإعلانِ والاتصالاتِ الهاتفية من البعض.. ليفسدوا الكلَّ.. إن استطاعوا، فكانت قنواتٍ مجانيةً متاحةً عبر كلِّ الأقمار وبمجرد ضغطةِ زرِّ الزنادِ القاتلِ للقيمِ والأخلاق.
هذه الحرب غير الأخلاقية، التي تشنها الفضائياتُ العربيةُ على المشاهدِ العربي المسلم فيعمقه الفكري والأخلاقي، أخذتْ منحىً نوعياً لم يكن أشدَّ المحذرين منها ومنخطورتها يتوقعه.
يتصل هذا التحولُ النوعيُ بالخلفيات والأسس التي تنطلق منها هذهالحربُ الضروس، خاصةً في جانبها الأخلاقي.. فلم تعد مظاهرُ الغوايةِ والفحشِ والغناءِ الماجنِ والإختلاءات الآثمةِ، والمشاهد الفضائحية.. لم تعدْ تُعرضُ في سياقِالاعتراف بمخالفتها الشرعية والأخلاقية والتربوية، وإنما باتت تُعرض في سياق عكسيتماماً.. هو سياقُ التسويغ والتبرير، بل إباحةُ الباطل.. ونفي أن يكون في تلك المظاهر ما يخالف الدين والخُلُق، رغم أنها من المحرم القطعي بالنص والإجماع!
بل تجاوز البعضُ إباحةَ الباطل إلى إيجابِ الباطل.. ونسبةِ الرضا عنه وإقرارِه إلى الله، تعالى الله عما يقوله الظالمون علوا كبيراً.. ومقولتهم هذه ليست إلاَّ إعادةً لمقولةٍ سابقةٍ باطلة: (وإذا فعلوا فاحشةً قالوا وجدناعليها آباءنا.. واللهُ أمرنا بها).
هل تصدق أنه في أحدِ مهرجانات الاختلاط العربية، كان ثمةَ من يعلل حماستَه بأن النبي صلى الله عليه وسلم يحث علىالإتقان!
وأحدُ الكتّاب العرب يعلل دفاعه عن ظاهرة العُري، بأن الله خلق الجمال من أجلالاستمتاع به!
وفي بعض المسلسلات يُستهزأ بالدين وشعائره، ويتهكم على المستقيمين، والعِلَّةُ هذه المرة: تصحيح الوعي.
والحقيقةُ العقديةُ الشرعيةُ التي قفز عليها هؤلاء وأولئك منالمفترين، أن الله تعالى وإن قدَّرَ الغوايةَ والفاحشةَ والباطلَ كوناً يقتضي الحدوثَوالوقوعَ لحكمةٍ بالغةٍ يريدها، فإنه لا يأمر بها ولا يرضاها شرعاً: (قل إن الله لايأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون).
ألا فلنتّق الله أيها الصائمون، ولنعرف لرمضان حقه وحرمته، ولنجتنب المعاصي والذنوب، ولنتب إلى الله توبة صادقة في هذا الشهر، فإنها والله فرصة، والمحرومُ من حرم الرحمة والغفران.. في شهر العتق من النيران.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا حمدا.. والشكر له سبحانه وتعالى شكرا شكرا..
أيها المسلمون.. ومن أنواع الفساد في الأرض: تقنين الباطل.. وذلك بالانتقال من مرحلة تسويغ الباطل والفجور.. إلى مرحلة جعله قانونا ونظاما.. لا يحق الاعتراضُ عليه ولا السخرية به ولا بأهله.
وفي هذا الوقت العصيب الذي يئن فيه المسلمون ضعفاً وخوراً نفاجأ بإفسادٍ وإسفافٍ.. جاءنا هذه المرة من وراء البحار.. من سيدةِ العالم وزعيمةِ النظام العالمي والقطبِ الأوحد فيه.. من أمريكا.. وليست بأولى سوءاتها.. فقد تعودنا منها كلَّ خبيث.. لكنه هذه المرة بلغَ الغايةَ قبحاً وشناعة..
هذا الانحطاط هو إباحةُ زواج اللوطيين بعضهم من بعض.. ويسمونه زواج الشواذ.. كما يسمونه زواج المثليين.. وحقيقته أن يتزوج الرجل رجلاً مثله.. لكنه يطؤه من دبره.. وتتزوج المرأة امرأة مثلها.. يتسافدان تسافد الحُمُر.
نحن - أيها الكرام - لا نتحدث عن هذه الجريمة الكبرى والخطيئة العظمى من حيث الوجود لديهم أو لا.. فهي موجودة منتشرة تضج بها منتدياتهم وأفلامهم.. ولكنا نتحدث عن تقنين هذا الباطل.. وجعله مشروعا لا يحق لأحد الاعتراض عليه أو على فاعليه. فالخطيئة الكبرى هنا في تقنين وتشريع هذا الباطل.
أيها المسلمون: إذا كان إتيانُ الزوجة في دبرها محرم في شريعة الإسلام، بل هو كبيرة من الكبائر، وعلى ذلك دلت الأدلةُ الشرعية من السنة الثابتة وقول الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الإسلام.. فكيف بوطء الرجل ؟؟!!
قال ابن القيم (عن قوم لوط): ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل، ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوطٍ أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبةً لم يعاقب بها أمَّة غيرهم، فجمع عليهم أنواعاً من العقوبات: من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذَّبهم، وجعل عذابهم مستمراً، فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمَّة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة، التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها .
وقال: وأطبق أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتل فاعل اللواط، لم يختلف منهم فيه رجلان، وهي بينهم مسألة إجماع.
أيها المسلمون: لله عز وجل سنن وأيام في الظالمين، لا تتبدل ولا تتحول، والسنة التي حقت على الظالمين قديما، ستحق على الظالمين حديثاً، والسنة التي حقت على الطغاة، كـالنمرود، وفرعون، وهامان، وقارون، وأبي جهل، وأبي بن خلف، وغيرهم، سوف تحق على إخوانهم شاءوا أم أبوا، عرفوا أم جهلوا، أدركوا أم لم يدركوا، فسنة الله تعالى لا تحابي أحداً، ولا تجامل أحداً، وهي ماضية على هؤلاء كما مضت على أولئك: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)، فأبشروا أيها الناس بسنة الله في هذه الأمة الظالمة التي طغت وبغت، وعاثت في الأرض فسادًا، سيهلكها الله كما أهلك الأمم الغابرة، قال الله تعالى: (وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ، وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ).
وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ). وقال تعالى: (وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). وقال تعالى: (وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ).
وهؤلاء عاد لما تكبروا وطغوا وتجبروا، وقالوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) رد الله عليهم بقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِي ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ). ولما عاينوا السحبَ في السماء، قالوا: (هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا)، ردَّ الله عليهم بقوله: (بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، تُدَمّرُ كُلَّ شَيْء بِأَمْرِ رَبّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَـٰكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ).
وهؤلاء ثمود لما طغوا وتكبروا على نبي الله صالح، وقالوا له: (يَاصَـٰلحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ)، عاقبهم الله تعالى بقوله: (فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ).
وهذا قارون لما تكبر وطغى، وقال مقولته النكراء (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي)، ردَّ الله سبحانه عليه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ: (وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) متفق عليه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لَوْ أَنَّ جَبَلًا بَغَى عَلَى جَبَلٍ لَدُكَّ الْبَاغِي) رواه البخاري في الأدب المفرد.
وهذه الدولة الظالمة قد جمعت استكبار عاد.. وطغيان ثمود.. وفجور قوم لوط.. وتطفيف قوم شعيب.. وكفر فرعون وهامان وأبي بن خلف.. فاستكملت أسباب عذابها.. نسأل الله العافية والسلامة لنا وللمسلمين.
نسأل الله ان يكفي المسلمين شرها.. وأن يرد كيدها في نحرها..
أيها المسلمون، لكل صائم في كل يوم وليلة.. دعوةٌ مستجابة، تُفتَّحُ لها أبوابُ الإجابة، فاستكثروا من الدعواتِ الطيباتِ في شهر النفحات، لكم، ولأهليكم، وذويكم، وتوسَّلوا إلى الله.. بأن ينصر إخوانكم المستضعفين والمشرَّدين، والمنكوبين والمأسورين والمضطهدين في كل مكان، فألحّوا على الله بالدعاء، وادعوا وأنتم موقنون بالإجابة...
فاللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، واتباعاً لسنة نبيك محمدٍ r، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم صل على نبينا محمد وآله وسلم...
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداءك أعداء الدين, واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.