أثر كلام الله تعالى علينا
هلال الهاجري
1434/07/27 - 2013/06/06 19:28PM
إن الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنِا ومن سيئاتِ أعمالِنا .. من يهدِه اللهُ فلا مضلَ له ومن يضلل فلا هاديَ له .. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وأن محمداً عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
خرجَ الثلاثةُ من بيوتِهم .. وهم يستخفونَ من الناسِ .. يمشونَ في طُرقِ مكةَ .. ويسترُهم ظلامُ الليلِ .. ولا يعلمُ أحدُهم عن الآخرِ .. حتى جاءوا عندَ بيتٍ من بيوتِ مكةَ .. فجلسَ كلُ واحدٍ منهم في جانبٍ من جوانبِ البيتِ يستمعُ حتى طلعَ الفجرُ.
فمَن هؤلاء؟ .. ولماذا خرجوا؟ .. ولمن هذا البيتُ؟
إنهم سادةُ مكةَ .. أَبَو سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبَو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ .. خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا.
فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا .. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا .. حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ، عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ انْصَرَفُوا .. حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ أَلَا نَعُودَ: فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.
فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ .. فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ .. مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ؟ .. فَقَالَ: مَاذَا سَمِعْتُ، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا، حَتَّى إذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرَّكْبِ، وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ –أي متساوين في الفضلِ-، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ، وَاَللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا وَلَا نُصَدِّقُهُ.
هل رأيتُم أثرَ كلامِ اللهِ تعالى على أشدِ الناسِ عداوةً للإسلامِ؟ .. يتركونَ لذيذَ النومِ .. ويسهرونَ طَوَال الليلِ .. ليستمعونَ إلى هذا الكلامِ العجيبِ الذي استسلموا لبلاغتِه .. و أسرَهم جمالُه .. وخضعوا لجلالِه وعظمتِه ..
وكذلك قالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لما سمعَه: وَاللَّهِ، إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلى .. فسبحانَ اللهِ القائلِ: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ).
عبادَ اللهِ ..
دعونا نعبرُ البحرَ .. وننتقلُ إلى الحبشةِ .. إلى قصرِ ذلك الملكُ العادلُ الذي قال فيه النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ) .. اجتمعَ في ذلك المجلسِ النجاشيُ .. وأساقفتُه قد نشروا مصاحفَهم .. ووفدُ قريشٍ الذين جاءوا برسالةِ الشرِ والبهتانِ ليَردوا المسلمينَ إلى العذابِ والهوانِ .. وثلةٌ من المؤمنينَ المهاجرينَ .. فَقَالَ لَهُمْ النجاشيُ: مَا هَذَا الدّينُ الّذِي قَدْ فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا دِينِي، وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ؟
فقالَ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه: أَيّهَا الْمَلِكُ، كُنّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيّ مِنّا الضّعِيفَ، فَكُنّا عَلَى ذَلِكَ ..
حَتّى بَعَثَ اللّهُ إلَيْنَا رَسُولاً مِنّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ .. فَدَعَانَا إلَى اللّهِ لِنُوَحّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدّمَاءِ .. وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصّلاةِ، وَالزّكَاةِ، وَالصّيَامِ ... فَصَدّقْنَاهُ وَآمَنّا بِهِ وَاتّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللّهِ فَعَبَدْنَا اللّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرّمْنَا مَا حَرّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلّ لَنَا ..
فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا، لِيَرُدّونَا إلَى عِبَادَةِ الأوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللّهِ تَعَالَى، وَأَنْ نَسْتَحِلّ مَا كُنّا نَسْتَحِلّ مِنْ الْخَبَائِثِ فَلَمّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيّقُوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا .. خَرَجْنَا إلَى بِلادِك، وَاخْتَرْنَاك عَلَى مَنْ سِوَاك؛ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِك، وَرَجَوْنَا أَنْ لا نُظْلَمَ عِنْدَك أَيّهَا الْمَلِكُ.
فَقَالَ لَهُ النّجَاشِيّ : هَلْ مَعَك مِمّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟
فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ سورةِ مريمَ: (كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) إلى آخرِ الآياتِ.
فَبَكَى النّجَاشِيُّ حَتّى اخْضَلّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتّى أَخْضَلّوا مَصَاحِفَهُمْ حِين سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ النّجَاشِيّ: إنّ هَذَا وَاَلّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى؛ لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ.
هل سمعتم أثرَ كلامِ اللهِ تعالى على النصارى الباحثينَ عن الحقِ الذين لا يستكبرونَ؟ .. كما قالَ تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ).
يا أهلَ الإيمانِ ..
إن لكلامِ اللهِ تعالى أثراً على من يسمعُه ولو كانَ كافراً .. فهذا عتبةُ بنُ ربيعةٍ .. يعرضُ على النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ أموراً ليتركَ ما يدعوا إليه .. فَلَمَّا فَرَغَ عُتْبَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ .. قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْمَعْ مِنِّي .. فقرأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورةَ فصلت .. فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، حَتَّى انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى السَّجْدَةِ فَسَجَدَ فِيهَا, ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟، قَالَ : فَأَنْتَ وَذَاكَ.
فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ .. فسبحانَ اللهِ كيفَ أثّرَ كلامُ اللهِ تعالى في وجهِ ذلك الكافرِ حتى لاحظَه أصحابُه ..
فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ، قَالُوا مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ .. قَالَ: وَرَائِي أَنِّي وَاللَّهِ سَمِعْتُ قَوْلاً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ .. وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلا السِّحْرِ، وَلا الْكَهَانَةِ .. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَطِيعُونِي وَاجْعلُوهَا بِي، خَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ نَبَأٌ.
كلامٌ يتلوه المنافقُ فيكونُ له أثَّراً في رائحتِه وإن كان باطنُه خبيثاً .. قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: (وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ).
تلاه أسيدُ بنُ حضيرٍ رضيَ اللهُ عنه فجالت فرسُه ورأى في السماءِ شيئاً غريباً .. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ).
سمعَه الجنُ: (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) .. فكيفَ كان أثرُه عليهم؟ .. ولّوا إلى قومِهم منذرينَ .. (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
لو أُنزلَ على جبلٍ عظيمٍ لتشققَ وتصدعَ .. (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).
ولو كانَ كلاماً تُحركُ به الجبالُ عن أماكنِها .. وتُقطعُ به الأرضُ وتُشقُ .. ويُكلمُ به الموتى في قبورِهم .. لكان كلامُ اللهِ تعالى الذين بين أيديِنا .. (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا).
باركَ اللهُ لي ولكم في القرانِ العظيمِ .. ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ .. أقولُ ما تسمعون وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) .. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.
خرجَ الثلاثةُ من بيوتِهم .. وهم يستخفونَ من الناسِ .. يمشونَ في طُرقِ مكةَ .. ويسترُهم ظلامُ الليلِ .. ولا يعلمُ أحدُهم عن الآخرِ .. حتى جاءوا عندَ بيتٍ من بيوتِ مكةَ .. فجلسَ كلُ واحدٍ منهم في جانبٍ من جوانبِ البيتِ يستمعُ حتى طلعَ الفجرُ.
فمَن هؤلاء؟ .. ولماذا خرجوا؟ .. ولمن هذا البيتُ؟
إنهم سادةُ مكةَ .. أَبَو سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبَو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ .. خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا.
فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا .. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا .. حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ، عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ مِثْلَ مَا قَالُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ انْصَرَفُوا .. حَتَّى إذَا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ أَلَا نَعُودَ: فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.
فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ .. فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ .. مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ؟ .. فَقَالَ: مَاذَا سَمِعْتُ، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ، أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا، حَتَّى إذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرَّكْبِ، وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ –أي متساوين في الفضلِ-، قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ مِثْلَ هَذِهِ، وَاَللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا وَلَا نُصَدِّقُهُ.
هل رأيتُم أثرَ كلامِ اللهِ تعالى على أشدِ الناسِ عداوةً للإسلامِ؟ .. يتركونَ لذيذَ النومِ .. ويسهرونَ طَوَال الليلِ .. ليستمعونَ إلى هذا الكلامِ العجيبِ الذي استسلموا لبلاغتِه .. و أسرَهم جمالُه .. وخضعوا لجلالِه وعظمتِه ..
وكذلك قالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لما سمعَه: وَاللَّهِ، إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاهُ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلى .. فسبحانَ اللهِ القائلِ: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ).
عبادَ اللهِ ..
دعونا نعبرُ البحرَ .. وننتقلُ إلى الحبشةِ .. إلى قصرِ ذلك الملكُ العادلُ الذي قال فيه النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لاَ يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ) .. اجتمعَ في ذلك المجلسِ النجاشيُ .. وأساقفتُه قد نشروا مصاحفَهم .. ووفدُ قريشٍ الذين جاءوا برسالةِ الشرِ والبهتانِ ليَردوا المسلمينَ إلى العذابِ والهوانِ .. وثلةٌ من المؤمنينَ المهاجرينَ .. فَقَالَ لَهُمْ النجاشيُ: مَا هَذَا الدّينُ الّذِي قَدْ فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ، وَلَمْ تَدْخُلُوا دِينِي، وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ؟
فقالَ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه: أَيّهَا الْمَلِكُ، كُنّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الأرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، وَيَأْكُلُ الْقَوِيّ مِنّا الضّعِيفَ، فَكُنّا عَلَى ذَلِكَ ..
حَتّى بَعَثَ اللّهُ إلَيْنَا رَسُولاً مِنّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ .. فَدَعَانَا إلَى اللّهِ لِنُوَحّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدّمَاءِ .. وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصّلاةِ، وَالزّكَاةِ، وَالصّيَامِ ... فَصَدّقْنَاهُ وَآمَنّا بِهِ وَاتّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللّهِ فَعَبَدْنَا اللّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَحَرّمْنَا مَا حَرّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلّ لَنَا ..
فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا، فَعَذّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا، لِيَرُدّونَا إلَى عِبَادَةِ الأوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللّهِ تَعَالَى، وَأَنْ نَسْتَحِلّ مَا كُنّا نَسْتَحِلّ مِنْ الْخَبَائِثِ فَلَمّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَضَيّقُوا عَلَيْنَا، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا .. خَرَجْنَا إلَى بِلادِك، وَاخْتَرْنَاك عَلَى مَنْ سِوَاك؛ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِك، وَرَجَوْنَا أَنْ لا نُظْلَمَ عِنْدَك أَيّهَا الْمَلِكُ.
فَقَالَ لَهُ النّجَاشِيّ : هَلْ مَعَك مِمّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟
فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ سورةِ مريمَ: (كهيعص * ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) إلى آخرِ الآياتِ.
فَبَكَى النّجَاشِيُّ حَتّى اخْضَلّتْ لِحْيَتُهُ، وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتّى أَخْضَلّوا مَصَاحِفَهُمْ حِين سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ النّجَاشِيّ: إنّ هَذَا وَاَلّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى؛ لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ.
هل سمعتم أثرَ كلامِ اللهِ تعالى على النصارى الباحثينَ عن الحقِ الذين لا يستكبرونَ؟ .. كما قالَ تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ).
يا أهلَ الإيمانِ ..
إن لكلامِ اللهِ تعالى أثراً على من يسمعُه ولو كانَ كافراً .. فهذا عتبةُ بنُ ربيعةٍ .. يعرضُ على النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ أموراً ليتركَ ما يدعوا إليه .. فَلَمَّا فَرَغَ عُتْبَةُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ .. قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْمَعْ مِنِّي .. فقرأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سورةَ فصلت .. فَلَمَّا سَمِعَهَا عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا وَأَلْقَى بِيَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا يَسْمَعُ مِنْهُ، حَتَّى انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَى السَّجْدَةِ فَسَجَدَ فِيهَا, ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟، قَالَ : فَأَنْتَ وَذَاكَ.
فَقَامَ عُتْبَةُ إِلَى أَصحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ .. فسبحانَ اللهِ كيفَ أثّرَ كلامُ اللهِ تعالى في وجهِ ذلك الكافرِ حتى لاحظَه أصحابُه ..
فَلَمَّا جَلَسَ إِلَيْهِمْ، قَالُوا مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ .. قَالَ: وَرَائِي أَنِّي وَاللَّهِ سَمِعْتُ قَوْلاً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ .. وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلا السِّحْرِ، وَلا الْكَهَانَةِ .. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَطِيعُونِي وَاجْعلُوهَا بِي، خَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ نَبَأٌ.
كلامٌ يتلوه المنافقُ فيكونُ له أثَّراً في رائحتِه وإن كان باطنُه خبيثاً .. قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: (وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ).
تلاه أسيدُ بنُ حضيرٍ رضيَ اللهُ عنه فجالت فرسُه ورأى في السماءِ شيئاً غريباً .. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ).
سمعَه الجنُ: (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) .. فكيفَ كان أثرُه عليهم؟ .. ولّوا إلى قومِهم منذرينَ .. (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
لو أُنزلَ على جبلٍ عظيمٍ لتشققَ وتصدعَ .. (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).
ولو كانَ كلاماً تُحركُ به الجبالُ عن أماكنِها .. وتُقطعُ به الأرضُ وتُشقُ .. ويُكلمُ به الموتى في قبورِهم .. لكان كلامُ اللهِ تعالى الذين بين أيديِنا .. (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا).
باركَ اللهُ لي ولكم في القرانِ العظيمِ .. ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ .. أقولُ ما تسمعون وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) .. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لاشريكَ له .. رفعَ بهذا القرآنِ أقواماً ووضعَ به آخرين .. وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه .. كانَ خُلُقُه القرآنَ .. فمدحَه ربُه فقالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) .. صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ .. أما بعد:
يا أهلَ الإيمانِ ..
كيف هو حالُنا مع كلامِ اللهِ تعالى؟ .. وما هو أثرُ القرآنِ علينا؟
كيف هو حالُنا مع كلامِ اللهِ تعالى؟ .. وما هو أثرُ القرآنِ علينا؟
كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَة، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
هُوَ الكِتابُ الذي مَن قامَ يَقْرَؤُهُ .... كَأنَّما خاطَبَ الرَّحْمَنَ بالكَلِمِ
فيا عبدَ اللهِ .. عِش مع كتابِ اللهِ تعالى .. اتلوه ليلاً ونهاراً .. احفظْ أجزاءَه .. رَتِّلْ آياتِه .. تدّبرْ معانَيه .. تأملْ بلاغتَه .. قفْ عند حدودِه .. اعمل بأحكامِه .. تفكّرْ في أمثالِه .. اعتبر بقصصِه .. تخلّقْ بآدابِه.. تعلم تجويدَه .. اقرأ تفسيرَه .. كن من أهلِ القرآنِ الذين هم أهلُ اللهِ وخاصتُه .. وتذكرْ حديثَ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلمَ: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا فإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيةٍ تَقْرَؤُهَا).
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَه اللهُ تعالى في آخرِ عُمُرِه بعدَ حياةٍ مليئةٍ بالعلمِ والتعليمِ والجهادِ ومناظرةِ أهل الأهواء والدفاعِ عن الحقِ: (وندمتُ على تضييعِ أوقاتي في غيرِ معاني القرآنِ) فماذا عسانا أن نقولَ نحن؟.
اللَّهُمَّ إِنّا عَبيدُكَ .. بنو عَبيدِكَ .. بنو إمائكَ .. نَواصِينا بِيَدِكَ .. مَاضٍ فينا حُكْمُكَ .. عَدْلٌ فينا قَضَاؤُكَ .. نسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ .. سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ .. أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ .. أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ .. أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلوبِنا .. وَنُورَ صدورِنا .. وَذَهَابَ همومِنا وغمومِنا يا ربَ العالمينَ.
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمَه اللهُ تعالى في آخرِ عُمُرِه بعدَ حياةٍ مليئةٍ بالعلمِ والتعليمِ والجهادِ ومناظرةِ أهل الأهواء والدفاعِ عن الحقِ: (وندمتُ على تضييعِ أوقاتي في غيرِ معاني القرآنِ) فماذا عسانا أن نقولَ نحن؟.
اللَّهُمَّ إِنّا عَبيدُكَ .. بنو عَبيدِكَ .. بنو إمائكَ .. نَواصِينا بِيَدِكَ .. مَاضٍ فينا حُكْمُكَ .. عَدْلٌ فينا قَضَاؤُكَ .. نسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ .. سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ .. أَوْ أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ .. أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ .. أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلوبِنا .. وَنُورَ صدورِنا .. وَذَهَابَ همومِنا وغمومِنا يا ربَ العالمينَ.
المرفقات
أثر كلام الله تعالى علينا.zip
أثر كلام الله تعالى علينا.zip
المشاهدات 3041 | التعليقات 3
با رك الله فيك ياشيخ هلال.
خطبة جميلة في موضوع جليل ، نضَّر الله وجهك و لا حرمك شفاعة القرآن .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق