أثر العلماء في تحقيق رسالة المسجد ..أ.د. ناصر بن عبد الكريم العقل
الفريق العلمي
أثر العلماء في تحقيق رسالة المسجد
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ﴾ [آل عمران: 18].
والقائل - سبحانه -: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].
والقائل - عز وجل-: ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9].
والقائل - سبحانه -: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 18].
والقائل – سبحانه -: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ﴾ [النور: 36 - 37] الآية.
وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، القائل:
«العلماءُ هم ورثةُ الأنبياءِ» [أخرجه ابن حبان في صحيحه وغيره].
والقائل -صلى الله عليه وسلم-: «أحبُّ البلادِ إلى اللهِ مساجدُها» [رواه مسلم].
نجد أنه في العصور المتأخرة اختلت مفاهيم كثير من الناس، بسبب الثقافات الوافدة، وقلة الفقه في الدين، وكثرة التعالم، والبعد عن مناهج العلماء، حول أمور كثيرة من أمور الدين، ومن أهمها:
1- ما يتعلق بالمسجد ورسالته.
2- ما يتعلق بالعلماء وحقوقهم وأثرهم.
وقد عَلَقَ في أذهان كثير من المسلمين اليوم أن المسجد إنما هو مكان الصلاة فحسب، وأي نشاط آخر يقام في المسجد فقد يكون محل تساؤل، وهذا خطأ، فإن المسجد له شأنه في الإسلام، فكما أنه مكان للصلاة فهو كذلك مكان للتعليم والخطابة والوعظ والمحاضرات والدروس والاجتماعات وتوجيه الناس إلى كل ما يصلح أمورهم في دينهم ودنياهم.
وفي الآونة الأخيرة، ومع بواكير الصحوة الإسلامية المباركة، بدأ المسجد يستعيد شيئا من مكانته ورسالته، مما يستدعي ضرورة الاهتمام بهذا الموضوع من قبل العلماء والمؤسسات المعنية وطلاب العلم عامة، والأئمة والخطباء والمؤذنين على وجه الخصوص.
وثمة أخطاء وشيء من التقصير لا يزال قائمًا بهذا الصدد، ولا أتوقع أن يتم علاجها إلا بتضافر الجهود من عدة أطراف وهي:
1 - الجهات المعينة من قبل الدولة ممثلة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.
2 - المشايخ وطلاب العلم عمومًا.
3 - الأئمة والخطباء على وجه الخصوص.
4 - المجتمع ممثلا بالمصلين من أهل الرأي والمشورة.
5 - الإعلام بوسائله المتعددة.
وما يتعلق من هذه الأخطاء بموضوعنا له جانبان:
الأول: أخطاء في ممارسة دور المساجد واستثمارها، ولا أطيل في هذه المساءلة، لأن مساسها ببحثي أقل، إنما من أهمها:
1 - قلة التنسيق بين المساجد في تنفيذ الأنشطة وتوزيعها.
2 - أحيانا يظهر ما لا يليق بالمسجد من الصور والرسوم، كصور الصلبان مثلا بقصد التحذير منها، أو صور الأحذية التي تشتمل على مخالفات، أو نشر بعض الأوراق التي ليست على المستوى اللائق علميًّا أو نحو ذلك.
3 - إتاحة الفرصة -أحيانًا- لبعض العوام والجهلة للتحكم في أمور المساجد، مما يعوق كثيرًا من الفوائد المتوخاة، ويفوت فرصًا على المصلين، أو يضايقهم، لذا ينبغي أن يكون كل مسجد تحت إشراف عالم أو طالب علم يدير شؤون المسجد.
الثاني: أخطاء فيما يتعلق بأثر العلماء في تحقيق رسالة المساجد، وهو موضوع البحث، وأهم هذه الأخطاء في نظري:
1 - قيام أنشطة علمية ودعوية -أحيانًا- في المساجد بعيدة عن توجيه المشايخ وطلاب العلم وإشرافهم المباشر.
وبعض ما يكون تحت إشرافهم قد يتم بطريقة التمرير غير المرضي.
2 - قد يتصدر الأنشطة في المساجد بعض الصغار قليلي العلم والفقه والتجربة، مما يؤدي إلى اجتهادات وممارسات خاطئة شرعًا، أو غير لائقة ودون المستوى المطلوب، مما ينعكس أثرها على الناس سلبًا.
وقد يقول قائل: هذا خطأ المشايخ وتقصيرهم، حيث لم ينزلوا إلى ساحة الأنشطة ويوجهوها بأنفسهم... ويُرشدوا أعمال الشباب... وأقول: هذه دعوى قائمة فعلًا.
وضدها كذلك يرد حيث يقال: لماذا لا يذهب الشباب أنفسهم إلى المشايخ ويتلقون عنهم التوجيه والمشورة؟ فإن هذا هو الأصل واللائق شرعًا.
وتبقى المسألة في دور... لكن يحسمها في نظري الأصول الشرعية والآداب المرعية، وهي أن المشايخ هم الذين يقصدون ويسعى إليهم ويطلب منهم، ويستشارون، ولا نتوقع منهم بمشاغلهم وسمتهم - أو أغلبهم - أن يلاحقوا الشباب في ميادين أنشطتهم، وليس هذا من الطبيعي بل العكس هو الصحيح فإنه يجب على الشباب المشتغل بالدعوة والعلم أن يلازموا المشايخ ويتلقوا منهم العلم والأدب والمشورة والتوجيه.
3 - أن كثيرًا من الأنشطة التي تقام في المساجد وبرامجها ومتابعة تنفيذها لا تعرض على المشايخ، ولا يشرفون عليها مباشرة، إلا أحيانًا إذا حدثت مشكلات، فإن الناس حينئذ قد يفزعون للمشايخ كعادتهم... وإن كان ثمة إشراف لهم فبطريقة التمرير، وفذا كسابقه في طريقة المعالجة.
4 - أن كثيرًا من المشايخ -فعلًا- ربما لم يدركوا كمال الإدراك أهمية دور المساجد بالقدر الكافي، وبعضهم قد لا يتصور الأسلوب التفصيلي لكثير من النشاطات التي يمكن أن تحقق من خلال المسجد، لأن غالب هذه الأمور مستحدثة لا عهد لهم بها.
وهذا يمكن معالجته بالتصاق الشباب وطلاب العلم النشطين بالمشايخ، واطلاعهم على تفاصيل البرامج المقترحة.
كما أن الوزارة تتحمل جزءًا كبيرًا من هذه المسؤولية كذلك ونتطلع منها أن لقوم بها.
والخلاصة:
أن من أبرز السلبيات التي ترتبت عن عدم تصدير المشايخ، أو تخلف بعضهم عن التوجيه المباشر للشباب وطلاب العلم والعاملين في الدعوة والحسبة أن تتلمذوا على من هم دونهم، وتتلمذ بعضهم على بعض، أو تتلمذوا على الكتب والأشرطة والوسائل الأخرى بلا أخطمة ولا أزمة، بل ربما تلقى بعضهم عن أهل الأهواء وعن حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام، فاتخذوا رؤساء جهالًا، وكثر بينهم التعالم والغرور والقدح في الأئمة والمشايخ، وقل الفقه في الدين، وقل الأدب، وفقد عند البعض سمت أهل العلم رغم كثرة الثقافة والمعلومات. ولن يتم استدراك الأمر إلا بتصدير العلماء ومن خلال المسجد أولًا ثم بالوسائل الأخرى، والله أعلم.
المصدر: «بحث أثر العلماء في تحقيق رسالة المسجد»، نشر وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1418هـ.