أثر الأسرة في الاستقرار النفسي

[align=justify]أثر الأسرة في الاستقرار النفسي
نعمة من الله تعالى أن يُرْزق الإنسان الاستقرار النفسي في بيته، ومع زوجته، وأولاده، فحين يرجع الرجل إلى بيته بعد بذله وتعبه، يجد في بيته من يحسن استقباله، ويهش في وجهه، ويذلل له كل أسباب الراحة والسعادة، فينسى حينها أتعابه، وهمومه، ويشعر بعظيم فضل الله عليه، وكرمه سبحانه حين جعل له سكنًا يأوي إليه فيه مودة ورحمة، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21]، فالزوجة الصالحة التي تسعى لرضا ربها هي سكن أمين، وحصن حصين، ولا شك أن الزوج حين يجد هذه الأوصاف في زوجته فإنه يشعر بالاستقرار والطمأنينة، والراحة والسكينة، وأن لزوجته مكانة عظيمة في قلبه بلطيف احتوائها له، وحسن حكمتها معه.
روى أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ). فبين النبي صلى الله عليه وسلم عادة الناس في النكاح، وأن الفوز الحقيقي يكون في ذات الدين، ولا يعني ذلك أن المسلم لا يهتم ببقية ما ورد في الحديث، بل يبحث ويتحرى هذه الأمور؛ لأنها من المرغبات في النكاح، ولكن لابد أن يكون نصيبها من الدين قويًا، فذات الدين تحفظ الحقوق، وتصون الزوج، وتحسن العشرة، وتتحبب إلى زوجها، وتعطيه ما يلزمه من غير تذمر ولا بغض؛ لأن دينها يحثها على مكارم الأخلاق.
إخوة الإيمان، إذا رزق الزوج زوجة صالحة في دينها، عفيفة في نفسها، ساعية لرضى ربها وزجها، فعلى الزوج إلا أن يقابل الإحسان بالإحسان، (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن:60] فيحفظ صنيعها، ويراعي مودتها، فمن حَسَّنَ أخلاقه مع زوجته، وأحسن التعامل إليها، وتلطف معها، ارتقى في سُلِّم الإيمان، فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَأَلْطَفَهُمْ بِأَهْلِهِ). بل بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام أن خير عباد الله: من كان خيرًا لأهله، فقال عليه الصلاة والسلام: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي).
وهذه السيرة المباركة لخير البشر صلى الله عليه وسلم تحدثنا عن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، هذه الزوجة العظيمة التي احتوت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكنت فيه، وأصبح لها شأنًا عظيمًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتها وبعد مماتها، فكانت خير مثال يضرب لإحسان الزوجة إلى زوجها، وإحسان الزوج إلى زوجته، فقد أحسنت حين جعلت زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء في حياتها، فنالت الرفعة في الدنيا والآخرة، وحظيت بالذكر الحسن عند ربها وزوجها صلى الله عليه وسلم، فما كانت رضي الله عنها وأرضاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم معاندة، ولا عنه مجافية، وما كانت في يوم من الأيام له ندًّا، ولا أقامت بينها وبينه سدًّا، بل كانت زوجة رحيمة، حكيمة حليمة، مطيعة كريمة، هينة لينة، هذه الأخلاق العلية تركت أثرًا كبيرًا في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ يثني عليها الثناء العطر فيقول: (آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ)، وجاء في حديث آخر تصريحه عليه الصلاة والسلام بحبها، فَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: (أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ)، قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ!، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا).
أرأيتم هذه المشاعر الفياضة، والأحاسيس المتدفقة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه زوجته، ورفيقة دربه، وأم أولاده خديجة، لقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجته خديجة ما صنعت، وبقي في قلبه ما قدمت، وما كان يغيب عنه ما فعلت، بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظًا للود لها طول حياته، وما تزوج عليها؛ حتى مات، فعن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: "لَمْ يَتَزَوَّجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَتْ"، وبعد وفاتها كان عليه الصلاة والسلام يحن إليها، ويكثر ذكرها، ويثني عليها، ويكرم صديقاتها، ويرق لها رقة شديدة إذا وجد شيئًا يذكره بها، إنها أخلاق الأوفياء، وأخلاق من أدرك قيمة الإحسان في الحياة الزوجية، فهل من مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيها المؤمنون، ها أنتم سمعتم طرفًا من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخلاق أم المؤمنين خديجة، فأين أسر اليوم من هذه الأخلاق الكريمة، والشيم الرفيعة؟! أين الأزاوج من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وأين الزوجات من أخلاق أم المؤمنين خديجة؟!
إنها دعوة للاقتداء، ودعوة لمراجعة أحوالنا في بيوتنا، ودعوة لإقامة صروح الحب في بيوتنا، ودعوة لتشيد علاقات قوية بين أزواجنا، فالأسرة القوية في علاقاتها، أمن وأمان، وسعادة واطمئنان، رزقنا الله تعالى السعادة في بيوتنا، والاستقرار مع أسرنا، وحسن الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم.

[/align]
المرفقات

أثر الأسرة في الاستقرار النفسي.docx

أثر الأسرة في الاستقرار النفسي.docx

المشاهدات 1194 | التعليقات 0