أَتَى رَمَضَــانُ مَــزْرَعَةُ الْعِبَــادِ.

عبد الله بن علي الطريف
1438/08/30 - 2017/05/26 08:36AM
أَتَى رَمَضَــانُ مَــزْرَعَةُ الْعِبَــادِ. 30/8/1438هـ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18] أيها الإخوة: دعوني وإياكم اليوم نخترق حجب الزمن ونطوى سجل الأيام.. فننتقل من يومنا هذا الذي نستقبل به شهر رمضان، إلى اليومِ الذي ودعنا فيه شهر رمضان، وتزينا بزينة العيد وجلسنا في المصلى ننتظر دخول اللإمام قد علت فيه تكبيرات المصلين لتعانق القلوب قبل الآذان وتدوي في فضاء المصلى كدوي نحل عند خلاياها..
تخيل نفسك في ذاك المقام.! فستكون أحد اثنين اختر أيهما الآن.؟ وستكون يوم العيد فيما اخترته إن شاء الله: فإن استعنت بالله وطرحت العجز والكسل، وشمرت عن ساعد الجد واستثمر الفرصة في هذا الشهر وخططت لها، واهتبلت ثوانيَها قبل دقائقها.. مهتدياً بما رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا رَمَضَانُ قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرٌ مُبَارَكٌ, فَرَضَ اللهُ عَزَ وَجَلَ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ, فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ, وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ, فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ, وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَللهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ, وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ" رواه النسائي وابن ماجة وأحمد.
فسمعت نداء الـمُنَادِي عندما نادى فقال: "يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" فلم تدعْ عملاً من أعمالِ البرِ التي حثَّ عليها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أخذْتَ منهُا بحظٍ وافرٍ.. ولم تعمل مما نهى عنه النبي وزجر وتمثلت قول الرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» روه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فحفظت الرأس وما وعى، والبطن وما حوى.. واستشعرت قَولَ الـمُصْطَفَى: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وقَولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». فلم تدع القيام مع الإمام حتى ينصرف قد أتيت بكل عزم وحب ورغبة للوقف بين يدي الله وسماع آياته تتلى وتقلبت بين سجود وركوع وذكر متأملاً لقراءة القرآن مغتبطاً مسروراً متطلعاً للوعد النبوي عندما قال: «مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» رواه أصحاب السنن وأحمد وصححه الألباني. وَقَولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».. وفي رواية: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ». روها البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقرأت كتاب الله وختمته عدة ختمات في شهره الذي فيه أنزل فحزت الأجر العظيم الذي رُتبَ على تلاوته؛ فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟»، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ» رواه مسلم.. وجعلت لبيتك من قراءتك وصلاة نافلتك نصيب تيمناً بقول الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» رواه مسلم قَالَ اِبْنُ تَيْمِيَة رَحِمَهُ الله: مَعْنَى الْحَدِيث: لَا تُعَطِّلُوا الْبُيُوت مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ, فَتَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ, فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بِالْبُيُوتِ, وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْد الْقُبُور.. وقال المناوى: لا تجعلوها كالقبور في خلوها عن الذكر والعبادة.. ووتمثلت قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ» رواه البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. فجعلت شيئاً من صلاتك وقراءتك في بيتك طمعاً بهذا الفضل وعمارة للبيت بالذكر..
أحبتي: إلا صلاة التراويح والقيام فتكون مع جماعة المسلمين لتحوز أجر قيام رمضان ومتى ما حافظت عليها كل ليلة أدركت ليلة القدر إن شاء الله، التي العبادة فيها خيرٌ من عبادة ألف شهر.. فهنيئاً لك وسيكون عيدك عيداً سعيداً وستصبح في يومه مسروراً..
وأما الصنف الثاني أعاذنا الله من حالهم: أن تكون ممن ينظر إلى الفرصة بعدما ذهبت ويتوجد عليها ألماً وكمداً وقد ضرب أخمساً بأسداس، فلم يتلذذ بموسم الطاعة بطاعة، ولم يستثمر الفرصة والتي لن تأتَ إن حييت إلا بعد سنة تقريباً، تنظر إلى صيامك وقد تخرق بالأخطاء والتقصير فهذه نظرة محرمة، وتلك كلمة لمز أو عيب لمسلم جارحة، وهذه إضاعة للصلاة في وقتها فضلاً عن إضاعتها مع الجماعة، وهذا تقصير في حق قريب حقه الصلة.. وتلك ساعات قضيتها في قيل وقال والسيئ من المقال في وسائل التواصل الاجتماعي، ووفي مطالعة مقاطع ليس فيها نفع أو موعظة بل ربما إثم وخطيئة، فلم يسلم من صيامك إلا الإمساك عن الأكل والشرب، أما التراويح والقيام فنصيبك منها نزر يسير وأما تفطير الصائمين فلك في وجهة نظر.. ومساعدة المنكوبين لك فيها وجهة نظر أخرى.. وأما ما خصصته من وقت لقراءة شيء من كتاب الله فتزاحمه المكالمات الهاتفية والرسائل الواتسية والإطلاع على التغريدات والتعليق عليها.. نظرت أيمن منك فلم تجد إلا عملاً قليلاً يعتريه التقصير والتفريط.. ونظرت أشأم منك فرأيت الحسرة والندامة تلف قلبك وتدميه؛ فلم تحز إلا على أجر الندم على التقصير وشيء من العمل قليل..
فاختر لنفسك الآن وشد المئزر واستعن بالله ولا تعجز وانطلق في سماء العمل الصالح فأنت في حال ووقت حرمها كثير من الناس فمنهم من إخترمه الأجل ومنهم من أقعده المرض ومنهم من ضل سواء السبيل وتنكب الطريق المستقيم.. ومنهم من فقد الوطن والأمن والأمان ومنهم من أوذي في الله وحرم الطاعة وضيق عليه.. أدعو نفسي وإياكم إلى الولوج إلى بوابة الخير ومرتع الطاعة وجنة الدنيا اغتنام شهر الصيام فحيا هلاً به.. وأجمل تحية له العزم على الطاعة ولو لم تكن من أهل قبله اللهم بلغنا رمضان وسلم لنا رمضان وتسلمه منا كاملاً مقبولاً وصلى الله على نبينا محمد...
الثانية:
أيها الإخوة قد بقول قائل يوم العيد: لئن أحياني الله تعالى إلى رمضان القابل ليَرينَّ اللهُ ما أصنع.!! ولأعيشنَّ هذه الفرحة التي عاشها الصالحون العاملون...
نقول له نعمت الهمة ونعمت النية الصادقة ولكن نقول لك اليوم أبشر بخير دونك رمضان فأر الله منك خيراً واجتهد فما زلت في زمن المهلة والسعة والفرصة أمامك..
وتأتي يوم العيد وقد كتبت في تاريخ حياتك أروع الأمثلة على قدرتك في إدارة مشروع حياتك.. واستثمار فرصها الذهبية وساعاتها الغالية التي لا تقدر بكنوز الدنيا..
وابدأ شهرك بتوبة نصوح استجابة لنداء الله حين نادى المؤمنين فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8]
أتى رمضــــــــــــــــان مــزرعة العبــاد ... لتطـهير القلــوب من الفســاد
فــأد حقــوقــه قـــــــــــولا وفعـــــــــــــــلا ... وزادك فــاتـخـذه إلى الـمعـــــــاد
فـمـن زرع الحبوب وما سقـاها ... تـأوه نـادمــــــا يــوم الـحصــــــــــــــاد
فيا من ترك الطعام والشراب والشهوة من أجل الله سراً وعلانية تبتغي وجه الله، لا يعلم فيك غيره، وقد عزمت على التماسك عنها طيلةَ شهرٍ كامل في أيام طويلة حارة.. غالب نفسك على الصيام المعنوي عن الذنوب والمعاصي والتقصير بالواجبات.. واغتنم غلَّ الشياطين فيه وإغلاقَ أبواب الجحيم وأقبل على الله فقد زين لك جنته ونادك بنداء حبيب ودود فقال: "يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" اللهم بلغنا رمضان وسلم لنا رمضان وتسلمه منا كاملاً مقبولاً...
المشاهدات 1347 | التعليقات 0