أبواب الرزق المنسية

خالد الباتلي
1439/04/17 - 2018/01/04 14:24PM

 أبواب (مفاتيح) الرزق           

إن الحمد لله .. اتقوا الله .. أما بعد

فإن مما يشغل بالَ كثيرٍ من الناس قضيةَ المستوى المادي والدخلِ الشهري، وكلٌّ يتمنى أن يزيد رزقُه ويكثر دخلُه، ولا سيما إذا تغيرت الأحوال، وزادت الأعباء، فيحسب ويقدر، ويبحث عن أبواب وفرص لزيادة الدخل، وتعويض النقص.

ولا مانع أن يبحث المرء عما يزيد دخلَه ما دام مباحا، لكننا – في خضم الحياة المادية - نغفلُ عن أبواب مشرعة من أبواب الرزق، ومفاتيحَ تجلبُه وتزيدُه، جاء بها الإسلام، فدعونا نعرض بعضها، ونتعرف عليها، ثم نعمل بها تقربا إلى الله وطاعة.

المفتاح الأول: الاستغفار والتوبة.

قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً﴾ [سورة نوح: 10-12].

قال الشعبي رحمه الله: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فأمطروا، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟! فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ الآية السابقة.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله  : (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) رواه أبو داود

فإذا ضاقت الأرزاق فارجعوا إلى الرزاق، تائبين مستغفرين.

وفي أخبار الناس قصص عجيبة في بركة الاستغفار وأثره في الدنيا قبل الآخرة.

المفتاح الثاني: الإنفاق في وجوه الخير

قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شيء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]،وقال تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [سورة البقرة: 261].

وقال r: (هل تُنصرون وترزقون إلاّ بضعفائكم) خ

عبد الله .. أنفق ينفق عليك، فَمَا أَمْسَكَ مَـمْسِكٌ إِلَّا لِسُوءِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ، وَضَعْفِ يَقِينِهِ بِـخَالِقِهِ. {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268].

ابحث عن الأرملة والمسكين، والفقير واليتيم، فرج كربة، ويسر على معسر، وما أكثر أبواب الخير ووجوه البر.

المفتاح الثالث: صلة الأرحام

قال : (من سره أن يبسط الله له في رزقه وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه) متفق عليه. وقال r: (إن أعجل الطاعة ثوابا: صلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا) رواه ابن حبان 

صلة الرحم توسع الأرزاق، وتطيل الأعمار.

المفتاح الرابع: تقوى الله تعالى

قال الله تعالى: ﴿ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾.

وقال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾.

ومن وصايا لقمان لابنه: يا بني اتخذ تقوى الله تجارة يأتك الربح من غير بضاعة .

المفتاح الخامس: التوكل على الله

التوكل عمل قلبي محض، ومعناه: صدق الاعتماد على الله عز وجل في جلب المنافع ودفع المضار، مع فعل الأسباب التي أمر الله بها.

قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾.

عن عمر بن الخطاب  أن النبي  قال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لزرقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً). رواه أحمد. فهذه الطيور تذهب أول النهار جائعة ضامرة البطون، وتعود آخره قد شبعت من الطعام.

قيل لحاتم الأصم: على ما بنيت أمرك في التوكل؟ قال على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنّت نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأنا أبادره، وعلمت أني لا أخلو من عين الله فأنا مستح منه.

المفتاح السادس: المتابعة بين الحج والعمرة

قال : (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحج المبرور إلا الجنة) رواه أحمد .

المفتاح السابع: التفرغ لعبادة الله

قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك) رواه الترمذي

نصيبك من الدنيا مضمون سيأتيك، ولن تموت حتى تستكمله، لكن الشأن في منزلتك في الآخرة، أعد لها العدة هنا، وتأهب للسفر قبل الرحيل.

المفتاح السابع: الاستقامة على الدين

بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ 

وفي الحديث عنه : (إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه)  رواه أحمد

ومن ذلك: شكر النعم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، فمن شكر الله على رزقه كافأه بالمزيد. 

بارك الله ..


 

الخطبة الثانية:

المفتاح الثامن: الدعاء

فهو الملاذ في الشدة، فإن ضاق عليك رزقُك وعظم عليك همك وغمك وكثر عليك دَينك فالجأ إلى الله، واقرع الباب الذي لا يخيب قارعه، واسأل الله جل جلاله فهو الكريم الجواد، وما وقف أحدٌ ببابه فنحّاه، ولا رجاه عبدٌ فخيّبه في دعائه ورجاه.

جاء أعرابي إلى النبي  فقال: علمني كلاما أقوله، قال: (قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له والله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم)، قال: هؤلاء لربي، فما لي؟، قال: (قل: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني).

ودعا لأنس بن مالك ، فقال  : (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته)، قال أنس: فو الله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم. متفق عليه

أحسن الظن بربك، وتفاءل بالخير، وإياك والقلق والتشاؤم

قُلْ للَّذِي مَلأَ التَّشَاؤُمُ قَلْبَهُ *** وَمَضَى يُضيِّقُ حَوْلَنَا الآفَاقَا

سِرُّ السَّعَادَةِ حُسْنُ ظَنِّكَ بِالَّذِي *** خَلَقَ الْـحَيَاةَ وَقَسَّمَ الأَرْزَاقَا

اللهم ..

المشاهدات 1954 | التعليقات 0