أَبْنَاؤُنَا وَالصَّلَاةُ ..
سعود المغيص
الخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ للهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، ذِي الطَّوْلِ وَالْفَضْلِ وَالإِحْسَانِ، أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالإِسْلاَمِ، وَهَدَانَا لِلإِيمَانِ، وَفَضَّلَ دِينَنَا عَلَى سَائِرِ الأَدْيَانِ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى النَّبِيِّ الْعَدْنَانِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بعدُ عباد الله :
اتقوا الله تعالى واعلموا أن الصَّلَاة عَمُودُ الدِّينِ، وَهِيَ مِنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ. حَيْثُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ قَالَ : "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا"
وَفِي الصَّلَاةِ الرَّاحَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ ، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،: "يَا بِلَال، أَقِمْ الصَّلَاةَ ، أَرِحْنَا بِهَا"، .
قَالَ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".
عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ مُجَاهَدَةَ النَّفْسِ، وَالْأَوْلَادِ، وَالْأَهْلِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا"، وَأَثْنَى اللَّهُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ؛قال الله تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا".
وَاسْتَمِعْ إِلَى دُعَاءِ قَائِد الْحُنَفَاءِ، وَأَبِي الْأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ حَيْثُ قَالَ: "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ".
فَأَبُو الْأَنْبِيَاءِ يَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ هُوَ وَذُرِّيَّتِهِ، وَلَا يُفْلِحُ إِلَّا مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ. قَالَ تَعَالَى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ".
وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ مُقِيمِي الصَّلَاةِ ، والْمُنْفِقِينَ مِنْ مَالِ اللَّهِ، بِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ؛ قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ )
عِبَادَ اللَّهِ : لَوْ بَحَثْنَا عَنْ شَرَفٍ؛ فَلَنْ نَجِدَ شَرَفًا أَعْظَمَ بَعْدَ عِبَادَةِ اللَّهِ بِالتَّوْحِيدِ مِنْ عِبَادَتِهِ بِالصَّلَاةِ. لَقَدْ شَرَّفْنَا اللَّهُ وَأَكْرَمَنَا بِالصَّلَاةِ، وَجَعَلَهَا لَنَا قُرْبَةً وَعِبَادَةً؛ فَعَجَبًا وَاللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يَعْرِفُ اللَّهَ، ويُنَادِيهِ المُنَادٍ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ ؛ فَيَتَقَاعَسَ أَوْ يَكْسَلَ، وَهَذَا الْمَدْعُوُّ الْمُتَكَاسِلُ لَوْ دُعِيَ لِشَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَلَوْ قَلِيلًا لَوَجَدْتَهُ مُبَادِرًا، وَيَأْتِي إِلَيْهَا مُهَرْوِلاً لَا مَاشِيَاً،
قال ﷺ : ( والذي نَفْسِي بيَدِهِ لو يَعْلَمُ أحَدُهُمْ، أنَّه يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ ).
وَذَاكَ وَرَبِّي مِنْ الْخُذْلَانِ الْمُبِينِ وَالْخُسْرَانِ الْعَظِيمِ، وَتَوَعَّدَهُمْ اللَّهُ بِالْعَذَابِ الْمُبِينِ. قَالَ تَعَالَى: " فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ". فَوَعَدَهُمْ اللَّهُ بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ اسْمُهُ "وَيْل"، وَوَعَدَهُمْ بِوَادٍ آخِرَ مَنْ أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ اسْمُهُ "غَيًّا".
قَالَ تَعَالَى: "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا".
فَعَجَبًا وَاللَّهِ مِنْ تِلْكَ الْقُلُوبِ الْقَاسِيَةِ؛ الَّتِي تَسْمَعُ لِمِثْلِ هَذَا الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ولا تَرْعَوِي
فَمَا بَال بَعْضنَا تَكَاسَلَ فِي دَعْوَةِ أَبْنَائِهِ، وَحَثِّهِمْ وَحَظِّهِمْ، وَمُتَابَعَتِهِمْ وَمُجَاهَدَتِهِمْ ؛ حَتَّى أَصْبَحَ بَعْضُ الْآبَاءِ يَكْتَفونَ بِعِبَارَة "صَلُّوْا" ثُمَّ يَخْرُجُ دُونَ أَنْ يُتَابِعَهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ، وَدُونَ أَنْ يُوَجِّهَهُمْ إِذَا حَصَلَ التَّخَلُّفُ مِنْهُمْ، وَكُلَّمَا تَقَاعَسَ جِيلٌ فِي دَعْوَةِ أَبْنَائِهِ لِلصَّلَاةِ، جَاءَ الْجِيلُ الَّذِي بَعْدَهُ أَضْعَفَ فِي دَعْوَةِ أَبْنَائِهِ؛ حَتَّى تَكُونَ النَّتِيجَةُ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لَا يَعْرِفُ الصَّلَاةَ، وَذَاكَ وَرَبِّي هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين.
حَمَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ ..
اللهم اجعلنا وذرياتنا من المحفظين على الصلاة في المسجد مع الجماعة ، وثبتنا على ذلك ، الى أن نلقاك وأنت راض عنا ياذ الجلال والإكرام ..
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا،
أمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ :
اتقوا الله تعالى وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ مُجَاهَدَةَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا أَمْرٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، فلَقَدْ جَاهَدَ مَعَنَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَصَبَرُوا، وَكَانُوا فِي غَايَةِ النُّصْحِ وَالرَّحْمَةِ بنا، وَتَحَمَّلُوا الْمَشَاقَّ وَالْمَصَاعِبَ مِنْ أَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ
عِبَادَ اللَّهِ : إِنَّ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يَسِيرُوا عَلَى نَهْجِ أَسْلَافِهِمْ بِأَمْرِ أَبْنَائِهِمْ بالصَّلَاةِ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا. ولَقَدْ أَمَرَ الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنْ نَأْمُرَهُمْ وَهُمْ أَبْنَاء سَبْعِ سِنِينَ، وَأَنْ نَضْرِبَهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ. )
فَالْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ هُوَ فَلَاحٌ لِلْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ فِي الدَّارَيْنِ، وَلَقَدْ عُرِفَ عَنْ أُمَّهَاتِ السَّلَفِ حِرْصُهُنَّ عَلَى أَبْنَائِهِنَّ؛ فَكَانَتْ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ تُسَخِّنُ الْمَاءَ فِي الْبَرْدِ الْقَارِسِ لِأَبْنَائِهَا، وَيَذْهَبْنَ بِهِمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ حِرْصًا عَلَيْهِمْ، وتَرْبِيَتِهِمْ إِذَا كَانُوا أَيْتَامًا، وَإِذَا كَانَ الْآبَاءُ مُتَوَاجِدُوْنَ، فَكَانُوا يَقُومُونَ بِاصْطِحَابِهِمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ.
فَعَلَيْنَا عِبَادَ اللَّهِ أَلَّا نَتَقَاعَسَ فِي دَعْوَةِ أَبْنَائِنَا لِلصَّلَاةِ، وَحَثِّهِمْ عَلَيْهَا، فَإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ.
اللهم صلي الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ، وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ، وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُمْا وَأَعِنْهُمْا ، وَاجْعَلْهُما مُبارَكِيْنَ مُوَفَّقِيْنَ لِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلاحٍ يارب العالمين
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم، وثبت أقدامهم، واحفظهم من كيد الأعداء.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.