(أبناء لايحبون مدارسهم ) للشيخ الفاضل / صالح الجبري
منصور الفرشوطي
1434/10/29 - 2013/09/05 11:16AM
بسم الله الرحمن الرحيم
أبناء لايحبون مدارسهم
وفي الحقيقة فعند الملاحظة فإننا سنجد أن قلة من الطلاب (من الجنسين) يبدون سعداء بعودتهم إلى المدارس والكليات مرة أخرى بينما هناك فئة لا يمكن الاستهانة بعددها تنظر إليهم في طريقهم إلى المدارس وهم يجرون أرجلهم جراً إليها كمن يساق إلى عقوبته، فترى وجوها تعلوها الكآبة، وأجسادا تتحرك بثقل ، وترى وجوهاً أخرى باكية، ودموعا، واستغاثات وبخاصة لطلاب المرحلة الأولى من الروضة والمرحلة الابتدائية الأولى.
وتبدو عدم رغبة التلاميذ الذين يغيبون عن المدرسة بضيقهم لانتهاء الإجازة الصيفية وفرحهم عند انتهاء العام الدراسي، وتعبيرهم بعدم الرضا عن الأنشطة الدراسية وأساليب التدريس المتبعة، وسرورهم لغياب أحد المدرسين والشعور بالملل أثناء الدراسة بالمدرسة وقد ينتهي الأمر ببعضهم إلى التسرب من المدارس وذلك بترك الدراسة نهائياً والانضمام إلى صفوف العاطلين عن الدراسة والعمل من الكسالى والبطالين مع أن الله سبحانه وتعالى يقول: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك : 15 ).
كما ستمتد هذه الآثار السيئة لتركهم التعليم وبخاصة في هذا العصر ستمتد معهم طوال حياتهم لأنهم سيحرمون مستقبلاً من المكانة الاجتماعية والمهنية المتميزة نظراً لعدم قدرتهم على الالتحاق بفرص العمل الجيدة بالشركات الخاصة أو الدوائر الرسمية.
كما أنهم سيحرمون أنفسهم من الاستقرار النفسي لأن الشعور بالنقص والعجز والفشل والقلق سيلازمهم دائماً بسبب ضعف ثقافتهم وتدني مستوى تعليمهم ويزداد الأمر صعوبة مستقبلاً عندما يصبحون آباء أو أمهات بسبب عجزهم عن التواصل مع الأبناء ومتابعتهم سواء في الحياة الدراسية أو الاجتماعية.
أيها الإخوة: ما هي أسباب عدم حب بعض أبنائنا لمدارسهم؟ ولماذا ينفرون منها ويهربون ويتأخرون؟.
أسباب عدم حب الأبناء للمدرسة:
أسباب شخصية تتعلق بالطالب:
1- ضعف الدافعية للتعلم والتحصيل فإذا لم يكن هناك حافز للتعلم فإن ذلك يؤدي إلى الشعور بالنقص والتأخر الدراسي وبالتالي يجعل الطالب يبغض المدرسة وكل ما يتعلق بها.
2- عدم امتلاك الطالب للقدرات العقلية المناسبة لمتابعة الدراسة مما يعرضه للفشل المستمر فيدفعه ذلك إلى بغض الدراسة.
3- ربما كان الطالب ذكياً إلى درجة كبيرة الأمر الذي يشعره أن المدرسة لا تشبع حاجاته وأنها لا تلبي طموحاته وأن الدروس فيها مملة وغير ممتعة وأن المدرسين أقل من المستوى المطلوب.
4- عدم تنظيم الوقت لدى الطالب والذي يقضي ساعات طويلة بين الأجهزة الذكية من ألعاب وانترنت وسهر مع الأصدقاء إلى وقت متأخر وبالتالي يصعب عليه الاستيقاظ مبكراً وإن فعل فإنه يستيقظ متثاقلاً سيء المزاج مرهقاً متعباً فكيف يمكن له أن يعيش عيشة طبيعية وهو قد قلب الليل نهاراً مخالفاً قول الله عز وجل: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) (النبأ : 9-11)
5- رفاق السوء: والذين يقومون بالالتفاف حول الطالب وإغرائه بارتياد أماكن اللهو وقت الدراسة أو الإفطار في المطاعم والذهاب إلى الأسواق والمقاهي وقت الدراسة في غفلة من الأهل وهذا يبعد الطالب عن الاجتهاد والمثابرة ويعلقه باللهو وتضييع الأوقات وكره المدرسة التي يشعر فيها بالجدية والانضباط وصدق رسول الله عندما حذر من الصديق السيئ وشبهه بنافخ الكير فقال: (ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة) مسلم عن أبي موسى الأشعري.
6- قد يكون الطالب يعاني من مشاكل صحية كضعف البصر أو ضعف السمع أو يكون لديه عيوب في النطق تجعله يتعرض للسخرية من زملائه بسبب ذلك وقد يواجه مشكلات في فهم بعض المواد كاللغة الإنجليزية والرياضيات وهي الأكثر شيوعاً فتتحول هذه المشكلات إلى عجز في التعامل معها وبالتالي إلى بغض الدراسة والمدرسة.
أسباب تتعلق بالمدرسة:
1- صرامة الجو المدرسي إلى درجة كبيرة فالداخل إلى المدرسة كأنه في سجن لا يستطيع أن يتحرك من مكانه بسبب أن التعليم فيها نظري أكثر من المطلوب ولا اتجاه فيها للناحية العملية التي تتطلب النشاط والحركة والتي يتميز بها الجيل الجديد مما يسبب لهم النفور من المدرسة.
2- سوء العلاقة بين الطالب وزملائه أو, بعضهم، واعتداء الأقوياء على الضعفاء منهم.
3- إهمال المدرسة لعملية الضبط وعدم اهتمامها بتتبع حالات غياب الطلاب.
4- شعور بعض الطلاب بأن المقررات الدراسية لا تحقق رغباتهم ولا يشعرون أنهم بحاجة إليها وأنها لا فائدة منها في الحياة الاجتماعية والمهنية في المستقبل.
5- يعتقد بعض الطلاب أن المدرسة لا توفر لهم الأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية والترفيهية إضافة إلى كثرة المواد في اليوم الواحد وطول اليوم الدراسي وثقل حمل الكتب المدرسية الكثيرة وكل هذه العوامل تتسبب بنفور من الدراسة والمدرسة هكذا يعتقدون.
أسباب خاصة بالمعلمين:
1- قسوة بعض المعلمين في التعامل مع الطلاب.
2- تكليف الطلاب بواجبات مدرسية تفوق قدراتهم وأعمال تكلفهم الجهد والوقت والمال.
3- قلة حماس بعض المعلمين للتعليم، وقلة تشجيعهم للمتعلمين لمواصلة التعليم.
4- ضعف بعض المعلمين في المقررات التي يُدرسونها، وعدم الإعداد الجيد لإعطاء الدروس.
5- قلة مشاركة بعض المعلمين للطلاب أثناء الحصص الدراسية والاعتماد على الإلقاء فقط مما يجعل الدروس مملة ولا تلبي احتياجاتهم لخلوها من وسائل التشويق.
6- عجز بعض المعلمين عن مساعدة تلاميذهم في حل المشكلات الدراسية التي تواجههم.
7- قد تكون العلاقة بين الطالب وبعض المعلمين سيئة مما يجعله ينفر من المدرسة وبخاصة في أيام هؤلاء المعلمين إما خوفاً من العقاب أو بغضاً في المادة والمعلم.
8- محاباة المدرسين لبعض الطلاب مما يثير الغبن والحقد.
أسباب تتعلق بالوالدين:
1- عدم توافر المكان المناسب للمذاكرة وازدحام البيت بعدد كبير من أفراد الأسرة.
2- الخلافات المتكررة بين الوالدين: مما يجعل الجو الأسري في المنزل غير مناسب للمذاكرة والاستعداد للدراسة.
3- توقعات الوالدين العالية بتفوق الابن:
وعندما يبذل الابن طاقته المحدودة ولا يستطيع أن يحقق آمال والديه فعندها يشعر بالإحباط والخيبة وكره الدراسة والمدرسة.
4- نظرة الأسرة السلبية نحو المدرسة فبعض الأسر تركز على الجانب الاقتصادي والتجاري ولا تنظر نفس النظرة للتعليم. هم يعتقدون أن ابنهم لا يحتاج إلى الشهادة العلمية ما دام أنه يملك المال وبالتالي يتأثر الابن بهذا المفهوم ويعتز بما لديه من مال ولو ظل جاهلاً بل إن شعاره في مقابل زميله الذي يتعلم ويجتهد هو مهما تعلمت فسأظل أنا أكثر منك مالاً وولداً.
5- موقف الوالدين السلبي من المدرسة: فلا يهتمان بمتابعة أبنائهما في المدرسة ولا يعرفان شيئاً عن تحصيلهما ولا يتواصلان مع إدارة المدرسة حتى أنه في بعض الحالات يطرد الابن من المدرسة بسبب الغياب المستمر والوالد آخر من يعلم: فأين هذا الوالد من قول النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أقول ما تسمعون.
الخطبة الثانية
أيها الأخوة: كيف لنا أن نغير ذلك ونجعلهم يرغبون أو أقله يقبلون التعايش مع المدرسة حتى تحقق أهدافهم في تشكيل شخصياتهم وتنمية قدراتهم وزيادة معارفهم.
أولاً: لابد أن نبين لأبنائنا ونشرح لهم ذلك بالتفصيل أن المستقبل هو للمتعلم وأن الجاهل لا مكان له في هذا المستقبل فإنه لم ترق أمة من الأمم إلا وكان العلم السبب الأول في رقيّها ونهوضها وأن العالم والمتعلم، هما في عبادة من أشرف العبادات والقرآن يقول في ذلك (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة: 11).
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض ليصلون على معلم الناس الخير حتى النملة في حجرها والحوت في البحر) ونشرح له هذا الحديث ونبين له أن الإنسان لا يستطيع أن يعلم إذا لم يتعلم وأيضاً أن النمل والحيتان تستغفر له وتذكره حينما يذاكر ويذهب إلى المدرسة، ليتعلم أن الكون بأكمله يستغفر له وأنه سيكون معروفاً ومشهوراً في الكون بالعلم والتعلم وهكذا في بقية الأحاديث والقصص، واستخدم أساليب التشويق والإثارة عند عرضها عليه وهذا أسلوب من أساليب إثارة الدافعية نحو التعلم كما هو معروف في علم النفس.
ومن أساليب استثارة الدافعية عند الابن أن نتعرف على أهم أمنياته وماذا يريد أن يكون في المستقبل (عالم، قاضي، طبيب، مهندس، طيار، ضابط، صحفي إلى آخره) ثم نناديه باللقب الذي يتمناه ليظل مرتبطاً به وهدفا يسعى بجد لتحقيقه ومن الجيد أن تبحث في العائلة أو الأصدقاء عن أحد يعمل في هذه المهنة التي يرغب بها الابن فنذهب سويا إليه ليحدثنا كيف تعلم والتحق بهذه الوظيفة ويفضل أن ترتب الزيارة مسبقا مع هذه الشخصية لكي يسترجع المواقف التي جعلته يتعلم ويدرس ويحقق هدفه كما أن أسلوب تقديم المكافآت للابن على النجاح والانتظام أمر مفيد جداً وتكون المكافأة بشكل متدرج وبحسب أهمية الانجاز الذي يقوم به الابن.
ولا ننسى أهمية متابعة الابن في المدرسة لمعرفة مستواه العلمي والأخلاقي والتنسيق مع المدرسة وتحديداً مع المرشد الطلابي في تحديد أسباب نفور الابن من الدراسة والعمل على حل هذه المشاكل بتنسيق وتوافق بين البيت والمدرسة،كما أنه علينا أن نتعرف على أصدقائه ونحثه على اختيار الصديق الجيد منهم.
ثانياً: لابد أن يعلم الجميع أن الصحة النفسية للأبناء أمر مهم جداً في تشكيل شخصيتهم، و نقصد بالصحة النفسية؟ الحالة النفسية للابن (أو أي شخص) التي يكون فيها الابن راض عن نفسه ويشعر بالحب والسعادة والرضا ويعيش حياة خالية من التأزم والاضطراب وأن يكون خلاقاً مبدعاً متقبلاً لنفسه وللآخرين من حوله وقد نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهمية الحاجات الإنسانية إلى الحب والأمن الجسمي، والأمن الروحي والأمن الاقتصادي، حيث يقول عليه الصلاة والسلام (من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) آمناً في سربه ويعني ذلك أيضاً تمتع الأسرة بالأمن والطمأنينة وتجنب إظهار الخصومات والمشاكل أمام الأبناء والحرص على حل مشاكل الأسرة بالحوار والمناقشة وبهدوء وموضوعية والبعد عن الانفعالات العصبية التي تؤثر على من حولهم وليس على الطالب فقط.
والصحة النفسية للطالب تشمل علاقته أيضا بالمعلم والعلاقة بين المعلم والطالب تلعب الدور الجوهري في ترغيب الطالب في المدرسة. أما مسؤولية تعميق هذه العلاقة فتقع على عاتق المعلم لأنه الأكبر سناً والأكثر خبرة والمسؤول عن الطالب وهو المربي الذي يقود عملية التعليم والتعلم داخل غرفة الصف ونؤكد هنا أن اهتمام المعلم بالطالب واحترامه وإظهار التحفيز والتقدير له ينزع الصورة السلبية التي يحملها بعض الطلاب عن المعلمين وعلى المعلم إشعار الطالب بالحب والتقدير الصادق وأن يظهر هذا في تعامله اليومي مع الطلاب وبخاصة عند التخاطب فجملة "كنت أتمنى أن تكون إجابتك صحيحة" خيراً من جملة "إجابتك خاطئة".
"وأنا واثق أنك تستطيع النجاح" أفضل من لا أمل لك في النجاح، ولو أدرك كل معلم لعلم أن الكلمة الطيبة إذا خرجت من القلب فإنها ستكون أداة سحر لعقول الطلاب لأنها تبث فيهم الثقة والحب وصدق الله سبحانه (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة 83 )(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء 53)
ثالثاً وأخيراً:
أيها الأب الفاضل: أيها المعلم الرائد كم وكم سمعنا عن مرتكبي جرائم ومدمني مخدرات وهم أولاد صغار فكيف حدث لهم ذلك هل ولدوا كذلك، أم جنت عليهم القسوة والإهمال من أطراف متعددة، لذلك أعلم أيها الأب بأن الندم بعد فوات الأوان لن ينفع فاحرص على مؤاخاة ابنك واكسبه إلى صفك وأشعره بأنه رجل يعتمد عليه وحببه في العلم وأعلم أنك إذا وضعت البذرة بطريقة صحيحة ورويتها بماء صالح وتابعتها واعتنيت بها فستجني منها ثمراً صالحاً، ولا تنسى أن تحببه في دينه الذي هو عصمة أمره، فخذه واصطحبه معك إلى المسجد وحببه بذكر الله وقراءة كتابه حتى تصل به إلى القمة والعلياء في دينه ودنياه فيكون لك ولنفسه كما قال ربنا في وصفه لعباد الرحمن أهم يقولون (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان : 74 ) وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
خطيب جامع أم الخير بجدة
صالح محمد الجبري