أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ 8 رَبِيعٍ الثَّانِي 1438هـ
محمد بن مبارك الشرافي
1438/04/06 - 2017/01/04 19:57PM
أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ 8 رَبِيعٍ الثَّانِي 1438هـ
الْحَمْدُ للهِ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَحَلَّ الْحَلَالَ وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، غَافِرُ الذَّنْبِ وَمُقِيلُ الْعَثْرَاتِ، وَأَشْهُدَ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، حَثَّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ، وَحَذَّرَ مِنَ الْكَسْبِ الْحَرَامِ؛ نُصْحَاً لِلأُمَّةِ وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَتَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهِ عِبَادَ اللهِ وَتَعَلَّمُوا مِنْ أَحْكَامِ دِينِكُمْ مَا تُقِيمُونَ بِهِ إِسْلَامَكُمْ وَتُصْلِحُونَ بِهِ حَيَاتَكُمْ , فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ وَاجِبٌ فِيمَا هُوَ لازِمٌ عَلَى الْمَرْءِ مَعْرِفَتُهُ وَيَأْثَمُ إِذَا تَرَكَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى التَّعَلُّمِ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ وَخَاصَّةً عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ أَوْ أَوْشَكَ عَلَى الزَّوَاجِ تَعَلُّمَ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ , فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى حَدٍ سَوَاءٍ , وَمَعَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ إِلَيْهَا إِلَّا أَنَّ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ يَجْهَلُهَا , وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بِإِذْنِ اللهِ نُبَيِّنُ بَعْضَ أَحْكَامِهِ بِشَيْءٍ مِنَ الاخْتِصَارِ .
فَأَوَّلاً : إِنَّ الطَّلَاقَ مُبْغَضٌ عِنْدَ اللهِ وَمَكْرُوهٌ فِي الْأَصْلِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ تَشَتَّتِ الْأُسْرَةِ، وَضَيَاعِ الْمَرْأَةِ وَكَسْرِ قَلْبِهَا وَقُلُوبِ أَقَارِبِهَا ، وَلا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَعَهَا أَوْلادٌ أَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً أَوْ لَيْسَ لَهَا أَحَدٌ فِي الْبَلَدِ، فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ كَرَاهَةُ طَلَاقِهَا، وَرُبَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَيَاعُ الرَّجُلِ أَيْضَاً، فَقَدْ لا يَجِدُ زَوْجَةً مُنَاسَبَةً .
عَنِ اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَبْغَضُ الْحَلَالِ عِنْدَ اللَّهِ الطَّلَاقُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ.
ثَانِيَاً : الطَّلَاقُ جَائِزٌ فِي حَالَيْنِ وَحَرَامٌ فِي حَالَيْنِ , فَيَجُوزُ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ حَامِلَاً أَوْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ , وَيَحْرُمُ إِنْ كَانَتْ حَائِضَاً أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ , لَكِنْ لَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ مَعَ كَوْنِهِ آثَمَاً لِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْعَ فِي الطَّلَاقِ .
ثَالِثَاً : لا يُجُوزُ اللَّعِبُ باِلطَّلَاقِ أَوِ الْمَزْحُ فِيهِ , فَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى تَخْوِيفَهَا أَوِ الْمِزَاحَ مَعَهَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثَلَاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ) رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
رَابِعَاً : يَحْرُمُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعَاً , وَهُوَ أَمْرٌ شَنِيعٌ , وُمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّهُ يَكْثُرُ عِنْدَ بَعْضِ الْأَزْوَاجِ , عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَانَ، ثُمَّ قَالَ (أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ)، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا أَقْتُلُهُ ? رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ : وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ , وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ إذَا أُتِيَ بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَوْجَعَ ظَهْرَهُ ضَرْبًا . قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ : أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
وَلَكِنْ لَوْ أَنَّهُ طَلَّقَ ثَلاثَاً فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ آثِمٌ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ , وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ وَاحِدَةٌ فَقَطَ , وَعَلَى كُلِّ حَالٍ مَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ فَلْيَتُبْ إِلَى اللهِ وَيُرَاجِعْ قَاضِي الْمَحْكَمَةِ يَنْظُرُ لَهُ فِي مَسْأَلَتِهِ .
خَامِسَاً : إِذَا تَمَّ الطَّلَاقُ فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَبْقَى الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا وَلا يَحِلُّ لَهَا الْخُرُوجُ كَمَا لا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ إِخْرَاجُهَا مِنْ بَيْتِهَا , وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدْ خَالَفَهَا النَّاسُ إِلَّا الْقَلِيلَ , فَبُمُجَرَّدِ أَنَّهُ يُطِلِّقُهَا يَقُولُ : اذْهَبِي لِأَهْلِكِ أَوْ هِيَ تَخْرُجُ لِبَيْتِ أَهْلِهَا وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ الصَّرِيحِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا)
فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الآيَةَ الْعَظِيمَةَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ التِي تُسَمَّى : سُورَةَ النِّسَاءِ الصُّغْرَى , فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ أَنْ تُطَلَّقَ النِّسَاءُ لِلْعِدَّةِ , وَهِيَ – كَمَا تَقَدَّمَ – أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرَاً أَوْ حَامِلاً , ثُمَّ نَهَى عَنْ إِخْرَاجِهِنَّ مِنَ الْبُيُوتِ ثُمَّ نَهَى الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا أَنْ تَخْرُجَ , ثُمَّ بَيَّنَ الْحِكْمَةَ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ : لَعَلَّ الزَّوْجَ يُرَاجِعُهَا .
وَالْمُشَاهَدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ لِبَيْتِ أَهْلِهَا صَعُبَتْ رَجْعَتُهَا لِأَنَّ الْخَبَرَ يَنْتَشِرُ وُرُبَّمَا تَشَاجَرَ أَهْلُهَا مَعَ الزَّوْجِ وَمَنَعُوهُ مِنْ أَخْذِهَا , وَلِذَلِكَ فَمَا أَجْمَلَ اتَّبَاعَ الشَّرْعِ وَمَا أَحْسَنَ نَتَائِجَهُ .
سَادِسَاً : يَجُوزُ لِلْمُطَلِّقَ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ التَّطْلِيقَةَ الأُولَى أَوِ الثَّانِيَةَ , وَبِشَرْطِ أَنْ لا يَكُونَ الطَّلَاقُ عَلَى عِوَضٍ , كَمَا لَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي وَأَدْفَعُ لَكَ مَهْرَكَ , فَفِي هَذِهِ الحَالِ لِيْسِ لَهُ رَجْعَةٌ عَلَيْهَا .
ثُمَّ إِنَّهُ لا خِيَارَ لِلْمَرْأَةِ وَلا لِوَلِيّهَا فِي أَمْرِ الرَّجْعَةِ, قَالَ تَعَالَى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) , فَالْأَمْرُ بِيَدِ الزَّوْجِ.
سَابِعَاً : إِنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّ الرَّجُل ِإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَإِذَا رَاجَعَهَا أَنْ يُشْهِدَ ذَوَيْ عَدْلٍ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) , وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ، ثُمَّ يُرَاجِعُ، وَلَا يُشْهِدُ، فَقَالَ: أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَعَلَى رَجْعَتِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ بَعْضُ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ التِي يَحْتَاجُهَا النَّاسُ جِدَّاً, أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِيْ ولَكُمْ فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الرَّحِيْمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ القَوِيُّ الْمَتِينُ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَعَامِلُوا زَوْجَاتِكُمْ عَلَى هَدْيِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُرْضُوا رَبَّكُمْ وَتُسْعِدُوا أَهْلَكُمْ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : ثَامِنَاً : مِنَ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ فِي مَوْضُوعِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ لا يُجُوزُ حَالَ الْغَضَبِ بِلْ وَلا يَنْفُذُ إِذَا كَانَ الْغَضَبُ تَامَّاً, فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَلِذَلِكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُطَلِّقَ فَانْتَظِرْ حَتَّى يَذْهَبُ غَضَبُكَ ثُمَّ طَلِّقْ زَوْجَتَكَ , وَالْوَاقِعُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُطَلِّقِينَ كَانُوا حَالَ الْغَضَبِ ثُمَّ يَنْدَمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ , وَرُبَّمَا يَكُونُ فَاتَ الْوَقْتُ , فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ .
تَاسِعَاً : أَنَّهُ إِذَا تَمَّتْ ثَلاثُ طَلْقَاتٍ حَرُمَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى مُطَلِّقِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَها رَجُلٌ آخَرُ وَيَطَأُهَا قَالَ اللهُ تَعَالَى (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) إِلَى أَنْ قَالَ (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) , ثُمَّ إِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يَكُونَ زَوَاجُ الثَّانِي عَنْ رَغْبَةٍ فِي الْمَرْأَةِ , وَأَمَّا مَنْ يَتَزَوُّجُهَا لِيُحَلِّلَهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا , فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ بِذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الرَّجُلُ فِي مَعْصِيَةٍ عَظِيمَةٍ, عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْأَلْبَانِيُّ.
عَاشِرَاً : مِنَ النَّاسِ مَنْ يُبْتَلَى بِالْوَسْوَسَةِ فِي الطَّلَاقِ , فَيَأْتِيَهُ الشَّيْطَانُ وَيُخِيِّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ , وَرُبَّمَا لَوْ قَالَ لَهَا كَلِمَةً قَرِيبَةً مِنَ الطَّلَاقِ أَوْ مِنْ لَفْظِهِ شَكَّ أَنَّهُ طَلَّقَ , وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَجِبُ الْحَذَرُ مِنْهَا وَيَجِبُ سَدُّ بَابِ الشَّيْطَانِ وَعَدَمُ الاسْتِجَابَةِ لِمَا يُلْقِيهِ مِنَ الْوَسَاوِسِ , فَعَقْدُ النِّكَاحِ مِنْ أَعْظَمِ الْعُقُودِ فِي الشَّرْعِ فَلا يُمْكِنُ أَنْ يَنْحَلَّ بِهَذِهِ الْخَطَرَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ , ثُمَّ إِنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ حَتَّى نَتَيَقَّنَ تَيَقُّنَا تَامَّاً أَنَّهُ زَالَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ بَعْضُ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَوْضُوعِ الْعَظِيمِ , وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ تَعْظِيمُ أَمْرِ النِّكَاحِ وَاحْتَرَامُ كُلٍّ مِنْهُمَا الآخَرَ وَمَرَاعَاةُ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ الذِينَ يَتَأَثَّرُونَ بِطَلاقِهِمَا , فَلا يَكُونُ الطَّلَاقُ أَوَّلَ الْحُلُولِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَشَاكِلِ , وَإِنَّمَا يَنْظُرُ فِيهَا بِتَعَقُّلٍ وَبِقَصْدِ الإِصْلَاحِ لِكَيْ يُوفِّقَهُمَا اللهُ جَمِيعَاً .
ثُمَّ إِنَّ الذِي يَنْبَغِي تَفُهُّمُ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ لِأَنَّهَا يَسْتَعْمِلُهَا كُلُّ مُسْلِمٍ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَسَائِلُ خَطِيرَة , وَإِذَا أَشَكْلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْهَا فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا , وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا, وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنا , وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَارَبَّ العَالـَمِينَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال َالـُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
المرفقات
أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ 8 رَبِيعٍ الثَّانِي 1438هـ.doc
أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ 8 رَبِيعٍ الثَّانِي 1438هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق