آيتان النخل وعاشوراء ( مشكولة+ الدعاء )
راشد بن عبد الرحمن البداح
7/ 1/1440هـ.إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد:
نَعَمْ نِعَم! بل آياتٌ ونِعَمٌ، آياتٌ لله تَستدعي تَفكرًا، ونِعمٌ تستدعي تَذكرًا. بل –واللهِ- نحن في زحامٍ من نِعَمِ اللهِ وأفضالِه ومنتِه.
وإليكم آيةً واحدةً حاضرةً ظاهرةً في أيامِنا، ونعمةً باهرةً في ديارِنا. إنها ما نعيشُه هذه الأيامُ من موسمِ خرافِ وجدادِ النخيلِ: [وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ]. قال ابن القيمِ: (وَالتّمْرُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ وَالْحَارّةِ.. هَذَا مَعَ مَا فِي التّمْرِ وَالْمَاءِ مِنْ الْخَاصّيّةِ الّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ لَا يَعْلَمُهَا إلّا أَطِبّاءُ الْقُلُوبِ)([1]).
لكنْ هل فَعلْنا ما قال ربُّنا سبحانَه:{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
فاللهم أيقِظْ قلوبَنا من رَقْدَتها، واجعلْنا من المؤمنينَ المعتبرِينَ الشاكرينَ.
فاشكروا ربَّكم على هذه النعمةِ، ومِن شُكرها إيتاءُ زكاتِها.
وعلى المزكي للتمورِ أن يَعرِفَ في زكاتِها أربعةَ أمور:
- أن ينويَ أنها زكاةٌ، فإن بعضَ الناسِ قد يخُرجها بنيةِ الصدقةِ، ولا يَستحضرُ بنيته أنه يُخرج زكاةً واجبةً.
- أن يتأكدَ أن ثمارَه قد بلغتِ النصابَ وهو ستُمائة واثنا عشرَ كيلوًا فأكثرَ، وكثيرٌ من نخيلِ الاستراحاتِ تَبلُغ النصاب، فلينتبهوا. قال خبيرٌ في الخَرْصِ: خمسُ نخلاتٍ غزيرةِ الإنتاجِ فيها الزكاة غالبًا.
- أن يُخرجَ زكاةَ التمرِ من أوسطِ الأنواعِ، فلا يُخرِجْ من الرديءِ فقط. لقولِه تعالى: [وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ] والخبيثُ هو الرديءُ، إلا أنْ يكونَ البستانُ كلُّه رديئًا، فتُخرِجُ منه.
- (كيف يُزكِّيه إنْ كانَ يخْرفُه؟ يُقدِّر قيمتَه، ويُخرجُ الزكاةَ مِن قيمتِه، ومقدارُها 5% وإن كان جاهلاً فمعذورٌ؛ لكن لا بدَّ من أداءِ زكاةِ ما سَبَق) ([2]).
ولْيُخرِجِ المسلمُ من تمورِ مزرعتِه صدقاتٍ غيرِ واجبةٍ؛ عملاً بقولِه H: فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. متفقٌ عليه. بنِصفِ تمرةٍ، فكيفَ بتمرةٍ كاملةٍ؟! فكيفَ بآلافِ التمَرات؟ أفَتَدْرُونَ كم مِقدارُ الحسناتِ لمن تصَدَّق بتمرةٍ واحدةٍ؟! يقولُ H:إِنَّ التَّمْرَةَ لَتَكُونُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ. رواه أحمد([3]).
ولكنْ لتطِبْ نفسُك بالإنفاقِ مما تُحبُ حتى تنالَ البرَّ، ولئلا تتصفَ بما وقع في زمنِ رَسُولِ اللَّهِ H حِيْنَمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَبِيَدِهِ عَصَا وَقَدْ عَلَّقَ رَجُلٌ قَنَا (أي عذقاً) حَشَفًا، فَطَعَنَ بِالْعَصَا فِي ذَلِكَ الْقِنْوِ، وَقَالَ: لَوْ شَاءَ رَبُّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ تَصَدَّقَ بِأَطْيَبَ مِنْهَا. وَقَالَ: إِنَّ رَبَّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ يَأْكُلُ الْحَشَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ([4]).
والذينَ يُنظِّفونَ ثلاجاتِهم مِن تمورِ العامِ الماضي: ليَحذروا أن يَرموا تُمورَهم للحيوانِ، وهي تَصلُحُ للإنسان، فإنَّ مِن المَناظرِ المؤلمةِ ما تَراه من خَلْطِ تمورٍ جيدةٍ مع فضلاتِ الطعامِ، أور ميِ المتساقطِ من التمورِ في القمامةِ.
ومن الجميلِ المشكورِ الذي فيه حفظٌ للنعمةِ، ما تَفعلُه البلديةُ من قَصِّ محاصيلِ نخيلِ الشوارعِ في وقتٍ مبكرٍ، ثم بَيعُها على أهل الأغنام.
عبادَ الله: بعد يومين نتفيأ ظلالَ يومٍ عظيمٍ من أيامِ الله، نتذكرُ فيه قوةَ الحقِّ وإن ضَعُفتْ هِمَّةُ أتباعِه، وانهزامَ الباطلِ وإن قَويتْ شوكةُ أصحابِه .وأنَّ هذه الأمةَ تَمرضُ لكنها لا تموتُ، فنسألُ اللهَ أن يَرُدنا وأمتَنَا إليه رَداً جميلاً.
فيا أيُّها المسلمُ المكروبُ: مهما حَملَ عليك العدوُّ بمدمِّراتهِ الحسيةِ والمعنويةِ فتذكَّرْ أن اللهَ معكَ، يَسمعُ ويَرى، ولا يُعجِزُه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، (فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًا).
لقد نَصرَ اللهُ موسى عليه السلامُ ومَن معه نصرًا مُبينًا، في اليومِ العاشرِ من شهرِ اللهِ المحرمِ، ولهذا صامَهُ النبيُّ r وأمرَ بصيامِه. فإنه لا يُكره إفرادُه بالصيام.
والأفضلُ أن يُصامَ يومٌ قبلَه أو يومٌ بعدَه مخالفةً لأهل الكتاب. قال r عن صيامِه: يُكفِّر السَّنَةَ الماضيةَ. رواه مسلم([5]). أي يُكفِّرُ الصغائرَ.
فلتَصُم ولتَعزِم على صيامه، فلعلَّه يُكفرُ ما مضى من أيامِ عامِكَ المُنصرمِ، وأنت قريبُ عهدٍ بها، ولا تدري كم من ذنوبٍ قد كُتبتْ عليك! ولقد كان أطفالُ الصحابةِ يصومونَه، بل كانتِ الأمةُ الكتابيةُ تصومُه، بل حتى الأمةُ الجاهليةُ في شركِها. أبَعْدَ هذا نَزْهدُ بصيامهِ أيُّها الرجالُ المسلمون؟!
______________________________
- اللهم اجعلنا من الذين إذا أعطيتَهم شكروا وإذا ابتليتَهم صبروا وإذا ذكَّرتَهم ذَكروا، واجعل لنا قلوبًا توابة، لا فاجرةً ولا مرتابة.
- اللهم لا تخيبْنا ونحن نرجوك، ولا تعذبْنا ونحن ندعوك.
- اللهم وفقْنا للصالحاتِ قبل المماتِ، وأرشدْنا إلى استدراكِ الهفواتِ من قبل الفواتِ. وألهمْنا أخذَ العُدةِ للوَفاة قبل المُوافات، وارفع عنا خطايا الخُطواتِ إلى الخطيئات.
- اللهم احفظ بلادَنا بالأمنِ والإيمانِ وتحكيمِ شرعِك، وبالأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر.
- اللهم عُمَّ أوطانَ المسلمين بالخيرِ والسلامِ، وحقق للمسلمين جميعًا اجتماعَ كلمتهم، وصلاحَ أحوالهم.
- اللهم واحفظْ جنودَنا في حراساتِهم وثكناتِهم وتفتيشاتِهم، واخلفُهم في أهليهم بخير.
- اللهم عليك بالحوثيينَ والنصيريينَ والمتربصينَ والمفسدينَ، وكلِّ حاقدٍ ومحاربٍ للدين.
- اللهم يا مجيبَ الدعواتِاحفظْ لنا ملكَنا وأمدَّه بالصحة في طاعتِك، ومصلحةِ الإسلامِ والمسلمين.
- اللهم أعنه ووليَّ عهده ببطانةٍ صالحةٍ ناصحة. وسددْهم في قراراتِهم ومؤتمراتِهم.
([2])الضياء اللامع من الخطب الجوامع لابن عثيمين ( 1/ 357)
([3])مسند أحمد ط الرسالة (9423). قال الأرناؤوط: صحيح وهذا إسناد قوي رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عجلان.
([4])رواه أبو داود (1610) وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وابن حجر.
المرفقات
النخيل-وعاشوراء
النخيل-وعاشوراء
النخيل-وعاشوراء-2
النخيل-وعاشوراء-2