آيةٌ جامعة للخير والشر.

عاصم بن محمد الغامدي
1444/04/02 - 2022/10/27 17:14PM

الحمد لله الذي خلق السماواتِ والأرضَ وَجَعَلَ الظلماتِ والنورَ، ثم الذين كفروا بربهم يَعْدِلُوْن، وأشهد أَن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبعثُ مَن في القبور، له الحكم وإليه تُرجعون، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِۦ يَعْدِلُونَ. وعلى مَن تبعهم بإحسان إلى يومٍ يُبْعَثُون. 

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، فالتقوى حياةُ القلوب، وبها تكون النجاة عند علامِ الغيوب، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.

عباد الله:

الموعظةُ هي التَّذْكِيرُ بِالْخَيْرِ، وَمَا يَرِقُّ لَهُ القَلْبُ من الثوابِ والعقابِ، وفي كل يومٍ تمرُّ بنا مواعظُ لا تنتهي لمن تأمَّلْ، يكفي منها قول الأول:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكلُّ يومٍ مضى يدني من الأجل

فمن اتعظ زجر نفسه، ومنعها عما يشغلها بغير ما خلقت لأجله، وأبلغُ ما يتعظ به العاقل، ويرق له قلبه، كتابُ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ ‌مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

في هذه الآية تمثيل حال النفوس مع القرآنِ وما فيه من آيات وبينات، بحال المعتل السقيم، الذي تغير مزاجه، واضطربت حاله، فأصبح ينتظر توجيه الطبيب، ولابد للطبيب من موعظة يحذره بها من سبب نشء علته، ثم يصفُ له الدواءَ الذي فيه شفاؤه، ثم يدله ويهديه إلى النظام الذي يجب عليه سلوكه لتدوم صحته، ولا ينتكسَ له المرض، فإن هو انتصح بنصائح الطبيب أصبح معافى سليمًا.

فهذه مراتبٌ أربع، موعظةٌ وشفاءٌ وهدىً ورحمةٌ، فزواجر القرآنِ عن كل ما يبعد عن رضوان الله تعالى هي مواعظه.

وإبطاله العقائد الفاسدة، وتحذيره من سلوك طريق أصحابها هو الشفاء، وآدابه وتعاليمه هي الهدى، والانتفاعُ بهذه المراتب لا يكون للمعاندين، بل للمؤمنين فكان القرآن رحمةً خاصةً بهم.

إن تأمل القرآن، والوقوف عند آياته من علامات التوفيق، وهو مقصودٌ من مقاصدِ بعث خير المرسلين صلى الله عليه وسلم، ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ ‌كَلَامَ ‌اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾، جاء رجل إلى عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه فقال: اعهد إلي -أي: أوصني-، فقال: إذا سمِعتَ اللَّهَ يقولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعِها سمعَكَ، فإنَّهُ خيرٌ يأمرُ بِهِ، أو شرٌّ ينهَى عنه.

عباد الله:

من مواعظِ القرآن آيةٌ جمع الله فيها الخير كلَّه، والشرَّ كله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَذَكَّرُونَ﴾، فوالله ما تركَ العدلُ والإحسانُ شيئًا من طاعة الله عز وجل إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصيةِ الله شيئًا إلا جمعه.

فالعدل الذي أمر الله به يشملُ العدلَ في حقِّه، وفي حقِّ عباده؛ ولا يحصل ذلك إلا بأداء الحقوقِ البدنية والمالية لله ولعبادِه كاملةً موفرةً.

فمن العدل في حقِّ الله أن تقيمَ أركانَ الإسلامِ، والإيمانِ، وتتابعَ أمرَ الله ولو كانَ على نفسك، ومن العدل في حق الناس الوفاء لهم بما يجب عليك، فلا تبخسُ لهم حقًا، ولا تغشُّهم، ولا تخدعُهم، ولا تظلمُهم.

وحقوقُ الله وخلقِه لا تُعرفُ بالهوى، ورغباتِ النفوسِ، بل بأوامر الشريعة المفروضة في كتاب الله، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ﴾.

والإحسانُ أمرٌ زائدٌ على العدلِ، وهو فضيلةٌ مستحبٌّ، يدخل فيه نفع الناس بالعلمِ والمالِ والبدنِ، بل يدخل فيه نفع سائر المخلوقات، كإطعام البهائم، وعلاج الحيوانات، والكفِّ عما فيه أذى، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ ‌تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ ‌بَنُو آدم".

وخصَّ الله إيتاءَ ذي القربى -وإن كان داخلًا في عمومِ العدلِ والإحسانِ-؛ للتنبيه على تأكُّدِ حقهم، وتعيُّنِ صلتِهم وبرِّهم، ويدخل في ذلك جميعُ الأقاربِ -قربوا أو بعدوا-، لكنْ كلما كان أقربَ، كان أحقَّ بالبر.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

              

 

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد عباد الله:

فقد نهى الله تعالى عن كل ذنبٍ عظيمٍ، استفحشته الشرائعُ والفِطَرُ؛ كالشرك بالله، والقتلِ بغيرِ حقٍ، والزنا، والسرقةِ، والعُجبِ، والكبرِ، واحتقارِ الخلقِ، وغير ذلك من الفواحش.

ونهى عن المنكر وهو يشملَّ كلَّ ذنبٍ ومعصيةٍ في حقِّ الله تعالى.

ويدخل في البغي كلُّ عدوانٍ على الخلقِ في الدماءِ والأموالِ والأعراضِ.

فصارتْ هذه الآيةُ جامعةً لما يتصل بالتكليف فرضًا ونفلاً، وما يتصل بالأخلاق عمومًا وخصوصًا، فكل مسألةٍ اشتملت على عدلٍ أو إحسانٍ أو إيتاءِ ذي القربى، فهي مما أمرَ الله به، أمرَ وجوب أو استحباب، وكلُّ مسألةٍ اشتملت على فحشاءَ أو منكرٍ أو بغيٍ، فهي مما نهى الله عنه، نهيَ تحريم أو كراهة، وبهذا تَعرِفُ ما عندَ الناس من الأقوال والأفعال، وتَردُّ إليه جميعَ الأحوال، فتباركَ من جعل في كلامه الهدى والشفاء والنور، والفرقانَ بين جميع الأشياء، ووعظنا بذلك لعلنا نتذكرُه ونفهمُه ونعقلُه، فإن ذلك سببُ السعادة التي لا شقاوة معها، وبه استقامة حال الفرد والمجتمع.

عَنْ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا ثم قَالَ: "وَذَاكَ عِنْدَ أَوَانِ ذَهَابِ الْعِلْمِ"، فقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، يَذْهَبُ الْعِلْمُ وَنَحْنُ نَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَنُقْرِئُهُ أَبْنَاءَنَا، وَيُقْرِئُهُ أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ أُمِّ لَبِيدٍ، إِنْ كُنْتُ لَأَرَاكَ مِنْ أَفْقَهِ رَجُلٍ بِالْمَدِينَةِ، أَوَلَيْسَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، فَلَا يَنْتَفِعُونَ مِمَّا فِيهِمَا بِشَيْءٍ".

ألا فاتقوا الله يا عباد الله وكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واستشعروا مراقبة السميع البصير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة، فإن الشقي من حرم رحمة الله عياذًا بالله، وتقربوا إلى ربكم بعبادته، وأكثروا في سائر أيامكم من طاعته، وصلوا وسلموا على خير الورى طرًّا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا.

 

المرفقات

1666880011_آية جامعة.docx

1666880012_آيةٌ جامعةٌ للجوال.pdf

1666880012_آية جامعة.pdf

المشاهدات 1286 | التعليقات 0