آمِنِينَ (تعميم) 1445/10/17ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ مَنْ حَازَ نِعْمَةَ الأَمْنِ تَهَنَّأَ بِعَيْـشِهِ وَلَوِ افتَرَشَ الأَرْضَ وَالتَحَفَ السَّمَاءَ، وَمَنْ فَقَدَهُ تَنَغَّصَتْ أَيَّامُهُ وَلَوْ سَكَنَ القُصُورَ الشَّاهِقَةَ، وَحَوَى الثَّرَوَاتِ الفَائِقَةَ، لا يَهْـنَأُ بِنَوْمٍ وَلا يَتَلَذَّذُ بِطَعَامٍ، فَالقَلَقُ حَلِيفُهُ، وَالخَوْفُ أَلِيفُهُ؛ لِذَا فَإِنَّ الأَمْنَ مِنْ أَهَمِّ الأَولَوِيَّاتِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالحَاجَاتِ البَشَرِيَّةِ، أَلَمْ تَرَوا إِلَى نَبِيِّ اللهِ يُوْسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ أَنْ أَرَادَ إِيوَاءَ أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ فِي مِصْرَ ذَكَرَ لَهُمْ تَوَافُرَ نِعْمَةِ الأَمْنِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ) فَمَعَ الأَمْنِ يَهْـنَأُ الفَرْدُ بِالسُّـكْنَى وَيَتَنَعَّمُ بِالوَطَنِ، وَنَبِيُّ اللهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ قَدَّمَ الأَمْنَ عَلَى الرِّزْقِ يَوْمَ أَنْ دَعَا رَبَّهُ مُبْـتَهِلاً قَائِلاً:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) فَبَدَأَ بِالأَمْنِ قَبْـلَ الرِّزْقِ؛ لأَنَّ وُجُودَ الأَمْنِ سَبَبٌ لِلرِّزْقِ، وَلأَنَّهُ لا يَطِيبُ رِزْقٌ إِلاَّ فِي ظِلالِ الأَمْنِ الوَارِفةِ وَلَقَدِ استَجَابَ اللهُ دُعَاءَ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فَجَعَلَ البَلَدَ آمِنًا، ثُمَّ امتَنَّ سُبْحَانَهُ عَلَى أَهْـلِ هَذَا البَلَدِ بِأَمْـنِهِ وَذَكَّرَهُمْ بِعَظِيمِ فَضْـلِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَكْفُرُونَ) وَذَكَّرَهُمْ بِمَا جَاءَ مَعَ هَذَا الأَمْنِ مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ فَقَالَ:(وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) فَمَعَ الأَمْنِ تَزْدَهِرُ التَّنْمِيَةُ وَيَتَقَدَّمُ الاقتِصَادُ، فَيُقْدِمُ الفَرْدُ عَلَى العَمَلِ وَيَحْرِصُ عَلَى الإِتْقَانِ، فَتُسْـتَثْمَرُ الأَمْوَالُ وَتَنْشَطُ التِّجَارَةُ، قِيلَ لأَحَدِ الحُكَمَاءِ: أَيْنَ تَجِدُ السُّرُورَ؟ قَالَ: فِي الأَمْنِ فَإِنِّي وَجَدتُ الخَائِفَ لا عَيْشَ لَهُ.
عِبَادَ اللهِ : لَقَدْ أَرْخَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْـنَا فِي هَذَا البَلَدِ الكَرِيمِ ثَوْبَ أَمْـنِهِ، نِعْمَةً مِنْهُ وَمِنَّةً، فَتَفَيَّـأْنَا ظِلالَ الأَمْنِ وَقَطَفْنَا ثِمَارَهُ، فِي وَقْتٍ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ حَولِنَا ، إِنَّ فِي بُلْدَانِ هَذَا العَالَمِ اليَوْمَ مَنْ لا أَمْنَ لَهُ وَلا أَمَانَ، لِلْجَرَائِمِ المُنْتَشِرَةِ، أَوِ الحُرُوبِ المُدَمِّرَةِ؛ يَخْرُجُ رَبُّ الأُسْرَةِ طَالِبًا لِلُـقْمَةِ العَيْـشِ فِي الصَّبَاحِ، ثُمَّ يَكُونُ المَوْتُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ لُقْمَةِ عِيَالِهِ، أَوْ رُبَّمَا يَعُودُ إِلى دارِهِ فَرِحًا بِمَا جَمَعَ لِصِغَارِهِ فَلا يَجِدُ الدَّارَ وَلا الصِّغَارَ، كَمْ مِنْ بُيُوتٍ هُدِّمَتْ فَوْقَ سَاكِنِيهَا، وَكَمْ مِنْ مُدُنٍ خَلَتْ مِنْ قَاطِنِيهَا، كَمْ مِنْ أُسَرٍ تَمَزَّقَتْ، وَمُجْـتَمَعَاتٍ تَشَتَّتَ، إِنَّنَا مَعَ استِشْعَارِنَا – عِبَادَ اللهِ - بِوَاجِبِنَا تِجَاهَ المَحْرُومِينَ وَالمَنْكُوبِينَ، لَنَسْـتَشْعِرُ نِعْمَةَ الأَمْنِ الَّتِي نَعِيشُ فِي أَكْنَافِهَا وَنَنْعَمُ فِي أَثْوَابِهَا، وَلَقَدْ صَدَقَ المُصْطَفَى (صلى الله عليه وسلم) حِينَ قَالَ:(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)، إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْـنَا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنْ نَكُونَ شَاكِرِينَ لأَنْعُمِ اللهِ، فَبِالشُّكْرِ تَكُونُ البَرَكَةُ وَالزِّيَادَةُ، وَبِالكُفْرَانِ يَكُونُ الخُسْرَانُ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) .
الخطبة الثانية
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُخْبِرُنَا فِي كِتَابِهِ العَظِيمِ عَنْ بَلْدَةِ سَبَأٍ الَّتِي فَتَحَ اللهُ فِيهَا أَبْوَابَ الرِّزْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) وَقَدْ هَيَّـأَ اللهُ لَهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ مُقَوِّمَاتِ الأَمْنِ وَأَسْبَابَهُ، قَالَ تَعَالَى:(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) وَلَكِنْ عِنْدَمَا لَمْ يَشْكُرُوا رَبَّهُمْ ولَمْ يُحَافِظُوا عَلَى نِعَمِهِ؛ سَلَبَ اللهُ مُنْهُمْ تِلْكَ النِّعَمَ، وَأَحَلَّهُمُ النِّقَمَ (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
يوسف العوض
مستفادة
تعديل التعليق