آفةٌ مدمرةٌ "موافقة للتعميم".

عاصم بن محمد الغامدي
1444/10/15 - 2023/05/05 08:00AM

الحمد لله فالِقِ الحَبِّ والنَّوَى، عالم السر والنجوى، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، وصلى الله وسلم على خير خلقه وخاتم رسله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، أما بعد:

فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله - وأطيعوه، وعظِّموا أمره ولا تعصوه، وتزينوا بلباس التقوى، وتقربوا إليه بما يحب ويرضى. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

عباد الله:

تنوعَ الخطابُ القرآنيُّ المتعلق بالإصلاح، فهو تارة يخاطب الأفرادَ منبهًا كل شخص أن عليه مسؤولية نفسه، في تزكيتها، والتبصر لها، وأنه محاسب على الطريق الذي يختاره يوم الحساب ﴿‌مَنِ ‌اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾.

وتارة يوجه الخطاب للمجتمع كله، منبهًا على دوره في تحقيق الهداية، وحاثًّا له على السعي في الإصلاح، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ‌جَمِيعًا ‌الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

وقد عُني القرآن بتزكيةِ النفوسِ والمجتمعات، ووضع لها أصولاً وتشريعاتٍ، جماعُها هو تقوى الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ‌يَجْعَلْ ‌لَكُمْ ‌فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

ومن أهم أسباب تزكيةِ المجتمعاتِ، تعاونُها على ما فيه خيرها وصلاحها، ﴿‌وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

"وفائدة التعاون تيسير العمل، وتوفير المصالح، وإظهار الاتحاد والتناصر، حتى يصبح ذلك خُلُقًا للأمة"، والبرُّ: كل خيرٍ في أمور الدنيا والآخرة.

ومن آكَدِ مواطنِ التعاونِ، ما يكونُ لمواجهةِ الأعداءِ، الذينَ لا يألونَ المسلمينَ خَبَالَاً ﴿وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ‌قَدْ ‌بَدَتِ ‌الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، وهؤلاء الأعداء ما فتئوا يعلنون الحرب على جبهات عديدة، مستهدفين عقيدةَ الأمةِ وشريعتَها، في قلوبِ رجالها ونسائها، وشيوخها وأطفالها، وشبابها وكهولها، قاصدين إضعاف أفكارهم وعقولهم، وأبدانهم وصحتهم، فيثيرون الشبه، ويبثون الشهوات، وينشرون السموم، ويأمرون بالمنكر، ويحثُّون على الباطل.

ولمَّا كان الإسلامُ يحملُ الإنسانَ على الفضائل، سعى أربابُ هذه الحرب إلى إنزاله في الرذائل، بتسليط المخدرات والمفتراتِ، وتسهيل الوصول للمسكرات والمنشطات.

فهم يستهدفون عقولَ الشبابِ؛ لأن من كمُل عقله ازداد إيمانه، قال الله سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، فكلما كمل دين الإنسان وَفَرَ عَقْلُه، وكلما نقص دينه، نقص من عقله بقدر ما ينقص من دينه.

إنها آفةُ العصر التي تحيلُ الإنسانَ إلى أردأَ من الحيوانِ، والإحصاءاتُ التي تخبر عن كمية ما يُقبض عليه، مما يُسرَّب من المخدِّرات إلى بلادنِا مفجعةٌ، وهي تبين لنا خطورة الحرب التي تستهدف المسلمين على وجه العموم، وتستهدف هذه البلدة على وجه الخصوص، لما يعلمه الأعداء من مكانتها وأهميتها، ولذا فالتعاون لصدِّ عدوانهم واجبٌ على كل قادر، بالكلمة والمال، والجاه والعمل، ﴿‌وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

وللأعداء أعوانٌ يشاركونهم الإثم، ويفارقونهم في الأهداف، أكثرهم شرًا ومكرًا أصدقاء السوء، الذين يزينون التعاطي لأقرانهم، ويدعونهم إليه لأهداف مادية، ملقين بقرنائهم إلى نار الدنيا والآخرة والعياذ بالله، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلُ ‌الْجَلِيسِ ‌الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً».

جعلنا الله من العالمين العاملين، ووقانا الخزي والخسار في يوم الدين.

 

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن من التعاون على البرِّ، المأمورِ به في كتابِ الله سبحانه، بثَّ الوعي، والسعيَ لكلِّ ما فيه رفعُ مستوى الإيمانِ في النفوسِ، فإنَّ أكثرَ أسبابِ الوقوعِ في شَرَكِ هذه السمومِ، ضعفُ الإيمانِ، وغيابُ الوعيِ والمعرفةِ.

إنَّ الشبابَ بحاجةٍ إلى احتواءٍ كاحتواءِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ لأصحابه، فلما جاءه شابٌّ يستأذنُه في الزِّنَا، أثارَ حميَّته، واستنطق غِيرته، محركًا فطرته السويةَ، بأسئلة منطقية، أتحبه لأمك، أو لأختك، أو لعمتك، ثم أكملَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم علاجه للمشكلة، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ»، ولما تكرر جَلْدُ رجلٍ بسببِ شُربِهِ للخمرِ، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فحذَّر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه مما يمكن أن يصد المخطئ عن التوبة، فَقَالَ: «‌لَا ‌تَلْعَنُوهُ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ».

ومن احتواء الشباب نشرُ العلم بينهم، لتقوية إيمانهم، وتحصين دفاعاتهم، وتزكية نفوسهم، وزيادة التقوى في قلوبهم، فالعلم جُنة، والجهل عدو، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ ‌يَعْلَمُونَ ‌وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.

يا معشر الشباب: أحسنوا اختيار أصحابكم، فالصاحب ساحبٌ، والطبع سرَّاق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ».

واعلموا أنكم مستهدفون من جِهاتٍ عديدةٍ، وأنَّ رجالَ الأمنِ، والجماركِ، والعديدَ من الجمعياتِ لا يألونَ في حمايتكم جهدًا، فاستشعروا ذلك، واعلموا أنَّ الأملَ المعقودَ عليكم كبيرٌ، فأنتم مستقبلُ الأمةِ، وحصنُها الحصينُ.

يا أولياء الأمور: علموا أولادكم كيف يأخذونَ دينَهم، ويذبُّونَ عن حياضِ فكرِهم، واملؤوا أوقاتَهم بالنافعِ والمفيدِ، ولا تجعلوهم فريسةً سهلةً للمفسدينَ، فتندموا حين لا ينفعُ الندم، وليعلمْ مَنْ أغلقَ أمامَ رعيَّتِه بابَ قلْبِهِ، أنَّهُ قد فتحَ لهم بابًا إلى أهلِ الضلالِ، يتلقفونه مستبشرين، ويدمرونه مُستخفِّينَ.

ألا فاتقوا الله يا عباد الله وكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة؛ فإن الشقيَّ من حُرِمَ رَحْمَةَ الله -عياذًا بالله-، ثم صلوا وسلموا على خير البرايا، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

 

 

المرفقات

1683262768_آفة مدمرة -موافقة للتعميم-^.pdf

1683262768_آفة مدمرة موافقة للتعميم نسخة الجوال.pdf

1683262790_آفة مدمرة -موافقة للتعميم-..docx

المشاهدات 978 | التعليقات 0