آداب النوم-23-4-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ محمود الدوسري
محمد بن سامر
1441/04/22 - 2019/12/19 21:07PM
الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني: النومُ من آياتِ اللهِ العظيمةِ، فإنك ترى الناسَ نيامًا كالموتى لا يشعرونَ بشيءٍ، ثم يبعثُهم اللهُ-تعالى-، وفي ذلك عبرةٌ عظيمةٌ؛ لأنَّ الأمرَ يُشبه إحياءَ الأمواتِ بعدَ البعثِ، فإنَّ اللهَ القادرَ على ردِّ الروحِ-حين يصحو الإنسانُ من النومِ في الدنيا-قادرٌ على أنْ يبعثَ الأمواتَ من قبورِهم، وهو على كلِ شيءٍ قديرٌ، قالَ اللهُ-تعالى-: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
والنومُ ضرورةٌ للإنسانِ؛ فجزءٌ كبير من عمرهِ ينقضي في النومِ، فيخسرُه ولا يستفيدُ منه، وهناك آدابٌ للنومِ في الإسلامِ؛ فما أحسنَ أن يتعلمَها المسلمُ، ليستفيدَ من نومِه، فيكونَ زيادةً في حسناتِه، وعبادةً يُثابُ عليها، صحَ عن معاذٍ-رضي اللهُ عنه- قولُه: "إني لأحتسبُ نومتي؛ كما أحتسبُ قومتي" أي: أنه ينوي بنومِه التَّقوِّي على القيامِ في آخرِ الليلِ، وسائرِ طاعةِ اللهِ، فيحتسبُ ثوابَ نومِه؛ كما يحتسبُ ثوابَ قيامِه.
ومن آدابِ النومِ التي تُعين المسلمَ على تحويلِ نومِه إلى عبادةٍ يُثاب عليها:
1-النيةُ الصالحةُ: بأن ينويَ إراحةَ بدنِه، وتجديدَ نشاطِه حتى يستطيعَ عبادةَ اللهِ.
2-أنْ ينامَ وليس في قلبِه غِلٌّ ولا حسدٌ لأحدٍ من المسلمين: فيكونَ من أهلِ الجنةِ، فإنَّ هذا من أعظمِ خصالِ الخيرِ التي وعَدَ اللهُ عليها بالأجرِ العظيمِ، ومن دعاءِ المؤمنينَ: "وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا".
3- إغلاقُ الأبوابِ؛ وقايةً من شياطينِ الإنسِ والجنِ، وإطفاءُ النارِ والمصابيح؛ وقايةً من الاحتراق بالنارِ: لقول النبي-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: " لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ، وأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا".
4- التسميةُ ونفضُ الفراشِ قبلَ النومِ عليه؛ وقايةً من الحشراتِ والزواحفِ السامةِ والمؤذيةِ وغيرِها: قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: "إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ، فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ، وَلْيُسَمِّ اللَّهَ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ".
5- الوضوءُ قبلَ النومِ: قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ"، وقالَ: "مَنْ بَاتَ طَاهِرًا، بَاتَ فِي شِعَارِهِ-في ثيابِه الداخليةِ-مَلَكٌ لاَ يَسْتَيْقِظُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ فُلاَنٍ؛ فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا".
6- قراءةُ شيءٍ من القرآنِ: ومن ذلك: قراءةُ آيةِ الكرسيِ، فيحفظُ اللهُ قارئَها، ولا يقربُه شيطانٌ حتى يُصبحَ، وقراءةُ "الآيتينِ الأخيرتينِ من "سورةِ البقرةِ": من قولِه تعالى: "آمنَ الرسولُ..." إلى آخر السورةِ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ"، المعنى: كفتاه من كلِّ شرٍ، وقراءةُ "سورِ: الإخلاصِ، والمعوذتين، وينفثُ بها في كفيهِ، ثم يمسحُ بهما ما استطاعَ من جسدِهِ، تقولُ أمُنا عائشةُ-عليها الرضوانُ والسلامُ-: "كَانَ النبيُّ-صلى الله عليه وآلِهِ وسلم-إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ-كُلَّ لَيْلَةٍ-جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"، وَ "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ"، وَ "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ"، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ".
7- قولُ: سبحانِ اللهِ ثلاثًا وثلاثينَ، والحمدُ للهِ ثلاثًا وثلاثينَ، واللهُ أكبرُ أربعاً وثلاثينَ، فيعطيه اللهُ قوةً إضافيةً تُغنيه عن غيرِه، وتعينُه على أمورِ دينِه ودنياه.
8- النومُ على الجانبِ الأيمنِ، ووضعِ يدِه اليمنى تحتَ خدِّه: لقول النبي-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: "ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ"، تقولُ أمُنا عائشةُ-عليها الرضوانُ والسلامُ-: "كَانَ النبيُّ-صلى الله عليه وآلهِ وسلم-إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ، وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ، بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي، وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ"، ثمَ يختمُ بقولِه: "اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ". فَإِنْ ماتَ ماتَ عَلَى الْفِطْرَةِ".
9- أنْ ينويَ نيةً صادقةً القيامَ لصلاةِ الليلِ: فإنه ينالُ الأجرَ كاملًا حتى لو غلبَه النومُ؛ قالَ النبيُ-صلى الله عليه وآلهِ وسلم-: "مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ".
10- الوضوءُ عندَ رغبةِ النومِ على جنابةٍ، وتأخيرِ الاغتسالِ إلى الفجرِ: فإنَّ النبيَّ-صلى الله عليه وآلهِ وسلم-: "كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهْوَ جُنُبٌ، غَسَلَ فَرْجَهُ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ"، ولمَّا سألَ عمرُ-رضي اللهُ عنه-رسولَ اللهِ-صلى الله عليه وآلهِ وسلم-: "أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ".
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فمن أهمِ الأمورِ التي يُنهى عنها النائم:
1- ألاَّ ينامَ على بطنِه: قالُ أحدُ الصحابةُ-رضي اللهُ عنهم- أَصَابَنِي رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَطْنِي؛ فَرَكَضَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ: "مَا لَكَ وَلِهَذَا النَّوْمِ! هَذِهِ نَوْمَةٌ يَكْرَهُهَا اللَّهُ، إِنَّمَا هَذِهِ ضِجْعَةُ-نومةُ-أَهْلِ النَّار".
2- ألاَّ ينامَ وحده: فقد نَهَى النبيُّ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: "عَنِ الْوَحْدَةِ: أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ، أَوْ يُسَافِرَ وَحْدَهُ"، فقد تتلاعبُ به الشياطينُ وهو نائمٌ وحدَه؛ فتحاولُ أن تؤذيَه أو تُخيفَه، وربما تعرَّض لِمَتاعبَ صحيةٍ أو أزماتٍ، ويحتاجُ إلى مساعدةِ الآخرينَ.
3- ألاَّ ينامَ حيث يراهُ غيرُ زوجتِه: وإن اضطُّر للنوم فليتغطَّ ما استطاع، ويضم عليه ثيابَه؛ لئلا تنكشفَ عورتُه للناسِ أثناءَ نومِه، كان الإمامُ أحمدُ-رحمه اللهُ-يقول: "الأكلُ والنومُ عندنا عورتانِ".
4- ألاَّ ينامَ على سطحِ بيتٍ ليس له سورٌ-سُترةٌ-: فربما تقلَّب أثناء نومه فسقطَ فماتَ أو أصيبَ بشدةٍ، قال النبيُّ-صلى الله عليه وآلِه وسلم-: "مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ حِجَارٌ؛ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ"؛ لأنه عرَّض نفسَه للخطرِ.
ومن الآدابِ العامةِ عندَ النومِ: أنْ يكتفيَ من النومِ بمقدارِ الحاجةِ، ولا يزيدَ على ذلك؛ لئلاَّ يُفوِّت على نفسِه الكثيرَ من الخيرِ في الدنيا والآخرةِ، ولا يؤخرَ نومَه بعدَ صلاةِ العشاءِ إلاَّ لضرورةٍ؛ لئلاَّ تفوتَه صلاةُ الفجرِ، ولا يبيتَ-مَنْ له وصيةٌ-إلاَّ ووصيتُه مكتوبةٌ عندَ رأسِه، وأنْ يُوتِرَ قبلَ أنْ ينامَ، ويُحاسبَ نفسَه على ما عملَ في يومِه، فيتوبَ إلى اللهِ من السيئاتِ، ويحمدَه على توفيقهِ لما عملَ من الحسناتِ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات
النوم-23-4-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-الشيخ-محمود
النوم-23-4-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-الشيخ-محمود