آدَابُ النَّاصِحِ وَالْمَنْصُوحِ ( 1 ) 9/10/1442ه

خالد محمد القرعاوي
1442/10/08 - 2021/05/20 05:14AM
آدَابُ النَّاصِحِ وَالْمَنْصُوحِ ( 1 ) 9/10/1442ه
الحمدُ للهِ الهَادِي إلى سَواءِ السَّبِيلِ، أَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ الْمَلِكُ الجَلِيلُ، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ, الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعدُ، فَـاتَّقُوا اللهَ يا مُسلِمُونَ واحْمَدُوا اللهَ على هَذَا الدِّينِ القَويمِ والصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وتَذَكَّرُوا أنَّ الإِنسَانَ لا يُمْكِنُ أنْ يَسْتَغْنيَ بَنَفْسِهِ, إنَّما يَحْتَاجَ لِغَيرِهِ لِيَتَقَوَّى بِهِ وَيُنَاصِرُهُ وَيُنَاصِحُهُ. وَشَبَابُنَا وَبَنَاتُنَا في هذا الزَّمَنِ بِالذَّاتِ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى مَنْ يَأخُذُ بِأيدِيهِمْ بِنُصْحٍ وَرِفْقٍ وَشَفَقَةٍ عَلَيهِمْ, وَأَنْ نَبْتَعِدَ نَحْنُ عَنْ عِبَارَاتِ التَّثْبِيطِ, وَعَدَمِ جَدْوى النَّصِيحَةِ لَهُم, أَو كُلُّ إنْسَانٍ مَسْؤولٌ عَنْ نَفْسِهِ فَقَط. كَلاَّ فَقَدْ جَاءَ الأَمْرُ بِالتَّنَاصُحِ فِيمَا بَيْنَنَا وَكَأنَّها مِنْ أَرْكَانِ الإسْلامِ، حَتَّى قَالَ نَبِيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قَالَ الصَّحَابَةُ: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم. وَالنَّصِيحَةُ من خُلُق الأنْبِياءِ؛ فَنُوحٌ عَليهِ السَّلامُ قَالَ: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ}.وَهُودٌ عَليهِ السَّلامُ قَالَ: { وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ }. وَالنَّصِيحَةُ تَهدِفُ إلى الوُدِّ وَالصَّلاحِ، وَنَفْعِ النَّاسِ. وَنَبِيُّنَا مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ أَصْحَابَهُ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. بَلْ وَعَدَّهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ فَقَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: وَمِنهَا, وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ» رواه مسلم.
عِبَادَ اللهِ: وَمِن أَهَمِّ آدَابِ النَّصِيحَةِ: أَنَّ النَّاصِحَ يَرجُو بِنَصِيحَتِهِ وَجْهَ اللهِ تَعَالى فلا رِيَاءَ، وَلا شُهْرَةً. وَ (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ). وعلى النَّاصِحِ أنْ يُخْلِصَ فَي نُصْحِهِ لأَخِيهِ فَلا يَغُشُّهُ ولا يَخْدَعُهُ، مُنْطَلِقَاً مِنْ قَولِ رَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:(الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ). وَمِن أَهَمِّ آدَابِ النَّصِيحَةِ: التَّثَبُّتُ قَبْلَ النُّصْحِ, فَمَتَى مَا كَانَ نُصْحُكَ لِوَاقِعٍ ثَابِتٍ كَانَ الَقَبُولُ أَحْرَى بِإذْنِ اللهِ تَعَالَى, قَالَ اللهُ تَعَالى:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}. عِبَادَ اللهِ: وَمِن أَهَمِّ آدَابِ النَّصِيحَةِ: أَنْ تَكُونَ عَالِمَاً بِمَا تَنْصَحُ بِهِ، بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ. وإلاَّ فَقَدْ تُفْسِدُ أَعْظَمَ مِمَّا تُصْلِحُ حَقَّاً:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}.عَلى النَّاصِحِ أَنْ يَكُونَ قُدْوَةً فِي نَفْسِهِ قَولاً وَعَمِلاً, وَأَنْ يَحْذَرَ مِمَّنْ عَنَاهُمُ اللهُ بِقَولِهِ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. وَفِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الإمَامُ الألبَانِيُّ أَنَ رَسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ).حَقَّاً لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ . عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ فاللهُمَّ اجعلنَا هُدَاةً مُهتَدينَ, وَفِّقْنَا لِحُسْنِ القَصْدِ والقَولِ والعَمَلِ, وَاسْتَغْفِرُ اللهَ فاسْتَغفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ مَنَّ علينَا بِنِعْمَةِ العَقْلِ وَأَكْرَمَ، أَشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ هَدَانَا لِلطَّرِيقِ الأَقْوَمِ، وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَاحِبُ الخُلُقِ الأَعْظَمِ, صَلَّى اللهُ وَبَارَك عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ وَاشكُرُوهُ على نِعَمِهِ وَلا تَعصُوهُ.
أيُّها المُسلِمُونَ: مِن أَهَمِّ آدَابِ النَّصِيحَةِ: أَنْ تَكُونَ سِرَّاً بَينَكَ وَبينَ المَنْصُوحِ, فَالنَّصِيحَةُ أَمْنُ الفَضِيحَةِ. وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِسَيِّدَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}. قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: انْصَحْهُمْ سِرَّاً فِيمَا بَينَكَ وَبَينَهُمْ, فَإنَّهُ أَنْجَحُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَبَالِغْ في زَجْرِهِمْ، فَمُقْتَرِفُ الْمَعَاصِي وَإنْ أَعْرَضَ فَإنَّهُ يُنْصَحُ سِرًّا، وَيُبَالَغُ في وَعْظِهِ. انتهى. عِبَادَ اللهِ: وَكَانَ مِنْ هَدْي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ:(مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا). وَعَلَى النَّاصِحِ كَذَلِكَ أنْ يَكُونَ لَبِيبًا بِاخْتِيَارِ الوَقْتِ وَالْمَكَانِ الْمُنَاسِبِ لِلنَّصِيحَةِ فَهذا مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ القَبُولِ. أَيُّهَا النَّاصِحُ الصَّادِقُ الأَمِينُ: تَحَلَّ دَائِمَاً بِالرِّفْقِ وَالِّلينِ, واخْتَرْ مِنْ الأُسْلُوبِ أَحْسَنَهُ، وَمِنْ الَّلفْظِ أَعْذَبَهُ, وَتَمَثَّلْ:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}.
أيُّهَا النَّاصِحُ الصَّادِقُ: عَلَيْكَ النُّصْحُ وَالْبَلَاغُ والتَّوفِيقُ والهِدَايَةُ مِنْ عِنْدِ اللهِ القَائِلِ: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}. أَهَمُّ شَيءٍ أَنْ تَصْبِرَ وَتُصَابِرَ وَتَتَحَمَّلَّ مَا قَد يَنَالُكَ مِنْ شَمَاتَةٍ وَعِنَادٍ وَاسْتِكْبَارٍ.أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ يَا رَعَاكُمُ اللهُ: وَلْيَرْحَمْ بَعضُنَا بَعضًا، وَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى الخَيرِ والنُّصْحِ؛ فَإنَّ ذَلكَ أَمَانٌ لِمُجْتَمَعِنَا, جَعَلَنَا اللهُ جَمِيعَاً مَفَاتيحَ للخير مَغالِيق للشَّرِّ , مُتَعَاوِنِينَ على البِرِّ والتَّقْوى مُتَنَاهِينَ عن الإثمِ والعُدْوانِ, قُولُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. اللَّهُمَّ زيِّنا بزينة التقوى والإيمان, اللَّهُمَّ وفق وُلاةَ أُمُورِ المُسْلِمينَ عَامَّةً, وَولاتَنَا خاصَّةً لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى. اللَّهُمَّ اعز الإسلامَ والمُسلمين وانصُرْ جُنُودَنا المُرابِطِينَ. اللهُمَّ حَرِّرْ أقْصَانَا مِن اليَهُودِ الظَّالِمِينَ المُعْتَدِينَ اقْذفْ في قُلُوبِهْم الرُّعْبَ واجْعَلْ بَأَسَهُمْ بَينَهُمْ شَدِيدَاً, عبادَ اللهِ: أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
 
 
المشاهدات 1415 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا