آداب التنزه

عبدالرحمن سليمان المصري
1445/06/25 - 2024/01/07 12:10PM

آداب التنزه والمحافظة على البيئة 

الخطبة الأولى

 
الحمد لله الذي جعل في اختلاف فصول السنة ، دليلاً على عظمته الباهرة ، ومذكرًا بالدار الآخرة ، ونسأله الإعانةَ على طاعته والتزودَ من الأعمال الصالحة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .    أما بعد :

 

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين، قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ النساء : 131 .

عبادَ الله: الإسلام دين يُسر وسُهولة، وفسحةٍ وسماحة، فيه الجدُ والحزم ، وفيه الإجمامُ والراحة ، وإنما يسهلُ قيادةَ النفسِ والانتفاعَ منها أوقاتَ الجد ، حين َيتعاهدُ إجمامَها الفينةَ بعد الفينة .

واعْلَمُوا أَنَّ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ بِالأَمْطَارِ ، وَمَا تُنْبِتُ الأَرْضَ، والأجواءَ الباردة ، وَالذَّهَابِ بِالنَّفْسِ وَالأَهْلِ والأصحاب إِلَى النُّزْهَةِ، وَالنَّظَرِ إِلَى أَمَاكِنِ السَّيْلِ، وَمَجْرَى الْمَاءِ، والرياض المخضرة ، أَمْرٌ مَشْرُوعٌ.

وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يبدو للتلاع ، أي يخرج للبادية، فينظرَ في مَجَارِي الْمَاء مِنْ أَعْلَى الْأَرْض إِلَى بُطُون الْأَوْدِيَة .

وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأمصار، أن مُروا الناس في أيام الربيع بالخروج إلى الصحراء؛ لينظروا إلى النور ، وإلى آثار رحمة الله .أ.هـ.

عباد الله : وهناك آدابٌ وأحكام  تشرع عند الخروج  للرَحلات البرية ومنها :

اختيار الصحبة الصالحة والرفقة الطيبة .

والمحافظة على الغطاء النباتي ، بعدم الدخول بالسيارات إلى الروضات ومنابت الربيع ، أو عدم الالتزام

بالطرق التي تمر فيها السيارات .

ويشرع للمسلم إذا وصل إلى مكان التنزه ، قراءة الحرز المسنون ، قال صلى الله عليه وسلم : " ‌إِذَا ‌نَزَلَ ‌أَحَدُكُمْ ‌مَنْزِلًا، فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْهُ " رواه مسلم .

عباد الله : وليتذكر المسلمُ أن إسباغ الوضوء من الإيمان ، وأنه سبب لتكفير الذنوب والسيئات .

ويشرع للمسلم التيمم إذا لم يجد الماء ، وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : عن  حكم التيمم للبرد فأجاب : إذا وقع البرد وأنت في مكان لا حيلة لك بماء دافئ ، كالذي في الصحراء، وليس عنده ما يسخن به الماء، أو يخشى المضرة عليه من استعمال الماء ؛ فإنه يتيمم ، وعمرو بن العاص رضي الله عنه عندما أصابته جنابة في شدة البرد في سفر ، وخاف على نفسه تيمم ، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم .أ.هـ. ،

 أَمَّا مُجَرَّدُ المشقة مِنَ المَاءِ البَارِدِ فَلَا يُرَخِّصُ للمسلم بالتَّيَمُّمَ .

وَمِنَ الأَحْكَامِ الَّتِي يَحْتَاجُهَا الْمُسْلِمُ وَخَاصَّةً فِي هَذَا الْفَصْلِ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوِ الْجَوْرَبَيْنِ ويشترط أن يكون لابساً لهما على طهارة ، وأن يكون المسح في الطهارة الصغرى ، وأن يكونا طاهرين ، وأن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً، وهو يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر.

 

عباد الله : وَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ فِي هَذِهِ الرَّحَلَاتِ المُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ ، ويشرع الأذان والإقامة لكل صلاة .

وَإِذَا خَرَجَ مَسَافَةَ قَصْرٍ، فَيُشْرَعُ: الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ، وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا قَصْرًا، غَيْرَ أَنَّهُ يَحْذَرُ مِنْ كَثْرَةِ التَّخَلُّفِ عَنْهَا.

ومن الآداب التي ينبغي التنبه لها : الحذر من المكوث أو المبيت في الأودية والشعاب أثناء مواسم الأمطار ، أو قطع السيول بالسيارة ، والذي قد يُعرض نفسه ومن معه للهلاك .

كما ينبغي عدمُ إشعالِ النار إلا في الأماكنِ المسموحِ بِها ، وإِطفائِها قبل مُغادرة المكان ، والحذرُ من تركِ النارِ عند النوم ، قال صلى الله عليه وسلم " ‌إِنَّ ‌هَذِهِ ‌النَّارَ ‌إِنَّمَا ‌هِيَ ‌عَدُوٌّ ‌لَكُمْ ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ " رواه البخاري .

وعلى المسلم الالتزام بالأنظمة التي أقرتها الجهات المسؤولة بشأن عدم الصيد والاحتطاب ، وعدم الاعتداء على المحميات الطبيعية ، وهي من سلطات ولي الأمر في تقييد بعض المباحات للمصلحة العامة ، فيجب على المسلمين طاعته لعموم قوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾النساء:59.

ومن الآداب التي ينبغي التنبه لها :

ترك المكان نظيفا عند المغادرة  ، واستشعار ما يترتب على ترك المخلفات البلاستيكية والمعدنية وغيرها من إفساد للبيئة وإيذاء للناس ، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾الأعراف:56 ، فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى ويحب الخير للآخرين فهي علامة على الإيمان ، قال صلى الله عليه وسلم " ‌لا ‌يؤمن ‌أحدكم حتى ‌يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري . وكما تحب أن تلقى المكان نظيفا عند قدومك ؛ فاتركه نظيفا عند خروجك ، ولا تعرض نفسك لدعاء الناس ولعنتهم ، قال صلى الله عليه وسلم " ‌من ‌آذى ‌المسلمين ‌في ‌طرقهم وجبت عليه لعنتهم " رواه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني.

 بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا .        أما بعد :

 

عباد الله : إِنَّ مِنَ التَّوْفِيقِ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ وَأَحْوَالِهِ ؛ فَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ تُحِيطُ بِالْعَبْدِ فِي كُلِّ مَرَاحِلِ عُمْرِهِ ، وَإِنَّ تَذَكُّرَهَا يَقُودُ إِلَى شُكْرِهَا ، فَتَزْدَادُ النِّعَمُ بِالشُّكْرِ، ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ إبراهيم:7 .

عباد الله : إِنَّ اَلْعَبْدَ إِذَا تَأَمَّلَ اَلنِّعَمَ اَلَّتِي أَنْعَمَ اَللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ، لَتَعَجَّبَ مِنْ كَثرَتِهَا وعَظَمَتِهَا، وَغَفْلَتِهِ عَنْهَا. وَلَوْ نَظَرَ اَلْمُسْلِمُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ اَلْخَلْقِ فِي شَتَّى بِقَاعِ اَلْأَرْضِ وَمَا يَفْتَقِدُونَهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ اَلْحَيَاةِ، مِنَ اَلْأَمْنِ وَقِلَّةِ اَلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، لَعَرَفَ عَظِيمَ نِعَمِ اَللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَمَا احْتَقَرَ نِعْمَةَ رَبِّهِ عَلَيْهِ ، قَالَ ﷺ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ مُسلِمٌ.

وَيَكُونُ شُكْرُ اللهِ عَلَى هَذِهِ اَلنِّعَمِ: بِالْقَلْبِ اِعْتِرَافًا بِأَنَّهَا مِنَ اَللَّهِ وَحْدَهُ، وَيَكُونُ بِاللِّسَانِ ذِكْرًا وَشُكْرًا للهِ، وَيَكُونُ بِالْأَفْعَالِ بِاسْتِخْدَامِ هَذِهِ النِّعَمِ فِي طَاعةِ اللهِ وَفِيمَا أَبَاحَهُ لِعِبَادِهِ.

وليعلم المؤمن : أَنَّ كُلَّ نِعْمَةٍ نَالَهَا الْعَبْدُ فَهِيَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا العَبْدُ لَوْلَا رَحْمَةُ اللَّهِ بِهِ، وَعَفْوُهُ عَنْ ظُلْمِهِ وَعِصْيَانِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ الكهف:58 .

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب : 56.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين  ، اللهم احفظ شبابنا وفتياتنا وردهم إليك ردا جميلا .

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده لما تحبه وترضاه ، اللهم أعز بهم دينك وأعلي بهم كلمتك.

اللهم احفظ بلادنا وأمننا ، واجمع شملنا على الخير مع قادتنا وعلمائنا وعامتنا ، ووفق رجال أمننا .

اللهم فرج هم المهمومين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينيين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين يا ذا الجلال والإكرام .

اَللَّهُمَّ كن لإِخْوَانَنَا فِي فِلَسْطِينَ ، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم ، واكشف ضرهم  ، وادر دائرة السوء على عدوك وعدوهم ، من اليهود الظالمين المعتدين ، اللهم اشدد وطئتك عليهم ، يا قوي يا عزيز .

نستغفر الله ، نستغفر الله ، نستغفر الله

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ، فأرسل السماء علينا مدرارا

اللهم أغثنا ،   اللهم أغثنا ،   اللهم أغثنا ، ...

اللهم سقيا رحمة لا سقيا    عذاب ،  ولا بلاء ،  ولا هدم ،  ولا غرق

اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين

عبادَ الله: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.    

المرفقات

1704618285_آداب التنزه خطبة جمعة.docx

المشاهدات 101 | التعليقات 0