آخِرُ خُطْبَةٍ في عام 1443هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1443/12/28 - 2022/07/27 19:39PM

آخِرُ خُطْبَةٍ في عام 1443هـ

الْحَمْدُ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، جَعَلَ فِي تَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ، حَكَمَ بِفَنَاءِ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَمَرَ بِالتَّزَوُّدِ لِدَارِ الْقَرَارِ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْأَبْرَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، اتَّقُوا اللهَ وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا أَوْلاكُمْ مِنَ الْإِنْعَامِ، وَقَصِّرُوا الأَمَلَ، وَاسْتَعِدُّوا لِبَغْتَةِ الْأَجَل، فَمَا أَطَالَ عَبْدٌ الْأَمَلَ إِلَّا أَسَاءَ الْعَمَلَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {يٰأَ يُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَا هُوَ الْعَامُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْأَرْبَعْمَائِةِ وَالْأَلْفِ لِلْهِجْرَةِ قَدْ أَزِفَ رَحِيلُهُ وَقَرُبَ تَحْوِيلُهُ، هَا هُوَ يَطْوِي بِسَاطَهُ وَيُقُوِّضُ خِيَامَهُ وَيَشُدُّ رِحَالَهُ، أَيْنَ لَيْلُهُ وَأَيْنَ نَهَارُهُ ؟ أَيْنَ يَوْمُهُ وَأَيْنَ شَهْرُهُ ؟ أَيْنَ صَيْفُهُ وَأَيْنَ شِتَاؤُهُ ؟ أَيْنَ أَفْرَاحُهُ وَأَيْنَ أَحْزَانُهُ ؟ أَيْنَ أَنْفَاسُهُ وَأَيْنَ لَحَظَاتُهُ ؟ إِي وَرَبِّي، إِنَّهَا دَوَّامَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لا تَقِفُ لِأَحَدٍ، لا تَنْتَظِرُ أَحَدًا، لا تُحَابِي أَحَدًا.
فَالْإِنْسَانُ مُنْذُ أَنْ نَزَلَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَهُوَ يَغُذُّ السَّيْرَ فِي طَرِيقِهِ الْمُقَدَّرِ، وَمُرُورُ الْأَيَّامِ وَالْأَعْوَامِ يُدْنِيهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ نِهَايَةِ الطَّرِيقِ، فَهُوَ الْيَوْمُ أَقْرَبُ مِنْهُ أَمْس، وَهُوَ غَدًا أَقْرَبُ مِنْهُ الْيَوْم، وَكَمَا أَنَّ لِعَامِنَا هَذَا يَوْمٌ أَخِيرٌ، فَلِكُلِّ حَيٍّ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ يَوْمٌ أَخِيرٌ, فَكَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْمًا لا يَسْتَكْمِلُهُ، وَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ لِغَدٍ لا يُدْرِكُهُ وَالْمُوَفَّقُ السَّعِيدُ لا يَرْكَنُ إِلَى الْخُدَعِ، وَلا يَغْتَرُّ بِالطَّمَعِ.
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ بِدَايَةً وَنِهَايَةً، وَنِهَايَةُ عَامِنَا قَدْ أَوْشَكَتْ عَلَى الْاقْتَرَابِ، فَقَدَ آذَنَ بِالرَّحِيلِ وَوَلَّى الْأَعْقَابَ، إثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، عَامٌ كَامِلٌ تَصَرَّمَتْ أَيَّامُهُ وَتَفَرَّقْتَ أَوْصَالُهُ، وَهَا هُوَ يَلْفِظُ أَنْفَاسَهُ، وَقَدْ حَوَى بَيْنَ جَنْبَيْهِ وَفِي خَزَائِنِهِ مَا حَوَى، مِنَ الْحِكَمِ وَالْعِبَرِ، وَالْأَحْدَاثِ وَالْغَيِرِ، وَأَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَلا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَمْ شَقِيَ فِيهِ مِنْ أُنَاسٍ، وَكَمْ سَعِدَ آخَرُونَ؟ كَمْ مِنْ طِفْلِ تَيَتَّمَ، وَكَمْ مِنْ امْرَأَةٍ تَرَمَّلَتْ، كَمْ مِنْ مَرِيضِ قَوْمٍ قَدْ تَعَافَى، وَسَلِيمِ قَوْمٍ فِي التُّرَابِ تَوَارَى، كَمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يُشَيِّعُونَ مَيَّتَهُمْ، وَآخَرُونَ يَزِفُّونَ عَرُوسَهُمْ، دَارٌ تَفْرَحُ بِمَوْلُودٍ، وَأُخْرَى تُعَزَّى بِمَفْقُودٍ، كَمْ مِنْ دُمُوعٍ فَرَحٍ فِي الْعُيُونِ تَرَقْرَقَتْ، وَعَبَرَاتِ حُزْنٍ عَلَى الْخُدُودِ تَحَدَّرَتْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: جُمْعَتُكُمْ هَذِهِ هِيَ آخِرُ جُمْعَةٍ مِنْ هَذَا الْعَامِ، وَهَذَا الْعَامُ مِنْ أَعْمَارِكُمْ وَقَدْ تَصَرَّمَتْ أَيَّامُهُ، وَقُوِّضَتْ خِيَامُهُ، وَغَابَتْ شَمْسُهُ، وَاضْمَحَلَّ هِلَالُهُ، إِيذَانًا بِأَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا لَيَسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ، وَأَنَّ مَا بَعْدَهَا دَارٌ إِلَّا الْجَنَّةُ أَوُ النَّارُ، فَاحْذَرُوا الدُّنْيا وَمَكَائِدَهَا، فَكَمْ غَرَّتْ مِنْ رَاكِنٍ إِلَيْهَا، وَصَرَعَتْ مِنْ مُكِبِّ عَلَيْهَا، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِيَّ فَقَالَ :  كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ.

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: (إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) أَخَرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: ذَهَبَ عَامُكُمْ شَاهِدًا لَكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ، فَاحْمِلُوا زَادًا كَافِيًا، وَأَعِدُّوا جَوَابًا شَافِيًا، وَاسْتَكْثِرُوا فِي أَعْمَارِكُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ، وَتَدَارَكُوا مَا مَضَى مِنَ الْهَفَوَاتِ، وَبَادِرُوا فُرْصَةَ الْأَوْقَاتِ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ، شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

فَيَا مَنْ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ الْقَلِيلُ، وَلا يَدْرِي مَتَى يقَعُ الرَّحِيلُ، وَيَا مَنْ تُعَدُّ عَلَيْهُ أَنْفَاسُهُ اسْتَدْرِكْهَا، وَيَا مَنْ سَتَفُوتُ أَيَّامُهُ أَدْرِكْهَا، نَفْسُكُ أَعَزُّ مَا عَلَيْكَ فَلا تُهْلِكْهَا.

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) أَخْرَجَهُ مُسْلِم.
سُبْحَانَ اللهِ، أَلَمْ يَأْنِ لِأَهْلِ الْغَفْلَةِ أَنْ يُدْرِكُوا حَقِيقَةَ هَذِهِ الدَّار؟ِ  فَهَلْ رَحِمَ الْمَوْتُ مِنَّا مَرِيضًا لِضَعْفِ حَالِهِ وَأَوْصَالِهِ؟ هَلْ تَرَكَ كَاسِبًا لِأَجْلِ أَطْفَالِهِ؟! هَلْ أَمْهَلَ ذَا عِيَالٍ مِنْ أَجْلِ عِيالِهِ؟ أَيْنَ مَنْ كَانُوا مَعَنَا فِي الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ؟ أَتَاهُمْ هَادِمُ اللَّذَّاتِ وَقَاطِعُ الشَّهَوَاتِ وَمُفُرِّقُ الْجَمَاعَاتِ، فَأَخْلَى مِنْهُمُ الْمَجَالِسَ وَالْمَسَاجِدَ، تَرَاهُمْ فِي بُطُونِ الْأَلْحَادِ صَرْعَى، لا يَجِدُونَ لِمَا هُمْ فِيهِ دَفعًا، وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسُهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ: الْمَوْتِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالأَلْبَانِي.

فَبَادِرْ التَّوْبَةَ وَاحْذَرِ التَّسْوِيفَ، وَأَصْلِحْ مِنْ قَلْبِكَ مَا فَسَدَ، وَكُنْ مِنْ أَجَلِكَ عَلَى رَصَدٍ، فَقَدْ أَزِفَ الرَّحِيلُ وَقَرُبَ التَّحْوِيلُ، وَالْعُمْرُ أَمَانَةٌ، سَيُسْأَلُ عَنْهُ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسَولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي.  وَيَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَمِي عَلَى يَوْمٍ غَرَبَتْ شَمْسُهُ، نَقَصَ فِيهِ أَجَلِي وَلَمْ يَزِدَدْ فِيهِ عَمَلِي.
أَيُّهَا الشَّبَابُ : كَفَى تَجَرُّؤًا عَلَى حُدُودِ اللهِ، كَفَى اقْتِرَافًا لِمَعَاصِي اللهِ، كَفَى قَسْوَةً لِلْقُلُوبِ وَتَفْرِيطًا فِي جَنْبِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، يَا تَارِكًا لِلصَّلَاةِ وَمُتَهَاوِنَّا بِهَا كَفَاكَ تَرْكًا لِمَا يَصِلُكُ بِاللهِ أَتَى عَلَيْكَ الْمُحَرَّمُ وَمِنْ بَعْدِهِ صَفَرٌ، وَشَهْرٌ إِثْرَ شَهْرٍ، وَأَنْتَ تَنَامُ عَنِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، لَمْ تَعْرِفْ رَوْضَةَ الْمَسْجِدِ لَكَ مَكَانًا، فَأَنْتَ دَائِمًا فِي صَلاتِكَ تَقْضِي، وَبِسُرْعَةٍ مِنْهَا تَمْضِي، مَا لِحالِكَ لا يَتَغَيَّرُ ؟ زِدْتَ فِي دُنْيَاكَ وَتَقَدَّمْتَ ، وَنَقَصْتَ فِي آخِرَتِكَ وَتَأَخَّرْتَ.
يَا طُلَّابَ العِلْمِ وَيَا مَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَمَنَّ عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ، مَضَى عَامٌ كَامِلٌ وَأُمَّتُكُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَبْنَائِهَا يَغْرَقُ فِي أَوْحَالِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبْهَاتِ، مَاذَا قَدَّمْتُمْ لِدِينِكُمْ؟! ثَلاثِمَائِةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا كَمْ كَلِمَةً فِيهَا أَلْقَيْتَ؟! كَمْ شَرِيطًا وَزَّعْتَ؟! وَكَمْ كُتِيَّبًا نَشَرْتَ؟! وَكَمْ عَاصِيًا نَصَحْتَ؟! كَمِ اهْتَدَى عَلَى يَدَيْكَ؟! مَاذَا قَدَّمْتَ لِدِينِكَ؟! مَاذَا قَدَّمْتَ لِأُمَّتِكَ؟!
فَيَا عَبْدَ اللهِ، اسْتَدْرِكْ مِنَ الْعُمْرِ ذَاهِبًا، وَدَعِ اللَّهْوِ جَانِبًا، وَقُم فِي الدُّجَى نَادِبًا، وَقِفْ عَلَى الْبَابِ تَائِبًا، فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا) أَخْرَجَهُ مُسْلِم.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا االلهَ عِبَادَ اللهِ وَاسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ, مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير.
وَلْنَتَذَكَّرْ بِانْقِضَاءِ الْعَامِ انْقِضَاءَ الْعُمْرِ، وَبُسْرَعَةِ مُرُورِ الْأَيَّامِ قُرْبَ الْمَوْتِ، وَبِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ زَوَالَ الدُّنْيَا وَحُلُولَ الآخِرَةِ، فَالْأَيَّامُ تُطْوَى، وَالْأَعْمَارُ تَفْنَى، وَالْأَبْدَانِ تَبْلَى، وَالسَّعِيدُ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَالشَّقِيُّ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ, وَالْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ فَمَنْ أَصْلَحَ فِيمَا بَقِيَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى، وَمَنْ أَسَاءَ فِيمَا بَقِيَ أَخَذَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِي.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مَا يَحْصُلُ فِي بِدَايَةِ الْعَامِ مِنْ تَهْنِئَةٍ بَيْنَ النَّاسِ بِقُدُومِ الْعَامِ الْجَدِيدِ عَنْ طَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ أَوِ الرَّسَائِلِ , وَقَدْ أَفْتَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلْبُحُوثِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْإِفْتَاءِ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّهْنَئِةَ بِالسَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ الْجَدِيدَةِ لِأَنَّ الاحْتِفَاءِ بِهَا غَيْرَ مَشْرُوعٍ.

وَكَذَلِكَ لا يَجُوزُ تَخْصِيصُ آخِرِ الْعَامِ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الغَضَبِ والرِّضَا، وَنَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَا, وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ, وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ, وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ, وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ, وَنَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ, فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ, اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ .

المرفقات

1659081866_آخِرُ خُطْبَةٍ في عام 1443هـ.doc

المشاهدات 2870 | التعليقات 3

تنيبه : استفدت جل هذه الخطبة من خطبة سابقة للشيخ صالح العويد حفظه الله.


جزاك الله خيرا


شيخ محمد السلام عليكم ورحمة الله زادك الله من فضله ذكرت تحريم التهنئة بالعام الجديد وأفيدكم أن شيخنا محمد العثيمين لما:

سئل رحمه الله: ما رأيكم في تبادل التهنئة في بداية العام الهجري الجديد؟

الجواب: أرى أن بداية التهنئة في قدوم العام الجديد لا بأس بها ولكنها ليست مشروعة بمعنى: أننا لا نقول للناس: إنه يسن لكم أن يهنئ بعضكم بعضاً، لكن لو فعلوه فلا بأس، وإنما ينبغي له أيضاً إذا هنأه في العام الجديد أن يسأل الله له أن يكون عام خيرٍ وبركة فالإنسان يرد التهنئة. هذا الذي نراه في هذه المسألة، وهي من الأمور العادية وليست من الأمور التعبدية.

(لقاء الباب المفتوح [93]) يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة عام (1415هـ)

.  ومنهم من بدأ بالتهنئة مثل الشيخ عبد الرحمن السعدي فقد بعث كتابا لأحد طلابه وكان في ديباجة رسالته: ونهنئكم بالعام الجديد، جدد الله علينا وعليكم النعم ودفع عنا وعنكم النقم. والأمر فيه سعة.  فالأصل فيها الإباحة، فليست مشروعة وليست بدعة..