آثار صنائع المعروف العظيمة!

آثار صنائع المعروف العظيمة!

خطبة جمعة. 

﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾

الحمدُ لله ذي الفضل والنِّعم والجودِ والكرم ، علّم بالقلم ، علّم الإنسان ما لم يعلم . أحمده سبحانه وأشكره ، هدى ويسَّر ، ووفّق وألهم ، وأطلع على الأسرار والحِكَم . 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً مبرّأة من الشكّ والريب والتّهم ، وأشهد أنّ سيدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله النبيّ الأعظم والهادي الأكرم ، المبعوث للعرب والعجم ، صلى الله عليه وبارك وسلّم ، وعلى آله وأصحابه هم بدين الله أعلم ، ومنهاجُهم أسلم وأحكم ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلّم تسليمًا كثيرًا .

    أما بعد  : فيا عباد الله,  اتقوا الله ، وتذكروا نِعَمه عليكم ، واشكروه عليها بالعمل الصالح ، فإن من شكر زاده الله توفيقًا ونعمة.

أيها المؤمنون!

فِيْ حَدِيْثٍ صَحَّحَهُ اَلْأَلْبَاْنِيُّ ـ رَحِمَهُ اَللهُ ـ عَنْ أَمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ أَنَّ اَلْنَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  قَاْلَ : (( صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيّاً تُطْفِئُ غَضَبَ اَلْرَّبِّ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي العُمُر ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ، وَأَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا ، هُمْ أَهْلُ المَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ ، وَأَهْلُ المُنْكَرِ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ هُمْ أَهْلُ اَلْمُنْكَرِ فِيْ اَلْآخِرَةِ )) .

فَفِيْ هَذَاْ اَلْحَدِيْثِ اَلْعَظِيْمِ ، حَثٌّ عَلَىْ فِعْلِ اَلْخَيْرِ لِلْغَيْرِ ، وَبَيَاْنٌ لِأَهَمِّيَّةِ وَنَتِيْجَةِ إِسْدَاْءِ اَلْمَعْرُوْفِ لِلْعِبَاْدِ ، سَوَاْءً كَاْنَ هَذَاْ اَلْمَعْرُوْفُ مَاْلَاً ؛ كَاَلْصَّدَقَةِ وَإِطْعَاْمِ اَلْطَّعَاْمِ ، وَسِقَاْيَةِ اَلْمَاْءِ ، وَسَدَاْدِ اَلْدِّيُوْنِ ، وَكَفَاْلَةِ اَلْأَيْتَاْمِ ، وَرِعَاْيَةِ اَلْأَرَاْمِلِ ، أَوْ جَاْهَاً ؛ كَإِصْلَاْحٍ بَيْنَ اَلْنَّاْسِ ، وَشَفَاْعَةٍ حَسَنَةٍ ، وَتَعْلِيْمِ عِلْمٍ نَاْفِعٍ ، أَوْ سَاْئِرِ اَلْمَصَاْلِحِ اَلَّتِيْ يَحْتَاْجُهَاْ اَلْنَّاْسِ ؛ كَحُسْنِ اَلْمُعَاْمَلَةِ ، وَإِمَاْطَةِ اَلْأَذَىْ ، وَعِيَاْدَةِ اَلْمَرْضَىْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّاْ عُرِفَ حُسْنُهُ شَرْعَاً وَعَقْلَاً . فَمَنْ بَذَلَ شَيْئَاً مِنْ نَفْسِهِ أَوْ جُهْدِهِ أوْ وَقْتِهِ أَوْ مَاْلِهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مُخْلِصَاً للهِ ، فَإِنَّ اَللهَ ، يَقِيْهِ مَصَاْرِعَ اَلْسُوْءِ ، كَاَلْحَوَاْدِثِ وَاَلْكَوَاْرِثِ وَاَلْمُصَاْئِبِ اَلْمُفَاْجِئَةِ ، وَكَمْ مِنْ إِنْسَاْنٍ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ نَجَّاْهُ اَللهُ ، مِنْ مَصْرَعٍ سُوْءٍ بَسَبَبِ فِعْلِهِ لِلْخَيْرِ ؟ وَكَمْ مِنْ إِنْسَاْنٍ حَفِظَ اَللهُ مَاْلَهُ مِنْ اَلْضَّيَاْعِ وَاَلْسَّرِقَةِ وَاَلْتَّلَفِ ، بِسَبَبِ إِحْسَاْنِهِ إِلَىْ اَلْنَّاْسِ ؟ . وَكَمْ مِنْ إِنْسَاْنٍ نَجَّاْهُ اَللهُ مِنْ اَلْحَوَاْدِثِ اَلْمُمِيْتَةِ بِسَبَبِ مَعْرُوْفِهِ إِلَىْ اَلْنَّاْسِ ؟ وَكَمْ مِنْ إِنْسَاْنٍ حَفِظَ اَللهُ ، أَوْلَاْدَهُ وَأَهْلَهُ مِنْ اَلْمُهْلِكَاْتِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ اَلْمَعْرُوْفِ ؟

اِزْرَعْ جَمِيْلَاً وَلُوْ فِيْ غَيْرِ مَوْضِعِهِ *** فَلَاْ يَضِيْعُ جَـــمِيْلٌ أَيْنَمَاْ زُرِعَاْ

إِنَّ اَلْجَمِيْلَ وَإِنْ طَاْلَ اَلْزَّمَاْنُ بِهِ ***  فَلَيْسَ يَحْصُدُهُ إِلَّاْ اَلَّذِيْ زَرَعَاْ

اَلْنَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ أَوْلَ مَاْ نَزَلَ عَلَيْهِ اَلْوَحْيُ فِيْ اَلْغَاْرِ ، رَجَعَ إِلَىْ خَدِيْجَةَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ، فَقَالَ : (( زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي )) ـ أَيْ غَطُّوْنِيْ بِاَلْثِّيَاْبِ وَلُفُّوْنِيْ بِهَاْ ـ فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ : (( أَيْ خَدِيجَةُ ، مَا لِي )) وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ ، قَالَ : (( لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي )) ، قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : كَلَّا أَبْشِرْ ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا ، وَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ .

فَاَلَّذِيْ يَصْنَعُ اَلْمَعْرُوْفَ ، لَنْ يَخْذِلَهُ اَللهُ سبحانه وتعالي ، بَلْ يُبْشِرُ بِمَحَبَّتِهِ ، وَمَحَبَتِهِ لِأَعْمَاْلِهِ ، فَفِيْ اَلْحَدِيْثِ اَلَّذِيْ رَوَاْهُ اَلْطَّبَرَاْنِيُّ وَحَسَّنَ إِسْنَاْدَهُ اَلْأَلْبَاْنِيُّ ، عَنِ اِبْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ، أَنَّ رَجُلَاً جَاْءَ إِلَىْ رَسُوْلِ اَللَّهِ صلي الله عليه وسلم  ، فَقَاْلَ : يَاْ رَسُوْلَ اَللَّهِ ، أَيُّ اَلْنَّاْسِ أَحَبُّ إِلَىْ اَللَّهِ ؟ وَأَيُّ اَلْأَعْمَاْلِ أَحَبُّ إِلَىْ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَاْلَ رَسُوْلُ اَللَّهِ صلي الله عليه وسلم  : (( أَحَبُّ اَلْنَّاْسِ إِلَىْ اَللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلْنَّاْسِ ، وَأَحَبُّ اَلْأَعْمَاْلِ إِلَىْ اَللَّهِ سُرُوْرٌ تُدْخِلُهُ عَلَىْ مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوْعًا ، أَوْ تَقْضِيْ عَنْهُ دَيْنًا ، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاْجَةٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَاْ الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا ، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ )) .

فَصَنَاْئِعُ اَلْمَعْرُوْفِ ـ أَيُّهَاْ اَلْإِخْوَةُ ـ مَعَ أَنَّهَاْ تَقِيْ مَصَاْرِعَ اَلْسُّوْءِ ، فإنها عِبَاْدَةٌ عَظِيْمَةٌ ، يَتَقَرَّبُ بِهَاْ اَلْمَسْلِمُ إِلَىْ رَبِّهِ ، بَلْ هِيَ أَحَبُّ إِلَىْ رَسُوْلِ اَللهِ e ، مِنْ اَلْاِعْتِكَاْفِ شَهْرَاً فِيْ مَسْجِدِهِ ، اَلَّذِيْ يَقُوْلُ عَنْهُ ـ عَلَيْهِ اَلْصَّلَاْةُ وَاَلْسَّلَاْمُ ـ : (( صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ )) ، فَيَنْبَغِيْ لَكَ ـ أَخِيْ اَلْمُسْلِمِ ـ أَنْ تَحْرِصَ عَلَىْ هَذِهِ اَلْعِبَاْدَةِ ، كَحُرْصِكَ عَلَىْ اَلْصَّلَاْةِ وَاَلْصِّيَاْمِ وَغَيْرِهِمَاْ مِنْ أَنْوَاْعِ اَلْعِبَاْدَاْتِ ، تَنْفَعُ إِخْوَاْنَكَ بِمَاْ تَسْتَطِيْعُ عَلَيْهِ ، وَتَبْذُلُ لَهُمْ مَاْ فِيْ وِسْعِكَ مِمَّاْ يَحْتَاْجُوْنَ إِلَيْهِ ، وَأَبْشَرْ بِمَاْ يَسُرُّكَ وَيُسْعِدُكَ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ وَاَلْآخِرَةِ.

عباد الله!  إن أعباءَ الدنيا جسام ، والمتاعبَ تنزل بالناس من اليتامى والأرامل والغرباء والضعفاء والمعسرين. والإنسانُ بمفرده أضعف من أن يصمد طويلاً تجاه هذه الشدائد ، ولئن صمد فإنه يبذل من الجهد ويقاسي من المعاناة ما كان في غنًى عنه لو أن إخوانه التفتوا إليه وهرعوا لنجدته وأعانوه في  مشكلته ، فالمرء قليل ضعيف بنفسه كثيرٌ قوي بإخوانه.  

ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يتألم لألمه ، ويحزن لحزنه ، ويعينه على دفع كربته ، أما موت العاطفة وقلّة الاكتراث وكأن الأمر لا يعنيه فهو تنكّر لهذه الأخوة ، فضلاً عن أنه جفاء في الخلق وجمود في الطبع.  

والتألم الحق هو الذي يدفعك إلى كشف ضوائق إخوانك، فلا تهدأ حتى تزول الغمة وتنكشف الظلمة ،(( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلاَ يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ )) متفق عليه.    

عباد الله!  

إن من رحمة الله حين خلق المعروف أن خلق له أهلاً فحببه إليهم وحبب إليهم إسداءه ، ووجههم إليه كما وجّه الماء إلى الأرض الميتة فتحيا به ويحيا به أهلها ، وإن الله إذا أراد بعبده خيرًا جعل قضاء حوائج الناس على يديه ، ومن كثرت نعم الله عليه كثر تعلّق الناس به ، فإن قام بما يجب عليه لله فيها فقد شكرها وحافظ عليها ، وإن قصّر وملّ وتبرّم فقد عرّضها للزوال ، ثم انصرفت وجوه الناس عنه.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِى عَوْنِ أَخِيهِ )).

 وجاء في صحيح مسلم أن النبي  ﷺ قال (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ )).

فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه  بعضًا ، وأحب الخَلق إلى الله أنفعهم لعباده ، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء ، والجزاء من جنس العمل ، فكما تعامل الخلقَ في الدنيا يعاملك الخالق سبحانه في الآخرة.  

وخيرُ عبادِ الله أنفعهم لهـــم ***رواه عن الألباب كلُّ فقيه

وإن إله العرش جلّ جلالُه ***يُعينُ الفتى ما دامَ عونُ أخيـه

و قال ﷺ:  (( صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ )) رواه الحاكم وصححه الألباني.

 وقال ﷺ: ((وكلُّ معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة )) رواه الطبراني  وحسنه الألباني. أيها المحسن! 

إن دروب الخير كثيرةٌ وحوائجُ الناس  متنوعة: ابذل ما تستطيع! أطعم جائعا، اكسو عاريا، أعد مريضا، علم جاهلا، أُنظر معسرا، أعن عاجزا، أسعف منقطعا ، أطرد عن أخيك همًا، أزل عنه غمًا ، اكفل يتيمًا، واسي حزينا ، أكرم ضيفا، أشكر محسنا، اغفر  زلةً ، اشفع شفاعة حسنةً ، أصلح بين المتخاصمين ، اهدي ضالا، أعطي محتاجا، أوقف، أطعم، تطوّع، أنفق في وجوه الخير، ودل غيرك عليها ليكون لك مثل أجورهم؛ فإن كنتَ لا تملكُ هذا ولا هذا فعليك بطيب الكلام، وإفشاء السلام، وكف الأذى عن الأنام ، فإنه صدقةٌ منك على نفسك. 

أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال (( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّالَّةِ صَدَقَةٌ ، وَنَظَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ صَدَقَةٌ ، وَإِمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ، وَإِفْرَاغُكَ فِي دَلْوِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ )) وصححه الألباني .

قال تعالى: ( لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) النساء:114. 

  بارَك الله لي وَلكُم في القرآنِ العَظيم، ونفعني الله وإيّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذّكر الحَكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفِر اللهَ لي ولَكم ولجميعِ المسلِمين من كلّ ذنب فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرّحيم.

﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾

الحمد لله الذي أمرنا بالإحسان، وجزى فاعله الأجر وأعلى الجنان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكثر الناس إحسانا، وأعظمهم خلقا وإيمانا الله وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فاتقوا الله عباد الله تقوى أولي الإحسان، وتعاملوا تعامل الطامع في رضا الرحمن، واعلموا أن ربكم كريم منان، يعطي ويرزق من يشاء بغير حساب!

 عباد الله!  إن كانت الرحمة وبذل المعروف لكلب من امرأةٍ بغي أوجب لها ما أوجب ، ألا تكون الرحمة وبذل المعروف والإحسان للمسلمين أعظم وأنفع؟! فالمعروف وصنائع المعروف تثمر حتى مع البهائم العجماوات.

يذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء عند حديثه عن الإمام القدوة العالم الجليل شيخ الإسلام في زمانه سفيان الثوري رحمه الله قال [  يقول أبو منصور: بات سفيان الثوري في هذا البيت ، وكان هنا بُلبل لابني ، فقال سفيان : ما بال هذا محبوسًا ؟! لو خُلّي عنه ، قال : فقلت : هو لابني وهو يهبه لك ، قال سفيان : لا ، ولكن أعطيه دينارًا ، قال : فأعطاه دينارًا وأخذ البلبل وخلّى  عنه . يقول أبو منصور : فكان البلبل يذهب يرعى فيجيء بالعشي ـ آخر النهار ـ فيكون في ناحية البيت ، فلمّا مات سفيان الثوري تبع البلبل معنا جنازته ، فكان البلبل يضطرب على  قبره ، ثم اختلف بعد ليالٍ إلى قبره ، فكان ربما بات عند القبر ، وربما رجع إلى البيت ، ثم وجدوه ميتًا عند قبر سفيان الثوري رحمه الله ، فدفن عنده! "

هكذا يصنع المعروف مع الطير والبهائم فكيف مع بني الإنسان؟! كيف مع إخواننا المسلمين؟! إنه لأعظم أجرًا ومثوبة ونفعًا في الدنيا والآخرة.

هذا وصلوا و سلموا على رسول الهدَى  ، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال عز من قائل عليم :" إِنَّ الله وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا " 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمدٍ الحبيب المُصطفى، والنبيِّ المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم اجعلنا لعبادك محسنين، ولك منيبين، وعلى الطاعة مداومين، واجعلنا اللهم سببا في تفريج هموم المسلمين، اللهم استعملنا ولا تستبدلنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، اللهم ارزقنا رزقا مباركا، ولا تجعل منا ولا فينا شقيا ولا محروما، اللهم اهدنا واهدي بنا، وأصلحنا وأصلح بنا، وأسعدنا وأسعد بنا، وعافنا واعفُ عنا.

اللهم أصلح أحوال المسلمين واحقن دماء المسلمين واجمع شتاتهم على الحق والدين، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل شر وسوء، اللهم وفق وفي أمرنا وولي عهده لكل خير واجعلهم من كل خير قريبين وعن كل شر بعيدين.

المرفقات

1736440763_آثار صنائع المعروف العظيمة!-1.pdf

المشاهدات 482 | التعليقات 0