آثَارُ الذُّنُوبِ الْمُدَمِّرَةُ 9 شَوَّال 1442 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1442/10/06 - 2021/05/18 14:27PM

آثَارُ الذُّنُوبِ الْمُدَمِّرَةُ 9 شَوَّال 1442 هـ

الْحَمْدُ للهِ الْقَائِمِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، الرَّقِيبِ عَلَى كُلِّ جَارِحَةٍ بِمَا اجْتَرَحَتْ، الذِي لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرِّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ تَحَرَّكَتْ أَوْ سَكَنَتْ، الْمُحَاسِبِ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَإِنْ خَفِيَتْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْمُتَفَضِّلُ بِقَبُولِ طَاعَاتِ الْعِبَادِ وَإِنْ صَغُرَتْ، الْمُتَفَضِّلُ بِالْعَفْوِ عَنْ مَعَاصِيهِمْ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عَمَّتْ دَعْوُتُهُ الْمُبَارَكَةُ كَافَّةَ الْعِبَادِ وَشَمَلَتْ، وَأَنَارَتْ بِهَا الأَرْضُ وَأَشْرَقَتْ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلَاةً بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ اتَّصَلَتْ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَاحْذَرُوا مَعْصِيَتَهِ، وَكُونُوا عَلَى وَجَلٍ وَخَوْفٍ مِنْ عِقَابِهِ الدُّنْيَوِيِّ وَالأُخْرَوِيِّ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ يُمْهِلُ وَلا يُهْمِلُ، لَكِنَّهُ إِذَا أَخَذَ انْتَقَمَ وَأَوْجَعَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ }وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ{ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ مِمَّا يُحْزِنُ الْقَلْبَ مَا سَمِعْنَاهُ وَعَلِمْنَاهُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ رِجَالًا وَنِسَاءً، فَمَا أَنِ انْقَضَى رَمَضَانُ حَتَّى عَادُوا لِلْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، فَبَدَلَ أَنْ يُتْبِعُوا الْحَسَنَةَ بِأُخْتِهَا، إِذَا هُمْ يُتْبِعُونَهَا بِضِدِّهَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا انْتَشَرَ فِي الآوِنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنِ انْتِشَارِ الاحْتِفَالاتِ بِالْعِيدِ فِي الْبُيُوتِ وَالاسْتِرَاحَاتِ وَالتَّجَمُّعِ عَلَى الْأَغَانِي  وَالرَّقْصِ عَلَى أَنْغَامِ الْمُوسِيقَى أَوْ مَا يُسَمَّى بِالشِّيلَاتِ، أَوِ الدُّفُوفِ وَالطُّبُولِ، وَهَذَا أَمْرٌ يُنْذِرُ بِالْخَطَرِ وَيُؤْذِنُ بِالْعُقُوبَةِ، فَبَدَلَ أَنْ يَشْكُرُوا اللهَ عَلَى نِعَمِهِ بَدَّلُوهَا مَعْصِيَةً وَفِسْقًا وَمُجُونًا، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلْمَعَاصِي آثَارًا سَيِّئَةً وَعَوَاقِبَ وَخِيمَةً وَأَخْطَارًا جَسِيْمَة، فَهِيَ سَبَبٌ لِحُدُوثِ الأَضْرَارِ وَالشُّرُورِ، وَنُزُولِ الْعُقُوبَاتِ السَّمَاوِيَّةِ، وَنَزْعِ الْبَرَكَاتِ الأَرْضِيَّةِ، قَاَل تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}.

فَمِنْ تِلْكَ الآثَارِ: ضِيقُ النَّفْسِ وَنَكَدُ الْقَلْبِ وَقَلَقُهِ, وَهَذَا مُلازِمٌ لِكُلِّ مَعْصِيَةٍ مُلَازَمَةً تَامَّةً قَالَ اللهُ تَعَالَى {ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}, فَالْمُعْرِضُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ مُتَعَرِّضٌ لِلْهُمُومِ وَالْغُمُومِ، وَالْكَدَرِ وَالتَّعَاسَةِ الدُّنْيَوِيِّةِ قَبْلَ الأُخْرَوِيَّةِ، فَكَمْ يُسْمَعُ لِلْعَاصِي مِنَ الزَّفَرَاتِ وَكَمْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنَ الْحَسَرَات، وَكَمْ يَتَجَرُّعُ مِنَ النَّدَامَات، قَدْ فَقَدَ لَذَّةَ الْحَيَاةِ حَتَّى وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ وَارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ وَتَعَدَّدَ أَوْلَادُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَعِيشُ عِيشَةَ الْوَحْشَةِ وَالْقَلَقِ، فَتَجِدُهُ دَائِمًا فِي غَمٍّ وَهَمٍّ لا يَنْقَطِعُ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ: وَاللهِ إِنِّي لا أَسْعَدُ فِي السَّنَةِ إِلَّا دَقَائِقَ, وَبَقِيَّتُهَا فِي تَعَاسَةٍ وَشَقَاءٍ.

فَهَذَا حَالُ الْعَاصِي الْمُعْرِضِ، وَرُبَّمَا آلَ الْحَالُ بِهَؤُلاءِ إِلَى إِدْمَانِ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ، تَخُلُّصًا مِنْ ضِيقِ الْحَيَاةِ وَنَكَدِ الْعَيْشِ، وَلَكِنَّهُ كَالْمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ.
وَمِنْ آثَارِ الْمَعَاصِي: حِرْمَانُ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْخَيْرِ الدِّينِي, فَإِنَّ هَذَا الْعِلْمَ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ فِي الْقَلَبْ, وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُهُ، وَلَهِذَا كَانَ السَّلَفُ يُرْشِدُونَ تَلامِيذَهُمْ إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي لِكَيْ يُورِثَهُمُ اللهُ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ، وَمَنْ حُرِمَ الْعِلْمَ تَخَبَّطَ فِي دُنْيَاهُ، وَسَارَ عَلَى غَيْرِ هُدَى مَوْلاهُ.

فَتَجِدُ الْعَاصِيَ لا يُحِبُّ الْمُحَاضَرَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَلا يَحْضُرُ الدُّرُوسَ الْعِلْمِيَّةَ, وَلا يُطِيقُ الْبَقَاءَ فِي مَجَالِسِ الصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَارِ، بَيْنَمَا يَشْتَاقُ إِلَى مَجَالِسَ الْبَطَّالِينَ وَالْأَشْرَارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ: الْوَحْشَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الرَّبِّ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَهِيَ وَحْشَةٌ لَوِ اجْتَمَعَتْ لِصَاحِبِهَا مَلَذُّاتُ الدُّنْيَا كُلُّهَا لَمْ تُذْهِبْهَا، حَتَّى تَجْدَ هَؤُلاءِ لا يَدْعُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ, وَإِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ لِرَبِّهِ فَسُرْعَانَ مَا يُنْزِلُهَا لِأَنَّهُ يُحِسُّ بِالْفَجْوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَالْبُعْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْلَاهُ، وَلَوْ عَرَفَ الطَّرِيقَ وَتَابَ إِلَى اللهِ وَأَنَابَ وَجَدَ الأُنْسَ وَالطُّمْأَنِينَةَ!
وَمِنَ الآثَارِ الْمُرَّةِ لِلْمَعَاصِي: الظُّلْمَةُ التِي يَجِدُهَا الْعَاصِي فِي قَلْبِهِ، فَإِنَّ الطَّاعَةَ نُورٌ وَالْمَعْصِيَةَ ظُلْمَةٌ، وَكُلَّمَا قَوَيِتِ الظُّلْمَةُ ازْدَادَتْ حَيْرَتُهُ حَتَّى يَقَعَ فِي الْبِدَعِ وَالضَّلَالاتِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إِنَّ لِلْحَسَنَةِ ضِيَاءً فِي الْوَجْهِ وَنُورًا فِي الْقَلْبِ وَسِعَةً فِي الرِّزْقِ وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ، وَإِنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوَادًا فِي الْوَجْهِ وَظُلْمَةً فِي الْقَبْرِ وَالْقَلْبِ, وَوَهَنًا فِي الْبَدَنِ وَنَقْصَاً فِي الرِّزْقِ وَبُغْضَةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ.
أَيُّهَا الشَّبَابُ: وَمِنَ الآثَارِ الْقَاتِلَةِ لِلْمَعَاصِي: الذُّلُّ الذِي يَذُوقُهُ الْعَاصِي فِي نَفْسِهِ وَيَتَجَرُّعُهُ فِي صَدْرِهِ، فَيَجِدُ هَذَا الإِحْسَاسَ مُلازِمًا لَهُ فِي وَسْطِ النَّاسِ وَفِي مَجَالِسِ الرِّجَالِ، وَلاسِيِّمَا إِذَا حَضَرَ مَجَالِسَ أَهْلِ الإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ، تَجِدُه يُحِسُّ وَكَأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَأَنَّ أَعْيُنَهُمْ تَلُومُهُ، وَلِذَلِكَ نَجِدُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ الْيَوْمَ يَلْبَسُ مَا يُسَمَّى بِالنَّظَّارَاتِ الشَّمْسِيِّةِ حَتَّى فِي اللَّيْلِ، وَالسَّبَبُ هُوَ ذَلِكَ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ الذِي يُضْرَبُ بِهِ الْعَاصِي فِي قَلْبِهِ وَيُثْقِلُهُ فِي نَفْسِهِ، فَالْعِزُّ كُلُّ الْعُزِّ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى , وَالْهَوَانُ وَالْمَذَلَّةُ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} أَيْ: فَيَطْلُبَهَا بِطَاعَةِ اللهِ، فَإِنَّهُ لا يَجِدَهَا إِلَّا فِي طَاعَتِهِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لِيَحْذَرَ امْرُؤٌ أَنْ تَلْعَنَهُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي مِمَّ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ يَخْلُو بِمَعَاصِي اللَّهِ فَيُلْقِيَ اللَّهُ بُغْضَهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ! فمَنْ خَانَ اللَّهَ فِي السِّرِّ هَتَكَ اللَّهُ سِتْرَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ.

فَإِلَى مَتَى أَيُّهَا الشَّابُّ تَبْقَى فِي هَذَا الذُّلِّ وَالْهَوَانِ؟ ارْفَعْ نَفْسَكَ وَاسْعَدْ بِطَاعَةِ اللهِ، وَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ وَالْبَقَاءَ فِي مَهَانَةِ الْمَعَاصِي وَالْحِرْمَانِ. وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِ السَّلَفِ: اللَّهُمَّ أَعِزَّنِي بِطَاعَتِكَ وَلا تُذِلَّنِي بِمَعْصِيَتِكَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ آثَارِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ: مَحْقُ الْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ وَالْعُمُرِ وَالْوَقْتِ، فَكَمْ يَشْتَكِي النَّاسُ مِنْ أَنَّ الرَّاتِبَ مَا يَكْفِي، وَأَنَّهُ دَخْلَهُ كَثِيرٌ لَكِنَّهُ سُرْعَانَ مَا يَخْتَفِي، وَيَشْتَرِي الْحَاجِيَّاتِ وَفِي لَحَظَاتٍ تَنْتَهِي، وَلا يُحِسُّ بِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَالِهِ، وَتَمُرُّ عَلَيْهِ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي وَلَمْ يَسْتَفِدْ مِنْ وَقْتِهِ، فَتَجِدَ الْكَثِيرِينَ لا يَحْفَظُونَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَوْ قَلِيلاً, وَلا يَعْرِفُونَ مِنَ الْعِلْمِ مَا يُسَاوِي قِطْمِيرًا، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفِقْهِ مِثْقَالاً وَلاَ نَقِيرًا، وَلَوْ فَتَّشْتَ نَفْسَكَ لَوَجَدْتَ أَنَّكَ السَّبَبَ, وَأَنَّ الْعَيْبَ فِيكَ وَلَيْسَ فِي زَمَانِكَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير} وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ :

 نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالْعَيْبُ فِينَا ... وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا

وَنَهْجُو ذَا الزَّمَانَ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ بِنَا هَجَانَا

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَتَدَارَكَنَا بِتَوْبِةٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَرَحْمَةٍ مِنْ لَدُنْهُ، أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لِي وِلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَمِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي: أَنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا عَصَى خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَعْصِيَةُ حَتَّى يَعْتَادَهَا وَيَمُوتَ إِنْكَارُ قَلْبِهِ لَهَا، فَيَفْقِدَ عَمْلَ الْقَلْبِ بِالْكُلِّيَّةِ، حَتَّى يُصْبِحَ مِنَ الْمُجَاهِرِينَ بِهَا الْمُفَاخِرِينَ بِارْتِكَابِهَا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَصْغِرَهَا فِي قَلْبِهِ وَيَهُونَ عَلَيْهِ إِتْيَانُهَا، حَتَّى لا يُبَالِي بِذَلِكَ وَهُوَ بَابَ الْخَطَرِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي حِرْمَانُ الرِّزْقِ وَالتَّوْفِيقِ ، فَكَمَا أَنَّ تَقْوَى اللَّهِ مَجْلَبَةٌ لِلرِّزْقِ فَتَرْكُ التَّقْوَى مَجْلَبَةٌ لِلْفَقْرِ، فَمَا اسْتُجْلِبَ رِزْقُ اللَّهِ بِمِثْلِ تَرْكِ الْمَعَاصِي، عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ: حَسَنٌ لِغَيْرِهِ. فَمَا اسْتُجْلِبَ رِزْقُ اللَّهِ بِمِثْلِ تَرْكِ الْمَعَاصِي.

وَمِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ وَعَواقِبَهَا العَاجِلَةِ: اضْطِرَابُ حَيَاةِ العَاصِي وَكَثْرَةُ مَشَاكِلِهِ فِي نَفْسِهِ وَمَعَ مَنْ حَوْلَه, قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنِّي لَأَعْصِي اللَّهَ فَأَرَى ذَلِكَ فِي خُلُقِ دَابَّتِي وَامْرَأَتِي.

فَيَجِدُ هَذَا العَاصِي الْمُتَمَادِي نَفْسَهُ لَا يَتَوَجَّهُ لِأَمْرٍ إِلَّا وَجَدُهُ مُتَعَسِّرًا, وَلَا سَلَكَ طَرِيْقاً إلا أَلْفَاهُ مُغْلَقًا، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَل, فكَمَا أَنَّ مَنْ اتْقَى اللَّهَ جَعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا، فَمَنْ عَصَى اللهَ جَعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ عُسْرًا.

 فَيَا أَيُّهَا الْمُذْنِبُونَ وَيَا أَيُّهَا الْمُعْرِضُونَ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ إِلَى اللهِ؟ وَهَلْ مِنْ عَوْدَةٍ إِلَى الْغَفُورِ الرَّحِيمِ؟ وَاسْمَعْ هَذَهِ الآيَاتِ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قُيُّومُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَأَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ وَأَجْوَدَ الأَجْوَدِينَ مُنَّ عَلَيْنَا بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ، وَأَصْلِحْ قُلُوبَنَا وَأَعْمَالَنَا وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَمِنْ حِزْبِكَ الْمُفْلِحِينَ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار، وَصَلْ اللَّهُم وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّد، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

1621348070_آثَارُ الذُّنُوبِ الْمُدَمِّرَةُ 9 شَوَّال 1442 هـ.doc

المشاهدات 2291 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا