عناصر الخطبة
1/ ميل الرجال للنساء والعكس طبيعة بشرية 2/الاختلاط أكبر أسباب الشر والفساد 3/بعد الأولين عن الاختلاط وفرارهم منه 4/بعض مظاهر الاختلاط في واقعنا 5/تحذير الشرع من الاختلاط 6/وقفة مع قصة نبي الله موسى مع فتاتي شعيباقتباس
ولا ينتهي العجب هنا، وإنما وصلت الأمور إلى أن يختلط الرجال بالنساء في أماكن لا يتوقع الإنسان أن يخلط بين الجنسين فيها، كالاختلاط بين الطلاب والطالبات في المدارس، والاختلاط المباشر أو غير المباشر بين الموظفين والعاملين في المكاتب والسكنات ومرافق العمل، فما الذي يمنع من الفصل بينهم في مثل هذه الأماكن سوى التعذر بأعذار واهية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي شرع لعباده ما فيه مصلحتهم، وبيّن لهم ما فيه سعادتهم، فلا مضادّ لحكمه، ولا مبدّل لكلماته، وهو الحكيم العليم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أهدى الناس طريقًا، وأقومهم دعوة، وأنصحهم قصدًا، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه المتمسّكين بهديه، المتبعين لشريعته، المبتعدين عن اتباع الشهوات والأهواء المخالفة لأمر ربهم وهدي رسولهم صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
عباد الله: إن الطبيعة البشرية والفطرة الإنسانية التي جُبل الناس عليها اقتضت حكمة الله فيها أن يميل الرجال إلى النساء وتميل النساء إلى الرجال، وما ركبت الشهوة في الإنسان إلا على أساس هذا الميل، وما شرع الزواج إلا من أجل إشباع هذه الغريزة المغروسة في الإنسان، وما حرم الزنا واللواط والفواحش وما رتبت عليها الحدود إلا من أجل إلجام النفوس البشرية التي لا تنضبط بالضوابط الشرعية في تنظيم هذه الفطرة البشرية.
ومن هنا فقد أنزل الله الأحكام وشرع الشرائع التي تضبط شهوة الإنسان، وتحمي المجتمع من الوقوع في الرذائل والأدران، وقطع الأسباب التي تؤدي إلى هذا التسيب والفلتان، فأمر المرأة بالحجاب الشرعي الساتر الذي يسترها ويصرف الأنظار عنها، وأمرها بعدم إظهار زينتها ومحاسنها لغير محارمها، وحرم الخلوة بها، ونهى وشدد في النهي عن خروجها متطيبة متعطرة، ونهاها عن السفر لوحدها بدون محرم معها، وحرم عليها الخضوع بالقول، والضرب بالرجل ليسمع الناس صوت خلخالها، لأن ذلك يثير الشهوة، ويحرك قلوب الرجال، وجعل الرجال قوامون على النساء من أجل حمايتهن، والقيام بحقوقهن، والحيلولة بينهن وبين الوقوع في هذه المخالفات.
ومن أكبر الأسباب وأعظم الأمور التي تؤدي إلى فساد المجتمع وخراب البيوت وهلاك المجتمع الإنساني، أن يختلط الرجال بالنساء وتختلط النساء بالرجال دون ضابط أو رادع، ويدخل هؤلاء على هؤلاء دون حياء أو خجل، ويختلط بعضهم ببعض وينظر بعضهم إلى بعض وكأن هؤلاء محارم لهؤلاء، فيزول الحياء، وتستمرأ النظرات، ويتم التعارف، ويتكرر التلاقي، وتكثر المحادثة، وتذوب الفوارق بين الجنسين، فتتهشم القيم، وتضيع الفضائل، ويحصل الشر، وتزيد معدلات الجريمة والفاحشة، فلذلك سد الإسلام هذا الباب الخطير، وقطع الأسباب التي تؤدي إلى تلك الشرور الكبيرة والآثام العظيمة.
إننا نرى اليوم في واقعنا بعداً عن منهج الله في هذا الجانب الخطير، حيث فتح الباب على مصراعيه، بل فتح على أوسع حافتيه، فأهمل هذا الأمر أيما إهمال، وتساهل الناس فيه تساهلاً لا يكاد يوصف, ولا يتوقع أن يحدث في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بعد أن كان أجدادنا وأوائلنا يقتلون على مجرد الخوف من وقوع المرأة في مثل هذه المغبات، ويحدثون الطلاق على أبسط صور الاختلاط، فهذا الشاعر الجاهلي قام بتطليق امرأته لأنه رأى رجلاً ينظر إليها، فلما عوتب على طلاقها قال:
إذا وقع الذباب على طعام *** رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماءٍ *** إذا كن الكلاب ولغن فيه
وذكروا عن سيد الخزرج أنه لما تزوج امرأته أركبها على فرس، فلما وصل الفرس إلى بيته نحره، فقالوا: لماذا؟ قال: لئلا يركب الفرس رجل آخر؛ لأن زوجتي ركبت عليه.
بل إن سعداً بن عبادة -رضي الله عنه- قال:"لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ:" أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَمَا بَطَنَ" البخاري [ (6846) مسلم (1499) ].
فكيف لو رأوا واقعنا المر؟ كيف لو رأوا المرأة من بني قومنا وهي تجلس الساعات الطوال مع رجال أجانب لا ينتمون لها بصلة، وتجالسهم وتضاحكهم وتمازحهم وتعيش معهم كما يعيش الرجل مع أمه وأخواته.
أمور يشيب لهولها الولدان، وتدع الحليم العاقل حيرانا، حينما يرى امرأة فقدت كل معاني الحياء، ورمت بنفسها بين الرجال، بل وربما بين ذئاب البشر الذين لا يخافون الله، ولا يستحون من خلق الله، فكيف تختلط بهم أو تعيش بينهم؟ وإذا كانت ملومة لو اختلطت بالرجال الصالحين والناس المتقين، فأولى باللوم أن تلام على مخالطة الأشرار والمفسدين.
أمور شزرة غريبة أصبحت واقعاً مفروضاً في واقعنا، وباتت جزءً من نسيج حياتنا، لا ندري كيف دخلت علينا؟ وكيف أصبحت مقبولة عندنا؟ أن ترى المرأة مخالطة للرجال في كل الميادين، وفي جميع الأعمال، وفي كل المرافق، بل ربما تصل الجرأة ببعضهن إلى أن يستحي الرجال منهن ولا يستحين هن من الرجال.
نجد أن الاختلاط قائم بين الجنسين وكأنه لا عيش إلا به، ولا حياة إلا بوجوده، ففي البيوت اختلاط مباشر بين الرجال والنساء الذين لا محرمية بينهم، بل واختلاط يُنكر على من ينكره، ويتهم بالتشدد من يريد أن يوقفه أو يحذر منه أو ينهى عنه، فتجدهم يأكلون معاً، ويسمرون معاً، ويجلسون عند التلفاز معاً، مع وجود أكثر من غرفة في البيت، فلم لا يجلس الرجال في غرفة وتجلس النساء في الأخرى، ويأكل الرجال لحالهم وتأكل النساء لحالهن، فما المانع من ذلك؟ ولماذا هذا الاختلاط بينهم؟ ومالداعي إليه سوى الاهمال والتساهل؟.
ولا ينتهي العجب هنا، وإنما وصلت الأمور إلى أن يختلط الرجال بالنساء في أماكن لا يتوقع الإنسان أن يخلط بين الجنسين فيها، كالاختلاط بين الطلاب والطالبات في المدارس، والاختلاط المباشر أو غير المباشر بين الموظفين والعاملين في المكاتب والسكنات ومرافق العمل، فما الذي يمنع من الفصل بينهم في مثل هذه الأماكن سوى التعذر بأعذار وهمية، أو التصريح المباشر بأن ذلك تم قصداً من أجل إزالة الفوارق بين الجنسين، وإذابة الحواجز بين الرجال والنساء، وإعطاء المرأة حقها في الاختلاط بالناس.
والأغرب والأدهى والأمر أن يختلط الرجال بالنساء اختلاطاً لا مسوغ له ولا حاجة إليه سوى الضلال والضياع، كالاختلاط الذي يقع بين الأطباء والمريضات مع وجود الممرضات والطبيبات، فلماذا يعالج الرجال النساء مع وجود نساء في نفس التخصص ونفس القسم؟ أو تعالج النساء الرجال مع وجود رجال في نفس القسم والتخصص، أليست هذه أمور يندى لها الجبين ويتوقف عندها من لديه ذرة من عقل أو حياء؟!.
أما الاختلاط في الأسواق، والاختلاط مع الباعة، والاختلاط بالخادمات والشغالات، واختلاط الشاب بخطيبته، والاختلاط الذي يقع بين الأقارب والجيران، وقلة الحياء التي نراها في كل مكان وللأسف الشديد، حتى في المستشفيات والجامعات التي يفترض لها أن تكون منابراً للعلم والمعرفة، لا أن تكون محلاً للاختلاط والإثارة والتعارف بين الشباب والفتيات، فكل هذا من الفساد العظيم والشر المبين الذي حذر الله من بداياته، وأسبابه، ونتائجه، فقال: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53]، فهذا توجيه لخير الناس وهم الصحابة -رضي الله عنهم-، يأمرهم الله -جل وعلا- إذا طلبوا شيئاً من انقى النساء وأتقاهن وهن نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسألوه من وراء حائل أو ساتر، ويعلل ذلك بأنه أطهر لقلوبكم وقلوبهن، فإذا كان هذا الخطاب للصحابة ولنساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فأليس الخطاب لنا من باب أولى وأولى؟.
وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن اختلاط الأخ مع أخته في مضاجع النوم، مع أن المحرم قد لا يفكر في جوانب الشهوة بمحارمه، ومع ذلك جاء النهي عن هذا ليُستدل به على ما هو أعظم من ذلك، وهو الاختلاط السافر والمباشر، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ" [أبو داود (495) ].
إن المقر الرئيس للنساء هو البيت، بيتها سترها وعفافها وحشمتها، بيتها لا تفارقه ولا يفارقها إلا لحاجة ماسة، فإذا خرجت فلتخرج متسترة متحشمة متعففة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب 32: 33]. فانظروا كيف أن الله -سبحانه وتعالى- أضاف البيوت إلى النساء، وقال وقرن في بيوتكن، مع أن البيوت ليست بيوتهن وإنما هو بيت زوجها أو أبيها، ولكن الله أضافه إليها ليعلمنا أن المقر الرئيس للمرأة هو البيت، وهذا فيه دليل واضح جداً على حرمة الاختلاط والنهي عنه.
بل نهاهن في الآية عن ما هو أقل من الاختلاط وهو الخضوع بالقول، وترقيق الصوت أثناء الحديث مع الرجال الأجانب، فكيف بالاختلاط الدائم والمباشر الذي يتسبب في إثارة النزوات، وتهيج الشهوات، وإلحاق الأذى بالنساء في أجسادهن، وأعراضهن، وسمعتهن؟ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب : 59].
فلنراجع أنفسنا في هذا الأمر، ولنقم جميعاً بالقضاء على هذا الشر المستطير، ابتداء من أسرنا وبيوتنا، مروراً بمرافقنا وأسواقنا وجامعاتنا، نهاية بمجتمعنا ككل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الحكَم العدل اللطيف الخبير، أحمده سبحانه له الدنيا والآخرة وإليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج والمنير، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
عباد الله: لقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم قصة عجيبة تقطر حياء، وتمتلئ حشمة وعفة، لامرأتين فاضلتين، رآهما نبي الله موسى -عليه السلام- وهما واقفتان عند البئر التي ينهل الناس منها ويردون عليها، وقد تكاثرت جموعهم حولها وازدحموا عندها.
إن موسى -عليه السلام- رأى أمراً غريباً لم يكن معروفاً بين الناس ولا مألوفاً، وهو وجود نساء بين الرجال، مع أنهن بعيدات عنهم، ولكن لغرابة هذا الأمر قديماً فلم يكونوا يستسيغون الاختلاط ولو كان بمثل هذه الصورة غير المباشرة، حيث أنهن يذدن غنمهن عن الماء انتظارا لانتهاء الرجال من السقيا، فسأل تلك البنتين فقال لهما: ما خطبكما؟ وما هي الأسباب التي تدفعكما إلى الخروج ومخالطة الرجال؟ فالمرأة درة مصونة لا يحصل منها مثل هذا، لأن الفطرة البشرية التي فطروا عليها واستقرت في أذهانهم تقول: إن الاختلاط ما هو إلا انحراف عن هذه الفطرة البشرية.
فقالتا: لا نسقي حتى لا نزاحم الرجال لضعفنا، وأبونا شيخ كبير، لا يمكنه أن يحضر معنا، وليس لنا أخ يأتي معنا، فأشفق موسى عليهما، وزاحم الناس حول البئر وغلبهم على الماء، حتى سقى لهاتين المرأتين غنمهما، بعد أن سمع عذرهما (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)، فرأى أن من الإحسان والبر أن يسقي لهاتين الفتاتين الطاهرتين العفيفتين، فعادتا مبكرتين إلى أبيهما، فسألهما عن سر هذا التبكير؟ فأخبرنه الخبر وأعلمنه بالقصة، فأعجب الأب بصنيع هذا الرجل وفعله العظيم، فأرسل إحداهن لإحضاره، فجاءته تمشي وهي تقطر حياء، قد سترت نفسها بكم درعها، وأبلغته دعوة أبيها بكلمات مختصرة وعبارات معدودة، ولم تكثر معه الحديث والكلام الذي لا حاجة له، فضلاً عن الأمور الأخرى التي لا تليق كالضحكات والمهازل.
وتأملوا -ياعباد الله- في قول الله: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ)، فلم يقل فجاءتا وإنما قال فجاءته إحداهما، إذ لا حاجة لخروج الأخرى وأختها كافية للقيام بهذه المهمة، ثم وصف الله الكيفية التي جاءت بها فقال: (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) فلم يقل تمشي بحياء، وإنما قال على استحياء وهو قوة الحياء، جاءت وهي في قمة الطهر والتعفف والحياء، جاءت على استحياء، وهذا ما افتقدناه في نساء عصرنا إلا من رحم الله منهن، تجد أن الحياء قد نزع من بعضهن، حتى تكاد في بعض الدول الإسلامية أن لا تفرق بين المسلمة والكافرة، وترتب على نزع الحياء وقلته كل الأمور المشينة التي نراها في واقعنا، من مزاحمة الرجال، والتحدث معهم بكل جرأة وصفاقة، ولبس الملابس الرقيقة والضيقة والمزخرفة، والعارية وشبه العارية، وغيرها من المظاهر المقتبسة من تبرج الجاهلية الأولى، (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)، [الأحزاب:33]، وصدق النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ" [البخاري (3483) ].
وتأملوا أيضاً في قولها: إن أبي يدعوك، فهي تقول لست أنا الذي أدعوك، وإنما أبي الذي يدعوك، ووضحت الهدف من الدعوة لكي تزيل كل ريبة من هذه الدعوة، فأعلمته أن الغرض من هذه الدعوة، (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [القصص:25]، لا لأي هدف آخر.
إن هاتين المرأتين صرحتا بعدم رغبتهما في الخروج من البيت، وتمنين أن يجلسن في البيت، ولكن الضرورة دعتهن للخروج والعمل، فأبونا شيخ كبير لا يستطيع أن يذهب لرعي الأغنام والقيام بشئون هذا العمل فنحن مضطرتان للعمل، ولهذا طلبن من أبيهن أن يستأجره، وقلن (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ)، حتى يرفعن عن أنفسهن هذا الاضطرار للخروج، ويقوم هو بهذا العمل بدلاً عنهن.
قارنوا بين هذا وبين تهافت النساء بحاجة وبدون حاجة على الخروج ومشاركة الرجل في العمل، وكأنها تريد أن تثبت ذاتها بالعمل، وكأنها ليس لها قيمة في المجتمع إلا إذا عملت، أما أن تجلس ربة بيت، تطيع زوجها، وتربي أطفالها، وتقوم بشأن أسرتها، فذلك لا يمكن في عرف نساء اليوم إلا من رحم الله، فالوظيفة هي حلم المستقبل الذي يداعب خيالها ، فهي تعمل لأجل أن تثبت مستقبلها، و تخرج إلى المجتمع لتبرز ما عندها، وكأن الرجل ليس قواماً عليها.
لو كانت المرأة محتاجة أو كان المجتمع محتاجاً لعملها لقلنا إن لها عذراً إذا خرجت بالشروط الشرعية، من الحجاب الشرعي، وعدم الزينة، وعدم الاختلاط بالرجال والخلوة بهم، لكن مع الأسف صارت المسألة الآن مسألة خروج وموضة وترف لأجل الفتنة والإغواء، وبدون التزام بآداب الخروج وشروط الاضطرار للخروج للعمل إلا من رحم الله، ولكن صدق نبينا -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رؤوسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ، الْعَنُوهُنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ" [المعجم الصغير للطبراني (1125) ].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال -عز من قائل كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
نسأل الله أن يحمي نساء المسلمين وأن يحفظهن من مكر الماكرين وكيد الأشرار والمفسدين وأن يجنبهن مواطن الاختلاط والفساد وأن يجعلهن صالحات مصلحات تقيات عفيفات.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم