عناصر الخطبة
1/مسؤولية الوالدين في تربية الأبناء 2/وصايا للوالدين تجاه الأبناء في دراستهماقتباس
مع بداية الدراسة سيتغير وجه الحياة، ستظهر صور من الاهتمام والعطاء سترى الأسر تبذل جهودا وتستثمر طاقات لو أنفق بعضها في سبيل الصلوات لأصبح أبناؤها ممن قلوبهم معلقة بالمساجد...
الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمد لله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يقدر الليل والنهار وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى المختار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
فاتقوا ربكم -يا مسلمون- ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله.
وهكذا وضعت الإجازة أوزارها، وأسدل الستار على أيامها.. أيام كانت حافلة بالجد والكسل.. باليأس والأمل.. بالإنتاج والفوضوية.. باللهو والعمل وحينما تمضي الإجازة تفتح المدارس أبوابها فتنفتح معها الآمال والتحديات والمشكلات في كل أسرة؛ ففي كل بيت حكاية عن الدراسة والمدرسة، ولدى كل أبٍ وكل أمٍ أمل يتجدد.. ومع بداية الدراسة يتغير إيقاع الحياة في أكثر البيوت ويعلن الحادي أن وقت اللعب ولى، وجاء وقت الجد.
مع بداية الدراسة سيتغير وجه الحياة، ستظهر صور من الاهتمام والعطاء سترى الأسر تبذل جهودا وتستثمر طاقات لو أنفق بعضها في سبيل الصلوات لأصبح أبناؤها ممن قلوبهم معلقة بالمساجد.
إن ما نراه من مشاهد تحدث صباح كل يوم دراسي يؤكد لك أن الناس يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا، النائم يوقظ، والمسافر يقدم، والرغبات تحقق، والخواطر تجبر، كل هذا في سبيل الدراسة وذاك أمر حسن، ولكن أين هذه الاهتمامات في سبيل القيام بحقوق الله وتربية النشء على طاعة الله؟! أين هذه الهمة وذاك الحرص مع الأبناء في أمرهم بالصلوات وحفظهم من الشهوات؟!.
أيها المسلمون: ومع انتهاء الإجازة وبدء عامٍ دراسي جديد يحلو الكلام إلى الفئة الأخطر والشريك الأكبر في التربية، والطرف الغافل عن دوره، المتجاهل لمسؤوليته.. إلى طرف خارج المدرسة ببدنه لكنه فيها بحرصه ومتابعته ومشاعره إلى الآباء والأمهات والأولياء.. أبث هذه الكلمات.
إليك -يا ولي الأمر-، أذكرك أولاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: “ما من راعٍ يسترعيه الله رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة” وبقوله: “إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته”.
إنها الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً.
يا معشر الآباء والأولياء: ليس مهمتكم فقط توفير الكساء والغذاء وجلب حاجات البيت دون أن تدركوا المهمة الكبرى والمسؤولية العظمى وهي رعاية القلوب وإصلاح النفوس.
البيت -أيها الآباء- هو الدائرة الأولى من دوائر تنشئة الولد وصيانة عقله وخلقه ودينه؛ فماذا يصنع المدرس؟، وماذا تستطيع أن تعمل المدرسة؟، بل ماذا ستغني الدوائر التربوية لطالب نشأ في بيت بعيدٍ عن الأجواء الشرعية المنضبطة، وآخر تربى على استنكاف العبادات الشرعية، وثالثٍ نشأ في جوٍ موبوء بالمنكرات، ورابعٍ يذاكر وعينه على المواقع وبرامج التواصل
قد يستطيع المدرس أن يقطع خطوات في تربية الطالب وتوجيهه لكنه جهد غير مضمون الثمرة؛ لأن تأثير البيت المعاكس يظل دائماً موجهاً لإفساد ما تصلحه المدرسة، وإن من أكبر التناقضات التي يعيشها الطالب والتي تكون سبباً في انحرافه سلوكياً وسقوطه دراسياً هو ذلك التناقض الذي يعيشه بين توجيهات مدرس صالح ومتابعة إدارةٍ حازمة، وبين بيتٍ موبوء بوسائل الإعلام المخالفة والمصادمة لتوجيهات المدارس التربوية.
فبالله عليكم كيف نطلب التفوق من طالب يقضي كل يوم أربع أو خمس ساعاتٍ بين أفلامٍ ساقطة وبرامج هدامة؟!، وماذا نتوقع من طالبٍ مراهق يعكف على مسلسلاتٍ قاعدتها الأساسية مظاهر الحب والغرام والعشق بين الجنسين؟!، ثم بعد هذا يتمنى الأب أن يكون ولده في المرتبة السامية العليا من الأخلاق والآداب والسلوك، ويطلب منه التفوق في دراسته، وإن هذا لشيء عجاب.
يا معشر الآباء والأولياء: المدرسة وحدها ليست ميدانا للتربية وإنما هي مجتمع صغير يمثل المجتمع الكبير؛ ففيها الصالحون وفيها المفسدون، وليس كل ما يقال في المدرسة حقاً، والأساتذة ليسوا كلهم على درجةٍ رفيعة من ناحية الإتقان والإيمان أو ممن يعتمد عليهم في توجيه النشء، ومن هنا تنشأ مسؤوليتك -أيها الأب المسلم- في متابعة ما يتلقاه ولدك في المدرسة فتُقوم ما يحتاج إلى تقويم من الأفكار والتصورات الدخيلة المنحرفة والتي تعيق التربية الفكرية الصحيحة، وواجب عليك -أيها الأب- أن تكمل ما قد يحصل من نقص في عمليتي التربية والتعليم؛ فلا يجوز لك أن تهمل ولدك في هذا الجانب، أو أن تشعره أن كل ما يلقى إليه من معلومات في المدرسة هو صحيح يجب اعتقاده فهذه خيانة للأمانة وتهرب من المسؤولية.
يا معشر الأولياء: كونوا على صلة بمدارس أبنائكم زيارة واتصالاً لتعرفوا من خلال ذلك سلوك أبنائكم وصداقاتهم ولتعرفوا مستويات أساتذتهم ومدى التزامهم بالدين واستقامتهم عليه.
يا أيها الآباء: كم من ابن كانت بداية انحرافه من المدرسة!، وكم من فتاة تعلمت العلاقات المحرمة من خلال صديقات السوء في المدرسة!، والمتابعة الدائمة بعد حفظ الله وقاية -بإذن الله- من الانحراف والزلل.
أجيالنا تهددهم موجات إلحاد، ومخططات فسوق وإفساد، تتقصدهم مواقع منحرفة تهدف إلى تمييع أخلاقهم وسلب حيائهم وتضييع مبادئهم.. فكونوا عونا للمدارس على مقاومة تلك الرياح العاتية من الفسوق والعصيا.
يا معشر الآباء والأولياء: ليست المناهج الدراسية كافية لتصنع عالما أو تبني مفكرا أو تحصن عقولا أو تحفظ قلوبا، وإنما هي مفاتيح ودروب ينبغي أن تسلكوها وتضيفوا إليها جهدكم ليبقى لأجيالنا ثباتهم ودينهم وأخلاقهم..
اربطوهم بالقرآن وحلقاته انتماء وتعلما وحفظا وتلاوة ومدارسة ومجالسة فبذلك تنمو عقولهم وتصح ألسنتهم وتتحصن قلوبهم وتبقى بذور ثباتهم..
علموهم الاعتزاز بلغتهم والافتخار بتأريخهم الهجري والفخر بمبادئهم وسلوكياتهم والعادات الجميلة لمجتمعهم، وألقوا في روعهم أن التقليد عنوان ضياع الهوية وفقدان الرجولة والشخصية.
علموهم أن الهموم على قدر الهمم وبمقدار ما تتعنى تنال ما تتمنى وأن الأمم لا تنهض إلا بالصبر والمصابرة ولا ينال العلا إلا على جسر من التعب، ولن يصل القمة دنيء همة، وما وصلت الأمم المتحضرة إلى ما وصلت إليه بالنوم في الصباح والسهر في الليل على اللهو والضياع.
يا أيها الولي: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[القصص:56]، فإذا زرعت البذرة فتعهدها بالعناية، وارفع يديك للهادي وقل: رب أصلح لي في ذريتي وهب لي من الصالحين.
إذا أوصلت ابنك أو بنتك لمدرسته فاستودعهم من هو خير حافظا وهو أرحم الراحمين.. استودع دينهم وعقولهم وأعراضهم وأخلاقهم فإن الله إذا استودع شيئا حفظه.
أقول هذا القول...
الخطبة الثانية..
يا معشر الأولياء: إن الله قسم بين الناس عقولهم ومداركهم ومواهبهم كما قسم بينهم معيشتهم، ورب امرئ فتح له في باب التجارة ولم يفتح له في باب الدراسة، ورب موفق في صنعة لا يجيد صنعة غيرها والإيجابية والنجاح ليست في ميدان واحد، وإنما النجاح في إتقان الإنسان ما يحسنه، والأبناء قدرات ومواهب متفاوتة فإياك والإلحاح على ولدك في متابعة دراسته إذا تعثر مرارا بعد أن يتحصل على العلم الأساسي الذي لا يستغني عنه أحد؛ وذلك لأن إجباره على إكمال الدراسة ربما كان عائقاً له عن تحقيق ميوله ورغباته في تعلم حرفة أو صنعة ما، وليست المدرسة هي الطريق الوحيد للتحصيل العلمي، لابد من إعطاء الولد الفرصة للاختيار مع تقديم النصح والإرشاد الأبوي الخالص والمبني على المعرفة الصحيحة بقدرات الولد وميوله وإمكاناته العقلية والنفسية.
وأمام اختيارات أولادك مارس أسلوب الوصية لا الوصاية، وعرض وجهة النظر لا فرضها، واستكشف ميول أبنائك وأرشدهم إلى ما يحسنون، وليكن جوابك: هذا ما أرى وليس (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)[غافر:29].
يا معشر الأولياء: علموا أبناءكم وبناتكم أن يطلبوا العلم لوجه الله، ويصححوا نياتهم في الطلب، ومن ابتغى بعلمه وجه الله نال رضا الله وحصل مقصوده (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[هود:15-16].
علموهم أن اليأس والملل من أكبر عوائق الأمل وقواطع العمل فليقبلوا على دراستهم بروح التفاؤل وبالنظرة الإيجابية، وليعملوا ليومهم ولينسوا التفكير بالمستقبل، فذلك محكوم بما يقدره الله.
وأخيرا تذكروا أن ترك البنت والأولاد الصغار يذهبون وحدهم مع السائق إلى المدرسة ويرجعون معه بلا متابعة ولا مراقبة يعد صورة من صور انعدام الرجولة وفقد الغيرة، وكم من المآسي الاجتماعية والمصائب الأخلاقية حدثت بسبب هذا التساهل، ولا أظنك يا أخي ممن يهون عليه عرضه وشرفه في سبيل راحة جسده.
أصلح الله لنا ولك النيات والذريات ووفقنا للباقيات الصالحات.
صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم