عناصر الخطبة
1/ حوار بين ضيف ومُضيّف 2/ شتان بين صكوك الغفران وصكوك الخسارة والحرمان 3/ كثرة الاستغفار آخر الشهر 4/ وجوب الثبات على الطاعات بعد رمضان 5/ وصايا في ختام رمضان 6/ التذكير بإخراج زكاة الفطر 7/ آداب العيد في الإسلاماقتباس
بلّغ أيها المسلم من ورائك إني راحل، وعائد إليكم بعد عام، سيولد فيه أناس ويموت أقوام، ويسعد فيه أقوام ويشقى فيه فئام، وكم من مؤمل بلوغي حال دونه الأجل... بلغ أيها المسلم إخوانك أن من بدّل عهده مع الله ونقض غزله من بعد قوة وعاد إلى الغي والفتور بعد هذا الشهر فإن ذلك علامة الخسران ودليل الرد والحرمان.. نعمة سابغة ورحمة واسعة أن تخرج من رمضان مغفوراً لك فحافظ على تلك النعمة ولا تبدلها نقمة بالعودة إلى العصيان بعد خروج رمضان.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: حصل هناك حوار بين ضيف ومُضيّف، أُحب أن أُسمعك هذا الحوار فأنصت لي:
قال المضيّف: يا ضيفنا: كنا بالأمس نستقبلك، وبهذه السرعة نودعك، اعلم يا ضيفنا أنك تحمل شعوراً بالعتب وكأن في جنباتك شيئاً من الغضب؛ لأن منّا من جفاك، ولم يقدرك حق قدرك.
قال الضيف: وهو يتأهل للرحيل يا أيها المسلم، قد جئتكم أحمل العطايا، وأبشّر بالمنح الربانية والمواهب الرحمانية، فنالها من نالها وخسرها من خسرها، واليوم أودعكم وأنا أحمل معي شهادات بالفوز والرضوان موقعة من الرحيم الرحمن على لسان الصادق الأمين ونصها: "من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
وفي الوقت ذاته أحمل صكوك الخسارة والحرمان مذيلة بتوقيع الروح الأمين وممهورة بتأمين المصطفى الأمين -صلى الله عليه وسلم- ونصها: "من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قل آمين فقال المصطفى: آمين".
بلّغ أيها المسلم من ورائك إني راحل، وعائد إليكم بعد عام، سيولد فيه أناس ويموت أقوام، ويسعد فيه أقوام ويشقى فيه فئام، وكم من مؤمل بلوغي حال دونه الأجل.
بلغ أيها المسلم إخوانك أن من بدّل عهده مع الله ونقض غزله من بعد قوة وعاد إلى الغي والفتور بعد هذا الشهر فإن ذلك علامة الخسران ودليل الرد والحرمان: (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم)[الحج: 18].
نعمة سابغة ورحمة واسعة أن تخرج من رمضان مغفوراً لك فحافظ على تلك النعمة ولا تبدلها نقمة بالعودة إلى العصيان بعد خروج رمضان.
عهدتك يا مسلم حياً حيياً في شهر الصيام، فخذ على نفسك العهد أن تبقى على عهد الحياة والحياء بعد شهر الصيام، فعسى أن يكون هذا العهد توبة من الله عليك وتوفيقاً وذخراً لديك، فإذا أبرمت ذلك العهد فإياك والنكث: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِه) [الفتح: 10]. واحذر أن تكون بنقض العهد شبيه المنافق (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم) [التوبة: 77].
يا أيها المسلم إني قريب راحل بعد أن رأيت منكم وفاءً وجفاءً، فسلام الله على الموفين بالعهود، ويا حسرة على أهل النكوص والعقود.
أيها المسلمون: إن هو إلا ساعات وتغرب شمس من شموس الخيرات والبركات، ويخبو نور من أنوار النفحات الربانية والعطايا الإلهية، إن تلكم الأيام المعدودات من نفائس أيام المؤمنين، جرت فيها أحاسيس حية ومشاعر صادقة، أثمرتها معالي الهمم ومسابقة النفوس الدائبة، فلا عجب أن نستهل العبرات وتشتد الحسرات أسفاً على فوات خير عظيم وساعات صافية راضية ما أجمل نهاره المنير بالذكر والتلاوة والمعروف، وما أطيب لياليه العامرة بالقيام وحداء الصالحين وأنين التائبين.
تذكرت أياماً مضت وليالى *** خلت فجرَت من ذكرهنّ دموعُ
ألا هل لها يوماً من الدهر عودٌ *** وهل إلى وقت الوصال رجوع؟
إن للطاعات فيه منافع وآثاراً في النفوس أغنت عن لذات الطعام وزينة الحياة ومكاسب الأموال، ورُب صلاة صادقة أو قراءة خاشعة أعقبت سروراً مضيئاً امتزج بالدم والعصب لا يضاهيه طيب المأكل ولا أفراح الحياة وملاذها ومفاخرها؛ لأنها لا تدوم وإن دامت لم تخل من تنغيص، وإذا انقضت أورثت غموماً وأحزاناً وشدائد قاسيات.
الحياة الحقيقية والسعادة الدائمة والعزة الشامخة، إنما هي في طاعة الله تعالى وعبادته، عبادة سائقها الإخلاص وحَكَمُها التذلل ومنهجها الإتباع: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
يا مسلمون: إن ضيفنا المعظّم قد عزم على الرحيل، فالعين لفراقه تدمع والقلب يُوجَل، وإنّا لفراقك لمحزونون.
شهر رمضان: إنه الآن بين أيدينا وملء أسماعنا وأبصارنا وحديث منابرنا وزينة منائرنا وبضاعة أسواقنا ومادة موائدنا وحياة مساجدنا فكيف الحال بعد فراقه.
يا شهرنا الكريم: يا لحسن الفائزين الذين اغتنموك بأكمل وجه من صلاة وصيام وتهجد وقيام وصدقة وإحسان، فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء إليه فغفر لهم.
ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا ذلك الفضل فأمضوا وقتهم بالملهيات وأشغلوا أنفسهم بحظوظ الدنيا ومضى عليهم الشهر بهذه الحال.
يا مسلمون: إن ضيفنا قد قرب رحيله، فاختموه بخير ختام واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير. قال الحسن: "أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة".
وكان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
يا أيها العصاة: وكذلك كلنا، لا تقنطوا من رحمة الله بسوء أعمالكم وأحسنوا الظنّ بربكم وتوبوا إليه فإنه لا يهلك على الله هالك.
يا مسلمون: إن المحاسن التي جنتها النفوس المسلمة في رمضان ينبغي أن تكون طريقاً للزيادة والمضاعفة وسُلّماً للمجد والعلياء وليس التقاعس والانقلاب والنكوص على الأعقاب.
عاهد الله يا عبدالله بالمحافظة على الطاعات، وأنت في نهاية موسم الطاعات فقد كان نبيك -صلى الله عليه وسلم- يعاهد الله على الطاعة في كل ساعة قبيل الليل وأول النهار فيقول في سيد الاستغفار: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك".
أخي: وأنت على عتبات الوداع لشهر الله المعظّم وتترقب ساعات الرحيل الحزينة فإني مذكرك وناصح لي ولك فاستمع إني عليك من المشفقين ولك من الناصحين:
إن الشياطين يتزاحمون عند بوابة الخروج على فكّ القيود التي سُلسلوا بها خلال الشهر المبارك، فهل تمنحهم أخي فرصةً للوصول إلى مآربهم؟ أم تراك تتمسك بهذا الطهر الذي منحك الله إياه؟ والأخير بالخيرية أمثالك أحرى وأقرب.
أخي: التجئ إلى الله عصر هذا اليوم فلربما تكون هي الساعات الأخيرة وإن فيها لساعة تجاب فيها الدعوات، فتضرع إلى ربك واسأله لنفسك وأمتك وإن ربي لسميع الدعاء.
نسأله تعالى أن يختم لنا رمضان بالعفو والغفران والنجاة من النيران والفوز بالجنان، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: زكاة الفطر شعيرة إسلامية وصورة روحانية، لكن أصبحت اليوم في عصر التواكل والتوكيل عادة لا معنى لها ولا أثر، ولذا فإني أوصيك بأن تشتريها بنفسك وتحضرها إلى بيتك وتعرضها أمام أبنائك وأهلك ليتربوا عليها ويستشعروا عبوديتها قبل أن يأتي جيل ينسي معالمها.
وفي ليلة العيد أحيوا شعيرة التكبير تعظيماً لله ولدينه (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [البقرة: 185].
أيام العيد أيام بهجة وسرور ولحظات وفاء وصفاء وانشراح صدر وأوقات صلة وتزاور، وهي أيام ذكر وطاعة، وإذا كانت موسماً للترفيه والتسلية فإن الترفيه لا يعني الانفلات من الحدود الشرعية والتمرد على القيم الأخلاقية.
العيد لهو بريء لكن لا يعني اختلاط الرجال بالنساء ولا المجاهرة بالغناء ولا يعني تضييع الصلوات واتباع الشهوات، فلنحذر مما يسخط الله، ولنتجنب ما يغضبه وما يتنافى مع الغيرة والرجولة والمروءة، وإنما نكمل الفرحة بطاعة الله: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
احرص أخي المسلم على صلاة العيد فهي من شعار الدين الظاهرة، واخرج إليها بأحسن زينة وأبهى حلة بلا إسراف ولا مبالغة، فإن المبالغة والسرف فيه خروج عن حد القصد والاعتدال، واعلم أن ليس من الزينة التجمّل بما حرمه الله ..
اللهم..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم