عناصر الخطبة
1/سمات أهل الإيمان الحق 2/موقف المؤمن من شيوع المنكرات 3/خوف المؤمن على نفسه ورجاؤه الثبات 4/مرض قلوب المنافقين 5/خطورة النكوص والإعراض عن هدى الله 6/خصائص المؤمن القوي.اقتباس
أَهْلُ الْإِيمَانِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ، يَفْرَحُونَ بِإِسْلَامِ كَافِرٍ، وَتَوْبَةِ عَاصٍ، وَرُجُوعِ تَائِهٍ عَنِ الْحَقِّ. وَيَعْمَلُونَ الْخَيْرَ، وَيَفْرَحُونَ بِالْخَيْرِ يَعْمَلُهُ غَيْرُهُمْ. وفي المقابل يَحْزَنُونَ عَلَى الْكَافِرِ حِينَ يَرَوْنَهُ مُقِيمًا عَلَى الْكُفْرِ، وَعَلَى الْعَاصِي الْمُسْرِفِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعِصْيَانِ.
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمدُ لله يهدي ويُضلّ، ويعزُّ ويُذل، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهَ وحدهُ لا شريك له، أنَّهُ هُو البرُّ الرحيم، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدالله ورسولهُ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابهِ ومن سارَ على دربهِ إلى يومِ الدين..
أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعْمَةِ الْإِيمَانِ، وَسَلُوهُ الثَّبَاتَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى الْمَمَاتِ (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)[البقرة: 198].
أَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ أَهْلُ الْإِيمَانِ، وَأَضَرُّهُمْ عَلَيْهِمْ مَنْ يَصُدُّونَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ. فَبِأَهْلِ الْإِيمَانِ تَحُلُّ الْأَرْزَاقُ وَالْبَرَكَاتُ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الأعراف:96].
وَبِأَهْلِ الْإِيمَانِ يُرْفَعُ الْعَذَابُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ اسْتِغْفَارٍ (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال: 33]، وَخُلْطَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنِ اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ تَمْنَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)[الفتح: 25].
أَهْلُ الْإِيمَانِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ، يَفْرَحُونَ بِإِسْلَامِ كَافِرٍ، وَتَوْبَةِ عَاصٍ، وَرُجُوعِ تَائِهٍ عَنِ الْحَقِّ. وَيَعْمَلُونَ الْخَيْرَ، وَيَفْرَحُونَ بِالْخَيْرِ يَعْمَلُهُ غَيْرُهُمْ. وفي المقابل يَحْزَنُونَ عَلَى الْكَافِرِ حِينَ يَرَوْنَهُ مُقِيمًا عَلَى الْكُفْرِ، وَعَلَى الْعَاصِي الْمُسْرِفِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعِصْيَانِ.
من الناس مَنْ يَشْتَدُّ حُزْنُهُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ؛ مِنْ نَشْرِ كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَصَدِّهِمْ عَنْ دِينِ الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، حتى يُقْعِدُهُ عَنِ الْعَمَلِ، أَوْ يُصِيبُهُ بِالْيَأْسِ وَالْإِحْبَاطِ (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا)[آل عمران: 176]، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَنْ يَسْتَطِيعُوا مَنْعَ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنَ انْتِشَارِ دِينِهِ، وَغَلَبَةِ شَرِيعَتِهِ، وَانْتِصَارِ أَوْلِيَائِهِ.
ثم بَيَّنَ -سُبْحَانَهُ- أَنَّهُمْ مَخْذُولُونَ مَغْلُوبُونَ خَاسِرُونَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ -تَعَالَى- حَقَّتْ عَلَيْهِمْ (يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[آل عمران: 176- 177].
جَاءَتْ هذه الآياتُ فِي سِيَاقِ مُصِيبَةِ قَتْلِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَفَرَحِ مُشْرِكِي مَكَّةَ بِذَلِكَ، وَمُسَارَعَتُهُمْ فِي الْكُفْرِ؛ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَيَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ وَيُبَادُ أَهْلُهُ، وَفِيهَا طَمْأَنَةٌ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ مَهْمَا فَعَلُوا فَلَنْ يَضُرُّوا دِينَ اللَّهِ -تَعَالَى- شَيْئًا، وأن دين الله ماضٍ ولو خذله المنهزمون؛ "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ".
لقد حذَّر الله -عز وجل- الناكصين عن دينه المرجفين المخذلين للمؤمنين العاملين (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة: 41].
إن المؤمن ليَخَاف عَلَى نَفْسِهِ أن يَتَغَيَّرَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ فيَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ -تَعَالَى- هِدَايَتَهُ، فيُسْلَبَ الإيمان، وَيَكُونَ حَرْبًا على أَهْلِ الإسلام، وإنه َلَا ثَبَاتَ لِلْعَبْدِ عَلَى الدِّينِ إِلَّا بِتَثْبِيتِ اللَّهِ -تَعَالَى- لَهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ ثَمَّةَ أَقَوْمَا آمَنُوا بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وَسَمِعُوا مِنْهُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ ارْتَدُّوا حَرْبًا عَلَيْهِ وَعَلَى دِينِهِ الَّذِي بَلَّغَهُ..
فَلَا يَجْزَعُ الْمُؤْمِنُ حِينَ يَرَى كَثْرَةَ الْمُتَسَاقِطِينَ فِي الْبَاطِلِ، الْمُتَجَافِينَ عَنِ الْحَقِّ، مِمَّنْ عَرَفَهُمْ وَخَالَطَهُمْ وَصَاحَبَهُمْ، وَرُبَّمَا اسْتَمَعَ إِلَيْهِمْ، وَاسْتَفَادَ مَنْ عِلْمِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ، وَكَانُوا يَوْمًا رِدْءًا لِلْإِسْلَامِ، دُعَاةً إِلَى الْحَقِّ، ثُمَّ تَحَوَّلُوا إِلَى حَرْبٍ عَلَيْهِ؛ لِحَسَدٍ مَلَأَ قُلُوبَهُمْ عَلَى أَقْرَانِهِمْ، أَوْ لِدُنْيَا غَرَّتْهُمْ فِيهَا أَمَانِيُّهُمْ. وَذَلِكَ -وَلَا شَكَّ- مُحْزِنٌ، وَلَكِنَّهُ حُزْنٌ يَجِبُ أَلَّا يُوَصِّلَ الْمُؤْمِنَ إِلَى دَرَجَةِ الْجَزَعِ وَالْيَأْسِ وَالْإِحْبَاطِ؛ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ -تَعَالَى- فِتْنَتَهُ فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ هِدَايَتَهُ.
وَلَا يَحْزَنُ الْمُؤْمِنُ حِينَ يَرَى الْكَيْدَ لِلْإِسْلَامِ يَزْدَادُ، وَيَرَى أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ مُحَارَبُونَ، وَأَنَّ أَهْلَ الْبَاطِلِ يَرْتَعُونَ وَيَلْعَبُونَ، وَيَزْدَادُونَ عُتُوًّا وَاسْتِكْبَارًا؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ وَإِمْلَاءٌ وَإِمْهَالٌ (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ)[المؤمنون: 55- 56].
وَفِي كُلِّ مَا سَبَقَ يَضَعُ الْمُؤْمِنَ نُصْبَ عَيْنَيْهِ: (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا) (وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا)؛ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، وَتَسْكُنَ نَفْسُهُ، وَلَا يَجْزَعُ مِمَّا يَرَى.
(رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 7].
أستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، وصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: التعلقُ بِغَيْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- يُمْرِضُ الْقُلُوبَ ويُوهِن النفس، ولذا فإنَّ قلوبُ الْمُنَافِقِينَ مَرِيضَةٌ بِالتَّعَلُّقِ بِالْبَشَرِ مِنْ دُونِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَتراهم يُسَارِعُونَ فِي أَهْلِ الْكُفْرِ لِاسْتِمْدَادِ الْقُوَّةِ مِنْهُمْ، وَاتِّخَاذِ الصَّنِيعَةِ عِنْدَهُمْ، (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)[المائدة: 52].
وحين تسير في الأرض وتُقلِّب طرفك في فئام من البشر ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا، وآخرين قد ضلوا ضلالاً بعيداً وصدوا عن سبيل الله (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)[يوسف: 103].
إنّ هذا النكوص والإعراض عن هدى الله لا يُضعف المؤمنَ ولا يُوهنهُ، بل يشدُه ويحدوه للتمسك بدين الله، وسؤال الله الثبات حتى الممات (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف: 43]، ويشد عزمه للدعوة إلى الله على بصيرة، ويتحتم عليه النصح والتذكير، والإعراض عن أماكن اللغو والباطل..
ولنا في رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أُسوة حسنة، فلقد ثبت على دعوته ثبوت الراسيات، في خِضَمّ الحرب على الدعوة إلى الله، وغرق البشرية في جهالات الشرك والوثنية، لا يُثنيه أذى، ولا يلويه كيد، ولا يلتفت إلى إغراء.
ومن الفأل الحسن الباعث لمزيد من العطاء حين تسمع وترى من أقوامٍ استعلنوا المنكر، وتهاونوا بشرع الله وهوّنوه، تلتفت ذات اليمين لترى شيبًا وشبابًا امتلأت بهم المساجد تترنم بآيات الله، ونساءً متحشمات، عفيفات قانتات قد غصَّت بهن الدورُ والمحاضن القرآنية.
"الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ"؛ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ من إذا رأى كثرة المنكرات وانتفاش الباطن؛ ازداد دعوةً للحق وأمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر..
الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ من إذا رأى طوفًا من الشهوات تغرق من يقف في طريقها، غرس غرساً في الخير، وابتنى حصونًا ولبنات من الخير والعمل الإيجابي..
الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ يرى النور من فم الغار الموحش، ويبصر الإشراقة من ليل بهيم مظلم.
الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ متفائل عامل، وليس متفائلاً قاعدًا، أو قَنِطًا محبطًا.
لَا اليَأسُ ثَوبِي وَلَا الأحزانُ تَكسِرُنِي *** جُرحي عَنِيدٌ بِلَسعِ النَّارِ يَلتَئِمُ
اشرَب دُمُوعَكَ وَاجرَع مُرَّهَا عَسَلًا *** يَغزُو الشُّمُوعَ حَرِيقٌ وَهِيَ تَبتَسِمُ
سَرِّح هُمومَكَ وَأَسْرِج ظَهرَهَا فَرَسًا *** وَانهَض كَسَيفٍ إذَا الأنصَالُ تَلتَحِمُ
الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ من إذا زل وهفا تذكر وتاب وأناب (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف: 202].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم