وفاة ملك وبيعة ملك

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ الموت نهاية كل حي 2/ وفاة المَلِكِ عبدِاللهِ بنِ عبدِالعزيزِ 3/ وَقَفَاتٌ وعِبَرٌ مع وفاة الملك الراحل 4/ التحذير من الاغترار بالدنيا 5/ من أعظَمِ وقفاتِ وفاةِ خادِمِ الحرمينِ الشَّريفينِ 6/ شَرَعَ الإسلامُ مَنهجًا حكيمًا لِكَيفِيَّةِ تَولِيةِ الوُلاةِ 7/ مَعنى البَيعَةِ وَصِفَتها وبعض أحكامِها ومُقتَضَياتها.

اقتباس

عجيبٌ حالُنا: نُوقنُ بالْمَوتِ ثم نَنْسَاهُ! ونَعرفُ الضُّرَّ ثمَّ نَغشاهُ! نَخشى النَّاسَ واللهُ أحقُّ أنْ نَخشَاهُ! نَغْتَرُّ بالصِّحَةِ ونَنسى السَّقَمِ! ونَزْهُو بالشَّبَابِ ونَنسى الْهَرَمِ! نَهْتَمُّ بالعِلْمِ ونَنْسى العَمَلِ! يَطُولُ العُمُرُ ويَزْدَادُ الذَّنْبُ! ويَبْيَضُّ الشَعْرُ وَيَسْوَدُّ القَلْبُ! إلاَّ مَن رَحِمَ ربِّيِ! سُبحانَ اللهِ: أَلَمْ يَأْنِ لنا أنْ نُدرِكَ حقيقةَ هذه الدَّارِ؟! وفي هذا الحَدَث دليلٌ على حقارةِ الدُّنيا وخِسَّتِها، حقَّاً إنَّ الدُّنْيَا لا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ! فها هم المُلوكُ مِن القُصُورِ إلى القُبُورِ، فيا عبد اللهِ استَعِدَّ لِلِقاءِ اللهِ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله المتفرِّدِ بالدَّوامِ والبقاءِ، المنزَّهِ عن العَدَم والفناءِ، نَحمدهُ على قَضائِهِ وَقَدَرِهِ، ونَشكرُهُ على السرَّاءِ والضرَّاءِ، والشدَّةِ والرخاءِ، ونَسألُه الصَّبرَ على القَضاءِ.

 

ونَشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا أَندَادَ لَهُ ولا شُركَاءَ، ونَشهد أنَّ نَبِيَّنا وَسَيِّدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ إمامُ الحُنفاءِ وسيِّدُ الأنبياءِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ الأتقياءِ الأَنقِياءِ، وأصَحَابِهِ أَنجُمِ الاقتِدَاءِ، والتَّابِعينَ لهم وَمَن تَبعهم بِإحسانٍ وإيمانٍ ما دَامت الأرضُ والسماءُ.

 

أمَّا بعد: فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بِتقوى الله عزَّ وجلَّ، فإنها أمانٌ عند البلايا، وذُخْرٌ عند الرَّزايا، فاتَّقوا اللهَ يا مُؤمنونَ ولا تَغُرَّنكم الحياةُ الدُّنيا، ولا يَغرنَّكم باللهِ الغَرُور. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

 

أيُّها المُسلمونَ: ما كان حديثًا يُفترَى، أنَّ دَارَنا دَارُ ابتلاءٍ: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك: 2].

 

وأنَّ حَقِيقتَها ظِلٌّ زَائِلٍ, وأنَّ المَوتَ في الدُّنيا نِهايةُ كُلِّ حَيٍّ، وخِتَامُ كلِّ شَيءٍ: كما قَالَ ربًّنا: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن: 26، 27].

 

كَأسُ المَوتِ يَتَجرَّعُها البَشرُ: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ) [الأنبياء: 34]، تَحَسَّى مَرَارَتَهُ الأَنبِياءُ والأولياءُ، والعلماءُ والزُّعمَاءُ، وكُلُّ صَغيرٍ وكَبِيرِ، وغَنِيٍّ وفَقِيرٍ، ومَأمورٍ وأَمِيرٍ.

 

حُـكْمُ المَنِيَّةِ في البرِيَّة جـارِي*** ما هـذه الدنيـا بدار قَرَارِي

فـالعَيْش نـومٌ والمنيَّـة يَقْظَةٌ *** والمَرءُ بينهمـا خَيـالٌ سَارِي 

 

عبادَ اللهِ: أحسنَ اللهُ عَزَائَنا جَمِيعا، وجَبَر مُصابَنا بِفقدِ وليِّ أمْرِنَا المَلِكِ عبدِاللهِ بنِ عبدِالعزيزِ, وغَفَرَ اللهُ لهُ ولموتى المسلمينَ أجمعينَ, وأَصلَحَ اللهُ وَوفَّقَ خَلِيفَتَهُ مِن بعدِهِ لإِقامَةِ شَرعِهِ ونُصرَةِ دِينِهِ وإعلاءِ كلِمَتِهِ، وتَوحيدِ صفِّ المُسلِمينَ, وَرَزَقَه بِطانَةً صالِحةً نَاصِحَةً، وَجَعَلَه رَحمَة وعدلاً على النَّاسِ أجمعينَ.

 

أيُّها المُؤمنونَ: استيقظَ النَّاسُ لِصلاةِ فَجرِ هذا اليومِ وأخذَ يُعزِّي بعضُهم بعضاً بِفقيدِهم ويتَرحَّمُونَ عليه, ولْيبشرْ فقد تَوفَّاهُ اللهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ, فإنَّ ذالكَ مِن علاماتِ حُسنِ الختامِ, ولْيبشرْ كذالِكَ فقد قالَ سيِّدُ الأنامِ -عليهِ الصِّلاةُ والسَّلامِ-: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» (رواه مسلمٌ).

 

عباد اللهِ: ولنا مع هذا الحَدَثِ وَقَفَاتٌ وعِبَرٌ.  

أوَّلُها: أنَّهُ لا رادَّ لِقضاءِ اللهِ، فإنَّهُ -سبحانَهُ-: (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [مريم: 35]. فَمَلَكُ المَوتِ يَتَخَطَّى الجُيوشَ والحُدُودَ والحَرَسَ والأطباءَ لِيُنَفِّذَ أمرَ اللهِ -تَعالى-، وأنَّ الأنفُسَ لَن تَموتَ حتى تَستَكمِلَ رِزقَها وأيَّامَها. فَلتَتَعلَّقِ القُلوبُ بِربِّها -جَلَّ وعَلا-، ولتَعتَصِم بِخالِقِها، وَمَالِكِ أمرِها ومُدَبِّر أمورِها.

 

 ثانيًا: أن لا تَنشغِلَ بِموتِ غيركَ وَتنسى نَفسكَ فاستَعدَّ لِسَاعَاتِكَ أنتَ! وَتهيأَ لِمَلَكِ مَوتِكَ بِصالِح أعمالِكَ.

تَرَحَّل عن الدُّنيـا بِزادٍ من التُّقـى*** فعُمركَ أيَّـامٌ تُعَدُّ قَلائِـلُ

فَمَنْ غَفَلَ عن نَفْسِه ضَاعت أوقَاتُهُ*** ثم اشتدَّت عليه حَسَرَاتُهُ!

 

عجيبٌ حالُنا: نُوقنُ بالْمَوتِ ثم نَنْسَاهُ! ونَعرفُ الضُّرَّ ثمَّ نَغشاهُ! نَخشى النَّاسَ واللهُ أحقُّ أنْ نَخشَاهُ! نَغْتَرُّ بالصِّحَةِ ونَنسى السَّقَمِ! ونَزْهُو بالشَّبَابِ ونَنسى الْهَرَمِ! نَهْتَمُّ بالعِلْمِ ونَنْسى العَمَلِ! يَطُولُ العُمُرُ ويَزْدَادُ الذَّنْبُ! ويَبْيَضُّ الشَعْرُ وَيَسْوَدُّ القَلْبُ! إلاَّ مَن رَحِمَ ربِّيِ! سُبحانَ اللهِ: أَلَمْ يَأْنِ لنا أنْ نُدرِكَ حقيقةَ هذه الدَّارِ؟! (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر: 39]. وفي صحيح مُسلمٍ وغيرهِ عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ -رضي اللهُ عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا».

 

 ثالثًا: في هذا الحَدَث دليلٌ على حقارةِ الدُّنيا وخِسَّتِها، حقَّاً إنَّ الدُّنْيَا لا تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ! فها هم المُلوكُ مِن القُصُورِ إلى القُبُورِ، فيا عبد اللهِ استَعِدَّ لِلِقاءِ اللهِ: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) [الزلزلة: 7، 8].

 

عبادَ اللهِ ورابِعُ الوَقَفاتِ: أنَّهُ بِمُجرَّدِ وفَاةِ مَلِكٍ يَتَولَّى مَلِكٌ آخَرُ, بِكُلِّ يُسْرٍ وسلاسَةٍ وسُهُولَةٍ, وتآلُفٍ واتِّفاقٍ واجتِماعٍ, وهذهِ واللهِ نِعمَةٌ كُبرى نُغبطُ عليها, مِمِّا يَدُلُّ على تَرَابُطِ هذا المُجتَمَعِ المُسلِمِ المُتَدَيِّنِ لله -تعالى- بالسَّمعِ والطَّاعَةِ, معَ وُلاةِ أمرِنا, طاعَةً لِرَبِّنا وإنفاذاً لِوَصايا نَبِيِّنا عليه أفضلُ صلاةٍ وأزكى سلامٍ, ومَا ذَلِكَ إلاَّ ثَمَرَةٌ مِن ثَمَراتِ صِدقِ الإيمَانِ وَطَاعَةِ الرَّحمنِ، واتِّباعِ لِسَيِّدِ الأنامِ القائِلِ كما في السُّننِ: «ثَلاَثٌ لاَ يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَالنَّصِيحَةُ لِوُلاَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ ، تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ ».

 

فيا مُؤُمنونُ: احمدوا اللهَ -تعالى- على هذا التآلُفِ والتَّكاتُفِ وتَذكَّروا قولَ اللهِ -تعالى-: (لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال: 63].

 

فَالزَمُوا جَمَاعَةَ المُسلِمينَ, وخُذُوا بوَصِيَّةِ العالَمينَ القائِلِ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103]. فإذا تَحقَّقَ هذا التَّرابُطُ تَحَقَّقَ الأَمنُ، وَرَغَدُ العَيشِ، وَنشرُ دينِ اللهِ, وَدَحْرُ الأعداءِ الخارِجِيِّينَ والدَّاخِلِيِّينَ. (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].

 

فاللهمَّ يا رَبَّنا في هذا اليومِ العظيمِ وفي السَّاعَةِ المُبارَكَةِ وفي هذا الجمع المُباركِ اغفر لِعبدِكَ المَلِكِ عبدِاللهِ وارحمهُ، واجعل ما أصابَهُ تَكفيراً لِسيِّئاتِهِ وَرِفعةً لِدرجاتِهِ ولِجميعِ موتى المُسلمينَ, واجزِهِ لِما قَدَّمَ لِعِزِّ الإسلامِ والمُسلمينَ خيراً, وبارك في خَلَفِهِ وأعنهُ على أداء الأمانَةِ وحملِ الرِّسالَةِ يا ربَّ العالَمينَ. وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المُسلمينَ فاستغفروهُ وتوبوا إليه إنَّهُ هو الغفور الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله العَليمِ الخبيرِ، السَّميع البصِير، أحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلمًا، وأَحصَى كلَّ شيءٍ عَددًا، لا إلهَ إلاَّ هو إليه المصير، أحمَدُ ربِّي وأشكرُه، وأتوب إِليه وأستغفِره، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحده لا شَريكَ له العليُّ الكبيرُ، وأشهَد أنَّ نبيَّنا محَمَّدًا عَبدُ الله ورسولُهُ البَشيرُ النَّذيرُ والسراجُ المُنيرُ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبَارِك على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ، وعلى آلِه وأصحابِه ذَوي الفَضلِ الكَبيرِ.

 

أمَّا بعدُ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].

 

عبادَ اللهِ وِمن أعظَمِ وقفاتِ وفاةِ خادِمِ الحرمينِ الشَّريفينِ وتَولي خادِمِ الحرمينِ الشَّريفينِ المَلِكِ سلمانِ بن عبدِ العزيزِ وفقهُ اللهُ وسدَّدهُ. أنْ نَعرفَ عظَمَةَ دِينِنا الحَنِيفِ خاصَّةً فيما يتعلَّقُ بِضَبطِ أُمورِ الوِلايَةِ وَحُسنِ انتِقَالِها دُون بَلْبَلَةٍ ولا اضطرَابٍ واختِلافٍ، فَقد شَرَعَ الإسلامُ مَنهجًا حكيمًا لِكَيفِيَّةِ تَولِيةِ الوُلاةِ:

 

فالطريقة الأولى: فهي أنْ يقومَ أَهلُ الحَلِّ والعَقدِ مِن العُلمَاءِ والوُجَهَاءِ باختيارِ مَنْ يَرونَهُ أَهلاً لِذالِكَ، كمَا وُلِّيَ أبو بَكرٍ حينَ اجتَمَعَ أكابِرُ الصَّحابَةِ عليهِ وبَايَعُوه، ثُمَّ تَتابَعَ النَّاسُ على ذَلِكَ. وقد قالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- في خُطْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ الشَّهيرَةِ: "مَنْ بَايَعَ رَجُلًا مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا"، أي: فَقد غَرَّرَ بِنَفسِهِ وبِصَاحِبِهِ وعَرَّضا أنفُسَهما لِلقتْلِ, (رواه البخاري ومسلم)، وقد أجمع العلماء على ذلك.

 

أما الطَّريقَةُ الثَّانِيةُ لِتَّولِيَةِ والتَّنصيبِ: فهي العهدُ والاستِخلافُ، وذَلِك إذا أحسَّ وليُّ الأمْرِ بِقُربِ أَجَلِهِ فإنَّهُ يَقُومُ بِمُشاورَةِ أَهلِ الحَلِّ والعَقدِ، وَيَعهَدُ إلى مَنْ بَعدَهُ، كمَا استَخلَفَ أبو بَكرٍ عمرَ بنِ الخَطَّابِ -رضيَ اللهُ عنهما-، وَكمَا عَهِدَ عمرُ إلى السِّتَّةِ الذين تُوفِّي رَسُولُ اللهِ وهو رَاضٍ عَنهم، وقد أجمع العلماء على ذلك.

 

عبادَ اللهِ وخامسُ الوقفاتِ: أنْ نعرِفَ مَعنى البَيعَةِ وَصِفَتِها وبعضِ أحكامِها ومُقتَضَياتِها، فإنَّ النَّبِيَّ : "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً". ويقولُ: "فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" (رواه البخاريُّ).

 

والبيعةُ يَعقِدُها أهلُ الحلِّ والعَقدِ مِن العُلمَاءِ والوُجهَاءِ ورؤساءِ العَشَائِرِ، وبَقيَّةُ النَّاسِ تَبَعٌ لهم، تُعقدُ مع الوَالي مُباشَرَةً ومَعَ نُوَّابهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ.

 

وإنَّنا بهذهِ المُناسَبَةِ نُؤكّدَ البَيعَةَ الشَّرعِيَّة لِوَليِّ أَمرِنَا خادِمِ الحرمينِ الشَّريفينِ المَلِكِ سَلمَانِ بنِ عبدِ العزيزِ ووليِ عهدِهِ الأميرَ مِقْرِنِ بنِ عبدِ العزيزِ وفَّقَهم اللهُ، نُبايِعهم على كتابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، بَيعَةً مُخلِصَةً، على السَّمعِ والطَّاعَةِ بِالمعروفِ في العُسْرِ واليُسْرِ، والمَنْشَطِ والمَكْرَه، امتثالاً لأمرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، واستِنَانًا بِسُنَّةِ رَسُولِهِ ، فالبَيعةُ قَرَّرتها الشَّريعةُ، وهي مِن أصولِ الدِّيانَةِ، وَمَعَالِم ِالمِلَّةِ ومَنهَجِ السُّنَّةِ، فَيجبُ التِزَامُها والوفُاءُ بِها؛ ولا يَجُوزُ خَفْرُها ولا الغدَرُ بها.

 

ففي صحيح مُسلمٍ أنَّ رسُولَ اللهِ قالَ: « فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ».

 

ومِن حَقِّ وَلِيِّ أمرِنا علينا إِعَانَتُهُ وَمُنَاصَحَتُهُ بالمَعروفِ، فَدِينُنا قائِمٌ على النَّصِيحَةِ لِلهِ ولِكِتَابِه ولِرَسُولِهِ ولِأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ وعَامَّتِهِم. ألا وإنَّ مما يُبهِجُ النُّفُوسَ بِحمدِ اللهِ -تعالى- تأكيدُ وُلاةِ أَمرِنا وفَّقَهم اللهُ على لُزُومِ العَقِيدَةِ، وتَحكيمِ الشَّريعَةِ، وإحقَاقِ الحَقِّ، وإرسَاءِ العَدْلِ، واتِّخَاذِ القُرآنِ الكريمِ دُستُورًا، واتِّباعِ الرَّسولِ الكريمِ سُلُوكاً والإسلامِ مَنهجًا وتطبيقاً، أعانَهُمُ اللهُ على كُلِّ خيرٍ، وَوَفَّقَهم لِمَا فِيه عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المُسلمين.

 

 هذا وصلُّوا وسلِّموا على النَّبِيِّ المُصطفى، والحبيبِ المُرتَضى، كما أَمَرَنا جلَّ وعلا بقولِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلّ وسلّم وبارك على سيد الأولين والآخرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اغفر لِعبدِكَ المَلِكِ عبدِاللهِ وارحمهُ واجعل ما أصابَهُ تَكفيراً لِسيِّئاتِهِ وَرِفعةً لِدرجاتِهِ, واجزِهِ لِما قَدَّمَ لِعِزِّ الإسلامِ والمُسلمينَ خيراً, ووفَّق وليَّ أمرنا خادِمِ الحرمينِ الشَّريفينِ المَلِكِ سَلمَانَ ووليِ عهدِهِ لِما تُحبُّه وترضاه أعنهم على أداء الأمانَةِ وحقِّ الولايةِ وحُسنِ الرِّعايَةِ واكفنا جميعا شرَّ الأشرار وكيدَ المُتربِصِّينَ والفجارِ ووحَّد صُفُوفنا واجمع كَلِمَتنَا على الحقِّ والهدى والدينِ.

 

 اللهم أغث قلوبنا بالعمِ والإيمانِ وبلادَنا بالخير والأمطارِ اللهم أغثنا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اللهم اغفر لنا ولوالدينا, (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ، (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

 

 

 

المرفقات

ملك وبيعة ملك

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات