عناصر الخطبة
1/ أدلة وجوب الحج 2/ شروط وجوب الحج 3/ معوقات الحج الوهمية 4/ نداء للأولياء والكفلاء بمعاونة المسؤولين عنهم على الحج 5/ التحذير من الحج بدون تصريح ومن الحملات الوهمية 6/ نداء لأصحاب الحملات بالقيام بمهامهم بإخلاصاقتباس
هل بعد هذا الإيجاب إيجاب؟! وهل بعد هذا الإلزام إلزام؟! كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه؟! وكيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة، وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه فيما حل وحرم؟! وكيف يوفر نفسه عن التعب في الحج، وهو ..
أما بعد:
أيها الإخوة: اتقوا الله، وأدوا ما فرضه الله عليكم من الحج إلى بيته الحرام متى استطعتم إليه سبيلاً، فقد قال: (وَلِلهِ عَلَى الناسِ حِجُ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَ اللهَ غَنِيٌ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97].
قال المفسرون: في قوله: (عَلَى الناسِ) دليل الوجوب، خصوصًا إذا ذُكر المستحِق. ثم أتبعه بقوله: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِن اللهَ غَنِي عَنِ الْعَالَمِينَ) ليبين أن مَن لم يعتقد وجوبه فهو كافر، وأنه إنما وضع البيت وأوجب حجه ليشهدوا منافع لهم لا لحاجته إلى الحجاج كما يحتاج المخلوق لمن يقصده ويعظمه؛ لأن الله غني عن العالمين.
وقال -سبحانه-: (وَأَتِموا الْحَج وَالْعُمْرَةَ لِلهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة:196]، قال: الشيخ السعدي: يُستدل بقوله -تعالى-: (وَأَتِموا الْحَج وَالْعُمْرَةَ) على أمور، أحدها: وجوب الحج والعمرة، وفرضيتهما. الثاني: وجوب إتمامهما بأركانهما، وواجباتهما، التي قد دل عليها فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقوله: "خذوا عني مناسككم".
وقال -سبحانه-: (وَأَذِنْ فِي الناسِ بِالْحَج يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَج عَمِيقٍ) [الحج:27]. قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "فأذن فيهم: إن لربكم بيتًا فحجوا".
وفي السنة وردت أحاديثُ كثيرةٌ تدل على الوجوب، ومنها حديث سؤال جبريل -عليه السلام- لرسول الله، وفيه: أَخْبِرْنِي عَنْ الإِسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَأَن مُحَمَدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً". رواه مسلم.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ الهُِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَيُهَا النَاسُ، قَدْ فَرَضَ اللَهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَ فَحُجُوا"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُل عَامٍ يَا رَسُولَ اللَهِ؟! فَسَكَتَ حَتَى قَالَهَا ثلاثًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا استطعتم"، ثُمَ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ؛ فَإِنَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَائتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ". رواه مسلم.
وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَابِ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالاً إلَى هَذِهِ الأَمْصَارِ فَيَنْظُرُوا كُلَ مَنْ كَانَ لَهُ جدةٌ ولم يحُج فيضربوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ، مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ".
ففريضة الحج ثابتة بكتاب الله، وسنة رسوله، وبإجماع المسلمين عليها إجماعًا قطعيًّا؛ فمن أنكر فرضية الحج فقد كفر، ومن أقر بها وتَرَكَها فهو على خطر، فإن الله يقول بعد إيجابها على الناس: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِن اللهَ غَنِي عَنِ الْعَالَمِينَ).
أيها الإخوة: هل بعد هذا الإيجاب إيجاب؟! وهل بعد هذا الإلزام إلزام؟! كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله وبدنه وهو يعلم أنه من فرائض الإسلام وأركانه؟! وكيف يبخل بالمال على نفسه في أداء هذه الفريضة، وهو ينفق الكثير من ماله فيما تهواه نفسه فيما حل وحرم؟! وكيف يوفر نفسه عن التعب في الحج، وهو يرهقها في التعب في أمور دنياه ويضرب الأرض طولاً وعرضًا لصفقاته أو لنزهته؟! وكيف يتثاقل فريضة الحج وهو لا يجب في العمر إلا مرة واحدة؟! وكيف يتراخى ويؤخر أداءه وهو لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد عامه؟!
والحج -أيها الأحبة- يجب بشروط هي: البلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة بالبدن والمال، ويشترط للمرأة -زيادةً على ذلك- وجود المحرم؛ فمن توفرت فيه الشروط فعليه أن يلبي داعي الله ولا يؤخر ما فرضه الله عليه من الحج تعبدًا لله؛ ورضا بحكمه؛ وسمعًا وطاعةً لأمره؛ قال ربنا -سبحانه-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب:36]، فهذا أمر عام في كل أمرٍ من الله ورسوله.
أما الأمر الخاص، فعن ابْنِ عَبَاسٍ عَنْ النَبِيِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَعَجَلُوا إلَى الْحَجِ -يَعْنِي الْفَرِيضَةَ- فَإِنَ أَحَدَكُمْ لا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَاسٍ عَنْ الْفَضْلِ أَوْ أَحَدهُمَا عَنْ الآخَرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَرَادَ الْحَجَ فَلْيَتَعَجَلْ؛ فَإِنَهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَضِلُ الرَاحِلَة، وَتَعْرِضُ الْحَاجَة". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَه.
قال الشوكاني -رحمه الله- معلقًا على هذه الآثار: "هَذِهِ الطُرُقُ يُقَوِي بَعْضُهَا بَعْضًا، ومَجْمُوع تِلْكَ الطُرُقِ لا يقصر عَنْ كَوْنِ الْحَدِيث حَسَنًا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُحْتَجٌ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ". اهـ.
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- بعدما ساق الأحاديث: "وهذا التغليظ يعم من مات قبل أن يغلب على ظنه الفوات، وهم أكثر الناس، ومن غلب على ظنه ففي تأخيره -أي: الحج- تَعَرُّضٌ لمثل هذا الوعيد وهذا لا يجوز؛ وإنما لحقه هذا لأن سائرَ أهلِ الملل من اليهود والنصارى لا يحجون وإن كانوا قد يصلون، وإنما يحج المسلمون خاصة". اهـ.
أيها الإخوة: لقد تعلل بعض الناس ببعض المعوقات الوهمية، التي يعتبرونها موانع تمنعهم من أداء فريضة الحج، وأفتوا لأنفسهم بتأخير المبادرة بأداء الفريضة رغم قدرتهم المالية والبدنية، سأعرض شيئًا منها.
فمن قائل يقول: لا أحج حتى أتزوج. وكأن الزواج شرط في وجوب الحج! ومن قائل يقول: لا أحج حتى أكون مستقيمًا على الدين، قائمًا بكل الواجبات، ومنتهيًا عن كل المحرمات ثم أحج. نقول لمن اعتقد هذا الاعتقاد: إن الحج من الأوامر الشرعية، فإذا تمت شروط وجوبه وجب، وهو خطوة في طريق الاستقامة على دين الله وتنفيذِ جميعِ الأوامر الشرعية الأخرى، وقطع الطريق الطويل إنما يكون بخطوة ثم خطوة، وكم رأينا من الرجال من كان الحج مفتاحَ صلاحهم وبداية استقامتهم؛ خصوصًا إذا وفق مريد الحج لرفقة صالحة.
أسأل الله بمنه وكرمه أن ييسر حج الحاجين، ويعينهم على أداء الواجب، وأن يتقبل منهم، إنه جواد كريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلِلَهِ عَلَى النَاسِ حِجُ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَ اللَهَ غَنِيٌ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
أيها الإخوة: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، واعلموا أن الخير كل الخير في المبادرة بأداء الحج عن الإنسان نفسه ومن تحت يده ممن ولاّه الله أمرهم من النساء وغيرهن، وهذا نداء مني أوجهه لأوليائهن، فأقول: إن من النساء من تستطيع الحج ببدنها ومالها لكنها لا تستطيع أداء الفريضة بسبب اعتذار المحرم عن مرافقتها، أقول لهم: احتسبوا الأجر فيمن ولاكم الله عليهن من النساء؛ فإن رسول الله يقول: "استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن عوان عندكم"، أي: أسيرات.
ويقول: "خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، ويقول: "لا يكرِم النساء إلا كريم، ولا يهينهن إلا لئيم". نعوذ بالله من ذلك!
ومن الوصية بهن، وإكرامهن، وتقديم الخير لهنّ مرافقتهنّ إلى أداء فريضة الحج. فبادروا -وفقكم الله- لكل خير.
أيها الإخوة: وممن ولانا الله أمرهم وجعل موافقتنا لهم على الحج لازمة، من تحت كفالتِنا من العمالة ممن يرغبون الحجَ وأداءَ الفريضة، وقد توفرت فيهم شروط الوجوب، لكن الكفيل يرفض أو يسوف حتى تضيع فرصة استخراج التصريح عليهم بحجة أن أعماله ستتوقف بذهابهم للحج! أقول لهم: اتقوا الله في إخوانكم؛ ولا تمنعوهم مما أوجب الله عليهم، وأخشى أن تدخلوا فيمَن منعَ مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، أو فيمَن يصد عن الخير.
أيها الأحبة: أعينوا إخوانكم على أداء الفريضة إداريًّا ومعنويًّا وماديًّا لعلكم تدخُلون فيمن عناهم رسول الله فيما رواه زيدُ بنُ خالد الجهني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَن جهَز غازيًا، أو جهز حاجًّا، أو خلَفَه في أهلِه، أو فطَرَ صائمًا، كان له مثلُ أجورِهم من غيْرِ أن ينقصَ من أُجُورِهم شيءٌ". رواه ابن خزيمة والنسائي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
واعلموا -وفقني الله وإياكم لكل خير- أن الله جواد كريم؛ إذا علم صدق نية عبده وحرصه على نفع إخوانه فإنه يرزقه ويفتح له من أبواب الخير والبركة ما لا يخطر له ببال، فأخلصوا النية له -سبحانه-، وأطيعوا أمره تفلحوا وتسعدوا.
أيها الإخوة: ومما يجب التفطن له التزام أمر ولي الأمر بعدم الحج إلا بتصريح، ومن لم تنطبق عليه الشروط فلْيُعِنْ حاجًّا أو يخلفه في أهله؛ فمن فعل ذلك فله مثل أجر الحاج، كما قال رسول الله: "من جهَز غازيًا، أو جهز حاجًّا، أو خلَفَه في أهلِه، أو فطَرَ صائمًا، كان له مثلُ أجورِهم من غيْرِ أن ينقصَ من أُجُورِهم شيءٌ". حديث صحيح.
أيها الأحبة: ومما يجب التنبُّه له الحذر من حملات الحج الموهومة، فكم من مسلم أكلوا ماله ولم يقوموا بما التزموا به له من الحج، تأكدوا واحذروا واطلبوا ما يثبت الإذن لهم ممن لا تعرفون.
ونداء أخير أوجهه لأصحاب الحملات أن يتقوا الله في المتعاقدين معهم، ويلتزموا بما ألزموا أنفسهم به من الشروط، وعليهم أن يهيئوا لهم سبل الحج الموافق للسنة؛ فمعظم من يحج يعاهد نفسه بإحسان الفريضة فتجده يبذل المال الكثير من أجل ذلك، فحري بأهل الحملات أن يكونوا عند حسن ظن إخوانهم بهم.
ومن أضمر في نفسه الحرصَ على أداء ما أوجب الله عليه، ونفع إخوانه المسلمين فإن اللهَ -تعالى- سيعينُه ويوفقُه. قال الله تعالى: (وَالَذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَ اللَهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
أسأل الله تعالى التوفيق والقبول للجميع...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم