اقتباس
ومن واجبنا: إمدادهم بالمساعدات المادية؛ من طعام وشراب وكساء ومستلزمات طبية... ولا نقول إلا كما يقول ربنا -عز وجل-: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ)، ومن شكر نعمة الله -تعالى- علينا في بلادنا المستقرة الآمنة ذات الزروع والثمار والأموال، ألا نبخل بجزء مما آتانا الله على إخواننا المنكوبين في السودان...
إذا تنازع الأقوياء ظُلِم في وسطهم الضعفاء، وإذا تخاون الشركاء رفع الله -تعالى- بركته من بينهم فحل الجدب محل الرخاء، وانتشر الشر والبغي والبغضاء، وهذا ما حدث في السودان؛ تصارع الأشقاء حتى سالت فيما بينهم الدماء! وتزلزلت البلاد هناك؛ طلقات وقذائف ومعارك وأشلاء! وساد هرج ومرج، وتساقط الجميع، ولم يُدرَ أيهم الظالم وأيهم المظلوم!
وتحت هذه السحابة الغبراء، ووسط البكاء والصياح والعويل، برزت آهة طفل صغير، يصرخ في لوعة لم يعهدها الأطفال؛ فأمام عينيه قد سقط أباه مجندلًا في دماه بلا ذنب جناه! وتعالت معها صيحات الأرامل والثكالى اللاتي يدفعن جريرة خطأ لم يرتكبنه.
فهناك الآن تشريد وتقتيل وترويع وتخريب... وفوق ذلك كله: هناك ملايين البطون الجائعة التي لا تجد ما يقيم أجسادها، وملايين المشردين الذين لا يجدون سقفًا يستظلون به غير السماء، ولا فراشًا يأوون إليه غير تراب الشوارع ورمال الصحراء!
هناك الآن مسلمون ملهوفون مكروبون يستغيثون ويستنجدون ويجأرون، فهل من مغيث لهم؟ هل من منجد لإخوانه؟ هل من مفرج لكرباتهم؟ هل من مسارع لإغاثتهم؟ هل من مبتغ للأجر من الله -تعالى-؟
لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة يومًا: "على كل مسلم صدقة"، فقالوا: فإن لم يجد؟ قال: "فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق"، قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: "فيعين ذا الحاجة الملهوف"(متفق عليه).
ومر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات مرة على مجلس الأنصار، فقال: "إن أبيتم إلا أن تجلسوا، فاهدوا السبيل، وردوا السلام، وأغيثوا الملهوف"(رواه الترمذي، وابن حبان واللفظ له، وصححه الألباني)، نعم؛ لقد كررها -صلى الله عليه وسلم-: "إغاثة الملهوف"، وهؤلاء أصحاب حاجات، هؤلاء ملهوفون يتأوهون!
وهم هناك الآن في السودان مكروبون محتاجون، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة"(متفق عليه).
هؤلاء مسلمون أمثالنا يتألمون، وقد أُمرنا أن نتألم لآلامهم، وأن نقف في ظهورهم ونساندهم بجميع ما استطعنا، فعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(متفق عليه، واللفظ لمسلم)، وعن أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" وشبك أصابعه(متفق عليه).
***
ويبقى السؤال الآن: كيف نغيث الملهوفين في السودان؟ وكيف نعمل على تفريج كربهم؟ والإجابة في النقاط التالية:
أولًا: محاولة الإصلاح بينهم: هكذا أمرنا الله -عز وجل- حين قال: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)[الحجرات: 9-10]، فعلى أصحاب القول والأمر والوجاهة أن يسعوا في الصلح ورأب الصدع.
ثانيًا: إمدادهم بالمساعدات المادية: من طعام وشراب وكساء ومستلزمات طبية... ولا نقول إلا كما يقول ربنا -عز وجل-: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ)[محمد: 38]، ومن شكر نعمة الله -تعالى- علينا في بلادنا المستقرة الآمنة ذات الزروع والثمار والأموال، ألا نبخل بجزء مما آتانا الله على إخواننا.
ثالثًا: الدعاء لهم أن يفرج الله كربهم، ويزيل همهم، ويصلح أحوالهم، وأن يولي أمورهم خيارهم، وأن يطعهم جائعهم، ويكسو عريانهم، ويرحم موتاهم، ويحقن دماءهم، ويستر أعراضهم... فدعاؤنا لهم بظهر الغيب -إن شاء الله- مستجاب، فعن أم الدرداء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل"(رواه مسلم).
***
وبقي الآن أن نعتبر، وأن نضع نصب أعيننا الوعد القرآني الرباني الصادق: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7]، ومن يأمن! فلقد كانت السودان إلى عهد قريب يُطلق عليها: "سلة غذاء العالم"؛ لما تحويه من ثروات زراعية وحيوانية ومعدنية... فها هي الآن تستجدي الطعام من أمم الأرض!
وتلك سنة الله -تعالى- في خلقه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112]، فلم يقل القرآن: "كفرت بالله"، بل قال: "كفرت بأنعم الله"؛ نعم، إن كفران النعمة وعدم شكرها يفعل في الأمم ويفعل.
***
ولقد تألم لألم إخواننا في السودان -من جملة من تألم- جميع خطبائنا، فجعلوا ذلك سطورًا سطروها، وخطبًا دبجوها، وهذا بعضها:
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم