والله لأنحين هذا

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2024-10-18 - 1446/04/15 2024-10-30 - 1446/04/27
عناصر الخطبة
1/وقفة تأمل مع قصة الصحابي الذي نحى غصن شجر عن طريق الناس 2/فضل رفع الأذى عن الناس ودفعه عنهم 3/الأنبياء أفضل الخلق رفعا لأذى الخلق وما يضرهم 4/أعظم الأذى وأضره

اقتباس

أَو يؤْذي مُسْتَضْعَفاً لا حِيْلَةَ لَه في دَفْعِ الأَذى عَن نَفْسِه، أَو تَكونَ لَهُ سُلْطَةٌ في وظِيْفَةٍ أَو عَمَلٍ أَو مَكَانٍ، فَيَكُونُ فِيهِ مُتَسَلِّطاً لا يُؤْمَنْ شَرُّهُ، ولا يُسْلَمُ مِن أَذاه، يُصانِعُهُ النَّاسُ بَجَمِيْلِ الأَخلاقِ ليِتَجاوَزُوهُ بِأَمْنٍ، ويُلاطِفُوهُ بأَرَقِّ العِباراتِ لِيَتَخَطَّوهُ بِسَلام، لِيَحْفَظُوا حُقُوقاً لَهْم لا تَضِيْع...

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

أيها المسلمون: في طَرِيْقٍ مِن طُرُقِ المُسْلِمِين العابِرَة، والناسُ فيِهِ ما بَيْنَ غادٍ ورائِحِ، مَرَّ ذاكَ الرَّجُلُ الأَرِيْبُ، ذُو القَلْبِ النَقِيِّ، والخُلُقِ السَّامِيْ، والمَبْدَأ الرَّفِيْعْ.

 

مَرَّ ذاهِباً لِبَعْضِ حَاجَتِهْ، مَاضٍ لِبعضِ مُرادِه؛ فأَبْصَرَ في ناحِيَةِ الطَرِيقِ أَمراً أَساءَه، غُصْنَ شَوكٍ قَدْ تَدَلَّى مِنْ شَجَرَةٍ فاقْتَحَمَ جانِبَ الطَرِيْقِ، فَما يَمُرُ بِجَانِبِ الغُصْنِ عَابِرٌ إِلا تأَذّى، وما يَقْتَرِبُ مِنْه سَائِرٌ إِلا خُدِشْ.

 

وَقَفَ الرَّجُلُ ولَمْ يُكْمِلْ مَسِيْرَه، لَمْ يَتَجاهَلْ ما رَأَى، ولَمْ يَتَغافَلْ ما أَبْصَرْ، وَقَفَ أَمامَ ذاكَ الغُصْنِ فأَقْسَم؛ "واللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ المُسْلِمِيْنَ، لا يُؤْذِيهِم".

 

نَفْسٌ لَيسَ لَها مِنَ الأَنانِيَّةِ وَصْفٌ، ولَيْسَ لَها في اللؤْمِ نَصِيْب، النَّفْعَ والخَيْر، وتُسْدِيْ المعروفَ لِلْغَيْر، تُثْبِتُ الإِحْسَانَ وَتُبْقِيْه، وتَدْفَعُ الضَّرَرَ وتُقْصِيْه.

 

أَوقَفَ الرَّجُلُ مَسِيْرَهُ؛ فَقَامَ يُقاوِمُ الغُصْنَ حَتى أَزاحَه، وبَقِيَ يُعالِجُ الشَّوْكَ حَتَّى نَحَّاه، ثُمّ مَضَى في طَرِيْقِهِ رَاشِدَاً، لَمْ يُعِقْهُ ذاكَ العَمَلُ اليَسِيْرُ عَنْ حاجَتِهِ، ولَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ طَلَبَ مَصْلَحَتِه، مَضَى، وكَأَنَّ شَيْئاً لَمْ يَكُن.

 

مَشْهَدٌ مِنَ الإِحْسَانِ لَمْ نَشْهَدْه، ومَوْقِفٌ مِنَ النُّبْلِ لَمْ نَحْضُرْه، فَمَا كُنَّا لَدَيْهِ إِذ وَقَفَ مَوْقِفَهُ ذاك، وما كُنَّا لَدَيْهِ إِذ فَعَلَ فَعْلَتَهُ تِلْك، ولَكِنْ جَاءَ بالخَبَرِ اليَقِيْن، حَدَّثَنا بِهِ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ -صَلَّى الله عليه وسلم-؛ فَأَخْبَرَنا ما كانَ مِنْ أَمْرِ الرَّجُلِ، وأَخْبَرَنا عَن الحالِ التي رآهُ عليها، رَوَى الإِمامُ مُسْلِمٌ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عليه وسلم-؛ قَال: «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ؛ فقالَ: واللهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ المسلمينَ لَا يُؤْذِيهِمْ، فَأُدْخِلَ الجَنَّةَ»(رواه مسلم) وَفِيْ رِوايَةٍ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجنةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانتْ تُؤْذِي المسلمينَ»(رواه مسلم).

 

مَوقِفٌ عَابِرٌ لِهذا الرَّجُلِ، لا يَبْقَى في الذاكِرَةِ طَوِيْلاً، بَلْ يُطْوى في صَحائِف النِّسيانِ سَرِيْعاً، مَوقِفُ لا يُؤْبَهُ لَه، لَمْ يَدُرْ في خَلَدِ الرَّجُلِ يَوْماً وهُوَ يُكابِدُ في الحياةِ، أَن عَمَلَهُ اليَسِيْرَ ذَاكَ، قَدْ أَوجَبَ اللهُ لَهُ بِهِ الجَنَّة.

 

ولَكِنَّهُ قُوبِلَ بتلكَ البُشْرَى يَومَ قَدِمَ على رَبِّه، و(إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) شَكُورٌ، يَجْزِيْ عَلى العَمَلِ اليَسِيْرِ الثَّوابَ العَظِيْم، فَبِغُصْنِ شَوكٍ أَزاحَهْ عَنِ الطَرِيْق، انْقَلَبَ يَتَقَلَّبُ في جَنَّةٍ عَرْضُها السَّمَاوَاتُ والأَرْض.

 

فأَكْرِمْ بِها مِنْ لَحظَةٍ، تِلْكَ التي يُدْرِكُ العَبدُ فيها من اللهِ رِضاه، أَكْرِمْ بِها مِنْ لَحظَةٍ، تلك التي يُوْدِعُ المرءُ فيها عَمَلاً صالِحاً يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بهِ الرِّفعَةَ والقَبُول.

 

وما يَدْرِي العبدُ أَيُّ عَمَلٍ لَهُ عندَ اللهِ أَبَرّْ، فَذاكَ الرَّجُلُ، غفِرَ لَهُ بِغُصِنِ شَوكِ أَزاحَهُ عَن الطريق، ولَرُبَّما كانَ لَهُ من الأَعمالِ ما يَفوقُ في الجُهدِ، ويَعْلُو في المشَقّةِ، فما بَلَغَ عِندَ اللهِ ما بَلَغَتْ هَذِهِ الحَسَنَةُ، وفِي الحَدِيْثِ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلى اللهُ عليه وسلم-: "لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ"(رواه مسلم).

 

أَزاحَ شَوكاً عَن طَرِيْقِ المُسْلِمِينَ لا يُؤْذِيْهِم، فَوَجَبَتْ لَهُ بِهِ الجَنَّة، فَماذا عَنْ المَرْءِ يَسْتَخفُّ بِحُقُوقِ المُسْلِمِينَ وحُرُماتِهِم، فَيَمْتَدُّ مِنْهُ الأَذى، ويَتَعدَّى منهُ الضَّرَرْ.

 

يُؤْذِيْ المُسْلِمِيْنَ في طُرُقَاتِهِم، وفي أَحْيَائِهِم، وفي مَرَافِقِهِم، وفي أَسْوَاقِهِمْ، يؤْذِيْهِم، وللأَذى صُوَرٌ لا تُحْصَرْ، يَنْشُرُ الأَذى لا يُبالِي، ويَجْتَرِئُ عليهِ لا يَتَحَرَّز، يَسْتَخِفُّ بقَلِيْلِ الأَذى، وقَلِيْلُ الأَذى، في نُفُوسِ الشُّرَفاءِ كَبِيْر، والأَذَى في طُرُقِ المُسْلِمِينَ وفي أَحيائِهِم، وفي مرافِقِهِم وفي مُتَنَزَّهاتِهِم، ذَنْبٌ يُوجِبُ اللَّعْن؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ قَالَ: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ" قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ"(رواه مسلم).

 

مَرافِقُ وطُرُقُ المُسْلِمِينَ، مُشاعَةً بَينَهم، حُقُوقُهُم فيها مُشْتَرَكٌة، جَاءَ التأَكيدُ عَلَى وُجُوبِ حِفْظِ هذهِ الحقوقِ وكَفِّ الأَذى عَنْهَا وَفِيْهَا، قالُوا: وَمَا حَقُّ الطَرِيْقِ يَا رَسُوْلَ اللَّه؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرْ، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمَعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرِ"(متفقٌ عَلَيهِ).

 

أَزاحَ شَوكاً عَنْ طَرِيْقِ المُسْلِمِينَ، فَوَجَبَتْ لَهُ بِهِ الجَنَّة! فَمَا الظَّنُ إِذَن، بِمَنْ أَزاحَ عَن المُسْلِمِينَ ما هُو أَشَرُّ وأَضَرّ؟

 

ما الظَّنُّ بِمَنْ أَزاحَ عَن المُسْلِمِينَ ما يُدَنِّسُ عليهم دِيْنَهُم، أَو يُفْسِدُ عليهم عَقِيدَتَهُم، أَو يُلَوِّثُ عَلَيْهِمْ أَخلاقَهُم.

 

ما الظَّنُّ بَمَنْ أَزاحَ عَنْ المُسْلِمِينَ أَسبابَ الضَّلالِ، ونَحَّى عَنْهُم أَشْواكَ الغِوايَة؟!

 

ما الظَّنُّ بِمَنْ رَكِبَ مَرْكَبَ الطُّهْرِ، وامتَطَى صَهْوَةَ النُّصْحِ؛ فَما أَبْصَرَ في طَرِيقِ الهِدايَةِ عائِقاً إِلا أَزاحَه، ولا عَقَبَةً إِلا ذَلَّلَها، ولا شُبْهَةً إِلا كِشَفَها، ولا فِتْنَةً إِلا حَذَّرَ مِنْها، فِي طَرِيقِ الهِدايَةِ قائِمٌ يَبْذُلُ نُصْحاً، يَدعو إِلى اللهِ مَنْ ضَلَّ، ويُعِيْنُ مَنْ ضَعُف، ويُرْشِدُ مَنْ تَاه، ويَعِظُ مَنْ أَعْرَض، في طَرِيقِ الهِدَايَةِ قائِمٌ، يَحْمِيْ جَنابَ الطَرِيقِ أَنْ يُعْبَث فِيهِ، يُزِيْلُ عَنْهُ الشَّوائِبَ، ويَنْفِيْ عَنهُ العَوائِقَ، ويَبْعِدُ عَنْهُ الأَذى، لِيَبْقَى الطَرِيْقُ إِلى اللهِ سَالِكاً لا صَوارِفَ فِيه، وسَهْلاً لا تَعَثُّرَ فِيه.

 

أَزاحَ شَوكاً عَنْ طَرِيْقِ المُسْلِمِينَ، فَوَجَبَتْ لَهُ بِهِ الجَنَّة! فما الظَّنُّ إِذَنْ، بِمَنْ أَزاحَ عَنْ المُسْلِمِينَ ظُلْمَةِ جَهْلٍ، وأَخْمَدَ عَنْهُم نَارَ فِتْنَةٍ، وشَيَّدَ لَهُم حُصُونَ وِقَايَة.

 

وَأَعظَمُ مَنْ سَعَى في إِماطَةِ الأَذى، هُمُ الأَنْبِياءُ والمرْسَلُون، أَماطُوا الأَذى عَن دِينِ الناسِ وعَنْ دُنْياهُم، أَماطُوا عَنْهُم أَذى الشِّرْكِ وأَبْعَدُوه، وأَزاحُوا عَنْهُم أّذى الفَسادِ وحَارَبُوه، رَسَمُوا للأُمَمِ مَنْهَج الطُّهر، وأَبانُوا لَهم طَرِيْقَ النَّقاءَ، بِالوَحِيِّ المُنَزَّلِ يَعْمَلُون؛ (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

 

باركَ اللهُ لي ولكم،

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين؛ أَما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون،

 

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: أَذَىً يُزَالُ عَنِ المُسْلِمِين، عَمَلٌ يَرْضَى بِهِ اللهُ عَنْ صاحِبِه، وصَدَقَةٌ يُثابُ المُؤْمِنُ عليها؛ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»(رواه البخاري ومسلم)، وكَما أَن إِماطَةُ الأَذى عَن الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، فإِنَّ إِحداثَ الأَذى فيهِ خَطِيْئِة.

 

والأَذى أَنواعٌ لا حَصْرَ لَها، وكُلَّما كَان الأَذى أَعظَمْ، كانَ جُرْمُ صاحِبِهِ عِندَ اللهِ أَكْبَر؛ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).

 

وأَعظَمُ ما يَصابُ بِهِ المرءُ، أَنْ يكَونُ هُوَ مَصْدَراً مِنْ مَصادِرِ الأَذى وهُوَ لا يَعْلَم، فَيؤْذي جاراً، أَو عابِراً، أَو قَرِيْباً، أَو يؤْذي مُسْتَضْعَفاً لا حِيْلَةَ لَه في دَفْعِ الأَذى عَن نَفْسِه، أَو تَكونَ لَهُ سُلْطَةٌ في وظِيْفَةٍ أَو عَمَلٍ أَو مَكَانٍ، فَيَكُونُ فِيهِ مُتَسَلِّطاً لا يُؤْمَنْ شَرُّهُ، ولا يُسْلَمُ مِن أَذاه، يُصانِعُهُ النَّاسُ بَجَمِيْلِ الأَخلاقِ ليِتَجاوَزُوهُ بِأَمْنٍ، ويُلاطِفُوهُ بأَرَقِّ العِباراتِ لِيَتَخَطَّوهُ بِسَلام، لِيَحْفَظُوا حُقُوقاً لَهْم لا تَضِيْع، ومَصالِحَ لَهُم لا تُبْخَس، يُصَانِعُونَهُ، عَلَّ أَذاهُ يُصْرَفُ عَنْهم، وبِئسَ الرَّجُلُ، مَن كانَ الأَذى لَهُ خُلُقُ، أَخْبَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلى الله عليه وسلم- عَن سُوءٍ مآلِهِ يَومَ القِيامِةِ: "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ"(رواه البخاري).

 

وحِينَ سَأَلَ أَبو ذَرٍّ -رضي الله عنه- رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ عَنْ أَبوابِ الخَيْرِ وأَنْفَعِها، قَالَ لَه: "تُعِيْنُ صَانِعاً أوْ تَصْنَعُ لأخْرَقَ" قالَ أَبو ذَرٍّ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّه: أرَأيتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعملِ؟ قَالَ: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَن النَّاسِ فَإِنَّها صدقةٌ مِنْكَ عَلَى نَفسِكَ"(متفقٌ عليه).

 

وحِيْنَما يَكُونُ المرءُ بَصِيْراً بالأَذى يَصْدُرُ مِن غَيْرِه، أَعْمَى عَن الأَذى يَصْدُرُ مِنْه، فإِنَّما تِلْكَ أَمارَةُ شُؤْمٍ، وعلامَةُ خُذْلان؛ لِيَبْقَى عَلى خُلُقِ السُّوءِ لا يَبْرَح، حَتَىَّ يَنْقَلِبَ يَومَ مَعادِهِ أَسْوَأَ مُنْقَلَبْ؛ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: مرُّوا بجنَازَةٍ فَأَثْنَوا عَلَيْهَا خَيرًا؛ فَقَالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: وَجَبَتْ، ثُمَّ مرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوا عَلَيْهَا شَرًّا؛ فَقَال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: وَجبَتْ، فَقَال عُمرُ بنُ الخَطَّاب -رضي الله عنه- ما وَجَبَتْ؟ قَالَ: "هَذَا أَثْنَيتُمْ علَيْهِ خَيرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وهَذَا أَثْنَيتُم عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أنتُم شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرضِ"(متفقٌ عَلَيْهِ).

 

اللهم أَحيِنا طَيِّبين وأَمتنا طَيبين، واحشُرنا في زَمر الطَّيبين

 

 

المرفقات

والله لأنحين هذا.doc

والله لأنحين هذا.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات