همسات في الإجازات

عبدالرحمن بن علي العمري

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ ضرورة تثمين نجاح أبنائنا وتشجيعهم 2/ اغتنام الإجازات في حفظ القرآن وتعلم العلم وتفعيل المهارات 3/ مخالفات في الإجازات 4/ التخطيط لاستثمار الإجازة

اقتباس

ها هي الإجازة قد فتحت أبوابها لطلابها، فيا ترى؛ ماذا سنصنعُ فيها؟! الموظفون والموظفات، الطلاب والطالبات، الكل يعيش في كلِّ عامٍ هذا الموسم، موسم الإجازات؛ فراغ يتكرر، سياحة وترفيه، رحلات وتنزهات. وحول الإجازة أهمس لكم -يا أحبتي- همسات...

 

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي جعل الحياة فرصةً للمزيد من التقدم والنجاح في أبواب الخيرات، أحمدك يا رب على نعمك الظاهرة والباطنة.

وأصلي وأسلم على رسولنا القائل: "اغتنم خمساً قبل خمس"، (ومنها): "وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" صحيح الترغيب.

أما بعد: ها هي الإجازة قد فتحت أبوابها لطلابها، فيا ترى؛ ماذا سنصنعُ فيها؟!.

الموظفون والموظفات، الطلاب والطالبات، الكل يعيش في كلِ عامٍ هذا الموسم، موسم الإجازات؛ فراغ يتكرر، سياحة وترفيه، رحلات وتنزهات.

 

وحول الإجازة أهمس لكم -يا أحبتي- همسات:

الهمسة الأولى: لقد مضى موسم الدراسة على كثير من أولادنا وبناتنا، ومنهم من نجح وتفوق وتميز، فهذا يستحق منا أن نحتفل معه في مناسبة جميلة لنشكره على جهده وبذله، ولا يصح أن نهملَ تلك المناسبة، إن هذا الشكر لهم يثمر فيهم الرغبة في النجاحِ دوماً وأبداً.

فيا أيها الأب، امنح ولدك وابنتك هدية ومكافأة لنجاحهم، وتأكد أن هذه الهدية تغرس فيهم الحب لك، والعشق للنجاح في المستقبل.

الهمسة الثانية: الإجازة موسم لدورات القرآن التي تقام في بيوت الرحمن، فيا فوز من لزم تلك الحلق وتلك المجالس! وفي الحديث الصحيح: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري.

فما أجمل أن يلتحق بها الشباب لحفظ بعض سورِ القرآن! وما أجمل أن يلتحق بها بعض الكبار ليصححوا قراءتهم! إذ ربما كان فيها بعض الخلل.

وأما صغارنا فهم الغرس الذي يجب علينا أن نعتني به من خلال تحفيزهم لتلك الحلقات.

أيها الأب, اغرس في أولادك محبة القرآن ليعتكفوا عليه في هذه الأيام لتستنير قلوبهم، لتطمئن أرواحهم: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

 
الهمسة الثالثة: الإجازة موسم للازدياد من العلم النافع عبر القراءة والاطلاع والسماع، أو حضور الدورات العلمية التي تحتضنها المساجد، وهذه الدورات العلمية من النعم الجليلة في بلادنا بحمد الله، حيث يلتقي أهل العلم بالطلاب في تلك الدروس العلمية النافعة لينهلوا من تراث الأنبياء؛ وفي الحديث الصحيح: "إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" صحيح الجامع.

فيا أيها الشباب، بادروا وتعلموا العلم النافع.

 

العلم يرفع بيتاً لا عماد له *** والجهلُ يهدمُ بيت العز والشرف

الله الله في علو الهمة في طلب العلم! والاعتكاف في مجالس العلم والقراءة والحفظ، وملازمة العلماء!.

الهمسة الرابعة: مخالفات في الإجازات: في الإجازة يكثر السهر، ويفوت الخير على كثير من الناس، يفوت الوتر الذي يحبه الله، تفوت صلاة الفجر غالباً لطول السهر، ينام البعض إلى الظهر؛ بل ربما نام للعصر فتفوته الصلوات؛ وهنا يقع الغضب الرباني على تاركي الصلوات والمفرطين فيها: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون:4-5]، وفي الحديث الصحيح: "من ترك صلاة العصر حبط عمله" رواه البخاري.

 

قال صاحبي: لي زملاء يأتون من الدوام فينامون من بعد الغداء حتى الساعة الواحدة ليلاً، فلا صلوات، ولا ذكر لله. ما أعجب حياة هؤلاء! أما يخافون من يوم يقفون فيه بين يدي الله ويسألهم؟ وفي الحديث الصحيح: "أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة صلاته" صحيح الترغيب.

في الإجازات يكون كسل لدى بعض البنات عن خدمة أمهاتهن والعناية بالبيت، والتدريب على الطبخ، وإعداد النفس لمسؤولية رعاية بيت المستقبل، ويكون الغالب على وقت تلكم الفتيات هو السهر حتى ساعات متأخرة من الليل، وفي النهار النوم لساعاتٍ طويلة.

 

وكان الأولى بالأمهات تربية البنات في الإجازات على بعض المهارات التي تنفع البنات في مستقبل حياتهن.

 

الهمسة الخامسة: أيها الكرام: إن الفراغ سببٌ لكثيرٍ من الجرائم والعيوب، تلك الفتاة ربما وقعت في شباك المعاكسات بسبب الفراغ، والشاب ربما سقط في وحلِ الشهوات والمخدرات نتيجة الفراغ.

الفراغ يقود لمتابعة المحرمات، والسهر على المنكرات، وتفويت الصلوات؛ الفراغ يدعو أصدقاء السوء لانتهاز الفرصة في إيقاع الشباب في المتاهات.

أيها الفضلاء: لماذا لا نملأ الفراغ ببرامج وفعاليات تأخذنا للنجاح والإبداع في سائر أهدافنا ومطالبنا؟.

الهمسة السادسة: إن من الخطأ أن نترك أولادنا الصغار يقضون الساعات أمام قنوات الأطفال أو أمام شاشات "البلاي ستيشن" أو "الآيباد"، إن هذا يحرمهم من تفعيل الطاقات في الحفظ والقراءة وبقية المهارات العلمية والعملية.

إن أولادنا لديهم القدرة على تنفيذ عدة مهارات؛ فلنفعِّلها ونعتني بها، هناك دورات لتحفيظ القرآن للصغار، دورات للسباحة، دورات لبعض الألعاب المباحة لتطوير مهارة الإلقاء والتفكير، دورات للخط والكتابة والقراءة وغيرها من الأمور التي هي خير من تلك القنوات والألعاب الإلكترونية.

إن تعليم الأولاد حرفة معينة في الإجازة له فوائد، منها: الاستفادة منها كمصدر رزق في المستقبل، والتعامل مع الأمور بشكل عملي مما يوسع أفق الطالب ويبعده عن التنظير، والابتعاد عن الكسل، وتكسبه معارف جيدة، وتمنحه صداقات جديدة.

وما يقال للشباب يقال للفتيات من حيث ضرورة تعليمهن التدبير المنزلي السليم، وكيفية تربية الأولاد, وكيفية إضفاء لمسات الجمال على البيت.

الهمسة السابعة: إن من الملاحظات إهمال بعض الأمهات لبيوتهن بكثرة الخروج للأسواق والمنتزهات، فيكون الإهمال واضحاً في ترك العناية بنظافة البيت وضعف الخدمة للزوج ولضيوفه، والاعتدال مطلب مهم، فهناك أوقات للنزهة، وأوقات للبيت وخدمة الأسرة.

الهمسة الثامنة: أيها الفضلاء، إن مما يلاحظ على بعض الرجال ترك زوجته في السوق أو المنتزهات لساعاتٍ طويلة، وهذا يتكررُ كثيراً، وفيه خطرٌ على الأولاد، حيث إن الأم قد تجلس مع صديقاتها في ذلك السوق أو تلك الحديقة وتهمل الرقابة على بناتها الصغار وتتركهن لوحدهن يلعبن، وربما وقع عليهن سلوكٌ سيء من بعض الشباب أو العمال المتواجدين في ذلك المكان.

وإخواننا في المحاكم وفي التحقيق يخبروننا بقصصِ خطفٍ للفتيات وممارسات أستحي من ذكرها تتعرض الفتياتُ لها من بعض الرجال في غفلةٍ من الوالدين؛ والسعيد من وعظ بغيره؛ اعتبر بالقصص واحذر! فقد تكون أنت قصةً تروى!.

الهمسة التاسعة: إن بعض الآباء كان ذا رقابةٍ على ولده في تلك الامتحانات لكي يتفوق في دراسته ويتميز، ولكن؛ لما بدأت الإجازة إذا بصاحبنا يغفل عن مراقبة أولاده وتوجيههم وتربيتهم على مكارمِ الأخلاق والبعد عن الذنوب، فلا مانع لديه من أن يسهر ابنه في أي مكان ومع من شاء، ولا يهمه هل صلى ابنه في المسجد أم لا، ولاشك أن هذا خلل كبير.

الهمسة العاشرة: أيها المحب، في الإجازة اجعل لك أهدافاً لتحققها؛ أهدافاً دينية مثل أن تحفظ شيئا من القرآن، أو تذهب لأداء العمرة، وأهدافاً اجتماعية مثل زيارة الوالدين أو صلة الرحم، وأهدافاً تعليمية مثل قراءة كتب معينة، حضور دورات لبعض العلماء، حضور دورات تدريبية لتنمية مهارات معينة كالقيادة والنجاح والتفكير والتجارة، وأهدافاً أسرية مثل السفر مع الأسرة.

وكل هذه الأهداف تحتاج إلى تخطيط وترتيب لكي نحققها على أحسن وجه.

اللهم وفقنا لقضاء الساعات في الخيرات والطاعات.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله...

الهمسة الحادية عشرة: إن المتأمل في حياة بعض الناس يجد أنهم يجعلون إجازتهم موسماً لمتابعة القنوات المحرمة، يتقلبون بين آثامها وصورها، وهذا قد غفل عن خطر تلك البرامج والمسلسلات التي في الغالب تسهل المنكرات وتخدش الحياء وتجلب السخط الرباني؛ عشق وغرام، وحب وغناء. ويا ترى؛ كيف تكون النتائج؟ إثارة للشهوات، وتحريك للنزوات المحرمة مما يقوي دوافع فعل المعاصي والكبائر.

وكم من شاب كان بعيداً عن تلك الممارسات ولكنه لما لازم تلك القنوات سهُلت عليه الموبقات! وكم من فتاةٍ نشأت على الحياء والعفاف ولكن تم هدم تلك المعاني لما بدأت تشاهد تلك المشاهدات!.

ونقول لمن يسهر ويتابع تلك المحرمات: تذكر رقابة الله عليك: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) [آل عمران:5]، تذكر تسجيل الملائكة لأعمالك، تذكر شهادة الجوارح عليك.

أخي، ماذا لو فاجأك الموت وأنت تتابع تلك المحرمات؟ (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) [المؤمنون:99-100].

 

ماذا تقول لربك إذا وقفت بين يديه وسألك؟ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات:24]، (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر:92].

 

اللهم اجعل أيامنا مليئةً بالسعادة والسرور، وافتح لنا فيها أبواب التوفيق والتيسير، اللهم احفظ علينا نعمة الأمن والإيمان، واجعلنا لك شاكرين ذاكرين مخبتين منيبين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واشف مريضنا، وارحم موتانا.

 

اللهم ارحمنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض.

 

 

 

 

 

المرفقات

في الإجازات

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات