عناصر الخطبة
1/فضل عشر ذي الحجة 2/ اغتنام السلف لها 3/ أفضل الأعمال فيها 4/ من آداب الأضحيةاقتباس
تأملوا معي فضل العمل الصالح في هذه الأيام! لقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من العمل الصالح فيما سواها وأزكى عند الله، وأعظم أجراً، ثم استثنت الأحاديثُ رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مجاهدا في سبيل الله فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
أين نحن من هذا العرضِ الرباني الضخم، والعطاءِ الإلَهي الجزل، هل فكرنا فيه وتأملناه، هل خططنا لاغتنامه واهتبلناه، أقول: إن شاء الله.
الحمد لله ذِي الفضلِ والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الملِك العلاّم، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبدُه ورسولُه سيّدُ الأنام، اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقبتِ الليالي والأيام.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
أيها الأحبة: جلست متأملاً لمجموعةِ ألفاظ حديثٍ طالما سمعناها، إنه حديث فضل عشر ذي الحجة.
فعن ابنِ عبّاسٍ -رضي الله عنهما- عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "ما مِن أيّامٍ العملُ الصّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ من هذهِ الأيامِ"، يعني أيّامَ العشر، قالوا: يا رسولَ الله، ولا الجهادُ في سبيلِ الله؟! قال: "ولا الجهادُ في سبيل الله، إلاّ رجلٌ خرج بنفسِه ومالِه ثمّ لم يرجِع من ذلك بشيء" رواه البخاري.
وعن جابر -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أفضلُ أيّامِ الدّنيا العشرُ"، يعني عشرَ ذي الحجّة، قيل: ولا مثلُهن في سبيل الله؟ قال: "ولا مثلهن في سبيل الله، إلا رجلٌ عَفَرَ وجهَهُ بالتراب" رواه البزّار في مسنده بسند حسن.
وعند البيهقيّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللهِ وَلا أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي الْعَشْرِ الأَضْحَى" قِيلَ: وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ".
أيها الإخوة: تأملوا معي فضل العمل الصالح في هذه الأيام! لقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من العمل الصالح فيما سواها وأزكى عند الله، وأعظم أجراً، ثم استثنت الأحاديثُ رَجُلاً خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مجاهدا في سبيل الله فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ.
أين نحن من هذا العرضِ الرباني الضخم، والعطاءِ الإلَهي الجزل، هل فكرنا فيه وتأملناه، هل خططنا لاغتنامه واهتبلناه، أقول: إن شاء الله.
أيها الإخوة: انظروا كيف ينظر سلف الأمة لهذه الفرصة، وما عملهم فيها؟ لقد كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -رحمه الله- إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وُروي عنه -رحمه الله- أنه كان يقول: لا تُطفئوا سُرجَكم ليالَي العشر، يشير إلى قيام الليل.
وقال مجاهدٌ -رحمه الله-: العمل في العشر يضاعف. وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: دل هذا الحديثُ على أن العملَ في أيامِه أحبُ إلى الله من العملِ في أيامِ الدنيا من غيرِ استثناءِ شيءٍ منها، وإذا كان العمل أحبَ إلى الله فهو أفضلُ عنده. وقال: جميعُ الأعمالِ الصالحةِ مضاعفةٌ في العشر من غيرِ استثناءِ شيءٍ منها، وقال: إن العملَ في هذه الأيامِ العشرِ أفضلُ من العملِ في أيامِ عشرٍ غيرِها، وقال: ويستثنى جهادًا واحدًا هو أفضلُ الجهادِ، وهو أن يُعقرَ جوادُه ويُهراقَ دمُه. اهـ.
ـ
وقال ابن حجر: "والذي يظهَرُ أنّ السببَ في امتياز عشر ذي الحجة بهذه الامتيازاتِ لِمَكان اجتماع أمّهات العبادةِ فيها، وهي الصّلاةُ والصّيامُ والصّدقةُ والحجُّ وغيرُها، ولا يتأتّى ذلك في غيرِها". اهـ.
أيها الإخوة: أعظم عمل في أيّامِ العشر: الحجّ، ومن لم يتيسر له الحج وجهز حاجا أو خلفه في أهله فله مثل أجره، رواه ابن خزيمة وصححه الألباني.
معاشرَ الإخوة: وهذه الأيّامُ الفاضلةُ يُشرعُ صومُها، ويتأكّدُ فضلُه فيها، فعَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ. رواه النسائي وصححه الألباني.
قال النوويّ: عن صيامِ هذه التسعة: إنه مستحبٌّ استحبابًا شديدًا، ومن لم يصم العشر فلا يغلبنَّ على صيام ثلاثة أيام منه، ومن غلب فلا يغلبنَّ على صيام يوم عرفة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" رواه مسلم.
أيها الإخوة: من خصائِص هذه العشر فضيلةُ الإكثار فيها من الذكر من التهليل والتكبيرِ والتحميد، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ" رواه أحمد و إسناده صحيح.
الذكر الذي قال عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه خيرُ الأعمالِ وأزكاها عند مليكنا سبحانه، وأرفعُها في درجاتِنا وخيرٌ لنا من إنفاقِ الذهبِ والفضةِ وخيرٌ لنا من أن نلقى عدونا فنضربُ أعناقَهم ويضربوا أعناقَنا، وهو أيسر الأعمال على من وفقه الله تعالى.
وقال البخاريُّ في صحيحه: كان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ -رضي الله عنهما- يخرجان إلى السّوقِ في أيّامِ العشرِ يكبِّران، ويكبِّرُ الناسُ بتكبيرهما.
وعن يزيدَ بنِ أبي زياد قال: "رأيت فقهاء الناس يقولون في أيام العشرِ: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
وعن ميمون بن مهران قال: أدركت الناسَ وإنهم ليكبرون في العشرِ حتى كُنْت أشبهُهُ بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبيرَ.
وقال ابن القيم: "يستحب في العشر الإكثار من التكبير والتهليل والتحميد".
أيّها الإخوة: المغبونُ من انصرَف عن طاعة الله، لاسيّما في هذه الأيام، والمحروم من حُرم رحمةَ الله -جلّ وعلا-، والمأسوفُ عليه من فاتت عليه هذه الفُرَص وفرَّط في هذا الفضل، فيا ويحَ مَن أمضى هذه الأيام في سيِّئ الأخلاق وقطعَها في المعاصي والآثام! ويا خسارةَ مَن دعَته دواعي الخير فأعرض عنها!.
ألا فاغتنِموا -رحمكم الله- هذه الأيامَ بالاجتهاد في العبادةِ بشتّى أنواعِها، والأعمالِ الصالحةِ بمختلف صُوَرِها، من الصلاةِ والصيام وحضور الجنائز والقراءةِ والذكرِ والدعاءِ والصدقةِ والإنفاقِ في سُبلِ الخيرِ وإعانة الحجاج بالمال، أو أن يخلفهم في أهلهم، والشفقةِ على الضعفاءِ ورحمةِ الفقراء، وبرِ الوالدين وصلةِ الأرحام، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر والدعوةِ إلى الله، وغيرِ ذلك من طرقِ الخيرِ وسبلِ الطاعة.
فنبيُّكم -صلى الله عليه وسلم- يروي عن ربِّه -عز وجل- قولَه: "يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ" رواه مسلم.
وينبغي للمسلم في هذه الأيام أن يعتني بتجديد التوبة النصوح، فلها في هذه الأيام شأنٌ عظيم، وأجرُها مضاعفٌ، وإذا اجتمع للمسلم توبةٌ نصوحٌ مع أعمالٍ فاضلة، في أزمنةٍ فاضلة، فهذا عنوان الفلاح، قال الله تعالى: (فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) [القصص:67].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
أيّها الإخوة: اعلموا أن مِن أعظمِ القُرُبات التي يتقرَّبُ بها المسلمون إلى ربِّهم في خِتام هذه الأيام الأضاحي، وذبح الأضاحي شعيرةٌ من شعائر الإسلام، مقصودُها الأعظمُ التقربُ إلى اللهِ تعالى بالذبح، وليس المقصودُ منها الصدقةَ بلحمها على الفقراء فقط، لكنه من بعض ما يقصد منها.
ولذلك قال الله تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الحج:37]، قال الشيخ السعدي وقوله: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا) أي: ليس المقصودُ منها ذبحَها فقط، ولا ينالُ اللهَ من لحومِها ولا دمائِها شيءٌ، لكونه الغنيَّ الحميد، وإنما ينالُه الإخلاصُ فيها، والاحتسابُ، والنيةُ الصالحةُ.
ولهذا قال: (وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)، ففي هذا حثٌ وترغيبٌ على الإخلاص في النحر، وأن يكون القصدُ وجهَ الله وحدَه، لا فخراً، ولا رياءً، ولا سمعةً، ولا مجرَّد عادةٍ، وهكذا سائر العبادات، إن لم يقترنْ بها الإخلاصُ وتقوى الله، كانتْ كالقشورِ الذي لا لبَّ فيه، والجسدِ الذي لا روح فيه.
(كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ) أي: تعظموه وتجلُّوه، (عَلَى مَا هَدَاكُمْ) أي: مقابلةٌ لهدايته إيَّاكم، فإنَّه يستحقُّ أكملَ الثناءِ وأجلَّ الحمدِ، وأعلى التعظيمِ.
(وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) أي بعبادة الله، والمحسنين لعباد الله، بجميع وجوه الإحسان، فالمحسنون لهم البشارةُ من الله، بسعادة الدنيا والآخرة وسيحسنُ الله إليهم، كما أحسنوا في عبادته ولعباده، هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ؟. اهـ.
ـ
أيها الأحبة: الإنفاق في شراء الأضاحي من أفضل الإنفاق، وهو من شكر الله الذي تفضل علينا بالهداية ووفقنا للطاعة ورزقنا من المال ما سهل به علينا هذه الطاعة، فلنقدم الأفضل ولو كان غالياً ونحن فرحون متهللون بالتوفيق لذلك، وندعو الله بقبولِ العملِ والثوابِ عليه، وأن نحذر كل الحذر من التأوه من غلاء الأضاحي في مجالسنا فنحن نقدم الأضاحي تقرباً لله فلا نُتْبِع ما ننفقه بالمن والأذى حتى لا نُحبط أعملنا، ولو أن ضيفاً [لفانا] لاستحسنا له ذبيحة الوليمة، وكان من الصفاقة وقلة المروءة القول للضيف: والله الذبائح غالية هذه الأيام! انظر هذه الذبيحة ماذا نفعل اشتريناه بكذا وكذا من أجلك! ما موقف الضيف وبماذا سيصف المضيف!؟ أدع الجواب لكم!.
قال الله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 262]. المن قيل: استعظام ما أعطاه وافتخاره به، والأذى قيل: أن يخبر بإحسانه إلى الفقير وهذا ليس من عمل المخلصين في الصدقة.
أحبتي: لنحذر جميعاً هذا التصرف لما فيه من خطر عظيم على إحباط العمل،
ولا حرج بشراء أضحية خارج البلاد، فقد أفتى بذلك الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، لكن على من فعل ذلك تحري الجهات الرسمية الموثوقة وهي كثيرة ولله الحمد، خصوصاً إذا كان في البيت الواحد عدداً من الأضاحي.
وصلوا على نبيكم ...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم