هدى وشفاء

د عبدالعزيز التويجري

2024-10-18 - 1446/04/15 2024-10-31 - 1446/04/28
عناصر الخطبة
1/دور الأخلاق العالية في بناء المجتمعات 2/الصراع بين الحق والباطل والتدافع بين الهدى والضلال 3/فضل أهل القرآن ومنزلتهم 4/القرآن نور وهداية 5/من فضائل القرآن.

اقتباس

كما أن في المجتمع والأمة أناسًا يهشّون للمنكر، ويودون لو نبت الجيل في حمأته، ومنهم مَن انغمس فيه حتى الثمالة، وأصبح كالكوزِ مجخياً لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه؛ فإن في...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا رب غيره ولا إله سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله ربكم واشكروا له؛ (ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطلاق: 5].

 

 إذا هبطت أخلاقنا ساء حالنا *** وإن كرمت أخلاقنا لم تخف بأْسا

 هل الغيثُ يعطي ثروةَ الزرعِ وحدَهُ *** إذا الأرضُ لم تصلُح لأن تحضِنَ الغَرْسا

 

المجتمعات لا تعلو -بعد إذن الله- إلا بضمانات الأخلاق العالية في سير الرجال، ورسالاتُ الأنبياء جاءت بعد توحيد الله لإتمام الأخلاق والفضائل؛ "إنما بُعثت لأُتمم صالح الأخلاق".

 

قضت سنة الله -عز وجل- في هذه الدنيا أن يتصارع الحق والباطل، ويتدافع الهدى والضلال، ويتنازع الصلاح والفساد، وفي كتاب ربنا؛ (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[البقرة: 251].

 

فكما أن في المجتمع والأمة أناسًا يهشون للمنكر، ويودون لو نبت الجيل في حمأته، ومنهم مَن انغمس فيه حتى الثمالة، وأصبح كالكوزِ مجخياً لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه؛ فإن في المجتمعِ قلوباً بيضاءَ مثل الصفا لا يغريها بالباطل بريق إعلام، ولا يصدها عن الحق قولُ فتان.

 

قلوبُ زكاها القرآنُ ونشَّأتها أسرٌ وبيوت فاضلةٌ راقية، خَلْفها أبوان كريمان يرعونها حق رعايتها، تربيةً على الصلاة والفضائل، وحجزاً عن المنكرات والرذائل. ومحاضن ودور لتحفيظ القرآن تسقي هذا الغرس وتنميه، حتى آتت أكلها ضعفين، فتفيء المجتمع والأمة بآثاره، واستظل بوافر ظلاله في ليلة غراء زفت للأُمة عشرات الحفاظ.

 

فللَّه يَومٌ ضَمّ فيه أئمةً *** تَدَفَّقَ منهم آي القرآن بُحورُ

 وشمسُ المَعالي مِنْ كِتابٍ وسُنَّةٍ *** على الناسِ من لفظِ الكلامِ تُديرُ

 قَرَأْنا بها القرآنَ غيرَ مُبـَدَّلٍ *** فغارتْ أناجيلٌ وغارَ زبورُ

 ومن حيثما وجَّهْتَ وجهكَ نحوهم *** تلقتكَ منهم نضرةٌ وسرورُ

 

المسلمون هم أهل القرآن، والقرآن روحٌ من أمر الله، يُحيي رميم الأمم والهمم، ونورٌ يهدي إلى السبيل الأقوم؛ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشورى: 52].

 

لقد قاد القرآن العزيز خُطَى هذه الأمة فجعلها خير أُمةٍ أخرجت إلى الناس، وجعلها الشاهدة على الأمم، والأمينة على القِيَم، فاستنقذت البشرية بإذن ربها من الشرك والظُلَم والطغيان؛ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[البقرة: 143].

 

 يقود القرآن بأهله إلى الصلاح والإصلاح، والإبصارِ والبصيرة؛ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آل عمران: 110].

 

ولا يزال هذا الكتاب غضاً طرياً كما نَزَل، يبعث في النفوس روح الحياة كلما خبت جذوتُها، أو ضعفت همَّتها.

 

القرآن يحيي الأمة ولو كانت مستضعفة، ويقوّمها ولو كانت لا تقوى على المواجهة.

 

القرآن يعز النفوس ويوقظ الضمائر؛ عزةً يستعلي بها المرء على كل أسباب الذلة والانحناء لغير الله؛ (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[المائدة: 54]، (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)[الأنفال: 4].

 

عزةً لا ترضى أن تُعطي الدنية في دينها ومبادئها، ولا ترضى أن تنظر للآخرين باستجداءٍ أو استخذاء.

 

هذا القرآن العظيم الذي نفتخر ونعتز ونحتفل بأهله وحفاظه ورواده.. هو الذي يُعلمنا ويُربينا على أن المصائب والمصاعب والابتلاءات والمِحَن هي طريق الوحدة والقوة، وهي طريق النصر والفرج؛ (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 140- 141] (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)[الشرح: 5- 6].

 

القرآن يربّي على قيمة الإنسان فيما يحمل، وسموه في اهتماماته وأهدافه، ورقيه في عطائه ونفعه؛ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)[الزخرف: 44]؛ أَي شرف لمن اتبعه، وعمل بما جاءَ به.

 

هذا القرآن الذي نعتز به وبحفظته هو الذي يُعلّمنا ويربينا على أن النفوس لا تنحط قيمتها ولا تسقط في هاوية الذلة، إلا إذا ضعفت قوامةُ رجالها، وانساقت خلف كل دَعِي وناعق نسائها، لا يرجون لدفع مُلمة، ولا يؤمل فيهم للنهوض بهمة؛ (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا)[الأعراف: 197].

 

إِذَا كُنْتَ لَا تُرْجَى لِدَفْعِ مَلَمَّةٍ *** ولم يَكُ لِلمَعْرُوْفِ عِنْدَكَ مَطْمَعُ

وَلَا أَنْتَ مِمَّنْ يُسْتَعَانُ بِجَاهِهِ *** وَلَا أَنْتَ يَوْمَ الحَشْرِ مِمَّنْ تُشَفَّعُ

فَعَيْشُكَ فِي الدُّنْيَا وَمَوْتُكَ وَاحِدٌ *** وَعُودُ خِلَالٍ مِنْكَ من وصالك أَنْفَعُ

 

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه...

 

وبعد: فالقرآن كما أنه هدًى ورحمة للمؤمنين، فهو شفاء لما في الصدور، شفاء من الحسد والغلّ للمؤمنين، وشفاء من الأهواء وأمراض الشهوات؛ (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[الأنبياء: 18].

 

وهو شفاء لأمراض الأبدان؛ فقد لدغَت عقربٌ رجلاً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقُرئَ عليه سورةُ الفاتحة فبرأَ (أخرجه البخاري).

 

 ولا يمانع أخذ الجرعات الوقائية -بإذن الله- في التطعيمات الموسمية، والأدوية الصحية، ولا ينافي التوكل على الله، فهي سبب في الشفاء بإذن الله؛ "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ".

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 57].

 

اللهم أخلص نياتنا، وأصلح قلوبنا وأعمالنا وذرياتنا، وهب لنا من لدنك رحمة؛ إنك أنت الوهاب.

 

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد.......

 

الهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ......

 

 

المرفقات

هدى وشفاء.doc

هدى وشفاء.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات