اقتباس
أرشدوهن إلى كل معروف فعلموهن الدين، وحفظوهن كتاب الله المبين، واسلكوا بهن طريق الأخلاق الطيبة والأعمال الصالحة وحذروهن من الشر أن يقترفنه، ومن الإثم أن يخالطنه، ومن دور اللهو والخلاعة أن يذهبن إليها، ويدنسن نفوسهن بما...
عرفنا أن مادة الخطبة موضوع متخير وتفكير فيه يوضح المنافع أو يبين المضار، وآيات بينة وأحاديث صادقة تلائم الموضوع. أما تخير الموضوع والتفكير فيه فأساسه حكمة العقل، وسلامة الذوق، وأما الآيات فدونك كتاب الله فيه الغنية إن كنت له قارئا، ولآياته متدبرا، وأما الأحاديث فلا يميز صحيحها من عليلها إلا الناقد البصير، ولا يقف على ما يرتبط بموضوعه منها إلا الخبير بها.
وقد وفق الله صديقنا المفضال الأستاذ الشيخ محمد العدوي المدرس بالقسم العالي بالأزهر فوضع كتابه "مفتاح الخطابة والوعظ" الذي جمع فيه الآيات والأحاديث - المقبولة - المتعلقة بكل موضوع من موضوعات العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق مما أغنى المرشد عن طويل البحث، وسهل له طريق الوعظ، وسنتخذ منه مادة لبعض ما نضعه من النماذج لينسج الخطباء على منواله، إن لم يوفقوا لمثاله.
النموذج الأول: (في حسن المعاشرة بين الزوجين)
الآيات الواردة في الموضوع:
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19]، و(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا[1]، واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم)[البقرة: 231]، وقوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
(الأحاديث الواردة فيه)
• عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم"(رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه).
• عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"(رواه ابن حبان في صحيحه).
• عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "استوصوا بالنساء خيراً فان المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء"(رواه البخاري ومسلم).
• عن معاوية بن حيدة -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت"(رواه أبو داود).
• عن عمرو بن الأحوص الجشمي -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتيهن بفاحشة مبينة، فان فعلوا فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا أن لكم على نساءكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً: فحقكم عليهن أن لا يوطئن فراشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن"(رواه ابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح).
• وروى الحاكم من حديث معاذ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب".
• عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعا الرجل امرأته لفراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح"(رواه البخاري ومسلم).
• وعنه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه"(رواه البخاري).
البحث العلمي في الموضوع: يتحقق حسن العشرة بما يأتي:
أ- من جانب الزوج يكون:
(1) بالإنفاق على زوجته من غير تقتير ولا إسراف.
(2) بالعدل بينها وبين غيرها من الزوجات أو القريبات إن كن.
(3) بالابتعاد عن هجرها وإيذائها بلا مبرر وبترك الغيبة عنها خارج المنزل إلى ساعة متأخرة من الليل.
(4) بألا يمسكها تحت يده ضراراً ليعتدي عليها.
(5) بإرشادها إلى طرق الخير وحثها على سلوكها والابتعاد عن مواطن الشر.
(6) بألا يمنعها من زيارة أهلها في الأوقات المناسبة.
ب - من جانب الزوجة يكون:
(1) بطاعته في كل معروف ومن ذلك إجابتها له إذا دعاها إلى الفراش.
(2) بالنظافة في نفسها وأولادها وخدمها وبيتها.
(3) بالمحافظة على نفسها وبناتها وماله وسره.
(4) بالإحسان في تدبير المنزل وتربية الأولاد والقيام على أخلاقهم.
(5) بعدم إرهاقه في طلبات الملابس وأدوات الزينة.
(6) بألا تدخل أحداً يكرهه منزله بلا إذنه.
(7) بألا تخرج من بيته بدون استئذانه.
(8) بأن تواسيه بمالها أن انتابته نائبة أو مسته عسرة.
جـ - من جانب كل منهما يكون:
(1) باستعمال كل منهم الأدب مع صاحبه في المحادثة والمحاورة وتجنب بذيء الكلام وفاحش القول.
(2) بسعي كل منهما في دفع ما قد يحل بالآخر من مرض أو بلاء في المال أو الأهل أو تخفيفه.
(3) بالصبر على ما قد يكون في خلق الآخر من انحراف مع السعي في مداواته وعدم المسارعة إلى الخصام أو الفراق.
(4) عمل كل ما من شأنه أن يجلب سرور الآخر ومودته ما دام ذلك في دائرة المشروع والمعروف فلا يرى إلا جميلا، ولا يسمع إلا حسنا، ولا يشم إلا طيباً.
أما ثمرات حسن العشرة فهي ما يأتي:
(1) المحبة بين الزوجين وهي أساس السعادة المنزلية.
(2) الصحة في الجسم والراحة في البال والاقتصاد في المال.
(3) تخلق الأولاد بالأخلاق الطيبة وتعودهم بالأعمال الصالحة.
(4) الرغبة في الاتصال بهذه الأسرة بمصاهرتها والمصاهرة إليها.
(5) التعاون على شئون الحياة.
(6) صلاح الأمة بصلاح الأسرة التي هي وحدتها ومثال مصغر منها.
(الصوغ الخطابي أو الخطبة)
الحمد لله جعل السعادة المنزلية، في القيام بواجب الزوجية، وجعل صلاح الأمة، في صلاح الأسرة، فالأمة المكونة من أسر صالحة، ذات أخلاق عالية وعلاقات طيبة، أمة راقية، جديرة بالمكانة السامية، والكلمة النافذة، أشهد أن لا اله إلا الله جعل كلا من الزوجين سكنا لصاحبه يفضي إليه بسر نفسه، ويلقي إليه زمام أمره، ويطمئن إليه في كل شأنه؛ (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصانا بالنساء خيراً لضعفهن، وكان أحسننا قياما بحقوقهن فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه واقتفى أثره.
أما بعد: فان خير البيوت ما عمر بحسن العشرة، والألفة والمحبة والمودة والرحمة، وشرها ما ساءت فيه العلاقات، وتقطعت بين أفراده الصلات، وما حسن العشرة إلا بمراعاة كل من الزوجين حق صاحبه، وإخلاصه في القيام بواجبه.
فيا معشر الأزواج أنفقوا على زوجاتكم مما رزقكم الله، وحذار أن تقتروا عليهن أو تسرفوا، فان ذلك مفسدة للأخلاق ومجلبة للشقاق (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)[الطلاق: 7] .
يا معشر الأزواج: اعدلوا بين الزوجات إن كن متعددات ولا تفضلوا بعضهن على بعض في مبيت أو نفقة، أو مسكن أو كسوة، لئلا تشعلوا بينهن نار العداء، فيفسدن أمر بيوتكم، ويُورَّثْن الأحقاد أولادكم، فيكونوا أعداء متباغضين، لا إخوة متحابين متعاضدين.
إياكم وهجر الزوجات بلا سبب أو إيذاءهن بلا مبرر، فان ذلك موحش لقلوبهن ومنبت للعداوة في نفوسهن (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)[النساء: 34].
إياكم والسهر خارج المنزل إلى ساعة متأخرة من الليل، وربما كان ذلك في فجور وفساد، فان ذلك ممل لقلوبهن، وأدعى لارتيابهن ومحرك للفتنة في نفوسهن، وقد يسول لهن الشيطان ما لا تحبون، ولبناتكم ما لا تودون، فاعمروا بيوتكم بحضوركم، وآنسوا أهلكم بحديثكم، واملؤوا عيونهن بأعيانكم.
إياكم إذا لم يرد الله وفاقا بينكما، ولم تتلاءم طباعكما، ولم يكن من سبيل لإقامة حدود الله فيكما، إياكم أن تمسكوهن في هذه الحال ضرراً لتعتدوا عليهن، وتسلبوهن حقوقهن، فان ذلكم ظلم لنفوسكم ومضرة بكم، وقد أذن الله لكم وقتئذ في فراقهن؛ (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا)[البقرة: 231].
وحذار أن تضيقوا عليهن في حقوقهن المشروعة فلا تمنعوهن من التصرف في أموالهن، وزيارة أهلهن، وأقاربهن، والذهاب إلى بيوت الله لسماع العظة وإقامة الصلاة، فإنكم إن شددتم في مضايقتهن خشي انفجارهن فلا يأتمرن بأمر، ولا ينتظرن الأذن ولا يقفن في الخروج عند حد.
أرشدوهن إلى كل معروف فعلموهن الدين، وحفظوهن كتاب الله المبين، واسلكوا بهن طريق الأخلاق الطيبة والأعمال الصالحة وحذروهن من الشر أن يقترفنه، ومن الإثم أن يخالطنه، ومن دور اللهو والخلاعة أن يذهبن إليها، ويدنسن نفوسهن بما احتوت عليها؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6].
أما الزوجات فواجب عليهن إطاعة أزواجهن في كل معروف فلا يعطلن لهم أمراً ولا يخالفن لهم نهياً فان دعوهن إلى الفراش فالواجب الطاعة والامتثال لان المخالفة موحشة للقلوب موغرة للصدور موجبة للنفور، وعليهن المحافظة على أموالهم وبيوتهم وأولادهم وليصن أعراضهن وأعراض بناتهن (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[النساء: 34].
ولتكن النظافة في مقدمة ما ترعاه المرأة في بيتها، ونفسها وأولادها وخدمها فان النظافة من الإيمان، ونعم هي المسرة للإنسان ولتكن في بيتها حكيمة مدبرة غير مقصرة ولا مسرفة ولتكن أسوة لمن حولها في حسن أخلاقها وجميل أعمالها، والمحافظة على واجبها، وإياها أن تكلف زوجها ما لا يطيقه أو ترهقه في مطعم أو كسوة أو زينة أو بهرجة فان ذلك متلفة للأموال مفسدة للأخلاق، وإياها أن تدخل بيته من لا يحبه أو تخرج منه بغير إذنه أو تمنع عنه ثروتها إن قل ماله أو ساءت حاله فان ذلك مما يثير العداوة ويفسد العلاقة.
وليحافظ كل منهما على الادب في مخاطبة صاحبه ونده، واستجلاب محبته ووده، إن رأى منه انحرافا في خلقه، أو شذوذاً في معاملته فليقابل ذلك بالصبر والكلمات الرقيقة، والعبارات اللطيفة، حتى يهديه سواء السبيل ويسلك به الصراط المستقيم.
أيها الناس إن حسن العشرة بين الأزواج مجلبة خير كثير، ومدرأة شر كبير، ففي حسن المعاشرة السرور والرحمة، فيه الصحة في الجسم، والراحة في البال، والاقتصاد في المال، فيه تنبت الذرية الطيبة التي يسعى الناس إلى مصاهرتها، والاتصال بها، فيه التعاون على شؤون الحياة، وحسن الصلة بالله، فيه السعادة لقومكم، والخير لبلدكم لو كنتم تسمعون وتعملون؛ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37].
روى الترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم".
المصدر: مجلة الإصلاح، جمادى الأولى 1347هـ، ص10.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم