عناصر الخطبة
1/ نظرة الإسلام إلى المال 2/ فوائد جمع المال للمؤمن 3/ الإسلام يحرض على الكسب ويحذر من الكسل 4/ ذم طبقة الأثرياء والذين شغلتهم الدنيا عن الآخرة 5/ ذم طبقة البطالين 6/ فائدة المال للعبد الصالح 7/ ترغيب الإسلام في جمع المال الحلال وترغيبه في العملاقتباس
فالمؤمن ليس درويشًا في معتكفه، أو راهبًا في ديره، لا عمل له ولا كسب، الإسلام لا يعرف المؤمن إلا كادحًا عاملاً، مؤديًا دوره في الحياة، آخذًا منها معطيًا لها: (هُوَ ?لَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ?لأَرْضَ ذَلُولاً فَ?مْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ?لنُّشُورُ * أَءمِنتُمْ مَّن فِى ?لسَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ?لأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ)، (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) ..
أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، وكثرة حمده على آلائه إليكم، ونعمائه عليكم، وبلائه لديكم، فكم خصكم بنعمة، وأزال عنكم نقمة، وتدارككم برحمة، أُعوزتم له فستركم، وتعرضتم لأخذه فأمهلكم، فإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.
أيها الناس: إن المتتبع لشريعة الإسلام في القرآن والسنة يرى اعتبار المال الصالح قوام الحياة، والحث على تحصيله وحسن تدبيره وتثميره، بل لقد أجمع الأنبياء والرسل قاطبة على الديانة بالتوحيد في مللهم، وعلى حفظ المال والنفس والعقل والعرض.
ومن المسلمات المعلومة بالضرورة، أن المال زينة الحياة الدنيا، وأنه مطلوب محبوب، وأن الإسلام لا يمنع طلبه عن طريق طيبه وحله، بل إنه يحرض على كسبه، وحسن التصرف، لتُقضى به الحقوق، وتؤدَّى الواجبات، وتصان الحرمات.
إن المال في الحقيقة، لا يطلب لذاته في هذه الدنيا، وإنما يطلب عادةً لما يضمنه من مصالح، ولما يحققه من منافع، إنه في حد ذاته وسيلة لا غاية، والوسيلة عادة تحمد أو تعاب بمقدار ما يترتب عليها من نتائج حسنة وآثار سيئة، فالمال كالسلاح، إن كان في يد مجرم قتل به الأبرياء، وإن كان في يد مجاهد مناضل دافع به عن دينه ونفسه وأهله ووطنه، وقد قال تعالى عن المال، وما يسوقه من خير أو شر: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) [الليل :5-11].
وقال تعالى: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَـانَ لَيَطْغَى * أَن رَّءاهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7].
وما أسعد المسلم حين تعتدل أمامه مسالك الحياة، فيعمل ويتصبب عرقه، فيزكيه ذلك العرق ويطهره من فضلات الكسل وجمود النفس، ويكسب الكسب الحلال الطيب، وتستقيم يده، وهي تنفق من هذا الكسب الكريم، ويدخر لنفسه ما يحتاج إليه في غده. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس". متفق عليه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت". رواه أحمد ومسلم بنحوه.
أيها الناس: نعق كذا ناعق فزعموا بحماقة وصفاقة أن الإسلام لا يريد من أهله إلا أن يكونوا فقراء صاغرين، ويقولون ضالين: إن الله إذا أعطى الدنيا لأحد حرمه من الآخرة، ويستشهدون بقول القائل:
إن الفقيه هو الفقير وإنما *** راء الفقير تجمعت أطرافها
(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا) [الكهف:5].
والواقع -أيها المسلمون- أن تلك فرية عظيمة، تنسب إلى الإسلام وهو منها براء، بل إن الإسلام هو الذي يحرض على الكسب والنشاط: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـاتِ مِنَ الرّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَـامَةِ) [الأعراف:32].
فالمؤمن ليس درويشًا في معتكفه، أو راهبًا في ديره، لا عمل له ولا كسب، الإسلام لا يعرف المؤمن إلا كادحًا عاملاً، مؤديًا دوره في الحياة، آخذًا منها معطيًا لها: (هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ * أَءمِنتُمْ مَّن فِى السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ) [الملك:15]، (هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود:61]، (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا) [القصص:77].
وقد رأى الفاروق -رضي الله عنه- قومًا قابعين في ركن المسجد بعد صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟! قالوا: نحن المتوكلون على الله، فعلاهم عمر بِدِرَّتِهِ ونهرهم وقال: "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله يقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَنتَشِرُواْ فِى الأَرْضِ وَبْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة:10].
وإن الفاروق -رضي الله عنه-، يشكو من متوكلين لا يعملون، ففي حياتنا المعاصرة نشكو من الأمرين معًا، من متوكلين لا يعملون، ومن عاملين لا يتوكلون.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن متوكلون، فيحجون فيأتون إلى مكة فيسألون الناس، فأنزل الله: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]. قال محمد بن عبيد: كان سفيان الثوري يمر بنا ونحن جلوس بالمسجد الحرام، فيقول: ما يجلسكم؟! قلنا: فما نصنع؟! قال: "اطلبوا من فضل الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين".
وسأل رجل ابن حنبل فقال: أيخرج أحدنا إلى مكة متوكلاً لا يحمل معه شيئًا؟! قال: لا يعجبني، فمن أين يأكل؟! قال: يتوكل فيعطيه الناس، قال: "فإذا لم يعطوه أليس يتشرف حتى يعطوه؟! لا يعجبني هذا، لم يبلغني أن أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعين فعل هذا، ولكن يعمل ويطلب ويتحرى".
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا". رواه أحمد والترمذي وهو صحيح.
وهذا الحديث أخطأ القَعَدَة في فهمه، فإن الطيور لم يأتها رزقها رغدًا إلى أوكارها، وهي قابعة في أعشاشها، وإنما غدت في الصباح سعيًا في طلبه، فراحت في المساء وقد شبعت من رزق الله تعالى وفضله.
أيها المسلمون: إن من المتحتم عقلاً أنه لا يدعو المسلمين إلى المسكنة والافتقار والاتكال في القوت على الغير، أو يصف الإسلام بالحض على ذلك إلا أحد اثنين؛ إما جاهل بالدين الحنيف يحسبه رهبانية مبتدعة، أو تبتلاً مسرفًا، وإما مخادع ماكر له في تلك الدعوة مآرب خبيثة، فهو مطعون النصيحة، خبيث الغاية، كيف لا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تعوذوا بالله من الفقر والقلة والذلة". رواه أحمد. ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر". رواه أحمد وغيره.
إن الشيطان بحيله ومكره يخوف المؤمنين من كسب المال، فينفر طالب الآخرة منه، ويبادر التائب يخرج ما في يده، فإذا أخرجوا ما بأيديهم بذلوا أول السلع في التحصيل، دينهم وعرضهم، ويصيرون متمندلين به، ويقفون في مقام اليد السفلى التي هي الدون، والعاقل من الناس من يسعى لكسب ماله وحفظ ما معه؛ لينجو من مداراة غني ظالم، أو مداهنة بطر جاهل. وقد تعرض نوائب كالمرض يحتاج فيها إلى شيء من المال فلا يجد الإنسان بدًّا من الاضطراب في طلبته، فيبذل عرضه أو دينه.
إن الإسلام يريد من أهله أن يكونوا أغنياء أقوياء، لا مهازيل ضعفاء، أغنياء بمالهم ليكون سياجًا للدين، ومددًا لتسليحه وحمايته، فقد قال تعالى في قيمة المال لإحراز النصر ورفع الشأن: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَـاكُم بِأَمْولٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَـاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) [الإسراء:6].
فإن الأمم تنتصر بعد توفيق الله، بالمال والبنين، ويوم يكون مالها أداة ترف، ومصدر استعلاء وطغيان، ويوم يكون به الأغنياء أحلاس لهو ولعب؛ فالويل والخسران لأمةٍ أورثها مالها هذه الحال. أعاذنا الله وإياكم من حال أهل النار.
أيها المسلمون: بالمال الحلال، استطاع المهاجرون إلى المدينة أن يزاحموا اقتصاد أهل الكتاب، وأن يجعلوا المال مالاً إسلاميًّا، وهذا بحد ذاته له خطورته الظاهرة في كسب النصر للدين نفسه، فإن الاقتصاد في الأمم يوم تعبث به أيادي من لا ملة لهم ولا شرف؛ فإنهم يسخّرونه ولا شك في ضرب الملة السمحة؛ ولذلك كان الإسلام شديد الحض على أن ينطلق المؤمنون في المشارق والمغارب يكسبون رزقهم ويطلبون من فضل الله، في فجاجه العميقة، هنا وهناك، أو المخبوءة تحت طباق الثرى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّـاكُمْ فِى الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) [الأعراف: 10].
إن المتبطلين العاطلين، المكتسبين البطالة بالزمالة، يعتمدون على من سواهم، ويستغلون عرق غيرهم، فهم كدود العلق الذي يمتص الدماء، يحملقون إلى مواضع المحسنين، قد قضوا على أنفسهم أن يعيشوا مرضى بالصحة، مشغولين بالفراغ، أغنياء بالفقر، ولقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "اليد العليا خير من اليد السفلى". رواه البخاري ومسلم.
قال ابن قتيبة -رحمه الله-: "اليد العليا هي المعطية، فالعجب عندي، من قوم يقولون هي الآخذة، ولا أرى هؤلاء القوم إلا قومًا استطابوا السؤال، فهم يحتجون للدناءة، فأما الشرائع فإنها بريئة من حالهم".
عباد الله: لما فقد المال الصالح من يد الرجل الصالح، بليت المجتمعات -إلا من رحم الله- بطائفتين منحرفتين:
الأولى منهما: هي: طائفة الأثرياء المترفين، الذين ضعف عند بعضهم الخلق والدين، واستخفوا بقواعد الإيمان ومبادئ الإسلام، يأكلون كما تأكل الأنعام ويشربون شرب الهيم، دون أن يؤدوا واجبًا لدينهم أو مجتمعهم، يتعاملون في الشرف على أصول من المعدة، لا من الروح، وإذا عظموا الدينار والدرهم فإنما عظموا النفاق والطمع والكذب، إذ إن حرصهم فوق بصيرتهم، ولهم في النفوس رائحة الخبز، دينهم في مقاييس البشر: خمس وخمس تساوي عشرة، وسجاياهم المتكررة، منع وهات؛ بل هات وهات، لكنهم مع ذلك لا يجدون في المال معنى الغنى، إذ كم من غني يجد وكأنه لم يجد إلا عكس ما كان يجد!
والطائفة الثانية: طائفة المفلسين القعدة الذين استمرؤوا الكسل والبطالة والتشرد، دون مال يملكونه، أو عمل يؤدونه، ومع ذلك يطلقون لأنفسهم العنان في مباءات من الانحلال والمعاصي، فيجمعون بين السوءتين؛ ضلال وإفلاس قبيحين.
إن الذين يكسلون ولا يربحون ثم يتسولون أو يحتالون باسم التكسب أو العيش، ليسوا على سواء الطريق، والذين يحبون المال حبًّا جمًّا، حتى يعميهم عن دينهم وأخلاقهم وخلواتهم القلبية وخلواتهم الروحية، ليسوا على سواء الطريق أيضًا؛ إذ كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وخير الأمور الوسط، والوسط ما قاله رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "نعم المال الصالح للرجل الصالح". رواه أحمد.
فرحم الله عبدًا كسب فتطهر، واقتصد فاعتدل، وذكر ربه ولم ينس نصيبه من الدنيا، ويا خيبة من طغى ماله عليه، وأضاع دينه وكرامته! وكان من الذين قال الله فيهم: (وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً) [الجمعة:11].
عباد الله: إن المال غادٍ ورائح، ومقبلٌ ومدبرٌ، وما هو إلا وسيلة للإنفاق والبذل، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى". رواه البخاري ومسلم.
ولا يليق بالرجل القادر أن يرضى لنفسه أن يكون حِمْلاً على كاهل المجتمع، ثقيلاً مرذولاً، وأن يقعد فارغًا من غير شغل، أو أن يشتغل بما لا يعنيه، إن هذا لمن سفه الرأي، وسذاجة العقل، والجهل بآداب الإسلام، قال عمر –رضي الله عنه-: "إني أرى الرجل فيعجبني شكله، فإذا سألت عنه فقيل لي: لا عمل له، سقط من عيني".
إن العمل -مهما كان حقيرًا- فهو خير من البطالة، وخير من سؤال أحد من ذوي المال؛ إن أعطاه فقد حمل ثقل المنة مع ذُلّ السؤال، وإن منعه فقد باء بذل الخيبة مع ذل السؤال، والعز بلا سؤال ألذ من كل لذة بسؤال، والخروج عن ربقة المنن ولو بسفّ التراب أفضل، وإن نفس الحر لتحتمل الظمأ، حتى لقد قال الفاروق: "مكسبة في دناءة خير من سؤال الناس".
ولقد قال لقمان لابنه: "يا بني: استغنِ بالكسب الحلال، فإنه ما افتقر أحد إلا أصابته إحدى ثلاث خصال: رقة في دينه، أو ضعف في عقله، أو وهاء في مروءته، وأعظم من هذا استخفاف الناس به".
ولا خير في نيل من ماله عزيز النوال بذل السؤال.
وصلوات الله على المبعوث رحمة للعالمين، حيث يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال". أخرجه النسائي وأبو داود. ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع". أخرجه النسائي وأبو داود.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن الإسلام رغّب في العمل والكسب الحلال، والاتجار في جمع المال؛ فقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الكسب أفضل؟! قال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور". رواه الطبراني وهو صحيح. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده". رواه البخاري. وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم أنه قال: "كان زكريا -عليه السلام- نجارًا".
وروى الترمذي وابن ماجه بسند حسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "التاجر الصدوق الأمين، مع النبيين والصديقين والشهداء".
ومر رجل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله: لو كان هذا في سبيل الله!! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً...".
ولقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- أتجر قريش، وكان الفاروق -رضي الله عنه- يقول: "يا أيها الناس: كتب عليكم أن يأخذ أحدكم ماله فيبتغي فيه من فضل الله -عز وجل-؛ فإن فيه العبادة والتصديق، وايم الله، لأن أموت في شعبتي رحلي، وأنا ابتغي بمالي في الأرض من فضل الله، أحب إليّ من أن أموت على فراشي".
وما قتل الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه- حتى بلغت غلة نخله مائة ألف. وقال عبد الرحمن بن عوف: "يا حبذا المال، أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي".
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن البطالة من أخطر المشكلات الاجتماعية وأسوئها عاقبة، وأشدها تأثيرًا على طمأنينة الحياة وهناءة العيش، وهي رُقْيَةُ التسول والسرقة والغش والخداع.
والإسلام نظر إلى المكلف نظر اعتبار، حيث دعاه إلى نزول ميادين العمل على أنواعها، إما مأجورًا، أو حرًّا مستقلاً، أو مشاركًا في المال إن استطاع، فإذا صاحب ذلك كلَّه، صِدقٌ وأمانة، وإخلاص وتوكل، كان له النجاح والربح والبركة والنماء بإذن الله.
هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية وسيد البشرية...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم