نصائح لأهل فلسطين والمسلمين أجمعين

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

2024-05-10 - 1445/11/02 2024-05-12 - 1445/11/04
عناصر الخطبة
1/اضطراب أحوال الناس في هذا الزمان 2/التحذير من اتباع الهوى ومعصية الله تعالى 3/حث أهل غزة خاصة وفلسطين عامة على الصبر والاحتساب 4/السيادة قول الحق ونصرته

اقتباس

إنَّ في الله -تعالى- عزاءً من كل مصيبة، وعِوضًا من كل فائت، وخلَفًا من كل هالك، فإلى الله فأنِيبُوا، وإليه فَارْغَبُوا، وانظروا إليه؛ فإنَّ نظرَ اللهِ -تبارك وتعالى-، وإن رحمتَه قريبٌ من المحسنينَ، أعظَم اللهُ أجرَكم في إخوانكم، لا مصيبةَ على الأمة أعظم من مصيبتنا، ولا عِوَضَ لها أعظمُ من صبرنا...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يحبه ربنا ويرتضيه، حمدًا يقوم بشكر نعمه وأياديه، فهو الذي جلا حوبتنا، وكشف كربتنا، وشرح صدورنا، وأتم علينا نعمه بتلاوة كتابه، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يظلنا بظل جنابه، ويؤهلنا للوصول إلى دار ثوابه، ونشهد ألا إلا الله، خلق الخلق وهو غني عن طاعتهم، آمِنًا لمن عصيتهم، -سبحانه- مزيل الهموم والغموم، وهو الحي القيوم، ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، -صلى الله عليه وسلم-، ونشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ونشهد أن الجنة حق، والنار حق، فمن شهد بذلك أدخله الله الجنة، وارض اللهمَّ عن آل بيت رسول الله الطاهرين الطيبين، على رغم أنف الراغمين، فهم أقول الناس للصواب، وأفضلهم للخطاب، أعظمهم بلاء، وأحسنهم عناء، وأصبرهم على اللقاء؛ (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)[الْأَنْعَامِ: 34].

 

وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، عن أبي بكر القويّ في أمر الله، الضعيف فيما ترى العين، لم يَشُكَّ في الله ساعةً، كان سابقًا مُبَرّزًا، كان أوَّاهًا حليمًا منيبَ القلب، كان مثل القَطْر حيث وقَع نفَع، وارضَ اللهمَّ عن الفاروق عمر، الذي مصَّر الأمصارَ، وخلَط الشدةَ باللِّين، وحسَر عن ذراعيه، وشمَّر عن ساقيه، وأعدَّ للأمور أقرانَها، وللحرب آلتَها، فانتشرت عدالتُه، وحَسُنَتْ سيرتُه، وأمير المؤمنين عثمان، وقد صحت الأحاديث بأن له الجنة على بلوى تصيبه، وأنَّه شهيد سعيد، استشهد والمصحف الشريف بين يديه، ونزل دمع الطاهر على قوله -تبارك وتعالى-: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ)[الْبَقَرَةِ: 137]، رحم الله ذا النورين، لقد صلت عليه ملائكة السماء يوم موته، وأفطر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام، في جنات النعيم.

 

وارض اللهمَّ عن الإمام التقي النقي الرُّقِيّ الرضي الوفي، ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- سيدنا علي، قال له رجل: "ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية، وخلافتك أنت وعثمان متكدرة؟ فقال: إن أبا بكر وعمر كنت أنا وعثمان من أعوانهما، وكنتَ أنتَ وأمثالكَ من أعواني وأعوان عثمان"، وقال له رجل من أهل الكتاب: "ما أتى عليكم بعد نبيكم إلا نيف وعشرون سنة، حتى ضرب بعضكم بعضًا بالسيف، فقال له -رضي الله عنه-: فأنتم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم: (يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)[الْأَعْرَافِ: 138]، هكذا أيها الأحبابُ، كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجمعون ولا يفرقون، كلمتهم واحدة، وصفهم واحد، وهدفهم واحد، اللهُمَّ ارض عنهم أجمعين، وارض عَنَّا معهم بكرمك وعفوك وإحسانك يا ذا الجلال والإكرام، اللهُمَّ أحسن خلاص أهلنا في غزة، اللهُمَّ ارحمهم برحمتك الواسعة، اللهُمَّ ارحم نساءهم، وأطفالهم، وكن لهم عونًا ونصيرًا، وسندًا وظهيرًا، وتقبل شهداءنا، وشاف جرحانا يا ربَّ العالمينَ.

 

أمَّا بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: إنَّا أصبحنا في دهر حيرة، تضطرب علينا أمواجه، يغلبه الهوى، العالم منا والجاهل، فالعالم منا مفتون بالدنيا، يبيع ما يدعيه من العلم، والجاهل منا عاشق، فالمقل لا يقنع، والمكثر لا يشبع، فكل قد شغل الشيطان قلبه بخوف الفقر، أعاذنا الله وإيَّاكم من قَبول عدة إبليس، وتركنا عدة رب العالمين، فماذا قدمتم يا عباد الله؟ ماذا فعلتم لأجل مرضاة الله؟ هل أخلصتم النية؟ هل تبتم إلى الله؟ فقد تغيرت الأحوال في زمن يوسف، عندما تاب إخوته إلى الله، واصطلحوا مع الله، وطلبوا المغفرة، قال لهم: (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[يُوسُفَ: 92]، وقال أبوهم: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يُوسُفَ: 98].

 

إيَّاكُم -يا عبادَ اللهِ- واتباعَ الهوى؛ فقد أفلَح مَنْ حُفِظَ من الهوى والطمع والغضب، إيَّاكُم والفخر، وما فَخْرُ مَنْ خُلِقَ من ترابٍ، ثم يعود إلى التراب، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي وغدًا ميت، فاعملوا يومًا بيوم، وساعةً بساعة، وتوَقَّوْا دعاءَ المظلوم، وعُدُّوا أنفسَكم في الموتى، واصبروا فإن العمل كله بالصبر، واحذروا والحذر ينفع، واعملوا والعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، انصحوا أنفسكم، وقدموا توبتكم، واغلبوا شهواتكم، فنسأل الله المولى الكريم أن يجعلنا وإيَّاكم ممن لا تبطره النعم، ولا يحل عليه النقم.

 

واعلموا -يا عباد الله- أنَّ الفَرجَ والروحَ في اليقين والرضا، والهم والحزن في الشك والسخط، الصَّبُورُ يُدرِكَ أحمدَ الأمورِ، من أفضل آداب الرجال أنَّه إذا نزلت بأحدهم جائحة استعمل الصبر عليها:

وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ فَاصْبِرْ لَهَا *** عَظُمَتْ مُصِيبَةُ مُبْتَلًى لَا يَصْبِرُ

 

وأنتُم يا أهلنا في بَيْت الْمَقدسِ، ويا أحباب المسجد الأقصى: لقد كنتُم وما زلتُم على العهد، ولا يغُرَّنَّكم ما يجري اليومَ؛ فالمسجدُ مسجدُنا، وسوف يبقى عزيزًا كريمًا إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.

 

ويَا أَهْلَنا في غزة: لقد كنتُم الأمناءَ في الأرض، وما زلتُم، وأصبحتُم الأمناءَ في السماء، أنتُم في كرامة الله، تَلِجُونَ على المولى الكريم، لقد غفر الله لكم -بإذنه -تعالى- مغفرة أحاطت بكل ذنب، فهنيئًا لكم مع النبيين والصديقين؛ فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمكين؛ (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ)[آلِ عِمْرَانَ: 160].

 

إنَّ في الله -تعالى- عزاءً من كل مصيبة، وعِوضًا من كل فائت، وخلَفًا من كل هالك، فإلى الله فأنِيبُوا، وإليه فَارْغَبُوا، وانظروا إليه؛ فإنَّ نظرَ اللهِ -تبارك وتعالى-، وإن رحمتَه قريبٌ من المحسنينَ، أعظَم اللهُ أجرَكم في إخوانكم، لا مصيبة على الأمة أعظم من مصيبتنا، ولا عوض لها أعظم من صبرنا، أجزل الله لنا في الآخرة الأجر والثواب، وأعلى مقامنا في الدنيا والآخرة، ورفع ذكرنا عنده، وغفر لنا يوم الحساب.

 

عبادَ اللهِ: لما أصيب زيد بن حارثة -رضي الله عنه- في يوم مؤتة جاء النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إلى بيته، فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبكى -صلى الله عليه وسلم- بكاء شديدًا، فقال له سعد بن عبادة: "يا رسول الله، ما هذا؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى حبيبه".

 

اللهُمَّ عافنا في قدرتك، وأدخلنا في رحمتك، واختم لنا بخير، واجعل لنا بخير، واجعل ثوابنا الجنة.

 

عبادَ اللهِ: توجَّهُوا إلى المولى الكريم، بالدعاء والتسليم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي علا فقَهَر، والذي بطَن فخبر، والحمد لله الذي ملَك فقَدَر، والحمد لله الذي يُحيي ويُميت وهو على كل شيء قدير، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ المحمود في السراء والضراء، أراح مِنْ جَهد البلاءِ، وكشف الغطاء، قرَّب أهلَ الصفاء من حضرة الوفاء، وأزال عَنَّا الجفاء، في العلن والخفاء، فلكَ اللهمَّ الحمدُ على النِّعم، ونسألكَ المزيدَ من العطاء والكرم، ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، ونشهد أنَّ الدينَ كما شَرَعَ، وأنَّ الإسلامَ كما وَصَفَ، ونشهد أن الكتاب كما أُنزِلَ، وأن الله -سبحانه وتعالى- هو الحق المبين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، الحامل لواء الحمد، وعلى آله أهل الثناء والمجد، وأصحابه شموس الدلالة، وبدور الهداية.

 

أمَّا بعدُ، فيا عباد الله، يا أيها المسلمُ: أحياكَ اللهُ حياةً طيبةً، وتوفاكَ مع الأبرار، اللهُمَّ ارحمنا يا عزيز يا غفار، وارحم اليتامى والمساكين والمكلومين يا ربَّ العالمينَ، اللهُمَّ أخرجنا من بين أيديهم سالمين، واحفظنا بقوتك وقدرتك يا متين.

 

يا عبادَ اللهِ: تذكَّرُوا دائمًا أنَّه لا يصلح الناس إلا بإمام، ولا يصلح الإمام إلا بالناس، إنَّا لا نبالي بكدر الأنهار إذا صفَا لنا رأسُ العين.

 

فيا أيها المؤمنون: لا تحسبوا السيادة جمع المال وتفريقه، إنما السيادة القول بالحق والعمل بالمعدَلة، وأخذ الناس في ذات الله، أول العدل أن يعدل الرجل في بطانته، ثم الذين يلونهم، حتى يبلغ العدلُ الجميعَ، ما مِنْ أميرِ عشرةٍ إلا يُؤتى به يوم القيامة مغلولًا، حتى يَفُكَّه العدلُ، أو يُوثِقَه الجورُ، أيما والٍ بات غاشًّا لرعيته، حرَّم اللهُ عليه الجنةَ.

 

فيا أيها الحاكم، ويا أيها المسؤول: أَقِمِ الحقَّ ولو ساعةً من نهار، إياكَ والميلَ عن الْهُدَى، وتمسَّكْ بالطريقة الوسطى، وَخَفِ اللهَ فيما خوَّلَكَ وأعطاكَ، لا تَبْسُطْ يدَكَ إلا إلى خير، ولا تقل بلسانك إلا معروفًا، إياك ومعاداة الصالحين، فإن الله -تعالى- يغار على أوليائه، تلكم بالحق خير لك من السكوت عنه، وسكوت عن الباطل خير من التكلم به.

 

مَنْ أعانَ ظالِمًا سلَّطَه اللهُ -تعالى- عليه، إن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، والمنكر فلم يغيروه عمهم الله بعقابه.

 

إياك -أيها المسؤول- أن تقتل قتل الفراعنة، وتبطش بطش الجبارين، وتحكم بالجور حكم المفسدين، سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، قال الله -عز وجل- في الحديث القدسي: "وعزتي وجلالي لأنتقمنَّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمنَّ ممَّن رأى مظلومًا قدَر أن ينصره فلم ينصره".

 

إيَّاكُم -يا عباد الله- والفتنَ، إيَّاكُم والقتلَ والظلمَ، كونوا عباد الله إخوانًا، احفظوا مقدساتكم، وعليكم بالوحدة والتآلف والتكاتف، استمعوا أيها المؤمنون لهذه الحادثة، وخذوا منها العبرة: "جاء رجلان إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- زمن فتنة ابن الزبير، فقال: ما يمنعك أن تخرج فتقاتل؛ فإنك ابن الخليفة عمر؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي المسلم، فقال: أليس يقول الله -تعالى-: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)[الْأَنْفَالِ: 39]، فقال ابن عمر: قد قاتلناهم حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله، وأنتم اليوم تريدون أن تقاتلوهم حتى يكون فتنة، ويكون الدين لغير الله".

 

عبادَ اللهِ: لا تقوم الساعةُ حتى يُقبَضَ العلمُ، ويفيض المالُ، وتظهر الفتنُ، ويَكْثُر الهرجُ، قيل: يا رسول الله، ما الهرج؟ قال: "القتل، القتل، القتل".

 

نسأل الله أن يعز الإسلام وأهله عزًّا منيعًا، وأن يفتح لنا فتحًا يسيرًا، اللهُمَّ إنَّا نسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي قيوم، أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ.

 

اللهُمَّ إنَّا نسألك نفسًا بك مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك، اللهُمَّ يسر أمرنا، واغفر ذنبنا، واختم بالصالحات آمالنا، واجعلنا من عبادك الصالحين يا ربَّ العالمينَ.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

نصائح لأهل فلسطين والمسلمين أجمعين.doc

نصائح لأهل فلسطين والمسلمين أجمعين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات