عناصر الخطبة
1/رفعة رجال الحسبة عند الله 2/الارتباط الوثيق بين الإيمان والاحتساب 3/أهمية الاحتساب 4/فوائد الاحتساب 5/فداحة أذية رجال الحسبة 6/واجبنا نحو القائمين على الحسبة 7/أجور القائمين بالحسبة 8/وصايا مهمة لرجال الحسبةاقتباس
أيها المحتسب المبارك: ليهنك هذا الحباء الرباني، والاصطفاء الإلهي، ولْتنعمْ بأجر مولاك الذي يرجى نوالُك له من مثل أجور الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أمتي قوماً يعطون مثل أجور أولهم؛ ينكرون المنكر"[رواه أحمد وجوّد الألباني إسناده]. ولِتنعمَ بهذا الخير: الزمْ جادة الشرع في تعامل المحتسب الذي جعل الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم- مبعثه ومداره. ولا تغب عنك ثلاثيةُ قِوامِ الحُسن في تعامل المحتسب، والتي أبانها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكان الله غنياً حميداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إقراراً به وتوحيداً.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله للخير دليلاً، وعلى العالمين شهيداً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أيها المؤمنون: لا يُعرف للشيء قَدْرُه إلا إن عُرِفَ شرفه، وفضله، وبليغ نفعه.
وبإدراك المقادر يجمل التعامل، ويبين الحَصَفُ، وتؤدّى الحقوق؛ وذاك مهيع الشرع الرشيد في إنزال الناس منازلهم؛ تقول عائشة -رضي الله عنها-: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ"[رواه أبو يعلى وصححه الحاكم].
ألا وإن من أولئك الذين رفع الإسلام قدرهم، وأعلى وصفهم، وخلّد ذكرهم، وعظّم مظلمتهم وإذلالَهم: أهلَ الحسبة: الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر.
فقد حباهم المولى من خلق الفضائل ما أعلى به نزلهم؛ فهم المؤمنون الذي حرّكهم الإيمان لتغيير ما لم يرتضِ الله وقوعه من ترك المأمور، أو فعل المحظور، يقول الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر)[التوبة: 71].
فالارتباط بين الإيمان والاحتساب وثيق ما دام في القلب حبة خردل من إيمان، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" [رواه مسلم].
وباحتساب أولئك الأخيار: تحفظ الملة، وتحرس الديانة، ويقمع الفساد، يقول الله -تعالى-: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)[الحج: 40].
أهل الحسبة: أمنة للمجتمع من حلول القوارع والمثلات، والبوء بلعنة الجبار والهلكة، يقول الله - سبحانه-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[المائدة: 78-79].
ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا، إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ"[رواه أبو داود وصححه ابن حبان والألباني].
وسألت أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال: "نعم، إذا كثر الخبث" [رواه البخاري].
وهاكم المثل النبوي المجسّد حفظَ المجتمع بأهل الحسبة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا"[رواه البخاري ومسلم].
قال الحسن البصري: "مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر؛ وإلا كنتم أنتم الموعظات".
عباد الله: إن قيام الكفاية بأهل الحسبة من أجلِّ ما ينعم الله به على العباد؛ يُرحمون بهم، يقول الله - تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم)[التوبة: 71].
وكذلك يُنصرون، ويُمكّنون، يقول الله -سبحانه-: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور)[الحج: 40-41].
ووجود الكفاية من أولئك المحتسبين: كرامة يجيب الله بها الدعاء، وهكذا يمنعه إن فقدت تلك الكرامة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلَا يُسْتَجَابَ لَكُمْ"[رواه ابن ماجة وحسنه الألباني].
وبأهل الحسبة: يشد ظهر المؤمن، وتقوى عزيمته، ويرغم الفاجر والمنافق والسفيه، ويُحسب لارتكاب المنكر شؤمُه، فضلاً عن إشهاره! أو فَرْضِه! يقول سفيان الثوري: "إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق".
ولن تقوم للأمة في الخير قائمة، ولن تستروح عبق السيادة بين الأمم إلا بأولئك الأخيار، وإن ملكت من الإمكانات والعقول ما ملكت؛ ذاك قدر الله فيها، يقول الله -تعالى-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه)[آل عمران: 110].
والفلاح أجمع كلمة قالتها العرب في حيازة الخير، والنجاة من الشر، وهو وصف قد حكم به خير الحاكمين لأهل الحسبة، يقول جل وعلا: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
ولئن كان شديد الوعيد لاحقاً من آذى عمومَ المؤمنين؛ فإن أذية أهل الاحتساب أشد وأعظم، يقول الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[آل عمران: 21- 22].
عباد الله: ذاكم وميض من سنا نزل أهل الحسبة عند ربهم، وعظيم حفاوته بهم؛ فعظِّموا ما عظّم الله: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32].
وارعوا عظيم حقهم.
"فمن عرف الحقوق راعى وصانا".
هذا، وإن من رعاية ذلك الحق: محبتَهم، ونصرتَهم، ونصحَهم، والدعاءَ لهم، والذبَّ عن أعراضهم، والكفَّ عن معابهم، والتثبتَ في نباء زلِّهم، سيما ما لاكه الإعلام المشبوه، وطار به كلَّ مطار، وأن يُحسَنَ التعاملُ مع أخطائهم؛ فلا يكون نقدها بخساً للمحاسن، وإيغاراً لصدور الدهماء، وإذهاباً لهيبة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من النفوس، وصداً عن واجب الحسبة الذي لا يناط تكليفها بولاية الوظيفة، وإعانةً لتبّاع الشهوات في نشر الفساد وأذى المحتسبين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فاعلموا: أن أحسن الحديث كتاب الله...
أيها المحتسب المبارك: ليهنك هذا الحباء الرباني، والاصطفاء الإلهي، ولْتنعمْ بأجر مولاك الذي يرجى نوالُك له من مثل أجور الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن من أمتي قوماً يعطون مثل أجور أولهم؛ ينكرون المنكر"[رواه أحمد وجوّد الألباني إسناده].
ولِتنعمَ بهذا الخير: الزمْ جادة الشرع في تعامل المحتسب الذي جعل الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم- مبعثه ومداره.
ولا تغب عنك ثلاثيةُ قِوامِ الحُسن في تعامل المحتسب، والتي أبانها سفيان الثوري بقوله: "لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى".
قال شيخ الإسلام: "فلا بد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر. العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده".
أوصى بعض السلف بنيه قائلاً: "إن أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف؛ فليوطِّن نفسه على الصبر، وليثق بالثواب من الله –تعالى-؛ فمن وثق بالثواب لم يجد مسَّ الأذى".
ولقد كان الله -تعالى- يحفظ أكثرهم من بأس الظالمين ببركة إخلاصهم، وحسن مقصدهم، وقوة توكلهم، وابتغائهم بكلامهم وجه الله –تعالى-.
لله أنتم تسحقون المنكرا *** وتمعّرون الوجه منه تأثرا
لله أنتم كيف يغرق مركب *** أنتم به هيهات لا لن ينخرا
يا خيرنا يا فخرنا يا ذخرنا *** حقٌّ علي بمثلكم أن أفخرا
لا تتركوا للمفسدين بقية *** لا تمهلوا زرع البغاة فيكبرا
هي أمتي جسد إذا عضو طغى *** فيه الفساد فحقه أن يبترا
يا آمراً بالخير ألف تحية *** من خافق لما رآك تبخترا
كم من فتاة قد حفظتم عرضها *** توصونها باللين أن تتسترا
كم غافل أرشدتموه إلى الهدى *** إذ عاد من بعد الضلالة مبصرا
يا من إذا نمنا بثوب أماننا *** فتحوا العيون الناعسات لتسهرا
وإذا أتينا للبيوت بمنكر *** عصروا القلوب إذا رأوه تحسرا
من يدعوا للمعروف يجز بمثله *** والله أكْثَرَ للفتى إن أكثرا
هم للورى ركب النجاة تقدماً *** وبدونهم تمضي الركاب إلى الورا
اللهم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم