عناصر الخطبة
1/ حكم عظيمة يعجز العقل البشري عن إدراك 2/ في التقلبات الجوية حكم باهرة 3/ أهمية التأدب وتعظيم أفعال الله تعالى 4/ تأملات في فوائد الغبار 5/ موقف المسلم من تقلبات الفصول وما يصاحبها من ظواهر كونية.اقتباس
فالعلم إذا تقدم تبين للناس قلة علمهم، وكثرة جهلهم، وتبين لهم سعة علم الله الذي لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء. وفي هذه التقلبات الجوية حكم باهرة لا يحيط بها المسلم، قد ذكر العلماء بعضًا منها ولكنهم لا يأتون على جملتها، غير أن المسلم يجب عليه أن يعتقد أفعال الله الحكمة البالغة، علمها أو جهلها، كما يجب على المسلم أن يمسك لسانه عما لا يليق من سبّ الريح أو الغبار أو المطر أو الحر والبرد، فهذه كلها مخلوقات مسخرة..
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
أما بعد فيا أيها الناس: إن الله سبحانه هو الحكم العدل، بيده مقاليد كل شيء، لا يُسأَل عما يفعل وهم يسألون، فالملك ملكه، والخلق خلقه جل في علاه، وإننا نعيش في هذه الفترة الزمنية بين خروج الشتاء ودخول الصيف في تقلبات للجو، من بين برد وحر، وغبار ومطر، وعواصف رعدية، قد تجتمع كلها في يوم واحد، وهي من فعل الله سبحانه، لها حكم عظيمة يعجز العقل البشري عن إدراك بعضها، فما هو موقف المسلم من هذه التقلبات، هذا ما سنعرض له في هذه الخطبة بإذن الله.
عباد الله: يقول سبحانه: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]، وإن هذه الآية الكريمة لتتجدد معانيها كلما تقدم الزمن، بل كلما ازداد العلم، كلما ظهرت معاني هذه الآية الكريمة.
فالعلم إذا تقدم تبين للناس قلة علمهم، وكثرة جهلهم، وتبين لهم سعة علم الله الذي لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء.
وفي هذه التقلبات الجوية حكم باهرة لا يحيط بها المسلم، قد ذكر العلماء بعضًا منها ولكنهم لا يأتون على جملتها، غير أن المسلم يجب عليه أن يعتقد أفعال الله الحكمة البالغة، علمها أو جهلها، كما يجب على المسلم أن يمسك لسانه عما لا يليق من سبّ الريح أو الغبار أو المطر أو الحر والبرد، فهذه كلها مخلوقات مسخرة، والله هو الفاعل الحقيقي، كما قال أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -عز وجل-: يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار".
وجاء الحديث بألفاظ مختلفة منها رواية مسلم: "قال الله -عز وجل-: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر، فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما".
ومنها رواية للإمام أحمد: "لا تسبوا الدهر فإن الله -عز وجل- قال: أنا الدهر، الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك".
وأخرج الترمذي وصححه من حديث أبي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تسبُّوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أُمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به".
فالخلق كله مسخَّر، يجري بأمر الله له، فإذا سببت شيئًا منها فقد سببت مسخِّرها وهو الله فكن متيقظًا في ألفاظك، فقد يخرج المسلم من الدين بكلمة لا يلقي لها بالاً والعياذ بالله، والبعض يطلق الكلمة مازحًا ساخرًا بها، وما يدري عظم جرمها عند الله.
أيها المؤمنون: عظموا الله في أفعاله، وتأدبوا مع الله في مقالكم وأفعالكم فشأن الله عظيم، فمن تأمل صنع الله في ملكه علم رحمة الله بخلقه، وإحسانه إليهم، كما قال سبحانه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185].
فمما ذكر أهل الاختصاص كابن خلدون -رحمه الله- في فوائد الغبار حيث يقول ابن خلدون في مقدمته: "إن الأرض بعد تقلب الفصول من فصل إلى فصل.. أي من الشتاء إلى الصيف.. تبدأ بلفظ أمراض وحشرات لو تركت لأهلكت العالم فيرسل الله الغبار.. فتقوم هذه الأتربة والغبار بقتلها.. وتتراوح حجم حبة الرمل بحسب الحشرة فبعضها صغير يدخل عيونها وبعضها يدخل أنوفها وبعضها في جوفها وبعضها في أذانها وتميتها.. وأيضًا تلفظ الأرض الأمراض بعد الرطوبة خلال فصل الشتاء.. فلا يقتلها ويبيدها إلا الغبار" بأمر الله.
هذا ما ذكره ابن خلدون عن الغبار، وأكدته بعض المصادر العلمية، وكشفت عن مصادر تكوينه بأنه "اسم عام لأي جزيئات صلبة دقيقة التي يقدر قطرها بأقل من 50 ميكرو متر، ويحدث الغبار في غلاف الأرض الجوي لأسباب عديدة منها غبار التربة الذي تحمله الرياح وحبوب اللقاح في البيوت والمكاتب، وبغضّ النظر عن أضرار الغبار التي تحدَّث عنها كثير من العلماء ويعرفها العامة وأهمها تأثر الإنسان بها صحياً ونفسياً، فتتعطل كثير من مصالحه وأعماله، وهذا ما يجعله يشعر بالضيق والضجر في الأيام التي تنشط فيها الرياح المحمَّلة بالأتربة، كذلك فإن المستشفيات تتكدس بالمراجعين الذين تأثروا بالغبار وخاصة الذين يعانون من أمراض الحساسية والربو وأمراض الصدر وغيرها. عافانا الله وإياكم منها.
إلا أن فوائد الغبار تتعلق كما أكد بعض العلماء بحياة الإنسان جملة، كونها حائط الصد الذي يحول بين الكائنات الضارة الخطرة والإنسان كما ذُكر، فضلا عن فوائد أخرى مهمة منها منع الإشعاع الضار، وقتل الميكروبات في الهواء، ويمنع تبخر الماء في النبات أي عملية النتح، ويقلل من درجة الحرارة، وله دور في عملية تلقيح النباتات، حيث قال الله تعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].
ويقول أهل الاختصاص: إن مثل هذه الرياح والغبار تفيد أجواء المدن الصناعية بأنه يزيل عنها أطنان العوادم والغازات السامة من أجوائها، فهو يجدد الهواء بقدرة الله تعالى، كما يقول أهل الخبرة: إن مثل هذا الغبار إذا أعقبه المطر فإنه يصير -أي الغبار- مثل السماد للأرض فيفيد الشجر والنبات عموماً. فسبحان الله الحكيم العليم.
ولقد رأينا من رحمة الله ما ظهر جليًّا، خصوصًا في المرة الماضية لما أقبل على مدينة الرياض جبال من الغبار كان لولا لطف الله سيدفنها، فأرسل الله المطر فسبق الغبار فسكنه، بعد أن خاف الناس أن يصيبهم ما أصاب الدول المجاورة، فلله الحمد والمنة.
اللهم اجعلنا ممن يقدرك حق قدرك يا رب العالمين، أقول قولي هذا....
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: إننا لن نبلغ شكر الله حق شكره، فلا أقل من أن نتأدب مع الله بحسن ألفاظنا وأفعالنا، هي من العبادات الجليلة، بل من أعظم العبادات، وتدخل في قوله تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13]، وقوله: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام: 91].
عباد الله: كثر في هذه الأيام ما ينشر عن علماء الفلك من توقعات وتخرُّصات، فمنها ما ينبني على علم، ومنها ما هو خَرْص وكذب، فلا مانع من قبول قول الثقة العالم بمجاله، غير أن كثرتها أورثت عند الناس يقينًا بقولهم، وكأنه حق لا شك فيه، وهذا خطأ، ولربما وقع خلل عند البعض في اعتقاده، حيث ينسب كل شيء إلى الظواهر الجغرافية، فالأمطار بسبب منخفض جوي، والأعاصير الباردة بسبب رياح قادمة من شمال الكرة الرضية، وكل ظاهرة كونية تجدهم يربطونها بمتغيرات جغرافية، حتى نسوا أن الله –سبحانه- هو المسبِّب لذلك، وجعل هذا سببا لهذا، فالأمطار إذا شاء الله نزولها، رتب لها أسبابًا، كما قال سبحانه (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النور: 43].
فكل ظاهرة كونية من مطر وغبار وعواصف ورياح وزلازل وفيضانات، فهي من فعل الله الذي سبَّب أسبابها، وقدَّر حدوثها، فمن كمال التوحيد نسبتها لله مباشرة وعدم نسبتها لأسبابها، خصوصًا إذا كانت الأسباب غير ظاهرة، حتى يقوى الإيمان، وتزول الاعتقادات الباطلة.
معاشر المسلمين: يخطئ البعض في اللفظ، عندما يقول توقفت الملاحة الجوية أو الحركة المرورية بسبب سوء الأحوال الجوية، مما يشعر المستمع أن ما يحدث شر محض لا خير فيه، ومما يشعر أو يقدح في النفس أن من أفعال الله ما هو شر محض لا خير فيه، وهذا خلل في المعتقد، فأفعال الله ليس فيها شر محض، ولهذا جاء في الحديث والشر ليس إليك، أي لا ينسب الشر المحض لله، فأفعال الله كلها خير في الجملة، ووقوع الضرر على بعض الأفراد لا يخرجها عن الخيرية.
أيها المؤمنون: إن تقلبات الفصول وما يصاحبها من ظواهر كونية، دلالة على وحدانية الله، فأين تصرف عقول الملحدين عن هذه الآيات:
ففي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
اللهم ارزقنا العلم النافع الذي يدلنا على حسن عبادتك وقدرك حق قدرك ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا يا رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم