عناصر الخطبة
1/ فضل الله على عباده المؤمنين 2/ نصرة المؤمنين في عاصفة الحزم 3/ أسباب النصر والتمكين 4/ وجوب الأخذ بالأسباب الحسية للنصر على الأعداءاقتباس
ومع قيام العباد بهذه الأسباب العظيمة للنصر والتمكين؛ عليهم أن يأخذوا بما أمرهم الله -تبارك وتعالى- به من أسبابٍ حسية للنصر على الأعداء دون أن يكون اعتماد منهم على تلك الأسباب، بل يفوضوا أمورهم في جهادهم وشؤونهم كلها على الله جل في علاه؛ فإن الأسباب مهما عظمت والوسائل مهما كثرت والعتاد مهما بلغ فإنه لا يساوي شيئُا بالنسبة للقوي العزيز جل في علاه؛ فالنصر منه وحده يُستمنح، ولا ينال إلا بطاعته جل في علاه والعمل برضاه -سبحانه وتعالى-، (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القوي العزيز؛ يعز من يشاء ويذل من يشاء، لا منصور إلا من نصره الله، ولا عزيز إلا من أعزَّه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، السراجُ المنير؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله ربكم وراقبوه سبحانه في سركم وجهركم مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون عباد الله: لقد نصر الله -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين وأولياءَه المقربين في مواطن كثيرة؛ في بدرٍ والأحزاب والفتح وحنين وغيرها، وفاءً منه -تبارك وتعالى- بوعده (لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)[الروم:6]، وهو القائل -جلَّ في علاه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد:7]، والقائل سبحانه: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم:47]، والقائل -جلَّ في علاه-: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر:51].
نصرهم -سبحانه وتعالى- لقيامهم بدينه الذي كتب الله له الظهور على الدين كله، قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[الصف:9]، نصرهم جل وعلا لقيامهم بأسباب النصر وموجبات التمكين، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج:40-41].
وتأمل -رعاك الله- كيف أكَّد الله -سبحانه وتعالى- هذا الوعد بالنصر لمن نصره ونصر دينه بمؤكدات عديدات:
بالقسم المقدَّر بقوله (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)، وتقديره والله لينصرن الله من ينصره.
وباللام والنون في قوله (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ)؛ فهما للتوكيد.
وبالختم لهذا السياق بقوله جل في علاه: (إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي أن من لجأ إليه ولاذ بحماه نصره جل في علاه، قال الله -تعالى-: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) [آل عمران:160].
وتأمل -رعاك الله- في هذا الختم لهذا السياق المبارك بقوله -جل وعلا-: (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)؛ فإن في ذلك تنبيهًا لأمرين عظيمين يتعلقان بالنصر؛ أولهما قبله، والآخر بعده:
أما ما قبل النصر: فإذا استبطأ المرء النصر لا ييأس ولا يقنط، فإن لله -تبارك وتعالى- عاقبة الأمور.
وأما بعد النصر: فلئلا يصاب المتنصر من أهل الإيمان بشيء من الأشَر أو البطر، بل يكون شاكرًا لربه على نعمائه، حامدًا له جل في علاه على فضله وعطائه.
عباد الله: وقد تضمَّن هذا السياق المبارك العظيم ذكرٌ لخمسة أسباب عظيمة إذا حققها أهل الإيمان استحقوا بذلك النصر والتمكين:
أولها عباد الله: تحقيق التوحيد وإخلاص العمل لله -جل في علاه- في الجهاد أو غيره؛ وذلك مستفاد من قوله: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) أي يبتغي بعمله وجه الله لا يريد به فخرًا ولا شهرةً ولا رياءً ولا سمعة، وإنما يبتغي بذلك نصر الله جل وعلا ونصر دينه؛ وهذا الإخلاص -عباد الله- هو أعظم موجبات التمكين والنصر، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)[النور:55].
والثاني عباد الله: إقام الصلاة بالمحافظة عليها بأركانها وواجباتها وشروطها وأوقاتها كما أمر الله -تبارك وتعالى-؛ فإن الصلاة -يا معاشر المؤمنين- أعظم أسباب النصر وأعظم موجبات التمكين، والله يقول: (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[البقرة:153].
والثالث عباد الله: إيتاء الزكاة لمستحقيها كما أمر الله بذلك طيبةً بها النفوس؛ لتزكو بذلك -عباد الله- نفوس العباد، ولتُسد حاجة الفقراء والمساكين وذوي الحاجات، وليكون ذلك -عباد الله- سببًا لعز الأمة وتمكنها وثباتها وقوة لُحمتها؛ فإن في أداء الزكاة من دفع الشرور وتحقيق النصر وحصول التمكين ما لا يعلمه إلا الله جل في علاه.
الرابع عباد الله: الأمر بالمعروف؛ وهو ما أمر الله -تبارك وتعالى- به وما أمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من فرائض الإسلام وواجبات الدين ورغائب الطاعات المتنوعات، إصلاحًا للعباد ونصحًا لهم وحفظًا لعزهم وتمكينهم؛ فإن ذلك إنما يكون لهم بطاعة الله ولزوم شرعه جل في علاه.
الخامس عباد الله: النهي عن المنكر؛ فإن المنكرات شرورٌ على الأمة وبلاءٌ عظيم وشرٌ مستطير، وفي النهي عنها والتحذير منها صيانة للأمة وحفظ لها من عواقبها الوخيمة ونهاياتها الأليمة ومآلاتها المؤسفة.
عباد الله: ولنتأمل هذه الأمور العظيمة الخمسة التي جمعها الله -تبارك وتعالى- في هذا السياق؛ فإن تحقيق الأمة لها أعظم موجبات تمكينها ونصرها، وعزها وفلاحها، وسعادتها في دنياها وأخراها.
عباد الله: ومع قيام العباد بهذه الأسباب العظيمة للنصر والتمكين؛ عليهم أن يأخذوا بما أمرهم الله -تبارك وتعالى- به من أسبابٍ حسية للنصر على الأعداء دون أن يكون اعتماد منهم على تلك الأسباب، بل يفوضوا أمورهم في جهادهم وشؤونهم كلها على الله جل في علاه؛ فإن الأسباب مهما عظمت والوسائل مهما كثرت والعتاد مهما بلغ فإنه لا يساوي شيئُا بالنسبة للقوي العزيز جل في علاه؛ فالنصر منه وحده يُستمنح، ولا ينال إلا بطاعته جل في علاه والعمل برضاه -سبحانه وتعالى-، (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم:6]
عباد الله: وإن من وثق بالله وأحسن الالتجاء إليه وطلب النصر منه وحده جل في علاه محافظًا على طاعته مبتعدًا عن نواهيه نال النصر والعز والتمكين والفلاح في دنياه وأخراه.
وإنا لنسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه سبحانه القوي العزيز أن يكتب لأمة الإسلام أمة محمد عليه الصلاة والسلام العز والتمكين والنصر على الأعداء، وأن يكف بأس الذين كفروا، والله جل وعلا أشدُّ بأسًا وأشدُّ تنكيلا.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله -تعالى-؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون عباد الله: لقد قيل قديمًا "الحزم مطية النجاح"؛ نعم عباد الله! عندما يكون الحزم مع الاعتماد على الله والثقة به -جل في علاه- وحسن التوكل عليه، والأخذ بالأسباب المرعية المشروعة يتحقق للأمة من العز والتمكين وقمع المفسدين ودحر المعتدين وردع الظالمين ما تقر به عيون أهل الإيمان ويتحقق السرور والسعادة (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً)[الحجرات:8].
وإنا لنحمد الله جل في علاه على ما يسَّره سبحانه لولاة أمرنا من قيام بنصرةٍ عظيمة لإخواننا في اليمن وقمعٍ للمعتدين وردعٍ لهم فضلًا منه جلَّ في علاه؛ فله الحمد أولًا وآخرا، وله الشكر ظاهرًا وباطنًا.
ونسأله جل في علاه أن يزيد ولاة أمرنا فضلًا وتمكينا، وعزًا ونصرا، وصلاحًا وفلاحا، إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.
واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمَّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينا وحافظًا ومؤيدا، اللهم احفظهم يا ربنا بما تحفظ به عبادك الصالحين.
اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم. اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولينا خادم الحرمين الشريفين لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، اللهم أيده بتأييدك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى. ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا ولولاة أمرنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم