اقتباس
هذا التدريب الهدف منه إتقان العَرض وإخراج الرسالة الخطابيّة في أحسن وأدقّ صورِها، حيثُ يُجرّبُ الخطيبُ توظيفَ ما استطاعَ من المهارات والإبداع في الأقوال والأفعال والحركات والسّكنات وتوزيع النّظرات، وتجسيدِ المشاعر، وتنويع أساليب الإقناع والتأثير، واضعًا كل شيء في محلّه الصحيح من حيثُ يُؤثّرُ وبالطريقة المناسبة، بما يضمنُ تحقيق الإتقانِ والجودَة والتميّز قبل...
ما من نشاطٍ يقومُ به الإنسانُ في الحياة إلا وهو في حاجةٍ ماسّةٍ إلى عمليّة التقويم والمراجعة، لمعرفة النتائج، والإحاطة بنقاط الضعف والقوّة، ورصد التحدّيات والأخطاء وأسبابها، بغية تحسين المردود وتطويره، وتجنّب العثرات في المستقبل.
والتقويم[1] عملية حيويّة للغاية، وأساسٌ كبير من الأسس العلمية في التفكير والتعلّم، وهو امتدادٌ للتكوين، وعاملٌ مهمٌّ من عوامِلِ النُّضجِ والتطوُّر فيه.
والتقويم: نوع من الأحكام المعياريّة الهدف منه بيان مدى اقتراب أو ابتعاد العملية التربوية أو التعليمية من تحقيق النتائج والأهداف المسطّرة .
ولا شكّ أن الخطيب بوصفه معلّمًا ومربّيًا من أحوجِ النّاس إلى تفعيل هذه المهارة المعياريّة، في سبيل تحقيق أهداف البناء والإصلاح والتغيير المنشود.
وهذه العملية تمُرُّ بمراحل متكاملة تتوقّف عليها نسبةُ النجاح:
مراحل التقويم عند الخطيب:
يحتاج الخطيب إلى ثلاث مراحِل أساسيّة متكاملة في عمليّة التقويم، ويمكن القول بأنَّ نجاحَ الخطيبِ ورسالتِهِ الدّعويّة يتحدّدُ تبعًا لنجاحِهِ في استكمالِ هذه المراحِل وتنفيذِها:
المرحلة الأولى: التقويم التشخيصي:
وهو في الحقيقة محطّةٌ تسبقُ عمليّة الخِطاب الدّعوي، حيثُ يتّجه الخطيب إلى تحديدِ طبيعةِ البيئة التي يعملُ فيها، ومستوى الجمهور الذي يقصِدُهُ بالخطاب، وميولِهِ وإمكاناتِه، وتطلّعاتِهِ وطبقاتِه، والعوامِلِ المؤثّرة فيه سلبًا وإيجابًا، وهذه معلوماتٌ استباقيّةٌ تساعدُ الخطيبَ على تحقيق الكفاءَةِ الخَطابيّة، والتخطيط السليم للأهداف والوسائل، وتمنحُهُ قدرًا لا بأسَ به من الثّقَةِ بنجاحِهِ في تحقيق تلك الأهداف، وقد تحدّثنا عن هذه النقطة بنوعٍ من التفصيل في مقال " مُعايشة الواقع وأثرُها في رسالة الخطيب "[2] .
المرحلةُ الثانية: التقويم القَبلي:
والمقصودُ به هنا عمليّة المراجَعَة والتقييم قبل مقابلة الجمهور والاتّصال الخَطابي، وهي محطّةٌ لا بُدّ منها لنجاح رسالة الخطيب، وتشمَل تقويم الخطّة علميًّا وفنّيًّا. ومراجعة الشواهد والأدلّة والتأكّد منها، وضبط عامل الوقت والصوت، وكثرة مرّات القراءة، والتدريب على الأداء قبل لقاء الجماهير.
وكلُّ نقطةٍ من هذه النقاط تحتاجُ في الحقيقةِ من الخطيبِ إلى تكوينٍ وتدريبٍ مستمرٍّ لضمانِ سلامةِ الإخراج، ونضجِ الرسالة الخطابيّة وتحقيق الأهداف المسطّرَة والتخلّص من الأخطاءِ والعادات السلبيّة.
ولو أخذنا على سبيل المثال " التدريب على الأداء " كمفردَةٍ من أهمّ مفردات التقويم القبلي":
هذا التدريب الهدف منه إتقان العَرض وإخراج الرسالة الخطابيّة في أحسن وأدقّ صورِها، حيثُ يُجرّبُ الخطيبُ توظيفَ ما استطاعَ من المهارات والإبداع في الأقوال والأفعال والحركات والسّكنات وتوزيع النّظرات، وتجسيدِ المشاعر، وتنويع أساليب الإقناع والتأثير، واضعًا كل شيء في محلّه الصحيح من حيثُ يُؤثّرُ وبالطريقة المناسبة، بما يضمنُ تحقيق الإتقانِ والجودَة والتميّز قبل عرضِ المادّة على الجماهير .
لا شكّ أنَّ هذا النوع من أقوى وسائل التقويم، ومن أضمنِها في باب تحقيق الأهداف والكفاءَة الخطابيّة.
هذا وقد أشارَ الباحثُون إلى عدّة وسائل وأدوات في التدريب على الأداء: كالخُطبة أمام مِرآة، أو تسجيل الخطبة وإعادة سماعِها من جديد، أو تصويرِها ومشاهدَتِها صوتًا وصورة، أو الخطبة أمام متمكّنٍ من الملاحظةِ والتقويم، أو التقويم الجماعي للخطيب، وما شابه ذلك.
المرحلة الثالثة: التقويم البَعدي:
والمقصودُ به هنا عمليّة المراجَعَة والتقييم بعد مقابلة الجمهور والاتّصال الخَطابي، لمعرفة نمط استجابة وتفاعل الجمهور، والنتائج الملموسة، والإحاطة بنقاط الضعف والقوّة في الأداء، ورصد التحدّيات، ومعرفة مواطن القصور والأخطاء وأسبابها والعوامل المؤثّرة في حصولها، يسجّلُ الخطيبُ ويرصُدُ كلّ هذا بغية تحسين المردود وتطويره، وتحقيق التغذية الراجعة[3]، وتجنّب العثرات في المستقبل.
وللتقويم البَعدي عدّةُ وسائل وأدوات، فهو لا يقتصر على تقويم الشخص لنفسِه بنفسِه؛ بل يتعدّاهُ إلى وسائل أخرى: كطلبِ تقويم الآخرين للخُطبة والأداء، والاستبيان، والسؤال المباشر، والتقييم الإلكتروني في المنتديات التفاعلية، والمقارَنَة بالمَصاقِعِ من الخطباء للاستفادة من خبراتِهم وتحسين الأداء، وغيرها من وسائل التقويم.
وفي النهاية يحسُنُ تلخيصُ فوائدِ مهارة التقويم على الخطيبِ ورسالته الخطابيّة:
1 / فالتقويمُ يساعدُ على تحقيق نُضجِ التكوين والثقة في النفس.
2 / يساعدُ كذلك على الدِقّة والواقعيّة في تسطير الأهداف وإمكانية قياسِها في الواقع.
3 / يساعدُ على إدراكِ مواضعِ الخلل والقصور وتفادِيها، وتعزيز نقاط القوّة وتطويرها.
4 / يفعّلُ في الخطيبِ ثقافةَ الاعتراف بالخطأ وتقبّل النقد، وبالتالي التحسين والتطوير.
5 / كما يفعّل في الخطيب مهارة التخطيط وبالتالي ضمان نجاح الأهداف بإذن الله تعالى.
مرفق ملف بوربوينت (مهارة التقويم) للتحميــل ...
--------------------------
[1] - مصطلح عمَّ الفضاء الأدبي واللساني والنقدي والعلمي ، و أصله في اللغة : مصدرٌ فعلُهُ " قوَّمَ " بفتح القاف وتشديدِ الواوِ المفتوحة ، ثم ميم بعدها ، ومعناه الانتصاب و التعديل و إزالة الاعوجاج : و انظر : معجم مقاييس اللغة- ابن فارس- تحقيق عبد السلام هارون - دار الفكر - 1979م ، ( ج 5 ص 43 ) .
[2] - مقال للكاتب منشور في موقع ملتقى الخطباء - استراتيجيّة الخطيب.
[3] - التغذية الراجعة : هي أية معلومات راجعة من مصدرها ، تفيد في تنظيم السلوك وضبطه . أو : " هي مجموعة من المعلومات و الإرشادات التي توجّهُ من المعلّم إلى المتعلّم ، سواءً أكان ذلك قبل الأداء أم بعده أم في أثنائه ، وذلك بغض تعديل أداء المتعلّم وتطويره " وانظر دراسة : " التغذية الراجعة وتعلم اللغة الثانية " للدكتورة : هداية هداية إبراهيم - جامعة محمد بن سعود - ص2 - نشر موقع الألوكة .
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم