عناصر الخطبة
1/ الإسلام دين الرحمة 2/الرحمة بين الأهل والأقارب 3/ الرحمة بالضعفاء والفقراء 4/ الرحمة بالحيواناقتباس
هذا هو دين الإسلام لا تقتصر فيه الرحمة على البشر، بل تجاوزته إلى سائر الكائنات. هل سمعت بدين يأمر بالرفق والرحمة بالحيوان، ويجرّم تعذيبه ويتوعد صاحبه بأشد العذاب؟ إنه دين محمد.
الخطبة الأولى:
الإسلام دين الرحمة، دين التراحم، يدعو إلى الرحمة ويثيب عليها، ويدعو إلى التراحم ويجازي عليه.
وقد تحدثنا في الجمعة الماضية عن بعض صور الرحمة في الإسلام. وهذه صور أخرى تبين لنا بجلاء أن دين الإسلام دين رحمة للخلق كله.
ومن صور الرحمة ومظاهر الرحمة في الإسلام: الرحمة بين الأهل والأقارب، رحمتك لزوجتك وإخوانك وأخواتك وسائر قرابتك. أن يرحم المرء أهل بيته؛ أن يحسن رعايتهم وعشرتهم، أن يعاملهم باللطف واللين، والمحبة والمودة، أن يسهر على خدمتهم، أن يشبعهم، ويكسوهم، ويسكنهم، ويقدم لهم من الخير ما استطاع، وقبل ذلك كله أن يقودهم إلى الجنة، ويُعرّفهم أبوابها وسبلها، ويقيهم من النار، ويُحذرهم من طرق الضلال التي تقودهم إليها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
ومن الرحمة بالأهل الرحمة بين الأزواج: أن يرحم الزوج زوجته، فيحسن إليها، ويشفق عليها، يحسن عشرتها فلا يظلمها ولا يؤذيها. أن ترحم الزوجة زوجها فلا تؤذيه، ولا تحمّله ما لا يطيق، بل تساعده وتقف إلى جانبه.
إنها الرحمة التي جعلها الله -تعالى- بين الزوجين تفضلا منه ونعمة، فبها تستقيم الحياة الزوجية وتهنأ، وبدونها تضطرب الحياة الزوجية وتشقى، قال الله -سبحانه-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21] فقد جعل الله -سبحانه- بين الزوجين مودَّةً ورحمة، فامتثل الرحمةُ المهداة -صلى الله عليه وسلمَ- ذلك، فكان نِعمِ الزوجُ، ونعمَ الأبُ، ونعمَ الجدّ، وأرشد المؤمنين للأخذ بهذا التوجيه، والاقتداءِ به -صلى الله عليه وسلمَ- فيه، فقال: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" (أخرجه ابن حبان والترمذي عن عائشة).
وحذَّر النبي -صلى الله عليه وسلمَ- من ضرب الزوجة دون مبرر شرعي فقال: "ألاَ عسَى أحدُكم أن يضربَ امرأتَه ضرْبَ الأمَةِ! ألا خيرُكم خيركُم لأهلِه" (أخرجه البزار في مسنده، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
من صور الرحمة المشرقة في دين الإسلام: الرحمة بالضعفاء والفقراء. فمن شعائر الإسلام العظيمة: إطعام الطعام، والإحسان إلى الفقراء والأرامل والأيتام، طلبًا لرحمة الله الملك العلام، روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلمَ-: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ".
الذي يطعم الأرملة ويدخل السرور عليها ويرحم بُعد زوجها عنها، حين يكون لها كزوجها إحسانًا وحنانًا؛ كالصائم الذي لا يفطر من صيامه. والقائم الذي لا يفتر من قيامه. فهنيئًا ثم هنيئًا لأمثال هؤلاء الرحماء.
وأخرج البخاري في صحيحه عن سَهْل بْن سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلمَ- قَالَ: "أَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا" وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى.
وأخرج الإمام أحمد والبيهقي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ: "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ".
أخي الكريم: لعل القليل من المال تدخل به السرور على فقير محتاج، يمنحك الله به جنة عرضها السماوات والأرض.
ولعل قليلا من المال تجود به على مكروب تنفس به عنه كربته وتمسح به عنه دمعته، ينفس الله -تعالى- به عنك كربة شديدة من كرب يوم القيامة، ف "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".
أيها الناس: كيف يهنأ المرء بطعام وهو يعلم أن جاره جائع أمسى طاويًا يتلوى من الجوع، ترى الفقراء والمساكين يملؤون السكك والطرقات لا يجدون كسرة الخبز، بينما تُرْمى أشهى الأطعمة في صناديق القمامة، ولا تقدم إلى الأكباد الجائعة والبطون الخاوية.
الفقراء يمرضون السنوات الطويلة ولا يجد أحدهم دواءً، المساكين يطرحون في المستشفيات على الأسِرَّة كالموتى ولا يجدون من يعودهم ويواسيهم.
فأين الرحمة؟ وأين التراحم؟
اعلم -أخي الكريم- أن ما قدمته لمحتاج لن يضيع، وأنك حين تفعل الخير مع العباد فأنت تتعامل مع الله، وتتاجر مع الله؛ كما قال تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد: 11].
روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -عز وجل- يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ؛ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي (أضاف المرض إليه والمراد العبد تشريفا له وبيانا لقدر هذا العمل عند الله -سبحانه-)، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ (أي وجدت ثوابي وكرامتي في عيادته) يَا ابْنَ آدَمَ؛ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ؛ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي".
ففي عيادتك للمريض أجر، وفي إطعامك للجائع أجر، وفي سقيك للظمآن أجر، قال تعالى: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا) [المزمل: 20].
الخطبة الثانية:
هذا هو دين الإسلام؛ لا تقتصر فيه الرحمة على البشر، بل تجاوزته إلى سائر الكائنات. هل سمعت بدين يأمر بالرفق والرحمة بالحيوان، ويجرّم تعذيبه ويتوعد صاحبه بأشد العذاب؟ إنه دين محمد، دين الرحمة والرفق والعدل والإحسان.
دين يحث على سقي الحيوان وإطعامه، ويَعِد من فعل ذلك بمغفرة الذنوب العظام؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلمَ-: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ".
دين يحرم الاعتداء على الحيوان، ويجرم تعريض الحيوان للهلاك؛ في الصحيحين عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ عَلَى الحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ، فَرَأَى غِلْمَانًا، أَوْ فِتْيَانًا، نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَقَالَ أَنَسٌ: "نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلمَ- أَنْ تُصْبَرَ البَهَائِمُ".
وفي صحيح البخاري عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ، أَوْ بِنَفَرٍ، نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلمَ- لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا"، وقال رضي َالله عنه: "لَعَنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلمَ- مَنْ مَثَّلَ بِالحَيَوَانِ".
وفي صحيح مسلم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "مَرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا لَعَنَ اللَّهُ، مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا".
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- قَالَ: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".
فهذا جزاء من يحمل قلبًا غليظًا، قلبًا قاسيا نُزعت منه الرحمة والشفقة، قلبًا لا يحس بآلام الآخرين، يستعرض صاحبه غلظته وجفاءه على مخلوقات ضعيفة لا حول لها ولا قوة.
وإذا دعت الحاجة إلى قتل حيوان أو ذبحه فليكن ذلك برفق وإحسان، دون تعذيب للحيوان؛ فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ".
فهذا هو الذي ينبغي للعالم كله أن يسمعه ويعلمه عن ديننا العظيم، ليعلموا أن الإسلام ليس دين عنف ولا إرهاب، وإنما هو دين رحمة ومودة وإحسان.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم