د. أمين الدميري
إذا كانت العَلمانية حركةً مضادة للدِّين، وتهدف إلى صرف الناس، وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالدنيا وحدها؛ كما جاء في دائرة المعارف البريطانية مادة: SECULARISM، وتعني كذلك الرُّوح الدنيوية، أو الاتجاهات الدنيوية، والاعتقاد بأن الدِّين لا دخلَ له في شؤون الدولة، وخاصة التربية العامة؛ كما جاء في: "قاموس العالم الجديد لوبستر"، وتعني كذلك الدنيوي، أو المادي، أو اللاَّديني، مثل: التربية اللادينية، وأنه ينبغي ألا يكون الدينُ أساسًا للأخلاق والتربية[1]، وإذا كانت "العولمة" - أيضًا - تهدف إلى إبعاد الدِّين عن دائرة الاهتمام والتأثير، وإن كانت تستتر وراء شعارات، مثل: "السلام الدولي"، أو "الشراكة"، أو "التوازن العالمي" - فإن الأهدافَ الحقيقية للعَوْلَمة والعلمانية هي هدم الدين، وخصوصًا: الدين الإسلامي، وهو ما يسمونه: "الإرهاب الدولي"، أو "التيار الأصولي"؛ يقول الدكتور مصطفى محمود أبو بكر - أستاذ إدارة الأعمال كلية التجارة، جامعة المنوفية -: "...
وفي كلِّ الأحوال لَم يكُنْ أمام أنصار العولمة المعاصرة والمستفيدين منها سوى خيارينِ اثنين لا ثالثَ لهما، إما الإعلان بأن العولمة لا دخلَ للدين فيها، وأنه لا مجال للربط بين مفهوم العولمة ومتطلباتها وبين الدِّين، وعليه فلا بد أن تكون العولمة هي العَلمانية وتطبيقها، وبهذا الإعلان تكونُ العولمة هي العلمانية نفسَها، وهي بمثابة جسمٍ قديم في ثوب جديد، وإما الإعلان بضرورة استبعاد الدِّين من دائرة الاهتمام والتأثير، على اعتبار أن الإسلامَ هو العدو الأول والحاجز المانع أمام انتشارِ العولمة الدولية وسيطرتها عامة، والعولمة الأمريكية خاصة، ثم يحرص أصحابُ العولمة المعاصرة على تدميرِ التصور والاتجاه الإسلامي الصحيح، مستخدمين في ذلك كلَّ السبل والوسائل التي فيها طمسُ المفاهيم والتصورات الإسلامية الصحيحة، وتفتيت العمل الإسلامي، وتبنِّي التيارات غير الواعية - أو غير المخلصة منها - بديلاً للنموذج الإسلامي الصحيح، وبناءً على ذلك يتضحُ أن العَلمانية - باعتبارها دينًا - هي البوابةُ الحقيقية التي تفتحُ المجتمعاتِ الإسلاميةَ وعقولَ أبنائها أمام العولمة المعاصرة"[2].
جاءت الحملة الفرنسية تحمل قلبًا صليبيًّا وعقلاً علمانيًّا؛ لتدكَّ حصونَ الإسلام، ولتضعَ وصية لويس التاسع موضع التنفيذ، ومع أن الحملة لم تستغرِقْ أكثرَ من ثلاث سنوات، فإنها خلَّفت وراءها زلزالاً كبيرًا، كانت أعدَّت له عُدَّتَه، كانت أحوال المسلمين مهيَّأة، ومما ساعد الحملةَ على تنفيذ أهدافها ما يلي:
1- أن سياسة نابليون قامت على "ترويض أو تسييس الدِّين" لا مقاومته، وكان لهذه السياسة عظيمُ الأثَر في آلية إدخال العَلْمانية والتغريبِ إلى العالَم الإسلامي.
2- الفِكر الإرجائي، أو الفصل بين الإيمان وبين القول والعمل، وقد استفاد منه نابليون وساعِدُه الأيمن (فينتور دي بارادي)، الذي تجوَّل في العالم الإسلامي أربعين سنة قبل الحملة ليدرُسَ أحوال المسلمين وعقائدهم؛ كي يحدِّدَ الثغرات التي ساعدت في اختراق الفِكر والشعور الإسلامي؛ ولهذا كانوا حريصين على إنفاذِ الحجِّ من ناحية، وإقامة الموالد من ناحية أخرى[3].
وكانت مخلفات الحملة على ما يلي:
1- بَدْء تنحية الشريعة الإسلامية.
2- تهميش القوى الإسلامية المناهضة للغرب، واستمالة بعضِ أصحاب النفوذ والتأثير، وخصوصًا بعض مشايخ الأزهر؛ فقد حاول نابليون تقليدَ شيخِ الأزهر وشاحًا يحمل ألوانَ عَلَمِ فرنسا، ورفَض شيخُ الأزهر ذلك.
3- إبراز دور النصارى والأقليات الأخرى، وإشراكُهم في مراكز التأثير.
4- إثارة النَّعرات الوطنية، واعتبار المسلمين غزاةً لِمِصرَ، هذا بالإضافة إلى إيجاد قاعدة دعائية لخدمة الغرب والترويج للعلمانية، الذين حملوا لواء العلمانية في بلاد المسلمين، ومن هؤلاء على سبيل المثال: حسن العطار (1190 - 1776)، ورفاعة الطهطاوي وغيرهم، إلا أن أخطرَ هؤلاء في وقتنا الحاضر هم الذين يُنادُون بإعادة قراءةِ التراث وتأويلِه وتوظيفه لتحقيق ما يلي:
أ- إنشاء عِلم كلام جديد، أو عِلم أصول دِين جديد.
ب- إنشاء علم فِقه، وأصول فِقه جديد، من أجل مصلحة الوطن.
ج- إحداث تفسيرٍ جديد للقرآن يعتمد على العقلِ لا النقل.
د- إحداث عِلم الاستغراب في مقابل علم الاستشراق؛ لأن علمَ الاستشراق هو دراسة الغرب للشرق، أما علم الاستغراب، فهو دراسة الشرق للغرب؛ بهدف إيجاد مفكِّر عضوي يمكنه نقدُ التراث، ومحاكاة الفيلسوف الغربي "سيبنوزا"، الذي تعرَّض لنقد التراث المسيحي، وأبرز هؤلاء وأشهرُهم هو "د. حسن حنفي"[4]، والملقَّب بالمفكر العضوي، أو "سيبنوزا الفِكر الإسلامي"[5].
ومما سبَق يمكن القول بأن أهمَّ أهداف الدعوة الآن ما يلي:
1- بيان فساد عقيدةِ الإرجاء، وتصحيح مفهوم القدَر، والتعامل معه بالمنازعة (منازعة القدر بالقدر)، لا بالتَّسليم والعجز[6].
2- بيان أن الإسلامَ عقيدةٌ وشريعةٌ، دينٌ ودولة، ومنهجُ حياة كاملة، لا نرضى عنه بديلاً.
3- بيان ظروف نشأة العَلمانية وأسبابها وبيئتها وأهدافها، وأنها لا تصلُحُ ولا تتَّفق بأيِّ حالٍ من الأحوال مع الإسلام والمسلمين، وأنه لا يمكنُ ألبتة إيجادُ ما يسمَّى بمسلم عَلماني، أو عَلماني مسلم.
4- بيان أن الإسلامَ يرفُضُ العَلمانية، وأنها كفرٌ وإلحادٌ وشِرك بالله عز وجل[7].
5- بيان أهداف العولَمة، وأن المراد بها إذلالُ المسلمين، والتحكُّم في مقدَّراتهم.
6- كشف أسماء وجهود طابور العَلمانيين، وبيان أخطار ما يقولون وما يكتبون، والرد عليهم ونقدُهم بطُرق عِلمية وأدلة شرعية.
7- بيان أن الإسلامَ يحارب العجز والكسل، ولا يرضى بالفَقر والضعف، ويدعو إلى امتلاكِ أسباب القوةِ لإعلاء كلمة الله تعالى في الأرض، كما يضع تصوُّراتٍ وقواعدَ لقيادة الحياة.
8- بيان فساد الشِّعارات التي يُطلِقُها العَلمانيون، ويهدفون مِن ورائها إلى تأخُّر المسلمين؛ كي يظلُّوا تابعينَ للغَرْب الصليبي، ومن أخطر هذه الشعارات: لا دِينَ في السياسة ولا سياسيةَ في الدِّين؛ لأن المرادَ بها إبعادُ الدِّين، وتنحيتُه عن الحُكم والاقتصاد، والتعليم والتربية، وحصرُ الدِّين في العبادات دون المعاملات، وأن المسلم له أن يتعبَّدَ كما يشاء في المسجد، أما خارجه، فلا شأن ولا مجالَ للدِّين، ولا مكانَ له في واقعِ حياة الناس ومعاملاتِهم الدُّنيوية.
9- بيان أهمية ومكانةِ العِلم في الإسلام، وأن النهضةَ العلمية في الغرب قامت على أنقاضِ الحضارة الإسلامية؛ حيث إن للمسلمين الفضلَ في نهضة الغرب؛ فقد أخذوا علوم الفلك، والكيمياء، والفيزياء، والطب، والصيدلة، والهندسة، والرياضيَّات، عن العلماء المسلمين، أمثال: ابن سينا، والفارابي، وابن الهيثم، والرازي، وغيرهم.
10- بيان أن جهادَ اليوم هو جهادُ الفقر والتخلُّف والتَّبعية.
من كتاب: "البصيرة في الدعوة إلى الله"
[1] الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه؛ د. يوسف القرضاوي، ص 49.
[2] مجلة البيان، العدد 159، فبراير 2001 م، ص65.
[3] المرجع السابق ص 49.
[4] المرجع السابق ص44.
[5] قراءات نقدية في فِكر حسن حنفي، مكتبة مدبولي الصغير، ط1، 1997، ص31.
[6] معارج القبول؛ لحافظ بن أحمد الحكمي، المطبعة السلفية، ط3، ص 247.
[7] انظر: العَلمانية؛ الشيخ سفر الحوالي، ص 647.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم