د. أمين الدميري
ثانيًا: الدعوة إلى التوحيد، وتصحيح المفاهيم الخاطئة في أمور العقيدة:
لقد أغارت جحافلُ الغزو الثقافي على بلاد المسلمين، وتسللت إلى عقولهم وقلوبهم؛ مستغلِّين غَفوة المسلمين في فترة كانوا فيها أقل تمسُّكًا بدينهم، وارتباطًا بعقيدتهم، وقد دب فيهم الوهَن، واختلطت العقيدةُ الصافية ببعض العقائد الباطلة، والمذاهب المنحرفة؛ كالمرجئة، والجهمية، والقدرية[1].
وقد شجَّع الاستعمارُ هذا الانحرافَ، كما سعى إلى الفصل بين العبادات والمعاملات، فتم استبعاد الشريعة، ليصبحَ الدِّين: طقوسًا ومراسيمَ، وأعيادًا ومواسم وموالد.
ومن هنا كانت الدعوةُ إلى التوحيد الخالص والعقيدة الصافية ضرورةً ملحَّة، وفي مقدِّمة الأولويات والاهتمامات، والدعوة كذلك إلى تصحيح المفاهيم في جوانبِ العقيدة، ويمكن تحديد أهداف الدعوة كما يلي:
1- توضيح معنى (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).
2- توضيح معنى (الإسلام).
3- توضيح معنى ( العبادة).
4- توضيح معنى (الإيمان).
5- توضيح معنى ( الشرك).
أولاً: الشهادتان: (شهادة أن لا إله إلا اللهُ، وأن محمدًا رسول الله).
فلا يدخل العبد في الإسلام إلا بهما، ولا يخرُج منه إلا بمناقضتهما؛ إما بجحود لِما دلَّتا عليه، باستكبار عما استلزَمَتاه، فبالشهادة الأولى يعرِف المعبود وما يجب له، وبالثانية يعرف كيف يعبُده؛ ففي الشهادة الأولى توحيد المعبود الذي ما خلَق الخَلْق إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، وفي الشهادة الثانية توحيد الطريق الذي لا يُوصَل إلى الله تعالى إلا منه، ولا يقبَل دينًا ممن ابتغى غيرَه ورغِب عنه[2]، والتوحيد الذي دعت إليه الرسلُ ليس هو الاعتقاد بأن الله خلَق العالم فقط؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ [المؤمنون: 84 - 89]، يقول شارح كتاب التوحيد (فتح المجيد): وليس المرادُ بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أن الله خلَق العالم... فإن الرجل لو أقرَّ بما يستحقه الربُّ تعالى من الصفات، ونزَّهه عن كل ما ينزه عنه، وأقر بأن الله خالقُ كل شيء - لَم يكُنْ موحِّدًا حتى يشهد أن لا إله إلا الله وحده، فيقر بأن الله وحده هو الإلهُ المستحقُّ للعبادة..، "والإله" هو المألوه المعبود، وليس هو الإله بمعنى القادر على الاختراع..، و" لا إله إلا الله" نفيٌ وإثبات، والنفي المحض ليس توحيدًا، وكذلك الإثبات بدون النفي، فلا يكون التوحيدُ إلا متضمنًا للنفيِ والإثبات، وهذا هو حقيقة التوحيد[3]؛ قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 256، 257]، ولما بعَث رسول صلى الله عليه وسلم مُعاذًا إلى اليمين قال: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أولَ ما تدعوهم إليه شَهادةُ أن لا إله إلا الله، وفي رواية: إلى أن يُوحِّدوا الله))[4]؛ فالدعوةُ إنما تكون إلى توحيدِ الله تعالى؛ أي: إلى شهادة أن لا إله إلا الله؛ كما جاء في شرح كتاب التوحيد: (لا بد في شهادة أن لا إله إلا الله من سبعة شروط، لا تنفع قائلَها إلا باجتماعها؛ أحدها: العِلم المنافي للجهل، الثاني: اليقين المنافي للشك، الثالث: القَبول المنافي للرد، الرابع: الانقيادُ المنافي للتَّرك، الخامس: الإخلاص المنافي للشِّرك، السادس: الصِّدق المنافي للكذِبِ، السابع: المحبَّة المنافية لضدها..، فإذا اجتمعت هذه القيودُ لِمن قالها، نفعَتْه هذه الكلمة، وإن لم تجتمع هذه لم تنفَعْه، والناسُ متفاوتون في العِلم والجهل بها والعمل...).
هذا، والإقرارُ بالشَّهادتين شرط لدخول الجنة والنَّجاة من النار؛ كما أنه شرط لعِصمة الدم والمال، وقد وردت بذلك الأحاديث؛ ففي صحيح مسلمٍ عن أبي هريرة مرفوعًا: ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئتُ به، فإذا فعَلوا ذلك، عصموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقها وحسابُهم على الله))؛ أي: إن الله تعالى يتولَّى حساب الذي يشهد بلسانه هذه الشهادة؛ فإن كان صادقًا، جازاه بجنات النعيم، وإن كان منافقًا ولم يأتِ بما ينافيه ظاهرًا والتزم شرائعَ الإسلام، وجَب الكفُّ عنه[5].
وإذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد دعا قومه إلى عبادة الله وحده، ونبذِ عبادة الأصنام والأوثان المنحوتة - فإن الدعوة الآن إنما تكون إلى عبادة الله وحده، ونبذِ عبادة أصنام العصر، وطواغيت الحضارة الزائفة، والمدنيَّة الداجلة، والكفر بها؛ لأنها حضارة مادية، ومدنية لا دينية عَلمانية، قامت على إنكار الإله المعبود، وتنحية الدِّين عن قيادة الحياة.
ولقد أصبح الناس في هذا الزمان نفعِيِّين يعبدون المال؛ فهو الهدف الأسمى عندهم، فيقولون: تحقيق الرفاهية، ورفع مستوى المعيشة، وفي سبيل ذلك يحتلُّون البلاد الضعيفة، ويستعبدون شعوبَها ويُذلُّونها، ويعبدون الهوى والمصلحة، ويُؤلِّهون المخلوقين، ويجحدون بالله ربِّ العالمين، وهذا ظُلم وفساد لا بد أن يقاوَم.
2- الإسلام:
معنى (الإسلام): لغة: مشتق من الاستسلام، وهو الخضوع والانقياد[6]؛ فالإسلام: هو إسلام الوجه لله تعالى؛ قال سبحانه: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112]، وفي حديث جبريل عليه السلام - رواية ابن عباس - رضي الله عنهما: ((الإسلام: أن تُسلمَ وجهك لله، وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمَّدًا رسول الله..))[7]، وكلمة "تشهد" تدلُّ على معنى العِلم والمعرفةِ والبيان، وتتضمَّنُ معنى الإقرار والإذعان والاعتقاد[8].
والإسلام: هو الخضوعُ والاستسلام لله ربِّ العالمين؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: 130]، ويشترط فيه أن يكونَ اختياريًّا لا قَسْريًّا؛ يقول صاحب كتاب أصول الدعوة: (لأن الخضوع القسريَّ لله ربِّ العالمين - أي: لسُنَنه الكونيَّة - أمرٌ عامٌّ بالنسبة لجميع المخلوقات، ولا ثوابَ فيه ولا عقاب؛ قال تعالى: ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [آل عمران: 83]، أما الخضوعُ الاختياري لله ربِّ العالمين، فهذا هو جوهر الإسلام المُطالَبُ به الإنسان، وعليه يكون الثواب والعقاب، ومظهره: الانقياد التامُّ لشرعِ الله بتمام الرِّضا والقبول، وبلا قيد ولا شرط ولا تعقيب، ومن ثَم كان الإسلامُ بهذا المعنى هو دينَ الله تعالى؛ حيث قال: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]؛ يقول ابن القيم: (فالخَلْق كلُّهم عبيدُ ربوبيته، وهي عبودية القهر والملك، وأهلُ طاعته وولايته عبيدُ ألوهيتِه)[9].
وهناك موقفانِ متعارضان متناقضانِ لبيان معنى الإسلام؛ الأول: موقف لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، لَمَّا أمَره ربه تعالى بذَبْح ولده، فاستجاب دون تردُّد، ولم يُعمِل عقله، أو يبرر، أو يسأل عن الحكمة أو السبب، ولم يقل: لماذا؟ أو: ما الفائدة؟ ولم يردَّ الأمر على الله تعالى، انقاد واستجاب للأمر الإلهيِّ برضًا وقَبول منه ومِن ولده عليهما السلام؛ يقول الله تعالى في سورة الصافات: ﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا... ﴾ [الصافات: 103]، يقول صاحب "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلامِ المنان": (أي: إبراهيم وابنُه إسماعيل، جازمًا بقتل ابنه وثمرةِ فؤاده، امتثالاً لأمرِ ربِّه، وخوفًا من عقابه، والابن قد وطَّن نفسَه على الصبر، وهانت عليه في طاعة ربِّه، ورضا والدِه)[10].
الموقف الثاني: هو موقف إبليسَ - لعَنه الله تعالى - لَمَّا أمَره ربُّه - جل وعز - بالسجود لآدم عليه السلام، ماذا فعل؟ أبَى واستكبر، وأعمل "عقله"، وبرَّر، ورد الأمر على الله تعالى، وتعلل بقياس فاسد خاطئ، بل وزكَّى نفسه، وظنَّ أنه خيرٌ من آدم؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، وغفَل وتناسى الملعونُ أن النار جاءت من الطِّين، بل وكل طاقة مصدرها طين الأرض، ونبات الأرض جعَل الله تعالى منه النار؟ قال تعالى: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ [يس: 80].
ومن هنا، فإن موقف إبراهيم يمثِّل الإسلامَ بمفهومه العميق الصحيح، الذي هو "سجود العقل" أمام أوامرِ الله - عز وجل - دون تردُّد.
أما موقف إبليس فهو النقيض، ويمثِّل تمرُّد "العقل"، واعتراضَ المخلوق على خالقه، وردَّ الأمرِ عليه؛ جحودًا واستنكافًا.
التعريف اصطلاحًا: والتعريف المختار هو:
(الإسلام: هو الخضوعُ الاختياري لله رب العالمين، ومظهرُه: الانقيادُ لشرع الله الذي أوحاه إلى رسوله محمدٍ صلى الله رب العالمين عليه وسلم، وأمره بتبليغه للناس)[11].
والإسلام هو الدِّين الذي ارتضاه اللهُ تعالى، وهو الذي قال الله تعالى عنه: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13]، يقول صاحب تيسير الكريم الرحمن: (هذه أكبرُ منَّة أنعَم الله بها على عباده؛ أنْ شرَع لهم من الدين خيرَ الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام، الذي شرعه الله للمصطَفَيْن المختارين من عباده، وهم أولو العزمِ من الرسل، المذكورون في هذه الآية، أعلى الخَلْق درجة، وأكملهم من كل وجه؛ فالدِّين الذي شرَعه لهم لا بد أن يكون مناسبًا لأحوالهم، موافقًا لكمالهم، بل إنما كملهم الله واصطفاهم بسبب قيامِهم به، فلولا الدين الإسلامي ما ارتفع أحدٌ مِن الخَلق؛ فهو روح السعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمنه هذا الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب؛ ولهذا قال: ﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ﴾ [الشورى: 13]؛ أي: أمَركم أن تقيموا جميعَ شرائع الدِّين، أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامتِه على غيركم..)[12].
فالله - عز وجل - اختار لنا الدِّين وارتضاه؛ ليكون واقعًا في حياتنا، فنعيش حياتنا بالإسلام في كل الأمور والنواحي؛ عبادات ومعاملات، عقيدة وأخلاقًا؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ﴾ [البقرة: 208]؛ أي: طبِّقوا شرائعَ الإسلام كاملة؛ أي: (في جميع شرائع الدِّين، ولا يتركوا منها شيئًا، وألا يكونوا ممن اتَّخَذ إلهه هواه؛ إن وافق الأمرُ المشروع هواه فعَله، وإن خالَفه ترَكه... )[13]، وكما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]؛ يقول القرطبيُّ - رحمه الله -: (وقال الحسَن: نُسكي: دِيني، وقال الزجَّاج: عبادتي، ومنه: الناسك الذي يتقرَّبُ إلى الله بالعبادة، وقال قوم: النُّسُك في هذه الآية: جميعُ أعمالِ الطاعات... ﴿ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي ﴾ [الأنعام: 162]؛ أي: حياتي ومَوْتي له)[14].
ومن هنا، فإن الإسلام دِينٌ يجب أن يقامَ في النفس وفي الغير، والوجوب هو وجوب عينٍ على مَن رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا ورسولاً؛ أن يلتزمَ به في كل حياته، وحركاته وسكناته، وأقواله وأفعاله.
وأن يلتزمَ به في بيته، ويُلزم به بيتَه، وأهله وعياله، ثم يسعى - قدر طاقته وقدرته - أن تكون حركةُ الحياة موافقة لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بها من عندِ الله عز وجل، وفي سبيلِ هذه الغاية ينفق المال، ويبذل الوقت، وتقدم المُهَج، وتزهق الأرواح؛ لكي - أو حتى - يكونَ الدين كلُّه لله، لا نِصفُه ولا أغلبه ولا بعضه.
وأساس الإسلام: التوحيد:
ففي حديث جبريلَ عليه السلام، لَمَّا سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام قال: ((الإسلام أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضانَ، وتحجَّ البيت... )).(وهذه رواية عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، وللحديث بقية).
وفي رواية لابن عمر رضي الله عنهما: "يا محمد، ما الإسلام؟ فقال: ((أن تعبد الله لا تشركُ به شيئًا..))"؛ الحديث.
وفي رواية ابن عباس رضي الله عنهما: ))الإسلام أن تسلِمَ وجهك لله، وتشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله... )).
هذا، والدعوة والجهاد في الإسلام من أجلِ إقرار التوحيد؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعَلوا ذلك عصَموا مني دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابُهم على الله))[15].
"والقرآن كله يدور حول التوحيد؛ فآيات القرآن إما إخبارٌ عن الله وصفاتِه ومخلوقاته وأفعاله وتدبيره، وإما أمرٌ ونهي، وهما من لوازمِ ربوبيَّته وقيُّوميته على خَلقه، وإما بيان للثواب بأنواعه، وإما بيانٌ للعقاب بأنواعه، وإما إخبار عن أحوال المكذِّبين الماضين، وهو بيانٌ لِمن خرَج عن مقتضى توحيدِه"[16].
من كتاب: "البصيرة في الدعوة إلى الله"
[1] المرجئة: وهم الذين يقولون: لا يضرُّ مع الإيمان معصية، وأن الإيمان مجردُ النطق باللسان، والجهمية: وهم الذين يزعُمون أن القرآن مخلوق، (وقد ظهرت في هذه الأيام الجهميةُ الجدد، ومنهم د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة الذي يحاول إثباتَ تداخل كلام الله وكلام البشر من خلال كلامه في أسباب النزول؛ (انظر: هموم الفكر والوطن، د. حسن حنفي، دار قباء للطباعة ط2، 1998م، ص 23، وذلك بغرضِ القول بأنسنةالوحي، ونقد النصوص القرآنية، وإسقاط قدسية القرآن...)، أما القدرية فهم القائلون بأن المشيئةَ والقدرةَ لهم؛ انظر: كتاب السنة، الإمام أحمد بن حنبل، مكتبة الإيمان، 1987م، ص 20).
[2] معارج القبول، المطبعة السلفية، ط3، 1404هـ، 1983.
[3] فتح المجيد، المكتبة السلفية، ط6، 1977.
[4] فتح المجيد، ص 87.
[5] المرجع السابق، ص 117 - 118.
[6] المدخل إلى علم الدعوة ص 182.
[7] معارج القبول، ص 12، والحديث أخرجه أحمد (1/ 319، رقم 2926).
[8] أصول الدعوة؛ د. عبدالكريم زيدان، ص 17.
[9] مدارج السالكين، المكتب الثقافي، ص102.
[10] للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي، أولي النهى للإنتاج الإعلامي، ص 706، ط1، 2000م.
[11] أصول الدعوة؛ د. عبدالكريم زيدان، ص 10.
[12] تيسير الكريم الرحمن ص 754.
[13] تيسير الكريم الرحمن ص 94.
[14] القرطبي، جزء 4، ص 2588.
[15] صحيح البخاري، (كتاب الإيمان رقم 25).
[16] أصول الدعوة ص 24.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم