عناصر الخطبة
1/ مفاسد إطلاق البصر في المحرمات 2/ تحريم النظر إلى الأجنبيات 3/ شبهة وردها 4/ الوسائل المعينة على غض البصراقتباس
نحن أحوج ما نكون في هذا العصر إلى غضّ البصر؛ إذ شاعت المشاهد المخجلة التي تذهب بالحياء، وانتشرت الممارسات المحرمة بين الجنسين في برامج المحادثة المختلفة على الإنترنت، وتخصصت بعض الفضائيات في الأفلام والأغاني المصورة الفيديو كليب المملوءة عريًا وفحشًا. وصار بعض الناس يقتنون القنوات الخاصة بالجنس، ويضعونها في غرف نومهم، وامتلأت أجهزة الجوالات بالأفلام الداعرة والصور الفاحشة، وكثر التبرج والتفسخ في الأسواق والحدائق والملاهي، وتجرأ الكثيرون على النظرة الحرام...
الخطبة الأولى:
يقول الله -عز وجل-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور : 30]، في أسباب نزول هذه الآية أن رجلاً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مر في طريق من طرقات المدينة، فنظر إلى امرأة ونظرت إليه، فوسوس إليهما الشيطان أن ينظر أحدهما إلى الآخر لا بشهوة، إنما ينظر أحدهما إلى الآخر إعجاباً كما يقول البعض اليوم: إنَّ الله جميل يحب الجمال، وأنا أنظر، ولكن قلبي نظيف، وبالطبع هذا كلام مرفوض.
قلنا: إن الرجل كان ينظر إلى المرأة، وكان يمشي إلى جنب حائط وهو ينظر إليها إذ استقبله الحائط فشق أنفه فقال: "والله لا أغسل الدم حتى آتي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره بأمري فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقص عليه قصته فنزل قوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30]، (قُلْ للمؤمنين) أمر إلهي ينفذ فوراً لا ينفذ مرة واحدة، ولكنه ينفذ بشكل مستمر؛ لأن هذا الأمر جاء بصفة الفعل المضارع يغضوا من أبصارهم، إنهم دائمون على غض البصر، إنهم مستمرون في غض البصر، فغض البصر شيء مستمر في حياة المؤمن.
أخي المسلم: مباح لك أن تنظر إلى وردة جميلة، وأن تمتع بها عينيك، مباح أن تنظر إلى شجرة باسقة نضرة اللون تمتع بها عينيك، مباح أن تنظر إلى منظر طبيعي خلاب تمتع به عينيك، ولكن النظر إلى هذه الأشياء الجميلة شيء، والنظر إلى امرأة لا تحل لك أو إلى غلام جميل بقصد الشهوة؛ فهذا شيء آخر محرم في شرع الله.
إنك إن نظرت إلى غزال وهو متناسق الخطوط، وله لون زاهٍ قريب من لون الذهب إنك لا تشتهي أن تضمّه، لم يودع فيك غريزة في الاقتراب من هذا الغزال، ولكنك إذا نظرت إلى امرأة فالموضوع موضوع آخر، فهذا الذي يدعي أنه ينظر ليرى آيات الله في خلقه هذه وسوسة من الشيطان؛ لأن الله هو الخالق وهو الحكيم وهو الخبير قال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور : 30]، أباح لك أن تنظر إلى كل المخلوقات ولم يبح لك أن تنظر إلى ما حرم الله عليك؛ لأن هذا النظر قد ينتهي إلى الزنا، وينتهي إلى اختلاط الأنساب وينتهي إلى تقويض الأسرة، وينتهي إلى ضياع المجتمع، وينتهي إلى الجناية وينتهي إلى الشقاء الزوجي.
وإطلاق البصر في الحرام حجابٌ عن الله -عز وجل-، في الطريق يطلق الإنسان بصره وفي الأسواق وعلى الشاشة، يطلق بصره في الإنترنت يطلق بصره، في المجلات المليئة بصور الفنانات، يطلق بصره في أجهزة الاتصال يطلق بصره.
أخي المسلم: أنت حينما تتجه بهذا الاتجاه قد لا تجد شيئاً مادياً يعاقبك، ولكنك حُجبت عن الله، وكلما ارتقى مقامك عند الله وجدت أن الحجاب عن الله -عز وجل- أكبر عقوبة تنزل بك.
قال شاب زلت قدمه فتوهم كما قال له شيخه: إن لكل سيئة عقاباً فبعد أن زلت قدمه، بدأ ينتظر العقاب من أسبوع إلى أسبوع آخر إلى أسبوع ثالث، لم يحدث شيء صحته جيدة، بيته، مركبته، زوجته، أولاده، وفي أثناء المناجاة قال: رب لقد عصيتك فلم تعاقبني، قال فوقع في قلبه أن يا عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ؛ ألم أحرمك لذة مناجاتي، ألا يكفيك هذه العقوبة، لذلك قال تعالى: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين: 14]، قال العلماء هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب والنتيجة (كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ) [المطففين : 15].
وإطلاق البصر يفسد حياة المؤمن، عن حذيفة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس".
وأدق ما في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصف السهم بأنه مسموم وأن النظرة سهم، هذا السهم إذا انطلق وغاب في طرف من أطراف الجسم؛ فإنه يجرح المكان الذي غاب فيه، ولكن السهم المسموم يسري في الجسد كُله فيفسد الجسم كله وتفسد الحياة كلها، وحينما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- النظرة بأنها سهم مسموم بمعنى من نظر إلى النساء الأجنبيات اللاتي لا يحل للرجل أن ينظر إليهن؟ إن هذه النظرة تفسد حياة الإنسان، وتفسد حياته الزوجية، وتفسد حياته في عمله تفسد طاقاته، تفسد انطلاقه، تفسد قبل ذلك عليه دينه.
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور : 30]، وتلاحظون في هذه الآية أن الله- سبحانه وتعالى- أمر بغض البصر قبل أن يأمر بحفظ الفرج، واستنبط العلماء أن حفظ الفرج أساسه غض البصر، أو أن غض البصر طريق إلى حفظ الفرج، وقد يقول قائل الله سبحانه قال: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) ولم يقل يغضوا أبصارهم وأن (من) هنا للتبعيض.
ونقول: صحيح، ما أمرك الله أن تغض البصر عن كل النساء بل أمرك أن تغض البصر عن بعض النساء، وهن الأجنبيات اللاتي لا يجوز لك أن تنظر إليهن، فلك أن تنظر إلى زوجتك وإلى أختك، وإلى أمك، وإلى ابنتك، وإلى بنت أخيك إلى بنت أختك إلى عمتك إلى خالتك، ومع ذلك إذا نظرت إليهن لا ينبغي أن تدقق في التفاصيل، انظر إليهن ولكن دون تدقيق أي نظرة إجمالية بلا بحلقة أو تفصيل، وبخاصة إذا كن يلبسن ألبسة ضيقة أو شفافة.
أما لو كانت امرأة أجنبية فحتى لو لمحتها دون قصد فغض من بصرك؛ لأن الأولى لك، والثانية عليك، عن جرير بن عبد الله سألت رسول الله عن نظرة الفجأة فأمرني فقال: "اصرف بصرك"؛ لأن ما زاد عن النظرة الأولى يدخل في قوله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19]، وقد يحاول الإنسان استراق النظر بدون أن يشعر الآخرين بذلك لكن الله وحده يعلم، يعلم لماذا نظرت وإلى أين نظرت، وأوضح مثال على ذلك الطبيب حينما سمح له الشرع أن ينظر إلى بعض أعضاء المرأة، فالله وحده وليس إلا الله يعلم خائنة عينه فهل نظر إلى المكان الذي ينبغي أن ينظر إليه أم زاغ البصر إلى مكان آخر (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ)، ما معنى ذلك أزكى لهم وأطهر، معنى أزكى، أي: إن توهمت أن في هذا النظر إلى المرأة الأجنبية مغنمًا أو متعة؛ فأنت واهم. إن زكاتك في غض البصر، إن طهر قلبك في غض البصر، وإن سعادتك في غض البصر، لهذا يقول لك ربُك خالقك (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ).
لذا مَن غض بصره عن الحرام أورثه الله حلاوة في قلبه إلى يوم يلقاه، قال بعض السلف: "من حفظ بصره أورثه الله نوراً في بصيرته"، نعم هناك شيء يقابل شيئاً ما من عبد يدع شهوة محببة إليه ابتغاء مرضاة الله، إلا ملأ الله قلبه إيماناً، وملأ قلبه سعادة، وملأ قلبه رضا، حينما تغض بصرك عن محارم الله يلقي الله في قلبك حلاوة تبقى معك إلى يوم تلقاه؛ لذلك ما كان الله ليعذب قلبا بشهوة تركها صاحبها في سبيل الله.
أما إن تركت العنان لبصرك تقلبه في الغاديات والرائحات في الشوارع والأسواق والشاشات والمجلات والإنترنت والجوالات وغير ذلك فأنت الخاسر الأكبر في كل ذلك لماذا؟ يقول الإمام ابن القيم: "من أطلق بصره دامت حسرته"، ويقول: "إن النظر يولد المحبة فتبدأ علاقة يتعلق بها القلب بالمنظور إليه، ثم تقوى فتصير صبابة ينصب إليه القلب بكليته، ثم تقوى فتصير غراماً يلزم القلب كلزوم الغريم الذي لا يفارق غريمه، ثم تقوى فيصير عشقا، وهو الحب المفرط، ثم تقوى فيصير شغفا، وهو الحب الذي قد وصل إلى شغاف القلب وداخله، ثم يقوى فيصير تتيماً وهو التعبد فيصير القلب عبداً لمن لا يصلح أن يكون هو عبداً له، وهذا كله جناية النظر فحينئذ يصير القلب أسيراً بعد أن كان ملكاً، ومسجوناً بعد أن كان مطلقاً، فيتظلم من الطرف ويشكوه والطرف يقول أنا رائدك ورسولك وأنت بعثتني، فيبتلى بطمس البصيرة فلا يرى به الحق حقا ولا الباطل باطلا والعياذ بالله".
قال أبو الطيب المتنبي:
وأنا الذي اجتلب المنية طرفه *** فمن المطالب والقتيل القاتل
وقال آخر:
ألم تر أن العين للقلب رائد فما *** تألف العينان فالقلب يألف
وقال آخر:
كسبت لقلبي نظرة لتسره *** عيني فكانت شقوة ووبالا
ما مر بي شيء أشد من الهوى *** سبحان من خلق الهوى وتعالى
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
في مؤتمر للإعجاز العلمي في القرآن عُقد قريباً بالكويت ذكر أحد المحاضرين أن الإنسان حينما يخضع لفحص جهاز خاص بفحص ذبذبات الخلية الكهربائية تتضح خطورة إطلاق البصر، وقد وضع أحدهم تحت هذا الجهاز، وأثير جنسياً بمنظر امرأة فاضحة في ثيابها، فبدأت تظهر أماكن الإثارة في الدماغ من مركز إلى مركز إلى مركز، واتضح أن هناك خمسة مراكز إثارة جنسية في الدماغ، فإذا استمر النظر وأتبع النظرة النظرة؟ تنتقل الإثارة من مركز إلى آخر فإذا وصلت هذه الإثارة إلى المركز الأخير فلابد أن يقع بفاحشة، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة أن النبي قال: " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ" (أخرجه البخاري).
وأجمل ما في هذه المحاضرة أن المرء حينما يغض بصره تتوقف الإثارة وخط الإثارة ينقطع، وعندئذ لا يحدث شيء.
نحن أحوج ما نكون في هذا العصر إلى غضّ البصر؛ إذ شاعت المشاهد المخجلة التي تذهب بالحياء، وانتشرت الممارسات المحرمة بين الجنسين في برامج المحادثة المختلفة على الإنترنت، وتخصصت بعض الفضائيات في الأفلام والأغاني المصورة الفيديو كليب المملوءة عريًا وفحشًا. وصار بعض الناس يقتنون القنوات الخاصة بالجنس، ويضعونها في غرف نومهم، وامتلأت أجهزة الجوالات بالأفلام الداعرة والصور الفاحشة، وكثر التبرج والتفسخ في الأسواق والحدائق والملاهي.
وتجرأ الكثيرون على النظرة الحرام، واستهانوا بخطرها رجالا ونساء، بل حتى من بعض كبار السن حتى أصبح الأمر ملاحظاً ومؤلماً لكل من في قلبه ذرة من إيمان ولكل هؤلاء نقول أدركوا أنفسكم ولا تستهينوا بأمر ربكم القائل لكم: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) [النور: 31]، (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور : 31].
لذا علينا أن نؤمن أولاً أن الله -سبحانه وتعالى- إذا أمرنا بأمر فهو يعود علينا بالمصلحة والمنفعة في الدنيا والآخرة إذا أمنا بذلك هان علينا تنفيذ الأوامر وتطبيقها.
من أجل ذلك أيها الإخوة يجب على الرجال والنساء غض البصر في جميع الأحوال إلا لغرض شرعي صحيح، وهو حالة الشهادة والمداواة والخطبة والمعاملة بالبيع والشراء وغيرها ونحو ذلك، وإنما يباح في جميع هذا قدر الحاجة دون ما زاد كما ذكر ذلك الإمام النووي في شرحه على صحيح الإمام مسلم (شرح مسلم 14/139).
أما الوسائل المعينة على غض البصر فمنها:
1- استحضار اطلاع الله عليك ومراقبة الله لك فإنه يراك وهو محيط بك فقد تكون نظرة خائنة لا يعلمها غيرك، لكن الله يعلمها (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19]، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: "هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر، فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره، وقد علم الله -عز وجل- منه أنه يود لو نظر إلى عورتها".
2- الاستعانة بالله والمثول بين يديه ودعائه (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].
3- أن تعلم أن كل نعمة عندك هي من الله –تعالى-، وهي تحتاج منك إلى شكر فنعمة البصر من شكرها حفظها عما حرم الله، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ) [النحل : 53].
4- مجاهدة النفس وتعويدها على غض البصر والصبر على ذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستعن يعنه الله، ومن يتصبر يصبره الله" (رواه البخاري).
5- العلم بأن جزاء غض البصر هو الجنة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة؛ اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وغضوا أبصاركم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم" (صحيح الترتيب الألباني 1901 صحيح الجامع 1018).
6- غض البصر يخلص القلب من ألم الحسرة؛ لأن من أطلق بصره دامت حسرته؛ لأنه ينظر إلى ما لا يستطيع الوصول إليه:
وكنت إذا أرسلت طرفك *** رائد لقلبك أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر *** عليه ولا عن بعضه أنت صابر
7- اجتناب الأماكن التي يخشى الإنسان فيها فتنة النظر، كالأسواق وأرصفة الطرقات، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الجلوس في الطرقات إلا بأداء حقها، وقال عن حق الطريق: "غض البصر، وكف الأذى" (البخاري ومسلم).
8- أن تعلم أنه لا خيار لك في هذا الأمر مهما كانت الظروف والأحوال، ومهما دعاك داعي السوء ومهما تحركت في قلبك العواطف والعواصف، فإن النظر يجب غضه عن الحرام في جميع الأمكنة والأزمنة، وليس لك أن تحتج بفساد الواقع ولا تبرر خطأك بوجود ما يدعو إلى الفتنة قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) [الأحزاب : 36].
9- الإكثار من نوافل العبادات؛ لأن الإكثار منها مع المحافظة على الفرائض سبب في حفظ جوارح العبد، قال الله تعالى: "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه" (البخاري).
10- صحبة الأخيار؛ فإن الطبع يسرق من خصال المخالطين، "والمرء على دين خليله"؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-، والصاحب ساحب.
11- دفع الخواطر والوساوس قبل أن تصير عزماً، ثم تنقل إلى مرحلة الفعل، فمن غض بصره عند أول نظرة سلم من آفات لا تُحصى؛ فإذا كرر النظر فلا يأمن أن يزرع في قلبه زرعًا يصعب قلعه؛ لذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- موصياً عليّ بن أبي طالب: "يا علي! لا تتبع النظرة النظرةَ؛ فإن لك الأولى وليست لك الآخرة".
اللهم احفظ علينا جوارحنا وأعنا على استخدامها فيما يرضيك عنا يا رب العالمين، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، اللهم صلّ على مَن بلّغ البلاغ المبين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم