عادل عبدالله هندي
من الواضح لكل مسلم أن هناك أبوابًا، مَن يلجُها فقد سار في طريق الحقِّ والخير والبِرِّ، وكذا في المقابل، فهناك أبواب هي من السوء بمكان، مَن يقتحمها فقد سار في طريق السوء والضلال.
ولقد تحدَّث كثيرٌ من العلماء الكرام عن أبواب الخير وطُرُقه، ولكني هنا - أخي القارئ الكريم - أحببتُ أن أجمع لك جزءًا من أجزاء عدة من أبواب الذنوب، وكما قيل:
عَرَفْتُ الشَّرَّ لاَ لِلشَّرْ رِ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ
وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ مِنَ النَّاسِ يَقَعْ فِيهِ
فهيا لنطلَّ من بعيد على بعض هذه الأبواب لتجنُّبها، في العبادات، والمعاملات، والسلوكيات، وأخطر الذنوب ما كانت في العبادات؛ ولكن قد يكون حديثي تلميحًا عن العبادات، ولكن بالنسبة للسلوكيات - وهي ما لا يهتم بها البعض - فدعْني أذكِّر نفسي وإياك ببعض أبواب الذنوب في المعاملات والسلوكيات.
الباب الأول من أبواب الذنوب
الكبر
لقد كانت أول كبيرة ارتُكبت منذ الخلق الأول، وكان أول ذنب عصي به: الكِبر والتكبُّر، وإن كثيرًا من الناس - يدرون أو لا يدرون - ينتابهم حالةٌ من الكبر بصورة عجيبة، يظن مركزَه المهني والوظيفي، أو قيمتَه المادية، أوصِلاتِه الاجتماعية - تجعله شيئًا ليس قبله ولا بعده.
والحقيقة غير ذلك، فمهما أوتيت أيها الإنسان، فلستَ إلا إنسانًا، وإن أعظم إنسان أوتي من الدنيا ما أوتي من أموال أو غير ذلك، فما هو إلا جزء من جناح بعوضة، هذا إذا كانت الدنيا أصلاً تساوي عند الله جناح بعوضة، فلماذا الكبر؟!
والمتكبر - أيها القارئ الكريم - ارتَكب ذنبًا عظيمًا، وولج بابًا خطيرًا من أبواب الذنوب والهلاك؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يقولُ اللهُ – تعالى -: الكِبرِياءُ رِدَائي، والعَظمَةُ إِزاري، فمَن نازعَنَي واحِدًا منها، ألقيتُهُ في جهنمَ ولا أبالي))؛ رواه الإمام مسلم.
والمتكبِّرون هم أول من تبحث النارُ عنهم يوم القيامة؛ أخرج الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يخرجُ مِنَ النارِ عُنُقٌ لهُ أُذنان تسمعانِ، وعينانِ تُبْصِرانِ، ولِسانٌ ينطقُ، يقولُ: وُكِّلْتُ بثلاثةٍ: بكلِ جبارٍ عنيدٍ، وبكلِ من دعا مع اللهِ إلهًا آخرَ، وبالمصورين))، فلنحذرِ الكبرَ أيها المسلمون، ولنتحلَّ بالتواضع، فما تواضع عبدٌ إلا رفعه الله.
الباب الثاني من أبواب الذنوب
عدم إكرام الضيف، والشح في الإكرام
لقد ساءت الظروفُ الاقتصادية بالفعل، ولكن هذا لا يعني خلع زيِّ التمسُّك بالأمور الأخلاقية والاجتماعية الفاضلة، من ديننا الحنيف؛ فبسبب ما نرى من ضيق المعايش، يضنُّ بعض الناس، وقد تصل لدرجة البخل والشح الخطير، ولخطورة ذلك ذكَّرت نفسي به؛ فإنما أهلَكَ مَن كانوا قبلنا: (الشحُّ وعدم الكرم).
ومن بين أبواب الذنوب: عدم القيام بواجب الضيافة على أكمل وجه؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر، فليُكرِمْ ضيفَه))؛ رواه البخاري ومسلم.
وحتى لا يعتقد معتقدٌ أن ما يبذله لضيفه تكرُّمٌ منه، أو عطف على مَن زاره؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: ((إن لزَوْرِك عليك حقًّا))؛ رواه البخاري ومسلم، ويُقر النبي - صلى الله عليه وسلم - سلمانَ الفارسي على قوله لأبي الدرداء: "إن لضيفك عليك حقًّا"؛ رواه الترمذي؛ أي: هذا واجب، فمَن تباطَأَ عن القيام بهذا الواجب، فقد ولج بابًا من الذنوب، فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
الباب الثالث من أبواب الذنوب
عدم تحديث النفس بالجهاد
إنه حتى لو مُنعْنا من الجهاد، أو لم يُفْتَح بابه، فإن من الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يحدِّث نفسه بالجهاد، ومن لم يحدِّث نفسه، ويتجهَّز بتربية نفسه وأولاده على أعلى معاني التضحية والبذل؛ لينتج جيلاً يحب الذبَّ عن الحُرُمات، فقد وقع في إثم عظيم، وفي عصرنا، ما أحوجَنا إلى هذه العبادة، وقد كثرت غزوات الأعداء على أمتنا وبلادنا!
ذكر الإمام مسلم - رحمه الله تعالى - في صحيحه: باب ذمِّ من مات ولم يغزُ ولم يُحدِّثْ نفسَه بالغزو، ثم ساق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من مات ولم يَغزُ، ولم يُحدث به نفسه، مات على شُعبةٍ من نفاقٍ))، ويقول الإمام النووي -رحمه الله-: "والمراد أن من فعل هذا، فقد أشبه المنافقين المتخلِّفين عن الجهاد، في هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شُعب النفاق".
فهل ترضى أيها المسلم أن تكون منافقًا لا يحبُّك الله ولا رسوله؟!
وللخروج من هذا الباب: هيا اخرج من دائرة حبس النفس عن التحديث، وابدأ الآن في تحديث نفسك بالجهاد النفسي، وانشر في الكون جهدك وجهادك بالمال، تكن من المسلمين المجاهدين، ولو متَّ على فراشك وبين أهلك وذويك.
الباب الرابع من أبواب الذنوب
"التكشيرة"
نرى كثيرًا من الناس يرسمون هذه "التكشيرة" على وجوههم، معتقدين أن البسمة تَذهب بوقار المسلم، أو أنه العابد الزاهد الورع، ونسُوا أن رسولهم، سيد البشر، وخاتم الأنبياء، كانت تعلوه بسمةٌ دائمة أمام أي أحدٍ يتحدث معه، أو يتعامل معه؛ ولذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((إنكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسطُ الوجه، وحُسن الخلق))؛ رواه مسلم.
والذين "يكشرون" يرتكبون ذنبًا عظيمًا، ليس في حق أنفسهم فقط؛ بل في حق البشرية؛ لأنهم بهذه الطريقة يرسمون صورةً خاطئة للمسلمين، فأولى لهم أن ينتبهوا أن "التكشيرة" ذنب، وعدم الابتسام منعٌ للخير، وشحٌّ في الصدقات؛ فالبسمة صدقة للمسلم؛ قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة))، وحتى لا يقول أحد: ماذا تفيد البسمة؟ أو هذا شيء يسير، ويستخف بها؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم: ((لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق))؛ رواه الحاكم والبيهقي في "شعب الإيمان".
الباب الخامس من أبواب الذنوب
رمي القاذورات في الشوارع وإيذاء الناس في طرقاتهم
يا الله! نحن إذا تكلمنا عن هذه المسألة حقيقةً لا بد أن نضع رؤوسنا في الأرض أمام غير المسلمين، لماذا؟ لأن هذا ليس من أخلاق المسلمين، الذين قال لهم نبيُّهم: ((أعطوا الطريق حقَّه))، وقال لهم: ((نظِّفوا أفنيتكم، ولا تشبَّهوا بالغير)).
إن الناظر في شوارعنا يرى العجب العجاب؛ بل أعجب من العجب: قاذورات في الطريق وأمام المنازل، ولا يشغل الذي يرمي القاذورات يتأذَّى أحد أو لا يتأذى، لا مشكلة! والعجيب أني منذ مدة كنت خارجًا من المسجد بعد صلاة الفجر، فوجدت رجلاً أو امرأة - لم يتبين لي جيدًا – المهم أنه رمى من شباك شقته كيسًا كبيرًا للقمامة، ودخل بسرعة مختبئًا كأنه خائف أن يراه أحدٌ من الناس! فهل استخفَّ هذا بربِّه الذي يراه، ويرى فعله السيئ؟! فليتَّقِ الله.
وإثبات أن هذا ذنبٌ لا يحتاج إلى كثرة تدليل، ولكن يكفي أن أذكِّر بحديث رسولنا الحبيب: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: (( إيَّاكم والجلوسَ في الطُّرُقات))، قالوا: يا رسول الله، ما لنا بُدٌّ من مجالسنا، نتحدَّث فيها، قال: ((فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريقَ حقَّه))، قالوا: وما حقُّه؟ قال: ((غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر))؛ متفق عليه.
وكف الأذى: هو كف اليد عن إيذاء الناس في شوارعهم، وحياتهم، وبيوتهم، سواء كان إيذاءً سماعيًّا، أو مرئيًّا، أو غير ذلك، والمسؤوليةُ عظيمة على هؤلاء المسؤولين عن الإعلام في بلادنا وهم يؤذوننا وأبناءنا ليلَ نهارَ، فليتَّقوا الله.
والإنسان منا يخرج من بيته، على قدميه، أو على سيارة، ويعلم أن عليه حقوقًا، وأن له حقوقًا، وهذه كثيرٌ من الناس يَغفُل عنها، يظنُّ الخروجَ من البيت مثل أي خروج، لا، الإنسان مكلَّف، ليس كالبهيمة؛ ولهذا ترى أن الإنسان إذا خرج، يخرج ذاكرًا لله - عز وجل - بالأذكار المشروعة، ثم بعد ذلك إن كان يريد أن يمشي، فعليه حقُّ السلام، وإزالة الأذى والقذى عن الناس، وما أشبه ذلك.
ومن بين صور أذية المسلمين في طرقاتهم - وأذكرها للحذر:
- ما يفعله بعض السفهاء من وقوفهم بالسيارات في وسط الشوارع.
- ومن ذلك: ما يفعله بعضهم من ترويع الناس وإزعاجهم بالعبث بالسيارات.
- ومن أذية المسلمين في طرقاتهم وتعريضهم للخطر: أن يتولى قيادةَ السيارات مَن لا يحسنون القيادة.
- ومن أذية المسلمين: الجلوس على الطرقات.
- ومن أذية المسلمين: تحويل الشوارع إلى ملاعب للكرة.
- ومن أذية المسلمين في الطريق: مخالفةُ بعض سائقي السيارات لأنظمة المرور وأصول القيادة.
الباب السادس من أبواب الذنوب
قطع الرحم
كثير من أبناء الإسلام مَن انسلخوا مِن الصلة الرحمية، وهى صلة في المقام الأول لخالق البشرية، ولكن الكثير – إلا من رحم الله - استخفُّوا بقيمة صلة الرحم، فأذنبوا ذنبًا عظيمًا؛ فهذا قطع رحم أمه، أو أبيه، أو إخوانه، أو جيرانه، أو صديقه في العمل، وأحيانًا يقطع صلته بولده أو زوجته! ما هذا الذي نمرُّ به في مجتمعاتنا؟! نسأل الله السلامة.
وهذا الذنب يكون بالآتي: بهجر الأرحام، والإعراض عن الزيارة المستطاعة، وعدم مشاركتهم في مسرَّاتهم، وعدم مواساتهم في أحزانهم، كما تكون بتفضيل غيرهم عليهم في الصِّلات والعطاءات الخاصة، التي هم أحقُّ بها من غيرهم؛ ولذا جاء التحذير القرآني: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23]، قال علي بن الحسين لولده: "يا بني، لا تصحبَنَّ قاطِعَ رحم؛ فإني وجدتُه ملعونًا في كتاب الله".
ولأنه ذنب خطير، كان من أعظم العقوبات التي يُعاقَب بها قاطعُ الرحم، أن يُحرَم من دخول الجنة؛ فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل الجنةَ قاطعٌ))؛ رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلْيَصِلْ رحمه))؛ متفق عليه.
وصلة الرحم تكون بأمور متعددة، فتكون بـ:
- زياراتهم.
- والإهداء إليهم.
- والسؤال عنهم.
- وتفقُّد أحوالهم.
- والتصدُّق على فقيرهم.
- والتلطُّف مع غنيهم.
- واحترام كبيرهم.
- وتكون كذلك باستضافتهم، وحسن استقبالهم.
- ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أحزانهم.
- كما تكون بالدعاء لهم، وسلامة الصدر نحوهم.
- وإجابة دعوتهم، وعيادة مرضاهم.
- كما تكون بدعوتهم إلى الهدى، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر.
ومَن احترس عن مثل هذا الذنب، فليعلم أن صلة الرحم سببٌ لمغفرة الذنوب، إضافةً إلى أنه لم يقع في ذنب، فسيغفر له.
ويقول ابن أبي حمزة: "تكون صلة الرحم بالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء"، وقال النووي: "صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول؛ فتارة تكون بالمال، وتارة تكون بالخدمة، وتارة تكون بالزيارة والسلام، وغير ذلك".
وهكذا إخواني الكرام، حاولت تقديم بعض الأبواب الخطيرة للذنوب الضارة في الدنيا والآخرة، وما زال الحديث متواصلاً، وإلى لقاء قادم مع حصر آخر لأبواب أخرى من الذنوب، التي يجب الحذر منها.
وأختم مرة أخرى بقول الشاعر:
عَرَفْتُ الشَّرَّ لاَ لِلشَّرْ رِ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ
وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ مِنَ النَّاسِ يَقَعْ فِيهِ
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم