منهج أهل السنة في الخلق

ناصر بن محمد الأحمد

2013-02-23 - 1434/04/13
عناصر الخطبة
1/ الدين هو الخُلُق 2/ الفصام النكد بين العلم والعمل 3/ دعوة الإسلام إلى مكارم الأخلاق 4/ مكانة الأخلاق في عقائد أهل السنة 5/ الدين المعاملة

اقتباس

المتأمل في حياتنا نحن المسلمين في هذه العصور المتأخرة على اختلاف درجاتنا في الاستقامة والإيمان ليلاحظ انفصالاً كبيراً بين الجانب العلمي النظري والجانب السلوكي الأخلاقي؛ حيث أصبح من المعتاد أن يرى... أيها الإخوة المسلمون: يخطئ كثير من المسلمين في مفهوم الأخلاق الإسلامية فيظنون الخلق محصوراً في الابتسامة ولو كانت صفراء وفي الكلمة الطيبة فقط ولو كانت مداهنة ونفاقاً وهذا كله لا

 

 

 

 

إن الحمد لله..

أما بعد: أيها المسلمون: فإنه لم يعد خافياً على كل مسلم يريد لنفسه النجاة في الدنيا والآخرة أن التزام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح هو سفينة النجاة.

وإنّ المتأمل في حياتنا نحن المسلمين في هذه العصور المتأخرة على اختلاف درجاتنا في الاستقامة والإيمان ليلاحظ انفصالاً كبيراً بين الجانب العلمي النظري والجانب السلوكي الأخلاقي؛ حيث أصبح من المعتاد أن يرى الإنسان أحياناً من نفسه أو من بعض إخوانه حتى الصالحين منهم بعداً في كثير من الجوانب الأخلاقية، فمن اللازم إذن عن طرح منهج السلف والدعوة إليه أن يطرح بشكل شامل فيتضمن العقيدة والفقه، والسلوك والأخلاق، فكما أنه لا يقبل من أحد أن يلتزم بأخلاق السلف ويترك معتقدهم، فكذلك لا يسوغ لأحد أن يعتقد معتقدهم ويترك الالتزام بسلوكهم وأخلاقهم، ولو أننا رجعنا إلى سيرة السلف الصالح لوجدنا خير مثال للمنهج المتكامل.

أيها الإخوة: إننا إذا أدركنا هذا الأمر والتزمنا به فسوف تختفي من حياتنا وبإذن الله تلك الصور والمواقف المتناقضة، نعم إننا لن نجد شخصاً يعتقد عقيدة السلف في التوحيد ومحاربة البدع، ثم هو في نفس الوقت يخالف سلوكهم باقترانه أنواعاً من الظلم والأخلاق المبتذلة، والحقد والشحناء واتباع الهوى.

ومما يؤيد أهمية الجانب الأخلاقي في منهج السلف أن العلماء الجهابذة الذين ألفوا في العقيدة ضمنوا كتبهم كثيراً من الجوانب السلوكية والأخلاقية، ومن ذلك مثلاً ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: "ثم هم (أي أهل السنة) يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة، حتى قال رحمه الله: ويحافظون على الجماعات، ويدينون بالنصيحة للأمة ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً" وشبك بين أصابعه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

ويأمرون بالصبر عند البلاء والشكر عند الرخاء، والرضا بمُر القضاء ويدعون إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلقاً" ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفاسفها.

فانظر رحمك الله كيف كان السلف يفهمون الشمول في الدين والمعتقد وقال الإمام أبو عثمان الصابوني المتوفى سنة 449هـ في كتابه عقيدة السلف وأصحاب الحديث، قال رحمه الله واصفاً أهل السنة والجماعة: "ويتواصون بقيام الليل للصلاة بعد المنام، وبصلة الأرحام على اختلاف الحالات، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين والتعفف في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمصرف والسعي في الخيرات، واتقاء شر عاقبة الطمع، ويتواصون بالحق والصبر". انتهى كلامه رحمه الله. فأين الذين يدعون إلى منهج السلف عن هذا السلوك وهذه الأخلاق.

أيها الأحبة في الله: إن الأمة الإسلامية بالإضافة إلى ما تعيشه من تخبط عقدي وتأخر دنيوي فإنها تعيش أزمة كبرى في الجانب الخلقي، ومصيبةً عظمى في الجانب السلوكي.

معاشر المسلمين إن للأخلاق مكانة كبيرة في ديننا الإسلامي والقرآن الكريم لم يثن على خير الرسل محمد صلى الله عليه وسلم بأكثر من أن قال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4] والنبي صلى الله عليه وسلم يلخص رسالته فلا يزيد أن يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ولا يعني هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بُعث للناس من أجل تحسين أخلاقهم فقط، إنما كان أصل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للتوحيد وحتى يعبد الله وحده لا شريك له، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد التنبيه على أن من أعظم مهمات الرسل توجيه الناس إلى الأخلاق الحسنة والسلوك القويم. ولذا فقد قال صلى الله عليه وسلم مرغباً أمته في الأخلاق الفاضلة: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن"، وقال صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق".

ولا عجب أيها الإخوة إن رأينا عالماً مثل ابن القيم رحمه الله يقول: "الدين هو الخُلُق. فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين".

أيها الإخوة: إن الدين لا يقف عند حد الدعوة إلى مكارم الأخلاق وتمجيدها فقط، لكنه أرسى قواعدها، وحدد معالمها وضبط مقاييسها، فكل خلق حسن إنما جاء به الإسلام، وكل خلق سيء فقد نهى عنه الإسلام، وإن فهم هذا الأمر كفيل لكل مسلم بأن يستزيد من فقه الكتاب والسنة وأن يتأمل في النصوص الشرعية، وفي نفس الوقت لابد له أن يعلو بإيمانه، ويسمو مفتخراً بانتسابه إلى هذا الدين فلا يبحث عن الأخلاق عند أقوام وصفهم الله بأنهم أضل من الأنعام.

إننا نعلم أن بعض الكفار قد يتصف ببعض الصفات الحسنة التي يرجو ثوابها في الدنيا وهي لا تنفعه في الآخرة لأنه لم يؤمن بالله حق الإيمان والله يقول في حق هؤلاء: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23]، ولكن هذا لا يسوِّغ لمسلم بين يديه وحي من السماء فيتركه باحثاً عن الهدى في غيره.

وإن الناظر إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ليرى عجباً، وعلى تلك الأخلاق الفاضلة تربى الصحابة على يديه صلى الله عليه وسلم فانتج للأمة جيلاً لن يتكرر فجيل الصحابة بحق أسطورة يعجز المرء عن وصفها.

أيها الإخوة المسلمون: يخطئ كثير من المسلمين في مفهوم الأخلاق الإسلامية فيظنون الخلق محصوراً في الابتسامة ولو كانت صفراء وفي الكلمة الطيبة فقط ولو كانت مداهنة ونفاقاً وهذا كله لا يصلح تفسيراً للأخلاق، إنما الأخلاق هي بمفهومها الشامل كل ما جاء به الإسلام من تنظيم علاقة الإنسان بغيره، وهذا لن تجده إلا في الإسلام، وإن عدم الفهم الصحيح للأخلاق وحصرها في بعض الجوانب أورث شعوراً عند بعض المسلمين بأن الكفار أو الغرب خاصة لديهم أخلاق أفضل من المسلمين وهذا أمر لا يجوز اعتقاده، لأن مما ينقض الأخلاق من أصولها تلك الحياة الغربية التي تقوم على العبودية المنحطة وإن سموها حرية، لأنهم يعبدون المال ويعبدون النساء والشهوة الجنسية فهم يعيشون إباحية متناهية لا يضبطها نظام ولا يردعها قانون.

إننا لن نقبل على قيمنا الإسلامية، ولن نعرف كيف نستقي منهج حياتنا كاملاً إلا إذا نظرنا إلى القرآن الذي بين يدينا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نظرة الذي بلغ به العطش مبلغه فهو يروي عطشه من ماء بارد زلال لا يرض عنه بديلاً، ومن ثم فسيدرك كل مسلم أنه كان في غفلة عن وحي ربه، وإن كنت أخي المسلم ممن فاتك شيء من هذه الفرص فاستدرك اليوم ما فاتك وإنما الأعمال بالخواتيم.

بارك الله لي ولكم في القرآن..

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله:

أما بعد: أيها المسلمون: إن الحديث عن الأخلاق لأمر سهل، لكنّ الأمر ليس مجرد كلام، وإنه لا يعرف أن أحداً وصف بحسن الأخلاق لأنه يعرف الأخلاق، إذاً أيها الأخوة نقف مع الخطوة الأولى من العلاج وهي أن نشعر جميعاً بلا استثناء أننا بحاجة إلى أن نتربى على أخلاق الإسلام ومن ثم نأتي البيوت من أبوابها فنفتش عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً خلقاً، ومن بعده سلفنا الصالح فنأخذ مما أخذوا ونسير كما ساروا، ولقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".

أيها الأخ المسلم حاسب نفسك قليلاً، واسألها أي رصيد تملك من أخلاق أهل الإسلام واعرض نفسك على ما سأذكره لك من أخلاق عملية أوصى بها أحد أسلافنا الصالحين، فقد قال يحيى بن معاذ رحمه الله ذاكراً ما يجب أن يكون عليه المؤمن من خلق فقال رحمه الله: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الخير، قليل الفساد صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل قليل الفضول، كثير البر للرحم وصولاً وقوراً شكوراً كثير الرضا عن الله إذا ضيق عليه الرزق، حليماً رفيقاً بإخوانه، عفيفاً شفوقاً – لا لعاناً ولا سباباً ولا عياباً ولا مغتاباً ولا نماماً ولا عجولاً ولا حسوداً ولا حقوداً ولا متكبراً ولا معجباً ولا راغباً في الدنيا ولا طويل الأمل ولا كثير النوم والغفلة ولا مرائياً ولا منافقاً ولا بخيلاً، هشاشاً بشاشاً، يحب في الله ويبغض في الله ويرضى في الله ويغضب لله زاده تقواه وهمته عقباه وجليسه ذاكره وحبيبه مولاه وسعيه لآخراه، فاعلم ذلك يا أخي وفتش نفسك قبل موتك وابك عليها إن وجدت فيها أخلاق المنافقين.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت اللهم آت نفوسنا..

 

 

 

 

المرفقات

أهل السنة في الخُلُق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات