عناصر الخطبة
1/أهمية العلم وفضله 2/مكانة العلماء ومنزلتهم 3/وجوب تقدير العلماء واحترامهم 4/التحذير من سب العلماء والطعن فيهماقتباس
إذا كانت النجوم أماناً للسماء، فإذا تساقطت هلكت وتشققت، وزال نظامها، فكذلك علماء الشريعة أمان لأهل الأرض من الهلكة والزيغ لمن قبل عنهم، وأخذ منهم، فإذا لم يبق عالم، هلك الناس في دينهم، وإذا تمت هلكتهم أتاهم من الله ما يوعدون، فإن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، حين...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن العلم الشرعي هو ميراث النبوة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذا الأنبياء من قبله لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، كما قال صلى الله عليه وسلم.
العلم الشرعي هو غيث القلوب الذي به حياتها وصحتها وشفاؤها من اسقامها.
العلم الشرعي هو الدليل الهادي إلى رضوان الله.
لذا كان حملته القائمون به عملاً ودعوة وصبراً هم خير الناس بعد الأنبياء؛ لأنهم القائمون مقامهم في البيان والتعليم والدعوة والنصح.
ولعظم مهمتهم نوه الله بشأن العلماء، علماء الشريعة، علماء السنة، فقال تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران: 18].
فاستشهد بهم مع شهادته لنفسه، وشهادة ملائكته على أعظم مشهود عليه، وهو أنه لا يستحق العبادة أحد سواه، ولو كان في هذا المقام خيراً منهم لاستشهد بهم عنهم.
وشهد لهم بالخشية الكاملة النافعة الموافقة لمرضاته، فقال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].
وسأل جل وعلا سؤال منكِر، فقال سبحانه: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر: 9].
وترك الجواب؛ لأنه معروف معلوم أنهم لا يستوون.
وإذا كانت النجوم في السماء هدى للسائرين، وزينة للناظرين، ورجوماً للشياطين، فكذلك علماء السنة جعلهم الله هدى للأمة إليهم يرجعون، وعن فتواهم يصدرون؛ لأنهم بكتاب الله يحكمون، وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ينطقون.
أحال الله إليهم أمة الإسلام، فقال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 43].
وهم كذلك زينة في الأرض، فما أحسن البلدة التي فيها عالم يحيى الله به القلوب، ويفتح به البصائر، ويبين للناس معاني ما أنزل الله في كتابه، وفي سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يجيب السائلين، ويعلم الجاهلين، ويذكر الغافلين، ينتفع الناس بخلقه وهديه وعمله كما ينتفعون بقوله وكلامه وقلمه.
وهم كذلك رجوم لضُلّال وضلالات الإنس، ومكايد ووساوس الجن، ما من بدعة ينطق بها مبتدع إلا رجموا بدعته بالشهب الثاقبة من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وآثار السلف الصالح، لا يداهنون صاحب سلطان لسلطانه، ولا يحابون صاحب قرابة لقرابته، ولا يهابون صاحب بأس لبأسه، قد أرخصوا نفوسهم وأعراضهم وحظوظهم من الدنيا في ذات الله.
هم أرحم الناس بالناس، وأشفق الناس على الناس، لذا يجهدون في بيان الهدى، ويتحملون ما يصيبهم منهم من الأذى.
وإذا كانت النجوم أماناً للسماء، فإذا تساقطت هلكت وتشققت، وزال نظامها، فكذلك علماء الشريعة أمان لأهل الأرض من الهلكة والزيغ لمن قبل عنهم، وأخذ منهم، فإذا لم يبق عالم، هلك الناس في دينهم، وإذا تمت هلكتهم أتاهم من الله ما يوعدون، فإن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق، حين يقبض العلم الشرعي، فلا يبقى له أثر ولا عين.
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" [متفق عليه].
فالواجب على الأمة احترامهم وتوقيرهم، وتقديرهم ومعرفة قدرهم، لما معهم من الميراث النبوي، ولما يحملون من العلم الشرعي، فإن ذلك من أسباب سعادتها، واجتماعها وصلاح أمر دينها ودنياها.
بارك الله لي ولكم في القران العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولي المتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى أله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن مما يجب على الأمة الإسلامية أن تحذر منه غاية الحذر: أن تسمح لأحد فيها من أبنائها، أو من غيرهم، أن يتطاول على العلماء، وأن يستخف بهم، أو ينتهك أعراضهم، بتكفير أو تضليل أو تفسيق؛ لأن تكفير العلماء أو تضليلهم أو اتهامهم بالعمالة أو الخيانة أو المداهنة، يعني انصراف الناس عن الميراث النبوي الذي يحملونه، وإذا انصرف الناس عن علماء السنة تلقفهم الجهال، وأصحاب الأهواء والبدع والخرافات، فأضلوهم الضلال الواضح، وقطعوا الصلة بينهم وبين السلف الصالح.
وذلك يعني التفرق في الدين، ومخالفة سبيل المؤمنين، وسلوك سبل الهالكين الذين توعدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنار وبئستِ النارُ من دار.
والتعامل مع العلماء بهذه الطريقة، هي طريقة أعداء الرسل، فإنهم عادوهم وسفهوهم وكذبوهم، ونبزوهم بأسوء الألقاب، وصفوهم بأقبح الأوصاف، فورث أهل البدع على اختلاف مشاربهم من المشركين، هذه الطريقة مع ورثة الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، فسفهوا أهل العلم، وأساؤوا بهم الظن، وأطلقوا عليهم ألقاب التشويه والتقبيح، لينفروا الناس عنهم.
هكذا فعل الخوارج مع علماء الصحابة، وهكذا فعل المعتزلة مع علماء التابعين، وهكذا فعل أهل التصوف مع علماء السنة، وهكذا يفعل اليوم أهل البدع والأهواء، ولا سيما من أهل التكفير مع علمائنا -رحمه الله- أمواتهم وحفظ أحياءهم.
فعلى المسلمين عامة وعلى الشباب خاصة، وعلى شباب هذا البلد خاصة، أن يحذروا ممن يشككهم في علمائهم، ويحاول جاهداً أن يقطع الصلة بينهم وبينهم، فما أرادوا إلا صرفكم عن السنة، وما أرادوا إلا جركم لأوحال الفتنة، وإيقاعكم في شراك فتنة الخروج والتكفير، واستحلال دماء المسلمين.
نسأل الله أن يحفظ ولاة أمرنا، وعلمائنا وبلدنا من كل سوء، وأن يحفظ بلاد المسلمين كافة من كل فتنة، إنه سميع مجيب الدعاء.
اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم احفظ إمامنا خادم الحرمين الشريفين بحفظك، وألبسه ثياب الصحة العافية، اللهم احفظ ولي عهده والنائب الثاني، ووفقهم لما فيه صلاح البلاد والعباد، واهدهم سبيل الرشاد.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم فرج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم